في ظل تسارع وتيرة التحول الرقمي الذي يشهده قطاع التعليم عالميًا، أصبح من الضروري إعادة النظر في أدوات إعداد وتأهيل المعلمين لمواكبة متطلبات العصر الجديد. التكنولوجيا باتت لاعبًا رئيسيًا في تطوير أساليب التعليم، ويأتي الذكاء الاصطناعي في مقدمة هذه الأدوات التي تعيد تشكيل البيئة التعليمية وتفتح آفاقًا جديدة أمام المعلم والمتعلم على حد سواء.

في هذا السياق، أجرينا حوارًا مع الدكتورة إيمان هريدي، عميد كلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، للوقوف على جهود الكلية في هذا المجال، ورؤيتها لمستقبل المعلم المصري في ظل الطفرات التكنولوجية.

تحت رعاية الدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، والدكتور محمود السعيد، نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا والبحوث، والدكتورة غادة عبد الباري، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، نظمت الكلية مؤخرًا ندوة علمية موسعة بعنوان: "التمكين المهني للطالب المعلم وتوظيفه في ضوء الذكاء الاصطناعي"، تأكيدًا على التزام الجامعة بتحديث برامجها التعليمية والتدريبية بما يتماشى مع التحولات الرقمية المتسارعة، ويعزز من كفاءة خريجي كليات التربية.

س: في البداية، نود تسليط الضوء على الندوة التي عقدتها الكلية مؤخرًا تحت عنوان "التمكين المهني للطالب المعلم وتوظيفه باستخدام الذكاء الاصطناعي".. ما أبرز أهدافها ونتائجها المنتظرة؟


 أهلًا وسهلًا بحضرتك. هذه الندوة تأتي في إطار احتفالية سنوية اعتدنا تنظيمها لتقويم برنامج التربية العملية، وقد دمجناها هذا العام مع ملتقى التوظيف. حملت الندوة عنوان "التمكين المهني للطالب المعلم وتوظيفه باستخدام الذكاء الاصطناعي"، وهدفت إلى تأهيل الطالب المعلم لمتطلبات سوق العمل الحديثة، عبر إكسابه مهارات متقدمة في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل الفصول الدراسية. نريد أن نُخرج معلمين قادرين على الدمج بين الكفاءة التربوية والقدرة التقنية، ليكونوا مؤهلين للانخراط الفوري في المؤسسات التعليمية بعد التخرج.

س: كلية الدراسات العليا للتربية لطالما عُرفت بريادتها في التطوير الأكاديمي.. كيف تسعون إلى دمج الذكاء الاصطناعي في البرامج الدراسية، لا سيما في الجزء العملي؟


صحيح، الكلية تتميز بريادتها في مواكبة المستجدات التربوية، وخطتنا هذا العام ركزت على "التمكين المهني". نقصد بذلك تطوير قدرات المعلم بما يعزز من أدائه داخل البيئة الصفية. ضاعفنا عدد ساعات التدريب العملي للطلاب، ووجهنا اهتمامًا خاصًا على التفاعل المباشر داخل المدارس، بحيث يتمكن الطالب من تطبيق ما تعلمه نظريًا باستخدام أدوات حديثة، على رأسها الذكاء الاصطناعي.

س: ما هي آليات تنفيذ الجانب العملي لتأهيل الطلاب، وما أبرز الأدوات المستخدمة؟

 هذا العام، تعاونا مع 50 مدرسة موزعة على مختلف المناطق. وقد طورنا تطبيقًا رقميًا يتيح للطالب اختيار المدرسة الأقرب إلى مكان إقامته بناءً على مجموعة من المعايير الأكاديمية والجغرافية. داخل هذه المدارس، يخوض الطلاب تجربة تطبيقية مكثفة للتربية العملية. وقد ساهم الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ في إثراء هذه التجربة؛ حيث بدأ الطلاب بتطوير محتوى تفاعلي باستخدام تقنيات مثل الواقع المعزز والبرمجيات التعليمية الذكية.

س: هل من أمثلة عملية على كيفية استثمار الطلاب لتقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير المناهج؟
 

 بالطبع، في المعرض المصاحب للندوة عرض طلابنا مشاريع مذهلة. على سبيل المثال، تم تحويل التجارب المعملية في مادة العلوم إلى عروض تفاعلية عبر الواقع الافتراضي. كذلك، طُوّرت أدوات لشرح مفاهيم مثل تركيب الجهاز الهضمي، أو تحليل نسب التلوث البيئي، باستخدام واجهات مرئية ثلاثية الأبعاد. هذه الطريقة لا تتيح فقط عرض المعلومات بل تخلق بيئة تعليمية ممتعة تعزز من الفهم العميق للمادة العلمية.

س: ماذا عن توظيف الذكاء الاصطناعي في المواد النظرية كالتاريخ والجغرافيا واللغات؟

 هذا كان من أبرز محاور التطوير. شجعنا طلابنا على تصميم وحدات دراسية تفاعلية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، تم عرض النظام الشمسي في مادة الجغرافيا بطريقة افتراضية، وتم شرح مسار نهر النيل مع بيان التحديات البيئية المعاصرة. في مواد اللغات، استعان الطلاب بتطبيقات ذكاء اصطناعي لتحسين مهارات النطق والتحليل اللغوي، ما ساعدهم على تطوير مناهج أكثر جذبًا للمتعلمين.

س: كيف أثرت هذه النقلة النوعية في تطوير قدرات الطلاب على فرصهم في سوق العمل؟
 

 شهدنا هذا العام حضورًا واسعًا من ممثلي الموارد البشرية لعشر مدارس كبرى ضمن ملتقى التوظيف. وقد تم بالفعل توقيع عقود عمل مع 10 طلاب قبل تخرجهم، بفضل تميزهم في تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي بفعالية داخل الفصول الدراسية. وهذا يعكس نجاح المنظومة الجديدة التي تبنيناها في الكلية، ويؤكد أن التمكين المهني الحقيقي أصبح واقعًا ملموسًا.

س: البعض يعبر عن مخاوفه من أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل المعلم.. كيف تردين على هذه المخاوف؟

 أعتقد أن هذه المخاوف مشروعة، لكنها غير دقيقة. الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا عن المعلم، بل أداة تمكنه من أداء مهامه بكفاءة أعلى. أصبحنا بحاجة إلى معلم يجيد إنتاج المحتوى الرقمي، وقراءة أنماط سلوك الطلاب، وتوظيف الوسائط المتعددة بذكاء. المعلم المبدع سيجد في الذكاء الاصطناعي فرصة لتوسيع أدواره، وليس تهديدًا لمكانته.

س: ما أبرز التوصيات التي خرجت بها الندوة لتعزيز هذا الاتجاه نحو التحول الرقمي في إعداد المعلم؟
 

 أهم التوصيات تمثلت في ضرورة تعزيز الجانب العملي بشكل مستمر، وتوسيع دائرة الشراكات مع المدارس. كما قمنا بميكنة كامل برنامج التربية العملية، وأطلقنا أداة ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي للإجابة على استفسارات الطلاب والمعلمين. ونعمل حاليًا مع الأكاديمية المهنية للمعلم على تقديم دورات تدريبية متخصصة تستهدف مديري المدارس والمعلمين أنفسهم، لضمان استدامة التطوير داخل المؤسسات التعليمية.

س: كلمة أخيرة تودين توجيهها للمعلمين والطلاب والمهتمين بتطوير التعليم؟
 

 رسالتي للجميع أن المستقبل لا ينتظر أحدًا. من يطور مهاراته ويستثمر في التعلم المستمر سيكون له السبق في هذا العصر. الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا بل فرصة ذهبية للارتقاء بالتعليم إلى مستوى جديد. ونحن في كلية الدراسات العليا للتربية نضع نصب أعيننا بناء كوادر تعليمية واعية وقادرة على قيادة المستقبل بثقة ومسؤولية.

في ختام هذا الحوار، يتضح أن كلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة لا تكتفي بمجرد التفاعل مع مستجدات العصر، بل تبادر إلى توجيه دفة التطوير في مجال إعداد المعلم. من خلال دمج الذكاء الاصطناعي ضمن خططها الأكاديمية والتطبيقية، تؤكد الكلية أنها ماضية في بناء نموذج تعليمي حديث يرتكز على الكفاءة والابتكار، ويضع المعلم في صدارة التحول الرقمي في التعليم.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: رئيس جامعة القاهرة قطاع الذكاء الاصطناعي الدراسات العليا والبحوث الدكتور محمود السعيد كلية الدراسات العليا تأهيل المعلم الدكتور محمد سامى عميد كلية الدراسات العليا المعلم المصري متطلبات سوق العمل خدمة المجتمع وتنمية البيئة کلیة الدراسات العلیا للتربیة الذکاء الاصطناعی فی التمکین المهنی هذا العام

إقرأ أيضاً:

قيادة المستقبل في عصر الذكاء الاصطناعي

 

د. علي بن حمدان بن محمد البلوشي

تطوَّر مفهوم القيادة بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، فلم يعد القائد هو ذلك الشخص الذي يعتمد فقط على الكاريزما أو السلطة الرسمية؛ بل أصبح الدور أكثر شمولًا وتعقيدًا.

القيادة الحديثة تقوم على مزيج من المهارات الإنسانية والتقنية، وعلى قدرة القائد على التأثير في الآخرين والإلهام واتخاذ القرارات ضمن بيئات سريعة التغيّر. وبعض القادة يولدون بسمات تساعدهم مثل الحزم أو الذكاء العاطفي، لكن النجاح الحقيقي يعتمد بشكل أساسي على مهارات مكتسبة عبر التجربة والتعلم المستمر؛ مثل القدرة على التواصل، التفكير الاستراتيجي، إدارة فرق متنوعة، فهم البيانات، والتعامل مع التقنية.

وفي عصر العولمة والذكاء الاصطناعي، يواجه القادة تحديات لم يشهدوها من قبل. أولى هذه التحديات هو تسارع التغيير التقني الذي يفرض على القائد مواكبة الابتكار دون فقدان البوصلة الإنسانية. إضافة إلى ذلك، فإن تنوع ثقافات ومهارات المرؤوسين يجعل إدارة التوقعات وبناء فرق متجانسة أكثر تعقيدًا. كما تُعد حماية البيانات والالتزام بالأخلاقيات الرقمية من أبرز التحديات، في وقت أصبحت فيه القرارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي جزءًا من العمليات اليومية. كذلك تواجه المؤسسات ضغوطًا عالمية تتعلق بالاستدامة والمسؤولية المجتمعية، ما يتطلب من القادة فهم البيئة الدولية واتخاذ قرارات مبنية على قيم واضحة.

ولمواجهة هذه التحديات، يحتاج القائد إلى مجموعة من الاستراتيجيات والأدوات. من أهمها تعزيز ثقافة الابتكار داخل الفريق وتشجيع التعلم المستمر، بما في ذلك تعلّم مهارات العمل جنبًا إلى جنب مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. كما يجب على القائد بناء جسور للثقة عبر الشفافية في القرارات، والإفصاح عن كيفية استخدام البيانات والتقنيات. ويُعد الالتزام بالأخلاقيات- سواء في استخدام التكنولوجيا أو إدارة الأفراد- ركيزة أساسية للحفاظ على سمعة المؤسسة ومتانة بيئتها الداخلية. كما ينبغي استخدام أدوات التحليل الرقمي لأخذ قرارات دقيقة، دون إغفال البعد الإنساني في قيادة الأفراد وفهم دوافعهم الثقافية والاجتماعية.

وفي الختام.. فإن قادة المستقبل بحاجة إلى مزيج فريد من البُعد الإنساني والرؤية التقنية. عليهم أن يعزّزوا الثقة داخل منظوماتهم، ويجعلوا الأخلاق معيارًا أساسيًا في كل خطوة، وأن يبنوا ثقافة عمل تتقبّل التغيير وتحتفي بالابتكار. والمستقبل سيكافئ القادة القادرين على التوازن بين العقل والآلة، وبين التقنية والقيم، وبين الطموح والمسؤولية؛ فهؤلاء وحدهم سيقودون التغيير في عصر الذكاء الاصطناعي.

** مستشار اكاديمي

مقالات مشابهة

  • بقيادة ترمب.. تشكيل تحالف دولي لمواجهة الهيمنة الصينية في الذكاء الاصطناعي
  • مارك زوكربيرج يميل إلى الذكاء الاصطناعي المغلق ويستعد لإطلاق أفوكادو
  • مفاجأة بشأن فيديو واقعة ضرب معلم داخل مدرسة بالإسماعيلية
  • إنوفيرا تطلق برامج تدريبية متقدمة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني
  • الذكاء الاصطناعي يحل مشكلة السمع في الضوضاء
  • عاجل ـ خلال لقائه اليوم برئيس الوزراء.. رئيس هيئة الدواء يكشف خطة التوسع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي داخل المنظومة الدوائية
  • تحذير من ضعف دقة الذكاء الاصطناعي لقياس النبض عند ارتفاعه
  • مهارات النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي.. خمس طرق لتجهيز الطلاب للمستقبل
  • قيادة المستقبل في عصر الذكاء الاصطناعي
  • هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟