في مشهد دولي لافت، تصدرت الصورة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس القيادة السورية أحمد الشرع، وبحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واجهة القمة الخليجية المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض، لتصبح محور تحليلات المراقبين الدوليين.

وبينما انشغل العالم بلحظة اللقاء، تصاعدت تساؤلات المحللين وملايين اليمنيين حول الغياب التام للملف اليمني عن الطاولة السياسية، رغم أن قيادة المجلس الرئاسي اليمني تقيم في ذات المدينة منذ سنوات.

لم يكن اللقاء حدثاً بروتوكولياً عابراً، بل لحظة سياسية فارقة، حملت في طياتها رسائل عميقة عن موازين القوى الجديدة في المنطقة، وإعادة ترتيب أولويات الشرعيات السياسية.

في المقابل، كان الغياب اليمني عن هذا الحدث حضوراً باهتاً من حيث الوجود، وغائباً كلياً من حيث التأثير. فلم يُذكر اليمن المثقل بالحروب والمآسي منذ أكثر من عقد، لا في الكلمات الرسمية، ولا في الأحاديث الجانبية، رغم أن السعودية – الدولة المضيفة – كانت ولا تزال تقود التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية.

ويرى محللون سياسيون أن هذا التجاهل لم يكن صدفة عابرة، بل نتيجة تراكمات سياسية وإدارية أضعفت من صورة القيادة اليمنية وموقعها في المعادلة الإقليمية والدولية.

وفيما نجحت القيادة السورية الجديدة في فرض نفسها كفاعل سياسي يُعبّر عن مرحلة ما بعد الحرب، بوجه تفاوضي قادر على التأثير، بدا مجلس القيادة الرئاسي اليمني غائباً لا عن القمة فحسب، بل عن المشهد السياسي الدولي بأسره.

في واحدة من كلماته، تساءل ترامب عن سر التحول اللافت في المملكة، موجهاً حديثه إلى ولي العهد السعودي: "عزيزي محمد، كيف تنام؟!.."، ثم أضاف ما معناه: "من المؤكد أنك حتى في منامك تفكر في هذا المشروع الكبير للتطوير".

هذا التساؤل، برأي المراقبين، قد يكون كافياً لهز ضمائر أولئك الذين غرقوا في سبات عميق لعقد كامل، لم يُحقق فيه سوى ارتفاع أعداد النازحين، وتفاقم معاناة اليمنيين بفقدان منازلهم، ووظائفهم، وأبنائهم، وانهيار عملتهم واقتصادهم، بينما قياداتهم لا تزال تقف كأصنام تراقب المشهد بدهشة، دون أن تكون جزءاً فاعلاً فيه.

قيادة يمنية مشتتة، عاجزة عن بناء مشروع وطني موحّد، غارقة في دوامة الخلافات الداخلية والارتهان الإقليمي، لا تستطيع أن تكون رقماً صعباً إلا في كشوف المساعدات أو في تقارير الفساد، هكذا يصفها المراقبون في حديثهم لوكالة "خبر".

ورغم سنوات من الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري غير المسبوق، فشلت الشرعية اليمنية في بناء مؤسسة دولة تعبّر عن تطلعات شعبها، وتتحدث إلى العالم بلغة الدولة لا بلغة الشكوى والتذمر.

ويؤكد مراقبون أن غياب اليمن عن طاولة الكبار لم يكن مؤامرة مقصودة، بل نتيجة فراغ حقيقي في الأداء والرؤية والقرار.

ما بين سوريا التي استطاعت، رغم الجراح، أن تفرز قيادة سياسية قادرة على تمثيلها، واليمن الذي غاب عن الوعي السياسي، تتجلى الفروق الجوهرية بين مشروعين هما: "مشروع يسعى لإعادة بناء الدولة، وآخر يكتفي بالعيش على أنقاضها".

لقد آن أوان المراجعة الجادة، ليس فقط لأداء القيادة، بل لمفهوم "الشرعية" ذاته، الذي يبدو أنه بحاجة إلى إعادة تعريف وفق متغيرات الداخل والمحيط. فالتاريخ لا ينتظر أحدا، والسياسة لا تعترف بالفراغ، ومن لا يُحسن تمثيل قضيته، سيتجاوزه الزمن.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

إقرأ أيضاً:

حرب السودان.. عندما يصبح الصحفي سائقا والمهندس مزارعا

الخرطوم- باندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل/نيسان 2023 وجد الصحفي أبو عبيدة عبد الله نفسه بلا عمل، فتنقل بين مهن لا يتقنها كالتجارة والاتصالات، وأخيرا سائقا يتجول بين الولايات على متن سيارته.

يقول عبد الله -الذي كان مدير تحرير صحيفة "اليوم التالي"- إنه عقب اندلاع الحرب توقفت كل المؤسسات الصحفية والمطابع التي كانت متمركزة في وسط الخرطوم، وظل في العاصمة لمدة شهر، ثم حزم أمتعته وغادرها باتجاه مدينة الأبيّض في ولاية شمال إقليم كردفان مسقط رأسه.

أول أزمة واجهها هناك كانت البحث عن مصدر دخل يعول به أسرته، فعمل في البداية في توزيع المشروبات الغازية، لكنه لم يحقق من هذه المهنة الجديدة العائد المطلوب، فانتقل إلى توزيع الأكياس للمحلات التجارية التي كانت تصل إلى الأبيّض من مدينة ود مدني وسط السودان، لكن العمل توقف بعد اجتياح قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة والسيطرة على ود مدني في 19 ديسمبر/كانون الأول 2023.

أرباح وخسائر

استأجر أبو عبيدة (40 عاما) وأشقاؤه محلا تجاريا في سوق الأبيض وافتتحوا "سوبر ماركت"، استطاعوا تحقيق أرباح جيدة لكن المصاريف كانت أكثر من العائد فتعثر المحل وتم إغلاقه.

بعد ذلك اشترى جهاز "ستارلينك" لتوزيع الإنترنت، وظل يعمل به مدة 4 أشهر وحقق منه أرباحا جيدة مكنته من توفير حاجيات أسرته، لكن المشروع توقف بعد عودة شبكة الاتصالات إلى مدينة الأبيّض.

لم يتبق له خيار بعد فك الحصار عن المدينة سوى العودة إلى الخرطوم بعد استعادتها من قبل الجيش السوداني والعمل بسيارته التي تركها في منطقة آمنة بمدينة أم درمان، وأصبح حاليا سائقا محترفا يتنقل بسيارته بين مدن شمال البلاد (شندي، وعطبرة، ومروي، ودنقلا).

ويبدي أبو عبيدة أسفه الشديد لأن ناشري وملّاك الصحف "لم يعيروا منسوبيهم أدنى اهتمام منذ اندلاع الحرب، فتركوهم يواجهون مصيرهم وحدهم ولم يقدموا لهم أي مساعدة أو بدائل".

إعلان تحديات

بدوره، يقول عثمان سيد أحمد (56 عاما) -وهو مهندس صيانة في شركة "دال" الغذائية، متزوج وأب لـ8 أطفال- إن يوم اندلاع الحرب سيظل عالقا في ذاكرته، فبعد البقاء لنحو 45 يوما في الخرطوم قرر المغادرة إلى ولاية الجزيرة واستقر المقام بهم في قرية "الترجمة" واندمجوا مع أهلها بسرعة.

بحث عثمان وأبناؤه عن عمل لأيام، فوجدوا واحدا في مزرعة منحهم صاحبها مبلغا ماليا جيدا مراعاة لظروف نزوحهم (40 ألف جنيه سوداني، أي أقل من 20 دولارا).

ورغم عدم إلمامهم بهذه المهنة فإنهم نجحوا في زراعة 15 فدانا بالكامل وحصلوا على مبلغ جيد، لكن مع بدء موسم الخريف تنعدم مصادر الدخل تماما، فأصبح عثمان يعتمد على ما ادخره سابقا.

السوداني عثمان سيد أحمد كان مهندس صيانة ولجأ للعمل في الزراعة (الجزيرة)

قرر عثمان أن يدخل مجال الزراعة، ووجد أرضا استأجرها مقابل 60 ألف جنيه وقرر زراعتها بامية وعجور (الفقوس).

نجح مشروعه في البداية، لكن الأمطار الغزيرة التي هطلت وتحولت إلى سيول قضت عليه، لكنه لم ييأس وبعد جفاف المياه أعاد الزراعة مرة أخرى ثم بدأ الحصاد، وأول إنتاج من البامية وزعه على أهل القرية مجانا.

واستعان بأبنائه في تقطيع البامية وحصد منها 22 شوالا، ثم بدأ حصاد العجور، وكان يبيع الشوال الواحد بـ15 ألف جنيه، وبعد ذلك فكر في زراعة البقوليات وجهز الأرض لذلك.

ويقول "بعد نجاح التجربة بدأت أنسى الحرب، لكن ونحن نستعد للزراعة اجتاحت مليشيا الدعم السريع ولاية الجزيرة، فتوقفت الحياة تماما وانقطعت الاتصالات والكهرباء بعد أن بدأت في مداهمة المنازل والنهب والسرقة".

قرر عثمان مغادرة الجزيرة، ودفع كل ما ادخره للنجاة هو وأسرته، وكانت الوجهة مدينة شندي شمالي الخرطوم واستقروا في قرية الجوير، وظل يعمل في حصاد البصل لمدة شهرين حتى توقف العمل مع دخول شهر رمضان، وبدأت رحلة البحث عن بدائل انطلقت ببيع الملابس والأحذية ثم المواد الغذائية، لكن العائد كان ضئيلا جدا.

الصحفي أبو عبيدة في محله التجاري بسوق الأبيّض (الجزيرة) العودة

ويوضح عثمان "عندما طرقت الحرب أبواب مدينة شندي بعد استهدافها بالطائرات المسيّرة من الدعم السريع والهجوم على منطقة حجر العسل جنوبي المدينة بدأت الحياة في الركود، وكثيرون غادروها".

التقى عثمان بأحد معارفه في مدينة بحري، واقترح عليه العمل في "ركشة" (دراجة نارية تحمل 3 أشخاص) ومنحها له صاحبها بدون مقابل على أن يقوم بصيانتها فقط، وكان يحصل من مهنته الجديدة على مبلغ زهيد بالكاد يلبي حاجيات عائلته.

ويقول "استمررنا في هذا الواقع المرير لمدة عام، بعد ذلك حرر الجيش ولاية الجزيرة وبحري والخرطوم، فبدأ السكان بالعودة وكنت منهم، ورجعت إلى بحري".

يقيم عثمان حاليا في مدينة الكدرو شمالي بحري، ويعمل في مجال البناء بأجر يومي يتراوح بين 7 آلاف و10 آلاف جنيه، كما يقوم بصيانة الأجهزة الكهربائية.

وأكبر درس خرج به من هذه التجربة التي وصفها بـ"القاسية والمريرة جدا" أنه "من الممكن أن تعيش وتتدبر حياتك بأبسط الأشياء".

مقالات مشابهة

  • بعد شهر من الغياب.. العثور على جثة الطفلة مروة يشعل الغضب في الجزائر
  • العليمي يعترف بوجود خلافات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي
  • من الثورة إلى القيادة.. كيف أعادت 30 يونيو صياغة علاقة الشباب بالدولة المصرية؟
  • العدل والمساواة: “اتفاق جوبا” ليس تسوية سياسية بل خطوة لمعالجة الاختلالات التاريخية في السودان
  • حرب السودان.. عندما يصبح الصحفي سائقا والمهندس مزارعا
  • مجلس القيادة الرئاسي في قلب صراع النفوذ على تعز اليمنية
  • رئيس المصريين الأحرار لـ صدى البلد: 30 يونيو أعظم ثورة في التاريخ الحديث.. ونتأهب للانتخابات بتحالفات غير سياسية
  • القبيلة اليمنية عمود الحماية والدعم للمبادرات التعليمية والإغاثية ..الشريك الحقيقي في بناء الدولة
  • اللقاء الديمقراطي: لحصر السلاح بيدّ الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية الشرعية
  • حين يصبح الشاعر وطنًا.. رحيل أحمد أبو سليم وقيامته في فلسطين