مقالات:

بقلم/عبدُ الحميد الغُرباني

منذُ شاركت في معركة الإسناد للمقاومة الفلسطينية، كانت اليمنُ وحدَها أمامَ ما سُمي “تحالف الازدهار” الأمريكي و”اسبيدس” الأُوروبي، ثم مشاركة بريطانية لأمريكا، فيما وُصِفَ بـ “الراكب أَو الفارس الخشن”.

وَفي التصدي والمواجهة لم يكن هدفُ اليمن أن تكسرَ إرادَةَ كُـلّ هذه القوى وَتفرضَ عليها المشيئةَ اليمنية الكاملةَ، وإنما كان الهدفُ تقويضَ أهدافهم المُعلَنة وَهي في جولتَـي المواجهة:

– استعادة حرية الملاحة الإسرائيلية، وإن كان هذا الهدفُ يُسوَّق تحت غطاءِ حرية الملاحة الدولية.

– تقويضُ وتدميرُ القدرات اليمنية المُختلفة.

أما الهدفُ غيرُ المعلَن فهو فرضُ معادلة الاستفراد بالشعب الفلسطيني ومحاصَرته في الميدان وحيدًا.

ومع الجولة الثانية كانت الولاياتُ المتحدة قد أضافت إلى هذه الأهداف استعادةَ الردع بعد أن كانت الجولة الأولى قد أفضَت عمليًّا إلى انكشافِ قوة الردع وَالهيمنة الأمريكية في المسرح البحري، فإلى أين انتهى الاشتباكُ اليمني الأمريكي؟ قبلَ وَبعدَ إعلان سلطنة عُمان عن اتّفاق لوقف إطلاق النار بعد نحو شهرَين من العمليات الساخنة والتصعيد المُكثّـَف؟ هل أوقف اليمنُ عملياتِ الإسناد لغزة والشعب الفلسطيني ورَفَعَ الحظرَ عن الملاحة الإسرائيلية في منطقة عملياتِه؟

إن وقائعَ الميدان من جهة، والمواقف المعلنة سياسيًّا وعسكريًّا من أُخرى تؤكّـد أن أولويةَ اليمن كانت وما زالت كما هي قبل “حارس الازدهار” وبعد “الفارس الخشن”؛ فلا هو رفع الحظرَ أمام السفن المرتبطة بالعدوّ الإسرائيلي ولا هو أوقفَ ضربَ الأهداف الحسَّاسة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وغير ذلك تحقّق له من استعمالِ القوة ضد القوات الأمريكية وَالتصدي لها الوصولُ بواشنطن إلى نقطةٍ وجدت فيها البقاءَ في إسنادِها للإسرائيلي أكثرَ كُلفةً، فضلًا عن صورة ردعٍ تتهشَّمُ تِباعًا مع كُـلّ يوم يمُرُّ في المواجهة، في ظلِّ سجلٍّ مفتوحٍ لسقوط مُسيَّرات إم كيو 9 وَمقاتلات إف 18 وَتمركُزٍ بعيدٍ لحاملاتَي طائراتها أقصى البحرَين العربي والأحمر، وهما الأُصُولُ العسكرية الضخمة المناطُ بهما سرعةُ الانتشار والقدرةُ على الوصول لدرجةٍ بات للولايات المتحدة بها وعبرها حدودٌ تشتركُ مع كُـلّ دولة في قارات العالم.

لقد قيل -وهو حقٌّ-: إن معيارَ النصر والهزيمة في الحربِ المحدودة، فَكُّ قبضةِ العدوّ عن أهدافِ الحرب، وقد أمكَنَ لليمن ذلك وتبقَّى لأعدائها -وهم بالضرورة أعداءُ فلسطين والعرب عمومًا- الخيبةُ والفشل، لقد أسقطت صنعاء معادلةَ الاستفراد بغزة والشعبِ الفلسطيني وَثبتَّت معادلةَ إسنادِها؛ رَغمًا عن السياسة الصهيونية الرامية لإخلاء الساحةِ من التضامن مع غزة والمناوئة للكيان المؤقَّت، لدرجةٍ انقلبت معها الصورةُ بشكل دراماتيكي ولأولِ مرة يجدُ العدوُّ نفسَه وحيدًا في معاركه خارجَ رقعة الأراضي المحتلّة دون أن يعنيَ ذلك فِراقًا مع الولايات المتحدة لناحية أن المصلحةَ الأمنية الإسرائيلية تمثل أولويةً أمريكيةً ثابتة، لكنْ الاتّفاقُ يعكسُ طريقةً مختلفةً في التعامل بينهما فرضتها النيرانُ اليمنية.

منذ بداية الإسناد اليمني لبُندقية الجهاد والتحرير الفلسطينية، لم يكن استهدافُ السفن الأمريكية وحظرُ الملاحة أمامَها على قائمةِ الأهداف، وإنما واشنطن هي من وضعت نفسَها في مرمى النارَ اليمنية، وبالتالي لم تتنازل اليمن، إنما انسحبت واشنطن من ميدان المعركة ووفَّرت صنعاءُ ملاذًا لتأمين الخروج وَنزولِ الأمريكي عن شجرة أهدافه بعدَ نحو شهرَين من نتائجَ مُخيِّبةٍ للآمال استنزفت عتادَها وذخائرَها الأحدثَ.

وبعدَ طولِ انتظار أدواتها الإقليمية والمحلية على التَّل ورهانِ هؤلاء على الاقتراب من بيئةٍ تُهيِّئ الانقضاض على اليمن والتهاوش على الصيد فيه كما حصل في سوريا، لكن الرياح جرت على عكسَ مآرِبِ الجميع، خرجت الولاياتُ المتحدة من مأزِقِ الضربات العسكرية الفاشلة في اليمن مع الكثير من الخسائر، لا تقتصر على المباشرة.

وفي ظل مكاسبَ يمنيةٍ لا تقفُ عند جانب مُعيَّن، استعادت صنعاءُ معها موقعَها في المعادلة الإقليمية لصالحِ الأمن القومي العربي وثبتَت حضورَها ضمن نَسَقٍ محسوبٍ بمنتهى الدقة تحافظُ معه على القيام ِبواجبها الديني وتترجمُ موقفَها المبدئي تجاه القضية الفلسطينية.

وبوِسْعِ اليمن اليوم وَقد حيَّدَ العدوَّ الأمريكي عن ساحة المواجهة أن يواصِلَ بزخمٍ كافٍ إرهاقَ العدوّ الإسرائيلي والبلوغ بالإسناد ذروته مع تعقيدات وتحديات أقلَّ في هذا الطريق، ومع عدم وجودِ وسائلَ أفضلَ بالنسبة للعدوّ لاستنزاف التهديد اليمني وأمام انعدامِ الخيارات غير المُكلِفة لمواجهةِ الصوارِيخ والمُسيرات اليمنية والإدراك أن مُعادلةَ الردع تتهشَّمُ أمام اليمن كما أن لا سبيلَ لاستعادتها أَو فرضِها عبر قصفِ الأعيان المدنية لليمن، وَهو ما يعني أن اليمنَ يُقَدِّرُ تقديرًا متوازنًا أهميَّةَ دوره في المعركة؛ وكونه عامِلًا ضمن مجموعة عواملَ أُخرى ستدفعُ العدوَّ الإسرائيلي بالإكراه للنزولِ عن شجرة العدوان والحِصار المفروض على غزةَ، وفي طليعة هذه العوامل، المقاومةُ الفلسطينية واستمرارُها؛ تعبيرًا عن الإرادَة والصبر والصمود الشعبي في غزة وَالضفة الغربية المحتلّة والتأييد والدعم في الشتات.

تجارِبُ الصراعات الحديثة تذكِّرنا أن السؤالَ الجوهري فيها هو: كم احتلَّ العدوّ من إرادتنا؟ وليس كم احتل العدوّ من أراضينا ودمّـر من منازلنا وقتل وجَرَحَ منا؟

لقد ثبت أن كُـلَّ مساحةٍ من الأرض احتلها العدوُّ قابلةٌ للاستعادة طالما بقيت الإرادَة، ولكن احتلالَ أيِّ جزءٍ من الإرادَة هو الضياعُ الذي لا سبيلَ إلى استرجاعِه.

 

 

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

الحوثي يتوعد بـرد مناسب على العدوان الأمريكي في إيران

توعدت جماعة الحوثي اليمنية، الأحد، بأنها ستقوم بـ"الرد المناسب" على الهجوم الأمريكي الذي استهدف 3 مواقع نووية إيرانية.

وفي بيان صادر عنها، أدانت الحكومة التابعة للحوثيين العدوان الأمريكي على إيران، واعتبرته "همجيا"، و"إعلان حرب على الشعب الإيراني".

وشدد الحوثيون وفق البيان على" الوقوف الكامل مع الشعب الإيراني"، وتوعدوا بالرد المناسب على هذا العدوان، بما يحفظ كرامة إيران وسيادتها"، دون توضيح طبيعته.

وفجر الأحد، دخلت الولايات المتحدة الحرب الإسرائيلية ضد إيران، بإعلان الرئيس دونالد ترامب، تنفيذ هجوم "ناجح للغاية" استهدف 3 مواقع نووية في إيران، هي منشآت فوردو ونطنز وأصفهان.

وقال ترامب في منشور على منصة "تروث سوشيال"، إن الطائرات الأمريكية "أسقطت حمولة كاملة من القنابل" على موقع فوردو ونطنز وأصفهان قبل مغادرتها المجال الجوي الإيراني بسلام.


وفي منشور لاحق، قال ترامب إن منشأة "فوردو انتهت" في إشارة إلى تدمير المنشأة النووية الإيرانية.

وكان المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قد حذر اليوم السبت، من أن أي تورّط أمريكي مباشر في العدوان الجاري على إيران، مؤكدا أن ذلك سيقابل برد عسكري مباشر عبر استهداف السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر.

وفي يحيي سريع: "في حال تورط الأمريكي في الهجوم والعدوان على إيران مع العدو الإسرائيلي، فإن القوات المسلحة (الحوثية) سوف تستهدف سفنه وبوارجه في البحر الأحمر".

وأضاف: "قواتنا تتابع وترصد كافة التحركات في المنطقة، منها التحركات المعادية ضد بلدنا، وإنها ستتخذ ما يلزم من إجراءات مشروعة للدفاع عن بلدنا العزيز وشعبه الأبي".

ولفت سريع إلى أن "العدو الإسرائيلي يسعى إلى السيطرة التامة على المنطقة، وتنفيذ المخطط الصهيوني بدعم وشراكة أمريكية، ويحاول إزاحة الجمهورية الإسلامية في إيران، لأنه يعتبرها العائق الأكبر في طريق إنجاز مخططه".

مقالات مشابهة

  • هل نفدت إجراءات الحكومة اليمنية في وقف انهيار عملتها المتواصل؟
  • حركة الأحرار الفلسطينية: عمليات “حجارة داوود” تؤكد بسالة المقاومة في مواجهة الصهاينة
  • العراق يعيد فتح الأجواء بالكامل أمام حركة الملاحة الجوية
  • اليمن يدعو إلى إلغاء وجود القواعد الأمريكية في المنطقة
  • “الأحرار الفلسطينية” تحمل العدو الصهيوني المسؤولية عن حياة الأسرى الفلسطينيين
  • اليمن جبهة متقدمة في معركة الأمة لمواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي
  • حارس مرمى نهارا وموزع أدوية ليلا
  • حارس بورتو هو الغائب الوحيد عن لقاء الأهلي.. تفاصيل
  • الحوثي يتوعد بـرد مناسب على العدوان الأمريكي في إيران
  • حكومة الجمهورية اليمنية “التغيير والبناء” تدين العدوان الأمريكي على إيران