حين يموت الضمير تعجز الصورة عن نقل مأساة غزة
تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT
في البُعد المكاني نحن بعيدون عن غزة، وما يحدث فيها الآن تحمله لنا الصورة، وهذه الصورة هي قناتنا الوحيدة التي تجعلنا نحس بالخراب، خراب الديار وتخريب الإنسان وموارده، وتحويله إلى حجر أو ذرة تراب، بل بات الحجر اليوم في غزة أهم من دم الإنسان، وحياته وكرامته ووجوده، وحقه في أن يحيا على أرضه التي عاش فيها منذ الآف السنين.
إن الوصف المُعتاد الذي يُمكن به وصف غزة، كمنطقة منكوبة وكارثة إنسانية، هو أبعد ما يكون عن الواقع، فلم يشهد التاريخ على الإطلاق، على الأقل في التاريخ الحديث، واقعا مأساويا إنسانيا كالذي يعانيه أهلنا في قطاع غزة، في ظل محاولة عنيدة وإصرار شديد على نزع الكرامة عن البشر في هذه المدينة الباسلة. فالمواطن الغزي الذي اعتاد العيش بكرامة، هو الآن حياته مُعلقة بعد أن فقد كل ما يملك، فقد فقد منزله وأفرادا من عائلته، وفقد الشعور بالأمان. كما أنه يفقد حياته بشكل يومي بسبب عدم وجود أي ممر إنساني، ومن دون وجود أي أمل في الأفق.
لقد مضى على حرب غزة ما يقرب من 673 يوما منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، وهو رقم أصلا لا يمكن تخيله، كيف مر كل هذا الوقت، والأهوال التي تحدث في غزة ما زالت مشاهدها الكارثية تُعرض أمام الشاشات، ويستقبلها العالم بشكل يومي كأنها مشاهد عادية، وعلى الرغم من أن الرأي العام الغربي قد تفاعل مع ما تنقله الصورة من كارثة إنسانية، لكن الرأي العام العربي ما زال في سبات خطير.
ولعل أخطر ما في الموضوع هو أن تُصبح هذه المشاهد عادية، فكيف تكون عادية، في حين أن إغلاق المعابر في غزة، ربما هي الكارثة الإنسانية الوحيدة في العالم كله، حيث يمكننا مقارنة ما حصل ويحصل لأهلنا في غزة، مع ما حصل في أوكرانيا، وما حصل في سوريا، ومع ما يحصل في السودان، ففي كل هذه المآسي هنالك فرصة للسكان للبحث عن ملاذ آمن، ولو مؤقت من الموت. لكن في هذه المدينة الباسلة الجميع مُحاصر، والموت يُحاصرهم من كل اتجاه، والقذائف تسقط من كل اتجاه، إضافة إلى المجاعة، حيث الوقوف في طوابير طويلة أمام المطابخ المُجتمعية، التي تُقيمها المؤسسات الدولية، أملا في الحصول على حفنة رز، أو قطعة خبز.
لقد تآمرت الولايات المتحدة وإسرائيل حتى على جوع أهلنا في غزة، من خلال ما يسمى ( مؤسسة غزة الإنسانية)، التي قالوا إنها هي الكفيلة بتوزيع المساعدات على الفلسطينيين في القطاع. هذه المؤسسة التي تم فرضها بعد إغلاق كامل ومطلق للمعابر، التي تفصل غزة عن محيطها، مع انهيار وقف إطلاق النار الأول في شهر مارس/ آذار المنصرم وحتى نهاية شهر مايو/ أيار، حيث لم تدخل أي ذرة طحين خلال هذه الثلاثة أشهر، وباتت المجاعة أمرا مفروضا على هؤلاء البشر، الذين كانوا يعيشون بكرامة ولم يعرفوا مشاهد طوابير الجوع من قبل.
لقد أنشأت هذه المؤسسة ثلاثة ممرات يذهب من خلالها الناس، إلى ثلاث نقاط، من أجل طلب الحصول على المساعدات، لكن هذه الممرات باتت تسمى اليوم ممرات الموت، بشهادة المنظمات الدولية كافة، سواء تلك التابعة للأمم المتحدة، أو المنظمات الدولية المختلفة، التي تعمل في العالم، لأنها حسب تعبيرهم هي ممرات تعمل عكس معايير العمل الإنساني، ومعايير العمل الإنساني الدولي تتناقض تماما مع وجود هذه الممرات، بالتالي جميع مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية، ممنوعون من العمل الآن، ولا يصل أي نوع من البضائع والمساعدات لهم، كي يستطيعوا توزيعها على السكان في غزة. كما أن منافذ توزيع الطحين على سبيل المثال، وضعوها قرب نقاط وجود الجيش الإسرائيلي.. بالتالي باتت فرص الاحتكاك عالية، وبسببها يسقط يوميا ما معدله 155 شخصا من أهالي القطاع.
لقد تزاوجت طوابير الجوع وطوابير الموت في غزة، وبات الموت له أشكال مختلفة، فمن كان يتصور أن في القرن الحادي والعشرين، يمكن أن يفقد سبعة أطفال حياتهم في يوم واحد، خلال انتظار في طابور الحصول على الماء، حسب تقرير منظمة إنقاذ الطفل الدولية.
كما يفقد آخرون حياتهم في طابور انتظار أمام مطبخ مجتمعي، فالمجاعة والعطش اللذان باتا يحصدان أرواحا كثيرة بسبب سياسة التجويع الممنهج، وصورها المروعة لأطفال ونساء وشيوخ، لم يبق على جسدهم سوى الجلد الذي يغطي عظامهم، باتت حقيقة لا يمكن التغاضي عنها. فالقصف المدفعي والجوي وبالمسيرات، لم يعد الشاغل الوحيد الذي بات يرفع أصوات قادة كثيرين في العالم، بل المجاعة هي السبب الأكثر من غيره.
وأن الهبّة الدولية على لسان قادة وزعماء دوليين، إنما هي تعبير واضح عن فظاعة المشهد في المدينة، وعلى الرغم من أن هنالك قولا شائعا، إن تأتي متأخرا أفضل من أن لا تأتي أبدا، لكن كل تأخير في غزة تقابله عشرات، بل مئات الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ. ويضيف البعض أيضا أن هذه الهبة الدولية أنتجت مؤتمر حل الدولتين الأخير، وقرار إرسال المساعدات ورميها من الجو، وهو إدراك لخطورة ما يجري حتى بعد حلول الكارثة بأبشع صورها.
لقد فقدت إسرائيل الحرب الدعائية، في خضم تعالي الأصوات المنددة بالمجزرة التي ترتكبها في غزة، وتم تشويه صورتها عند من كانوا إلى وقت قريب يعتبرونها صورة براقة، لكن هل هذا يكفي؟ يقينا أنه لا يكفي. فالمسألة ليست حربا إعلامية، أو حربا نفسية تجري على أرض فلسطين، بل الواجب هو إنقاذ الفلسطينيين من هذا الجُب العميق من الكارثة. المشكلة أن المسؤولية كبيرة وهناك تخلٍ عالمي، وتخلٍ عربي. وإذا كانت الإدارات الأمريكية المتلاحقة تتحمل المسؤولية الأولى، وكذلك الدول الأوروبية التي تأخرت في اتخاذ مواقف حاسمة.
وأيضا حتى روسيا والصين لم تصدر عنهما مواقف حقيقية واضحة. وإذا كان هناك تقصير فاضح من الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية، فإن العار الأكبر سيلاحق العرب رسميا وشعبيا، لأنهم خذلوا أهلهم وأشقاءهم وأطفالهم الفلسطينيين في اتخاذ موقف حقيقي، تجاه أكبر كارثة عرفها التاريخ الحديث، إلى الحد الذي تقدمت فيه المواقف الشعبية الغربية عليهم في نصرة أهل غزة.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة غزة الاحتلال الشهداء العدوان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة رياضة صحافة مقالات رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة التی ت
إقرأ أيضاً:
خلاف زوجي يتحول إلى جريمة قتل.. مأساة جديدة في الجيزة
شهدت منطقة منشأة القناطر بمحافظة الجيزة جريمة مروعة هزت مشاعر الأهالي، بعدما تحولت جلسة صلح عائلية إلى مشهد دموي مأساوي انتهى بمقتل سائق على يد شقيق زوجته إثر خلافات أسرية متراكمة.
طعنة صهره القاتلة.. صلح عائلي يتحول إلى مأساة دموية في منشأة القناطرالقصة التي بدأت بخلاف زوجي عادي، انتهت بجريمة قتل كاملة التفاصيل، لتفتح مجددا ملف العنف الأسري الذي يحول البيوت إلى ساحات صراع بدلا من أن تكون ملاذا للأمان.
ففي التفاصيل، تلقى الرائد أحمد عكاشة، رئيس مباحث منشأة القناطر، بلاغا من أحد المستشفيات يفيد بوصول رجل مصاب بطعنة نافذة في البطن، لفظ أنفاسه الأخيرة أثناء محاولة إسعافه داخل غرفة الطوارئ، وعلى الفور، انتقلت قوة أمنية إلى المستشفى لمعاينة الجثة وجمع المعلومات الأولية حول الواقعة.
وبمجرد ورود البلاغ، أصدر اللواء علاء فتحي، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، توجيهاته بسرعة تشكيل فريق بحث لفك لغز الجريمة الغامضة.
وتبين من الفحص أن الجثة تعود إلى رجل يدعى «م. س.» يبلغ من العمر نحو 35 عاما، يعمل سائقا، وأنه أصيب بطعنة واحدة قاتلة في منطقة البطن أدت إلى نزيف داخلي حاد أنهى حياته في دقائق معدودة.
وكشفت تحريات المباحث التي أشرف عليها العميد أحمد نجم، رئيس مباحث قطاع أكتوبر، أن القتيل كان متزوجا منذ عدة سنوات، إلا أن الخلافات الزوجية بينه وبين زوجته كانت تتفاقم في الآونة الأخيرة بسبب مشادات مستمرة وسوء تفاهم بين الطرفين، وفي إحدى المرات، قررت الزوجة مغادرة منزلها والعودة إلى بيت أسرتها بعد مشاجرة عنيفة مع زوجها.
مرت الأيام، وشعر الزوج بالندم، فقرر أن يذهب إلى بيت أسرة زوجته في محاولة لإنهاء الخلاف واستعادة حياته الزوجية. دخل المنزل حاملا نية الصلح والاعتذار، لكن القدر كان يخبئ له نهاية مأساوية.
فخلال الجلسة التي بدأت بهدوء، دار نقاش حاد بين الزوج وشقيق زوجته، الذي لم يتمالك أعصابه بعد أن وجه للزوج عتابا قاسيا على معاملته السيئة لشقيقته. ومع تصاعد الأصوات، تحولت الكلمات إلى مشاجرة عنيفة، تدخلت فيها الأسرة في محاولة للفصل بين الطرفين، لكن الغضب كان أقوى من الجميع.
في لحظة انفعال، اتجه شقيق الزوجة، الذي يعمل ميكانيكيا، نحو المطبخ وأمسك سكينا حادا، ثم عاد مسرعا نحو المجني عليه وسدد له طعنة قوية في البطن، ليسقط الأخير مضرجا في دمائه أمام أعين أسرته، حاول الجيران نقله إلى المستشفى لإنقاذه، لكن فشلت كل محاولات الأطباء، إذ كانت الطعنة قد أصابت أحد الشرايين الحيوية.
بعد الواقعة، فر المتهم من مكان الحادث، لكن رجال المباحث كثفوا جهودهم ونصبوا عدة أكمنة في مناطق متفرقة من الجيزة بتعليمات من اللواء هاني شعراوي، نائب مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة. لم تمر ساعات حتى تمكنت القوات من القبض عليه أثناء محاولته الاختباء لدى أحد أصدقائه بالمنطقة.
وبمواجهته بما أسفرت عنه التحريات، اعترف المتهم بجريمته كاملة، مؤكدا أنه لم يكن ينوي القتل وإنما فقد أعصابه بعد مشادة كلامية حادة مع زوج شقيقته.
وتم تحرير محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة العامة التي أمرت بعرض جثة المجني عليه على الطب الشرعي لتحديد السبب الدقيق للوفاة، كما قررت حبس المتهم 15 يوما على ذمة التحقيقات في تهمة القتل العمد.
وتواصل النيابة تحقيقاتها الموسعة في الواقعة لكشف ملابسات الجريمة وتحديد ما إذا كانت هناك نية مسبقة لدى المتهم أم أن الحادث وقع في لحظة غضب.