فن تبرير القيد: أستاذ في الإعلام… وحارس بوابة الصمت!
تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT
#سواليف
فن #تبرير #القيد: أستاذ في #الإعلام… و #حارس #بوابة_الصمت!
بقلم : ا د محمد تركي بني سلامة
قرأت مقالاً “مبهرًا” على أحد المواقع الإخبارية يدافع فيه كاتبه – ويا للعجب! – عن #تراجع #تصنيف_الأردن في #الحريات_العامة، وكأنه يتغنّى بإنجاز وطني يستحق التهليل. لا يسع القارئ أمام هذا الطرح إلا أن يشعر بالذهول ممزوجًا بالحزن، ثم يرفع حاجبيه دهشة: هل وصلنا إلى زمن يُبرّر فيه تكميم الأفواه كنوع من السيادة؟ وهل أصبح الدفاع عن القيد شرفًا أكاديميًا؟
كاتب المقال، الذي قُدِّم لنا بوصفه أستاذًا جامعيًا ومتخصصًا في الإعلام، انبرى بلغة باردة يدافع عن “تدجين الحريات” وكأنها عمل مشروع لا بل “واجب وطني”.
أكثر ما يثير الألم والسخرية أن هذه المرافعة جاءت من أستاذ في الإعلام، يُفترض به أن يكون أول المدافعين عن حرية الرأي، لا أول من يجهز مقصلة الكلام. هل نسي هذا الأستاذ – أو تناسى – أن أولى بديهيات العمل الإعلامي أنه لا إعلام بلا حرية، ولا مهنية بلا استقلال، ولا وطن يُبنى على الصمت والتهديد؟
يا أستاذنا، الدولة القوية ليست تلك التي تكمم الأفواه وتحصي الأنفاس، بل التي تفتح صدرها للنقد، وتعتبر الكلمة الصادقة مرآة وليست مؤامرة. الدولة التي تخاف من الرأي هي دولة مهزوزة الثقة، تخلط بين الأمن والاستبداد، وبين النقد والتحريض. أما أن تُصوّر حرية التعبير وكأنها سلاح بيد الخارجين عن القانون، فذلك منطق لا يقنع حتى من يردده.
ما تكتبه اليوم لا يُعدّ رأيًا حرًا بل يُشبه بيانًا رسميًا صيغ بلغة أكاديمية لتجميل القبح وإلباس التضييق ثوب الحكمة. هل أصبحتَ تُدرّس لطلابك “فن الرقابة المغلفة”؟ أم أن منهاجك الجديد يتضمن مساقًا بعنوان “كيف تدافع عن الخوف بلغة التنوير”؟
يا سيدي، الكرامة الوطنية لا تعني الصمت، والانتماء لا يعني التصفيق الأعمى، والحرص على الدولة لا يعني مصادرة العقول. كان الأجدر بك أن تنضم إلى من يطالبون بضمان كرامة الإنسان وصون حقه في التعبير، لا أن تُسهم في شرعنة قمعه.
ولا ننسى أن الصحافة – كما قال الراحل محمود درويش – “ليست مهنة البحث عن المتاعب، بل مهنة كشف الحقيقة رغم المتاعب”. فإذا كانت الحقيقة تزعجك، فالمشكلة ليست في الحريات بل فيك أنت.
نشكر الموقع الإلكتروني الذي نشر هذا المقال، فقد قدم لنا خدمة جليلة دون أن يدري: فضح حجم الأزمة الفكرية التي نعيشها، حين يتحول بعض الأكاديميين إلى حراس بوابة الصمت، يمسحون مبادئهم على أعتاب النفوذ، ويظنون أن القرب من السلطة أعلى من القرب من الحقيقة.
فيا حسرة على القلم، حين يتخلى عن وظيفته الأساسية في قول ما يُخيف الطغاة، ويُطمئن الشعوب، ويتحول إلى أداة صقل للأغلال، بدلًا من أن يكون مطرقة تخلع جدران الخوف وتفتح نوافذ الحرية.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف تبرير القيد الإعلام حارس تراجع تصنيف الأردن الحريات العامة
إقرأ أيضاً:
نكبة الصمت
في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي قارب سنته الثمانين، اجتهد العرب في إطلاق الأسماء على كل هزيمة يتكبّدونها أمام عصابة صهيونية لا تاريخ لها ولا جغرافيا، وما أكثرها الهزائم، بين “نكبة” و”نكسة”… وفي كل شهر ماي يفضّل بعض العرب، استخراج الأرشيف الملوّن بالأبيض والأسود، وتلاوة وعد بلفور الذي يطلقون عليه وصف “المشؤوم”، ويبكون على أطلال الذكرى المسماة “النكبة”، التي ولّدت نكبات، حتى كادت تتحوّل إلى صفة نتوارثها بقوة الكروموسومات.
العرب الذين أعلنوا الهدنة المزمنة مع الكيان حتى لو دخل بيوتهم وذبحهم من الوريد إلى الوريد، فآخر حرب لهم مع هذا الذي أذاقهم الشؤم والنكبة والنكسة تعود إلى سنة 1973، أي منذ أكثر من نصف قرن، عندما كانوا يجتمعون بجيوشهم طلبا لتحرير هذه الأرض أو تلك، من الأجدر لهم أن يدفنوا الماضي، ما داموا قد رهنوا الحاضر والمستقبل، وكبّلوا جيوشهم، وما عادوا قادرين حتى على أضعف الإيمان، من تنديد وتحذير.
لقد حمل المشعل الذي كان أصلا خامدا، طائفة من المؤمنين، ذهبوا وربّهم للقتال وتركوا أمة بأكثر من مليار نسمة ها هنا قاعدة، عفوا نائمة ومغيّبة عن الحياة وعن الكرامة، لا يبدو عليها أي حرج، ومنها من فضّل أن يختار الجهة المعادية، في نكبة تطبيع وخيانة ونكبة انبطاح واستسلام ونكبة صمت رهيب.
من المؤلم أن يحتفل الكيان بيوم قيامه وتأسيسه لدولته الطاغية، ويتلقى التهاني من رؤساء، بعضهم أكبر من الكيان سنًّا، ومن المؤسف أن يتلقى الكيان تبريكات كيانات أخرى محسوبة على العرب وعلى المسلمين، ومن الموجع أن تكون اليد المحتفلة ملطخة بالدماء، في أحقر احتفال يقوم به كيانٌ في تاريخ البشرية، وفي “أنكب” صمت تصاب به أمة وتتوجع، على وجه الأرض.
في الحروب الكلاسيكية العربية الإسرائيلية السابقة من سنة 1948 إلى سنة 1973، مرورا بسنوات الاستنزاف، كانت انتصارات العدو تتحقق ببعض الحيلة والدعم الفرنسي والبريطاني، والغطاء الجوي الأمريكي، وبكثير من التردّد العربي ونقص الثقة بالنفس، لكن الانتصارات الأخيرة ما كانت لتتحقق لولا هذا الهوان والخيانة وخاصة الصمت الذي تجاوز النكبة بمراحل.
في تاريخ كل الشعوب نكباتٌ ونكسات وعهود شؤم ومجازر، بل إن النكبة هي التي تلد الثورة، والعُسر يُتبع باليُسر، ولكن في نكبة فلسطين تبدو النكبات، تلد نكباتٍ أصعب وأخطر، حتى صارت تشبه القدر المحتوم.
كنا نظنّ مع تعدّد النكبات والنكسات، بأننا في امتحان ومحنة ستزول مع الأيام والسنوات، وكنا نقول دائما إن الحرب دواليك يوم لنا والآخر لغيرنا، ونُصبّر أنفسنا بأن الفرج قريب، ولكن في هذا الزمن الذي لا نرى فيه وميضا، لا يبدو في الأفق أي أمل، ولو طفيف لفجر قريب. والذي لم يغتنم رياح “طوفان الأقصى”، لا يمكن أن يحركه أي طوفان آخر، مادام قد “نُكب” بنكبة الصمت.
(الشروق الجزائرية)