محللون: إسرائيل تستثمر هشاشة الوضع بسوريا لفرض وقائع ميدانية جديدة
تاريخ النشر: 3rd, May 2025 GMT
اتفق محللون وخبراء سياسيون على أن إسرائيل تسعى لاستغلال هشاشة الوضع السوري لفرض وقائع ميدانية جديدة، عبر ضربات عسكرية متكررة وتحريض طائفي يستهدف تفكيك البنية الداخلية للدولة الناشئة، مؤكدين أن تل أبيب تستغل ورقة الدروز كورقة ابتزاز في مواجهة السلطة الجديدة.
وأشاروا إلى أن الغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة على محيط القصر الرئاسي السوري، رغم تزامنها مع اتفاق تهدئة محلي، تحمل أبعادا إقليمية تتجاوز حدود سوريا، وتستهدف أيضا إحباط أي تقارب عربي أو تركي مع دمشق في مرحلة ما بعد الحرب.
وقال الدكتور مراد أصلان، أستاذ السياسات الدولية بجامعة حسن كاليونجو، إن تركيا تراقب بقلق التطورات الجارية في سوريا لكنها ترفض الانجرار إلى صدام مباشر مع إسرائيل، لما في ذلك من تهديد لمصالحها الإستراتيجية وإمكانية تفجير الإقليم بأكمله.
وأوضح في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث" أن أنقرة تتعامل مع الأمر بعقلانية، وتسعى إلى تعزيز دورها من خلال دعم الحكومة السورية الجديدة بالمشورة والتدريب والتعاون الأمني غير المباشر، دون التورط في صدام قد يضعها في مواجهة واشنطن أو يعرقل تفاهماتها الإقليمية.
واعتبر أصلان أن تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء مثل استهداف الجنود الأتراك بشكل مباشر قد يغير قواعد اللعبة، إلا أن الخيارات التركية الحالية تنحصر في التنسيق السياسي وتثبيت النفوذ الناعم عبر التفاهمات الأمنية والاقتصادية مع دمشق.
إعلانوأضاف أن الحكومة التركية تنتظر تبلور اتفاق واضح مع السلطة السورية لتوسيع تدخلها العسكري، مؤكدا أن التحركات التركية تخضع لحسابات دقيقة تتعلق بملفات كردية وأمنية متداخلة، إلى جانب مراقبة موقف الولايات المتحدة من الملف السوري.
خطة مدروسةفي السياق ذاته، رأى الدكتور كمال عبدو، عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال السوري، أن إسرائيل تنفّذ خطة مدروسة تستند إلى تجريد الجنوب السوري من السلاح، وتحويله فعليا إلى منطقة عازلة تخضع لهيمنتها الأمنية والعسكرية.
وقال عبدو إن تل أبيب لا تسعى إلى ضم جغرافي مباشر، بل إلى فرض نوع من الوصاية الأمنية على نقاط حاكمة قرب الجولان، كما تفعل في جنوب لبنان وقطاع غزة، مستغلة بذلك الصراعات الداخلية السورية وضعف التنسيق العربي في مواجهتها.
واعتبر أن تل أبيب ستقبل بأي نظام في دمشق يلتزم بشروطها، لكنها إن فشلت في دفع دمشق نحو تفاهمات مرْضية، فهي مستعدة للمضي نحو تثبيت واقع احتلالي جزئي، تبرره بدعوى حماية الأقليات وتأمين الحدود الشمالية.
وأشار إلى أن إسرائيل تحاول توظيف الانقسامات داخل المكون الدرزي من أجل تهيئة بيئة تشرّع تدخلها العسكري والسياسي، مستغلة عدم التوافق بين القيادات الدينية والعسكرية داخل الجبل، وغياب رؤية موحدة لموقفهم من الدولة السورية.
عدو مريحووفق الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي المتخصص في الشأن الإسرائيلي، فإن إسرائيل اعتادت التعامل مع نظام بشار الأسد بوصفه "عدوا مريحا"، بينما تنظر إلى السلطة السياسية الجديدة في دمشق بعين الشك وتتعامل معها كتهديد غير قابل للتنبؤ.
وأوضح أن تل أبيب ترى في صمت القيادة السورية الجديدة تجاه الاعتداءات خطرا يفوق التصريحات العدائية، معتبرة أن غموض مواقفها قد يخفي تحولا إستراتيجيا غير متوقع، ما يدفع إسرائيل إلى الاستمرار في الضربات الاستباقية.
إعلانوأشار إلى أن السلطة الجديدة ما زالت في طور التقييم الإسرائيلي، لكن ضرب محيط القصر الرئاسي جاء بمثابة رسالة تحذيرية مفادها أن إسرائيل قادرة على تغيير المعادلة متى شاءت، خصوصًا بعد انهيار منظومات الردع التقليدية في المنطقة.
وأضاف أن ورقة الدروز لا تُستخدم فقط للضغط على دمشق، بل أيضا لاحتواء التململ الداخلي في إسرائيل، خاصة بعد تهديد شباب الدروز بوقف التجنيد إذا استمرت حكومة بنيامين نتنياهو في تجاهل ما يصفونه بـ"اضطهاد" الطائفة في سوريا.
واستبعد مصطفى أن تكون إسرائيل بصدد تنفيذ عملية عسكرية كبيرة حاليًا، لافتا إلى أنها لا تملك القدرة على فتح جبهات متعددة، وأن ضرباتها تحمل طابعًا دعائيا وأمنيا أكثر من كونها مقدمة لاجتياح فعلي.
تفكيك المنطقةمن جهته، شدد الدكتور لقاء مكي، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، على أن إسرائيل تسعى إلى تفكيك المنطقة انطلاقا من سوريا، مستفيدة من الانقسام المجتمعي وضعف مؤسسات الدولة، ومحاولة استباق أي مشروع تعافٍ وطني شامل.
واعتبر مكي أن تل أبيب تهيئ الميدان لمتغيرات إستراتيجية قد تسبق مواجهة إيرانية شاملة أو انفجارا جديدا في غزة، مشيرا إلى أن إسرائيل لم تعد تعوّل على الاتفاقات بقدر ما تراهن على سحق الخصوم وإضعافهم بشكل دائم.
وحذر من أن استمرار العبث الإسرائيلي في الملف الدرزي قد يحوّله إلى قنبلة موقوتة، نظرا لتموضعه الجغرافي قرب العاصمة وتداخلاته السياسية، لافتا إلى أن إسرائيل قد تستخدم هذه الورقة بشكل خاطئ يؤجج النزاعات الداخلية بدل احتوائها.
وشدد مكي على ضرورة تحرك عربي مشترك يضمن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، ويدفع باتجاه حماية وحدتها واستقرارها، مؤكدا أن المنطقة بأسرها معرضة للانهيار إذا لم يتم احتواء العدوان الإسرائيلي وتداعياته.
وقال إن سوريا لم تعد تملك وحدها القدرة على مواجهة هذه التحديات، وإن الدور التركي والعربي هو الضامن الحقيقي لوحدة الدولة، والحاجز الأخير أمام مخطط تفتيت الشرق الأوسط عبر البوابة السورية.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أن إسرائیل أن تل أبیب إلى أن
إقرأ أيضاً:
محللون: لبنان يريد نزع سلاح حزب الله لكنه لا يضمن إسرائيل
لا تبدو الحكومة اللبنانية قادرة على نزع سلاح حزب الله في ظل غياب أي ضمانات بعدم تعرض البلاد لاعتداءات إسرائيلية جديدة، وهو ما يجعل احتمال العودة للتصعيد أمرا قائما خلال الفترة المقبلة.
فالولايات المتحدة التي لا تتوقف عن مطالبة لبنان بنزع سلاح الحزب، لا تقدم أي ضمانات بعدم وقوع اعتداءات إسرائيلية على لبنان، ولا تلزم الجانب الإسرائيلي بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مسبقا.
ففي حين ترفض إسرائيل الانسحاب من المناطق التي دخلتها في جنوب لبنان خلال المواجهة الأخيرة، ولا تتوقف عن ضرب أهداف في الأراضي اللبنانية، أكد المبعوث الأميركي توم براك ضرورة تجريد حزب الله من سلاحه في أقرب وقت ممكن وطالب الحكومة بتنفيذ المطلوب بدل الاكتفاء بالكلام.
وقد أكدت الرئاسة اللبنانية أن البلاد تمر بمنعطف خطير يقتضي حصر السلاح بيد الدولة، وأنها على تواصل مع الحزب بشأن هذا الملف، لكنها قالت إنها تحرز تقدما بطيئا في هذا الملف.
في المقابل، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أنه لا مجال للحديث عن نزع السلاح قبل رحيل قوات الاحتلال عن الأراضي اللبنانية، وإلزام إسرائيل ببنود اتفاق وقف إطلاق النار المبرم نهاية العام الماضي. كما قال قيادي بالحزب إن الولايات المتحدة تحاول تجريد لبنان من قوته.
ومن المقرر أن تبدأ الحكومة اللبنانية بحث ملف نزع سلاح الحزب الثلاثاء المقبل، لكنّ هذا لا يعني بالضرورة عزمها المضي قدما في هذا الملف الذي سيجد إشكالية كبيرة في نقاشه، كما يقول الكاتب الصحفي نيقولا ناصيف.
ورغم عدم ممانعة رئيس مجلس النواب نبيه بري مناقشة نزع سلاح الحزب، فإن هذا لا يعني وجود توافق على هذا الأمر لأن الحكومة تتكون من 3 أطراف أحدها معتدل بينما الآخران لن يوافقا على هذه المسألة أبدا، وفق ما أكده ناصيف خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر".
إعلانالأمر الآخر المهم الذي تحدث عنه ناصيف، يتمثل في أن أعضاء الحكومة يعودون إلى انتماءاتهم السياسية فور خروجهم من مجلس الوزراء، مما يعني أن مناقشة نزع سلاح الحزب يأتي في إطار التزام حكومة نواف سلام، بما أقسمت عليه عند توليه مقاليد الأمور.
ولا يمكن لحزب الله ولا لحكومة لبنان القبول بنزع السلاح ما لم تحصل بيروت على ضمانات أميركية فرنسية والتزامات إسرائيلية واضحة بعدم وقوع أي اعتداءات مستقبلا، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة.
لذلك، فإن حكومة نواف سلام تتفهم مخاوف الحزب ولن تقبل بحصر السلاح في يد الدولة التي تعرف أنها لن تكون قادرة على حماية البلاد من أي عدوان مستقبلي ما لم تكن هناك ضمانات واضحة بهذا الشأن، برأي ناصيف، الذي قال إن التاريخ مليء بالدروس المتعلقة بالتعامل مع إسرائيل.
في الوقت نفسه، فإن هناك تطابقا كاملا بين موقفي حزب الله وحركة أمل فيما يتعلق بمسألة نزع السلاح، ولا يمكن الحديث عن خلاف جوهري بينهما في هذه المسألة.
وبناء على هذا التطابق، فإنه من غير المتوقع أن يقبل الطرفان بالقفز على اتفاق وقف إطلاق النار والمضي نحو نزع السلاح بينما لم تلتزم إسرائيل بما عليها من التزامات حتى اليوم، كما يقول الباحث السياسي حبيب فياض.
التصعيد خيار محتمل
وفي ظل هذا التباعد في المواقف، تبدو احتمالات التصعيد كبيرة لأن الأميركيين يريدون وضع لبنان بين خيارين كلاهما سيئ، فإما أن يستسلم لشروط إسرائيل وإما أن يُترك وحيدا لمواجهة مصيره ووقف كل المساعدات التي يعول عليها في إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد.
وحتى لو قدمت الولايات المتحدة ضمانات مستقبلية، فإن حزب الله وحركة أمل لا يمكنهما القبول بتسليم السلاح وفق الشروط الأميركية الإسرائيلية وهو ما يعني -برأي فياض- إمكانية العودة للتصعيد الذي قد يصل في مرحلة ما إلى مواجهة شاملة.
في المقابل، يرى الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن الدولي كينيث كاتزمان، أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تريدان محو حزب الله تماما كما هي الحال بالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإنما تريدان نزع سلاحه والسماح له بالانخراط في السياسة.
وتقوم وجهة النظر الأميركية في هذه المسألة، على إمكانية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل وصولا إلى تطبيع محتمل للعلاقات مستقبلا، ومن ثم فإن إدارة دونالد ترامب -كما يقول كاتزمان- لا تصر على نزع سلاح الحزب اليوم أو غدا ولكنها تريده في النهاية لأنها تعتبره أداة إيرانية في المنطقة.
كما أن الفرق السياسية في لبنان نفسه ليست متفقة تماما مع الحزب حيث يعارضه بعضها ويتفق معه بعضها، وهو أمر يجعل مسألة تسليم سلاحه للدولة أمرا منطقيا، من وجهة النظر الأميركية.
لكن فياض يرى أن حديث كاتزمان عن التطبيع وخلاف اللبنانيين حول حزب الله "ينم عن عدم دراية بطبيعة الوضع في لبنان، الذي لن يطبع مع إسرائيل ولو طبعت كل الدول العربية"، مضيفا أن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو العودة لهدنة 1949.
الموقف نفسه تقريبا تبناه ناصيف بقوله إن هناك 3 فرق لبنانية تتبنى مواقف مختلفة من حزب الله، حيث يريد فريق نزع سلاحه دون شروط، ويرفض فريق آخر الفكرة تماما، فيما يدعم فريق ثالث هذا المطلب لكنه يتفهم مخاوف الحزب.
إعلان