كيف ستؤثر مبادرة قطر لتمويل رواتب الموظفين على اقتصاد سوريا؟
تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT
دمشق – في تطور اقتصادي وسياسي لافت، تقدّمت دولة قطر بمبادرة لتغطية رواتب القطاع العام في سوريا، في خطوة اعتبر مراقبون أنها نقطة تحوّل في مسار تعافي الاقتصاد السوري بعد عقود من الفساد و14 عامًا من الصراع المتواصل.
وتُعد المبادرة القطرية أول ضخّ مالي خارجي مباشر لصالح الحكومة السورية الجديدة، في ظل ظروف مالية حرجة تشهدها البلاد، وتدهور كبير في مستوى الرواتب والخدمات العامة.
وأعلن وزير المالية السوري محمد يسر برنية عن تفاصيل المنحة، موضحًا أنها تبلغ 29 مليون دولار شهريًا، وتمتد لثلاثة أشهر قابلة للتمديد.
وأضاف أن هذه المنحة مخصصة لتغطية جزء من فاتورة الأجور والرواتب في القطاع العام.
وأوضح برنية، في تصريح لوكالة "سانا"، أن المنحة ستُصرف للعاملين في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى المتقاعدين من غير العسكريين، كما أنها ستغطي نحو خمس إجمالي فاتورة الرواتب الحالية.
وأشار الوزير إلى أن إدارة هذه المنحة ستُنفذ من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "يو إن دي بي" (UNDP).
بعد إستراتيجيواعتبر الباحث في الشأن السياسي السوري مصطفى النعيمي أن هذه المنحة تمثل "بوابة لمنح مماثلة قد تُقدّم للدولة السورية الجديدة"، بما يسهم في التخفيف من معاناة الشعب السوري، ويُمهّد لعودة سوريا إلى محيطها العربي تدريجيا.
إعلانوأكد أن هذه الخطوة ليست مجرد دعم مالي، بل تمثل بعدًا إستراتيجيا يسعى لتحريك عجلة الاقتصاد في مختلف القطاعات.
وأشار النعيمي، في حديث للجزيرة نت، إلى أن الدور القطري كان فاعلا وإيجابيا خلال مرحلتي الثورة وإعادة بناء الدولة، معتبرًا أن إنقاذ سوريا في مرحلة ما بعد حقبة الأسد المظلمة يمثل هدفا مشتركًا على المستويين العربي والدولي.
ورأى أن هذه المبادرة القطرية قد تكون بداية لتحرك عربي وإقليمي أوسع باتجاه دعم سوريا، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي تشمل الرفع الجزئي الأميركي للقيود على التحويلات المالية، مما يمكن أن يمهد تدريجيا لرفع العقوبات بعد منح بعض الدول إعفاءات محددة، كما رأى أن هذه الخطوات قد توفر أرضية حقيقية لانفتاح اقتصادي أوسع نحو سوريا.
انعكاسات اقتصادية محتملةمن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي السوري فراس شعبو أن هذه المنحة تمثل تدخلًا ماليا له آثار محتملة يمكن تلخيصها فيما يلي:
تحقيق قدر من الاستقرار المالي المؤقت. تمكين الحكومة من إجراء إصلاحات إدارية في القطاعات المستهدفة. السماح بإعادة توجيه جزء من الموازنة نحو مشاريع إنتاجية تحسن الواقع المعيشي والخدمي. تخفيف الضغط عن الموازنة العامة المنهكة نتيجة ضعف الإيرادات وانكماش القاعدة الضريبية.وأضاف شعبو، في حديثه للجزيرة نت، أن المنحة تمثل إشارة إيجابية على استعداد بعض الدول لتقديم منح مالية أكبر مستقبلًا، شرط توفر الشفافية واعتماد أسس الحوكمة الرشيدة في إدارة الأموال.
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي يونس الكريم أن ضخ كتلة نقدية بهذا الحجم من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع الأساسية، مما قد يدفع نحو ارتفاع الأسعار، لا سيما مع استمرار ضعف السيولة العامة وعدم توفر مرونة في العرض.
إعلانواستبعد الكريم أن يكون لهذه المنحة أثر كبير على سعر صرف الليرة السورية، مستندًا إلى جملة من الأسباب، من بينها:
وجود سياسات تقيّد حركة السيولة لدى التجار. عدم وجود توسع في الطلب على الدولار لغايات تمويل الاستيراد. تحديد سعر الصرف يتم من قبل المصرف المركزي وليس وفق آليات السوق، مما يحدّ من تأثره بالتغيّرات المرحلية. محدودية مبلغ المنحة مقارنة باحتياجات السوق السورية.لكنه في المقابل، أكد أن هذه المنحة تمثل مؤشرًا معنويا إيجابيا على تحرك عربي لدعم الشعب السوري، وقد يُحسن هذا الانطباع من قيمة الليرة في السوق.
أشار فراس شعبو إلى أن المنحة يمكن أن تُستخدم لتحسين قطاعات حكومية مثل التعليم والصحة طالما أنها تخفف العبء عن الموازنة العامة، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الأثر يبقى مرهونًا بأداء الحكومة في تنفيذ برامج فعالة.
أما يونس الكريم، فرأى أن الأثر على التعليم قد يكون غير مباشر من خلال رفع رواتب المعلمين أو أولياء الأمور، مما قد يدفعهم لتعديل خططهم تجاه تعليم أبنائهم.
وأشار إلى أن دعم الجهاز التعليمي يمكن أن يسهم في الحد من تسرب المعلمين من القطاع العام نتيجة الضغوط المعيشية وغياب الحوافز.
واختتم الكريم حديثه للجزيرة نت بالإشارة إلى وجود نحو 900 ألف موظف حاليا في سوريا بعد موجات فصل واسعة، إلى جانب جهاز استشاري غير معروف الحجم، وموظفين قادمين من إدلب يتقاضون رواتبهم بالدولار، مما يجعل من الصعب تحديد الأثر الدقيق للمنحة.
قطر.. دعم متواصل في مرحلة ما بعد الأسدشهدت الأشهر الأخيرة سلسلة من المبادرات القطرية التي تهدف إلى دعم ومساندة الشعب السوري في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الماضي الماضي. فإلى جانب الأنشطة الإغاثية، بادرت دولة قطر إلى تقديم مبادرات لتحسين الواقع الاقتصادي والخدمي في البلاد.
وكان من أبرز هذه المبادرات الشراكةُ القطرية مع تركيا في إعادة تأهيل المطارات السورية فور تولي حكومة تصريف الأعمال إدارة البلاد، وذلك ضمن خطة شاملة لإعادة بناء البنية التحتية للنقل الجوي التي تضررت بشدة خلال سنوات الحرب.
إعلانوفي مارس/آذار الماضي بدأت دولة قطر في تقديم إمدادات من الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر الأراضي الأردنية، في خطوة تهدف إلى معالجة النقص الحاد في الكهرباء وتحسين أداء البنية التحتية للطاقة.
كما قامت قطر، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، في أبريل/نيسان الماضي بتسوية متأخرات سوريا لدى البنك الدولي والبالغة نحو 15 مليون دولار، مما أتاح للمؤسسة المالية الدولية استئناف تقديم المنح والمساعدات لسوريا بعد انقطاع دام لأكثر من 14 عامًا.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
جلسة أساسيات ريادة الأعمال الثقافية تسلط الضوء على بناء اقتصاد إبداعي متجذر في الهوية العُمانية
"العُمانية": أقامت وزارة الثقافة والرياضة والشباب اليوم جلسة حوارية بعنوان "أساسيات ريادة الأعمال الثقافية"، ضمن برنامج حوار المعرفة بهدف إبراز أساسيات ريادة الأعمال الثقافية كمسارٍ محوري بالتنمية المستدامة، وقوة دافعة لبناء اقتصادٍ إبداعي متجذر في البيئة العمانية.
تأتي هذه الفعالية التي نظمها المنتدى الأدبي بمقره بمسقط، تأكيدًا على أهمية تحويل الرصيد الثقافي العُماني الثري والمتنوع إلى مشروعات ريادية ذات أثر اقتصادي واجتماعي، تسهم في تمكين الشباب العُماني وتوفير فرص مهنية جديدة، مع الحفاظ على الأصالة الثقافية المتجذرة في النسيج الاجتماعي. وقد ركّزت على عدد من المحاور الجوهرية، أبرزها: الفرص الاستراتيجية المتاحة في قطاع ريادة الأعمال الثقافية، وتحويل العناصر الثقافية إلى منتجات وخدمات قابلة للتسويق، ودور التكنولوجيا والمنصات الرقمية في الترويج للمنتج الثقافي، واستراتيجيات التمويل الإبداعي للمشروعات الثقافية، والتحديات البنيوية التي تواجه هذا القطاع، خاصة فيما يتعلق بالتسويق، والتمويل، وبناء المهارات الإدارية لدى الشباب العاملين في المجال الثقافي.
تحدث في الجلسة التي أدارها الكاتب محمد بن سيف الرحبي، الدكتور سعيد بن محمد السيابي، الأكاديمي والباحث في قضايا الثقافة والإعلام، حيث قدم قراءات وتحليلات فكرية حول الدور المتنامي لريادة الأعمال الثقافية في بناء اقتصاد قائم على الإبداع والهوية، واستعرض تجارب محلية ودولية ناجحة في هذا المجال الحيوي.
كما ناقشت الجلسة كيفية تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، لبناء بيئة تمكينية تعزز من استدامة هذا القطاع وتمكّنه من المساهمة الفاعلة في الاقتصاد الوطني.
وتم التطرق إلى الحلول لإيجاد الفرص وتمكين الشباب للانضمام إلى دورات تدريبية وحلقات عمل متخصصة في ريادة الأعمال. والعمل على توفير المؤسسات المحلية وتشجيع المستثمرين بالقطاع وإعداد البرامج والدورات التدريبية التي تركز على المهارات الأساسية والبرامج والمبادرات الحكومية التي تدعم ريادة الأعمال، والبرامج التمويلية التي تساعد في توفير الموارد اللازمة لتطوير المشروعات، وتقديم حوافز للقطاع الخاص وتشجيع الابتكار لدعم المشروعات الثقافية المبتكرة التي تتبنى تقنيات جديدة أو نماذج عمل مبتكرة، مما يسهم في جذب مزيد من الاستثمارات وإنشاء منصات للتواصل بين جميع الأطراف المعنية لتسهيل تبادل المعلومات والتنسيق بين المشروعات وتسليط الضوء على الفوائد الثقافية والاقتصادية في نشر الوعي حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يزيد من دعم القطاعين العام والخاص.