#سواليف

فن #تبرير #القيد: أستاذ في #الإعلام… و #حارس #بوابة_الصمت!
بقلم : ا د محمد تركي بني سلامة

قرأت مقالاً “مبهرًا” على أحد المواقع الإخبارية يدافع فيه كاتبه – ويا للعجب! – عن #تراجع #تصنيف_الأردن في #الحريات_العامة، وكأنه يتغنّى بإنجاز وطني يستحق التهليل. لا يسع القارئ أمام هذا الطرح إلا أن يشعر بالذهول ممزوجًا بالحزن، ثم يرفع حاجبيه دهشة: هل وصلنا إلى زمن يُبرّر فيه تكميم الأفواه كنوع من السيادة؟ وهل أصبح الدفاع عن القيد شرفًا أكاديميًا؟

كاتب المقال، الذي قُدِّم لنا بوصفه أستاذًا جامعيًا ومتخصصًا في الإعلام، انبرى بلغة باردة يدافع عن “تدجين الحريات” وكأنها عمل مشروع لا بل “واجب وطني”.

لم يكتفِ بتبرير التضييق، بل قدمه كخط دفاع عن الوطن! وكأن الدولة لا تُصان بالعدالة والكرامة، بل تُحفظ بالكبت والخوف! تبرير الحظر تحت شعار “حماية الدولة” لا يختلف عن حظر المظلات على متن الطائرة خوفًا من هروب الركاب!

مقالات ذات صلة الاثنين ..  أجواء مائلة للبرودة مع بقاء فرص الأمطار 2025/05/05

أكثر ما يثير الألم والسخرية أن هذه المرافعة جاءت من أستاذ في الإعلام، يُفترض به أن يكون أول المدافعين عن حرية الرأي، لا أول من يجهز مقصلة الكلام. هل نسي هذا الأستاذ – أو تناسى – أن أولى بديهيات العمل الإعلامي أنه لا إعلام بلا حرية، ولا مهنية بلا استقلال، ولا وطن يُبنى على الصمت والتهديد؟

يا أستاذنا، الدولة القوية ليست تلك التي تكمم الأفواه وتحصي الأنفاس، بل التي تفتح صدرها للنقد، وتعتبر الكلمة الصادقة مرآة وليست مؤامرة. الدولة التي تخاف من الرأي هي دولة مهزوزة الثقة، تخلط بين الأمن والاستبداد، وبين النقد والتحريض. أما أن تُصوّر حرية التعبير وكأنها سلاح بيد الخارجين عن القانون، فذلك منطق لا يقنع حتى من يردده.

ما تكتبه اليوم لا يُعدّ رأيًا حرًا بل يُشبه بيانًا رسميًا صيغ بلغة أكاديمية لتجميل القبح وإلباس التضييق ثوب الحكمة. هل أصبحتَ تُدرّس لطلابك “فن الرقابة المغلفة”؟ أم أن منهاجك الجديد يتضمن مساقًا بعنوان “كيف تدافع عن الخوف بلغة التنوير”؟

يا سيدي، الكرامة الوطنية لا تعني الصمت، والانتماء لا يعني التصفيق الأعمى، والحرص على الدولة لا يعني مصادرة العقول. كان الأجدر بك أن تنضم إلى من يطالبون بضمان كرامة الإنسان وصون حقه في التعبير، لا أن تُسهم في شرعنة قمعه.

ولا ننسى أن الصحافة – كما قال الراحل محمود درويش – “ليست مهنة البحث عن المتاعب، بل مهنة كشف الحقيقة رغم المتاعب”. فإذا كانت الحقيقة تزعجك، فالمشكلة ليست في الحريات بل فيك أنت.

نشكر الموقع الإلكتروني الذي نشر هذا المقال، فقد قدم لنا خدمة جليلة دون أن يدري: فضح حجم الأزمة الفكرية التي نعيشها، حين يتحول بعض الأكاديميين إلى حراس بوابة الصمت، يمسحون مبادئهم على أعتاب النفوذ، ويظنون أن القرب من السلطة أعلى من القرب من الحقيقة.

فيا حسرة على القلم، حين يتخلى عن وظيفته الأساسية في قول ما يُخيف الطغاة، ويُطمئن الشعوب، ويتحول إلى أداة صقل للأغلال، بدلًا من أن يكون مطرقة تخلع جدران الخوف وتفتح نوافذ الحرية.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف تبرير القيد الإعلام حارس تراجع تصنيف الأردن الحريات العامة

إقرأ أيضاً:

صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم الماديون

لعلها تلك الفائدة المنسية لأي فيلم، حين يهمس في أذن المشاهد عبر الألوان والأضواء والموسيقى متسائلا عن القيمة المعنوية مقابل الثروة المادية، أو عن قيمة الأمان والحب مقابل المال والخيانة.

قدمت المخرجة سيلين سونغ تلك الفائدة المنسية في فيلم "الماديون" (Materialists)، بهمس، يبدو كما لو أنه يصدر عن صديق يجلس مع مشاهد العمل في باحة بيته، ويتأملان معا معنى الحياة والحب.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟list 2 of 2دينيس فيلنوف يقود أولى مغامرات جيمس بوند تحت راية أمازونend of list

كانت سونغ تلف السؤال في فستان حريري أنيق، يبدو في حد ذاته همسة رقيقة لعيون من يشاهده، ونظرات حالمة من عيون بطلة حائرة هي لوسي (داكوتا جونسون) عبر نافذة في الدور العلوي من منزل فخم في حي راق. إنها ملامح قصة يسردها الهمس والصمت عن العاطفة التي حاصرتها الفخامة والثراء والتخطيط، فتحولت إلى سلعة، تباع مقابل المال، والفخامة الشريرة.

تعود سيلين سونغ، مخرجة فيلم "حيوات ماضية" (2023) الذي استكشفت فيه مشاعر الطفولة والارتباط والانفصال تحت مظلة الندم، لتطرح في فيلمها الجديد "الماديون" تيمة مختلفة تتمحور حول التخطيط والاختيار العقلاني، مقابل الانجراف خلف العاطفة.

بطلة الفيلم، "لوسي"، امرأة أنيقة ومثقفة، تخوض تجربتين متوازيتين مع رجلين مختلفين: الأول هو تشارلز (كريس إيفانز)، مصرفي ناجح يؤمن بالأرقام والمنطق، والثاني هو أليخاندرو (بيدرو باسكال)، كاتب مسرحي رومانسي، يفتقر إلى المال لكنه يملك ثراء داخليا مليئا بالذكريات.

التوتر لا ينشأ من المفاضلة بين الرجلين، بل من إدراك لوسي العميق بأن الاختيار قد يكون قد تحدد مسبقا، قبل أن تلتقي بأي منهما، وكأن الحسم لم يكن نتيجة اللحظة بل كان انعكاسًا لمسار طويل من القناعات والتجارب.

بيدرو باسكال بطل فيلم "الماديون" (رويترز) قوة ما لا يقال

رغم جمال الحوار، واستخدام السيناريست لكلمات واضحة وجمل أنيقة، فإن الصمت بين تلك الكلمات وتأمل الكاميرا لردود الأفعال دون صوت هو ما يمنح الفيلم أثره الأعمق، ويمكّن المشاهد من فهم الرهانات الحقيقية في العمل. إنه المؤثر غير المرئي الذي طاردته كاميرا المخرجة سيلين سونغ خلال العمل ولم تستطع اقتناصه بين حدود اللقطات، لكنها نقلت أثره في رحلة العمل.

إعلان

ولعل النموذج الأكثر وضوحا لذلك يأتي في مشهد جلوس لوسي وحدها في شقة بعمارة شاهقة تطل على سنترال بارك، وظهرها إلى أفق المدينة، وهاتفها مضاء برسالة لم ترسلها. تم تشكيل تفاصيل اللقطة السينمائية بروية وهدوء وبطء لدرجة أن المشاهد قد يخطئ في اعتبارها صورة ثابتة.

لكن صوت الصمت كان هادرا، بينما يحوم إبهام البطلة فوق الشاشة برجفة وتردد وكثير من التحفظ. يعمل الصمت باعتباره قوة وليس مجرد غياب للحوار أو الموسيقى، وهو "الورقة" الرابحة التي يتم بها التفاوض مع السلطة، وهو، أيضا، التعبير عن الرفض، والأكثر قسوة، أنه الطريقة التي يتم بها رفض الحب.

في مشهد آخر، تجلس لوسي وأليخاندرو وجها لوجه في مقهى بوسط المدينة، لا ينطقان بكلمة لمدة 3 دقائق تقريبا، لا كلمات، لا ذكريات. إنهما شخصان تُطاردهما المسافة بينهما، ويعمق ضجيج الحياة المُحيط الصادر عن حركة أكواب القهوة، وثرثرة زبائن المقهى في الخلفية، انفصالهما المتبادل، ويبدو الصمت بينهما كما لو كان اعترافا بعدم القدرة على الاستمرار.

ويعبر الصمت عن معنى عكسي ببلاغة مدهشة في مشهد يُهدي خلاله تشارلز لوسي عقدًا من الياقوت بعد جدال، لتردّ عليه بامتنان مهذب، فيرد بدوره "إنه ليس اعتذارًا، إنه إيصال"، لتتحول اللفتة الرومانسية إلى معاملة مالية، ويسود صمت كاشف ومحرج أو الصمت الذي يعلن عن تحول العلاقة إلى اتفاق تعاقدي.

ما يجعل الفيلم مؤلما للغاية هو أنه لا يوجد أحد في حالة برود تماما. أليخاندرو يكتب لها رسائل بخط يده. تشارلز يخبرها أن الحب، بالنسبة له، يعني الأمان. حتى لوسي، التي تتخذ قراراتها بدقة جراح، تكشف عن نفسها قليلاً. ومع ذلك، فقد تعلم كل منهم الدرس نفسه: للبقاء على قيد الحياة في هذا العالم، يجب التفاوض على الحب، لا الإعلان عنه.

داكوتا جونسون بطلة فيلم "الماديون" (رويترز) مؤثرات خاصة للسؤال الأبدي

لا يعتمد العمل على المؤثرات البصرية العادية، فلا انفجارات، ولا مدن أنشئت ببرامج الحاسوب أو الذكاء الاصطناعي، ولا مخلوقات غريبة، لكن المشاهد يجد مؤثرات بصرية خاصة تنتمي إلى عالم سيلين سونغ الأنيق، وهي مؤثرات تعمل في حالة تناغم عاطفي لدرجة أنها تصبح غير مرئية، وهي موجودة لخدمة هدف فلسفي يتعلق بالاختيار أكثر من خدمة الإبهار في الفيلم.

وتعكس تلك المؤثرات الحالة الداخلية للشخصيات دون لفت الانتباه إليها، حيث تستغل الضوء القادم من النوافذ بمهارة لتغيير المزاج والتسلسل الهرمي، وخاصة حين كانت لوسي مع تشارلز في منزلهما العصري الأنيق، ليجد المشاهد إضاءة مركزة ومفرطة، تسطح حضورها، وتشعرها بأنها تحت المراقبة والاختبار وفي المقابل، تستخدم مشاهدها مع أليخاندرو، غالبًا في مقاهٍ مُعتمة أو شقق مُزدحمة، تدرّج الألوان والملمس المُحيط لتلطيف العالم.

وتظهر نيويورك في فيلم "الماديون" مختلفة تماما، فهي نظيفة للغاية، وقد أعدت بعناية لتناسب خيال لوسي. واستُخدمت السماء، والانعكاسات الظاهرة في زجاج ناطحات السحاب، والضباب المحيط، جميعها، لبناء مدينة تبدو وكأنها صُممت للسلطة، لا للناس.

التزم صناع العمل بإيقاعين للتجربتين اللتين مرت بهما البطلة، فخلال مشاهد هاري (بيدرو باسكال)، الخاطب الثري، نجد إيقاعا سلسا ومنضبطا، تنزلق خلاله الكاميرا بسلاسة، وتتدفق المحادثات بسلاسة كصفقة تجارية، ويخلق المونتاج إيقاعًا مستقرًا ومغريًا.

إعلان

على النقيض من ذلك، تنبض لقاءاتها مع حبيبها السابق، جون (كريس إيفانز)، بطاقة لا تهدأ، ذلك أن الإيقاع متقطع وغير متوقع، تتخلله أصوات المدينة الصاخبة وحوار أكثر خشونة وتداخلا.

قررت سيلين سونغ أن تبعث برسالة شديدة اللهجة للعالم كله، ولمشاهدي فيلمها، وتجعل من فيلمها مرآة نتعرف من خلالها على أنفسنا ليس من خلال المال أو الرجال، ولكن حين تحبس بها البطلة أنفاسها قبل أن تختار طريقًا تعلم بالفعل أنها ستندم عليه، وفي الطريقة التي تلمس بها الرفاهية كما لو كانت ستحرقها، والتي تحول بها الحب إلى تقييم للمخاطر، إنه فيلم لا يسأل ما الحب؟ ولكن ما قيمة الحب؟

مقالات مشابهة

  • صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم الماديون
  • هل صيام يوم عاشوراء يغفر كبائر الذنوب؟.. علي جمعة يكشف الحقيقة
  • همس الحقيقة وصخب الاتهام.. هل يغرق صوت العدالة؟
  • محمد أبوالعينين: مصر بوابة إفريقيا.. وعلى المستثمرين الصينيين تعزيز شراكاتهم
  • أستاذ العلوم السياسية: 30 يونيو أعادت مصر من حافة الهاوية
  • الكرملين: ينبغي تذكير الولايات المتحدة بأنها الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية
  • اتحاد الكرة يحدد موعد غلق فترة القيد الأولية ويكشف أبرز ملامح اللائحة الجديدة
  • أبو العينين يدعو المستثمرين الصينيين للشراكة.. ويؤكد: مصر بوابة إفريقيا
  • ندوة علمية تسائل دور النخبة المغربية في زمن التحولات الرقمية
  • مدبولي: استئناف ضخ الغاز للمصانع التي توقفت تأثرا بنقص الإمدادات