مفتي الجمهورية: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية ولكن صحيح الأركان والعبادة
تاريخ النشر: 16th, May 2025 GMT
أكد مفتي الجمهورية المصرية، الدكتور نظير عياد، أن الحج دون تصريح رسمي يُعَد مخالفةً شرعيةً، ولكن تكون العبادة صحيحة مع الإثم المترتب على المخالفة التي لا تتعلق بذات أركان العبادة وأعمالها.
وأضاف المفتي، في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن الحج دون تصريح مثله كمَن يصوم ويؤذي الناس بلسانه، فكل هذا وأشباهه تكون العبادة صحيحة مع الإثم المترتب على المخالفة التي لا تتعلق بذات أركان العبادة وأعمالها.
وأوضح المفتي أن التصاريح التنظيمية ضرورية للحفاظ على سلامة الحجاج وتنظيم مناسك الحج، وأن ولي الأمر هو المسؤول عن هذا التنظيم الذي يجب طاعته شرعًا، إذ جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الَأْمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
وأشار إلى أن الإنسان إذا أدى مناسك الحج وأعماله المطلوبة منه فقد سقطت عنه المطالبة الشرعية، فلو أوقع الحج على هذا النحو ولكنه من دون تصريح تكون العبادة صحيحة مع الإثم المترتب على المخالفة التي لا تتعلق بذات أركان العبادة وأعمالها.
وأضاف أنه بناء على ذلك لا يجوز شرعًا مخالفة ولي الأمر، خصوصًا فيما يحقق مصالح الناس كما هو الحال في تنظيم شؤون الحج، ولذلك لا يجوز شرعًا للإنسان أن يحج من دون تصريح، ومن فعل ذلك كان آثمًا شرعًا بمخالفته ولي الأمر، وأصبح التصريح الآن من شروط الاستطاعة المطلوب توافرها، فإذا لم يتحصل الإنسان عليه فهو غير مستطيع أصلاً، ومن ثم فهو غير مخاطَب بالحج.
ولفت المفتي إلى الأثر الذي يتركه الحاج غير النظامي على صورة الدولة أمام العالم، إذ إن استمرار المخالفة تؤدي إلى تشويه صورة هذا البلد ومواطنيه، ويكون تأثيره سلبيًّا على كل مواطنٍ ينتمي إلى هذه البلاد، وتكون له مظاهر خطيرة، أهمها فقدان المصداقية، فإذا عرف الناس عن بلد من البلاد أنهم يخالفون أوامر الله تعالى التي أمر بها عباده في طاعة ولي الأمر، فلن تكون لهم مصداقية بعد ذلك.
وقال إن ذلك يؤدي إلى منافاة الرقي والنظام العام الذي دعا إليه الإسلام، فمثل هذا إذا شاع عن بلد، فسيظهر أهله أمام الناس مخالفين للأنظمة والتعليمات، وهو ما تأباه العقول فضلاً عن توجيهات الشرع الشريف.
ولفت إلى الأضرار الواقعة على البلد المضيف، فمثل هذه الأمور تسبب الأضرار على الجهات المنظمة لشؤون الحج وهي المملكة العربية السعودية الشقيقة من جهة إدخال المشقة على المسؤولين والمنظمين وزيادة ضغط الأعداد وغير ذلك مما لا توجد التجهيزات الكافية له، وهو ما يُحدث ضررًا مُحققًا، وقد نهى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضرر، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ سعد بن سِنان الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ».
والمحافظة على المظهر الحضاري للبلاد في هذا المؤتمر السنوي العالمي أمر مطلوبٌ شرعيٌ ينبغي على الأفراد مراعاته.
وأوضح أن اتباع الإجراءات التنظيمية للجهات المنظمة لعبادة لحج أمرٌ مطلوب شرعًا، ولا يجوز للإنسان أن يتجاوزه، بناءً على أن تصرفات هذه الجهات تراعي مصالح الناس جميعًا، وتجاهل ذلك يؤدي إلى مفاسد عدة، ومن أهمها إفساد العبادة على الغير.
وأضاف أنه مَن يتجاهل هذه التعليمات المنظمة بدعوى كون الحج عبادة مخطئ في قوله وفعله، بل إنه لا بد من مراعاة ذلك حتى يكتمل المسلم بأخلاقه مع أفعاله وعباداته، فتقع العبادة على أحسن وجه، وتحقق أيضًا الغاية منها.
وقال إن ترتيب الأمور من قِبل الجهات في الحج وغيره وتنظيمها يُعَدُّ نظامًا عامًّا، وخرق النظام العام في جميع الأحوال لا يجوز شرعًا، فإذا كان هذا الخرق له أثر سلبي فإن إثمه أشد وتوجيه اللوم لفاعله أكبر، لأن في ذلك تضييعَ حقوق الناس وتفويتَ المنفعة عليهم.
وأشار إلى أنه بالإضافة إلى ذلك فإن غير النظاميين يتسببون في الزحام الشديد وهو ما يؤثر على العدد المسموح به في إطار الأمكنة والخدمات المتاحة، بل إن هذا التأثير يؤدي إلى الضرر والإضرار، بل قد يؤدي إلى الهلاك والإهلاك، وقد قال تعالى: ﴿وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقال عز وجل: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
فالمسلم الحق ينبغي أن يبتعد عن كل ما فيه تضييع حقوق العباد وتفويت المنفعة عليهم، وتعريضهم للهلاك.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإجراءات التنظيمية الحج مفتي الجمهورية دون تصریح ولی الأمر یؤدی إلى لا یجوز ا یجوز
إقرأ أيضاً:
الصَلب الفلسطيني: جرحى نازفون… ولكن غير مهزومين
«لست مهزوماً ما دمت تقاوم» (مهدي عامل)
بموافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار قد تكون تلك الجولة من الصراع العربي الإسرائيلي (لن أقول الحرب) قد وضعت أوزارها.. على الأقل ستتوقف المذبحة حتى حين. لن أزعم أن لديّ تصوراً دقيقاً عن شكل المستقبل تماماً، وربما كانت كتابة هذا المقال محاولةً، أحسبها جادةً للتفكير العميق سعياً لاستجلاء المعطيات والأبعاد ومن ثم تقرير الموقف، على الأقل في هذه المرحلة. ولعل كلمة مرحلة، هي أحد أهم المفاتيح للفهم ومدعاة للحرص في آنٍ معاً. لا بد من أن نذكّر أنفسنا دائماً بأننا في المرحلة، أو الخطوة الأولى لعمليةٍ طويلة وأن المعلن، أو المتفق عليه الآن، على الأغلب ستشرع إسرائيل في تقويضه والالتفاف عليه من الغد وقبل أن يجف حبر التوقيع.
ثمة سؤالان يستبدان بالناس ويقسمانهما إلى معسكرين: الأول من المنتصر ومن المنهزم في هذه الحرب؟ والثاني هو الثمن الذي دفع أعماراً وعاهاتٍ وبنياناً.
من الطبيعي تماماً عقب أي معركةٍ أن يسأل الناس، خاصةً من لم يحاربوا، من الذي انتصر؟ بينما يئن من اكتوى بالحرب ولا يفكر سوى في هدنةٍ يلعق فيها جراحه ويسترد عافيته، يداوي جرحاه ويرثي شهداءه. الحقيقة أن التعاطي مع هذين التساؤلين، أو الهمين أعقد مما يتصور، فهي أسئلةٌ ملغمة في واقعٍ ملغمٍ أمام صيغة وقف للنزاع ملغمةٌ هي الأخرى.
كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ملغم، فهي ليست مجرد قطعة أرض تقع في قلب العالم على مفترق طرقه، بل عليها وفيها تتقاطع سردياتٌ عن الحق والملكية وسردياتٌ دينية، وتحيل إلى تساؤلاتٍ عن معاني العدل، ومن الأجدر بملكية الأرض ناهيك من صراع الأيديولوجيات ومعاني التطور والإنسانية. إن القضية الفلسطينية دون مبالغة تختبر الأفكار والبشر كما الأنظمة والزعماء. تختبر إنسانية البشر، لذا فليست الإجابة سهلة.. ولن تكون. من ناحيةٍ أخرى، وعلى أرض الواقعية السياسية يُطرح سؤالان: أولهما، هل هذه النتيجة مرضية تماماً؟ والإجابة في رأيي لا قطعاً، أما الثاني فهو: هل كان بالإمكان إنجاز ما هو أفضل من ذلك بكثير؟ في رأيي لا أيضاً.. وسأترك للمزايدين دائماً، من لا يحسبون حساب الدم والتضحيات أن يختلفوا معي.
بدايةً لا بد أن نذكر أنفسنا: ما الذي كنا نتوقعه في السابع من اكتوبر على عمليتها المدهشة والصاعقة؟ هل كان هناك تصورٌ واقعي بأن تتضعضع إسرائيل وتنهار مباشرةً؟ لقد علمنا التاريخ أنه بغض النظر عن كراهيتنا للكيان الغاصب، ورغبتنا العميقة بزواله، بأنهم تماسكوا إزاء صدمات من قبل، على رأسها بدايات حرب 1973، هل يعقل أن يستطيع مقاتلو حماس قليلو العدد والعدة أن يزيلوا إسرائيل أو يهزموها هزيمة ساحقة ونهائية تقضي على الكيان؟ بالطبع لا. لقد أهانوها وكشفوا إمكانية ضربها في العمق، أنها غير محصنة من الاختراق. في ضوء كل ذلك فإن اللحظة تفرض علينا حساباً وإن كان مرحلياً.
أولاً: لم تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة والمعلومة بمتابعة السياسة الإسرائيلية، فهي لم تحرر الرهائن بالقوة، ولم تقضِ على حماس بمعنى إفناء عناصرها ولم تنجح (حتى الآن على الأقل) في تهجير سكان القطاع، ولا في تطهيره عرقياً بإبادة السكان. أجل لقد انتقمت بوحشية هي الأبشع حتى الآن في هذا القرن، وربما نسبياً على مدار صراعها معنا، فدمرت ما دمرت وقتلت ما لا يحصى.. إلا أنها لم تحقق الأهداف التي وضعتها لنفسها.
ثانياً: لم تحسب حماس جيداً حساب «اليوم التالي».. لم يتصوروا وحشية رد الفعل.. كما أنهم ربما أخطأوا الحساب، إذ تصوروا أن عملهم سيمثل شرارةً ستحرك الشعوب العربية المحيطة، فهم إما نسوا في البدء، أن أي حركة مقاومة يصعب (إن لم نقل يستحيل) أن تنتصر دون حاضنة شعبية، أو تصوروا أنهم سيستعيدونها بهجمتهم الجسورة، ولعل المفاجأة المحزنة هي، مدى التهرؤ والإرهاق الذي وصلت إليه شعوب دول الطوق، وأن الأنظمة، وتحديداً المصري لما كانت هي رمانة الميزان والدولة المحورية، لم يزل قادراً على السيطرة بالحديد والنار على الشعب المرهق المفقر.
لا يعني تواطؤ الأنظمة في مقابل خمول الشعوب العربية وتبنيها للانهزام أن ذلك الوضع مرشحٌ للدوام
أما عن «محور المقاومة» الذي ربما تصوروا أنه سيُجر إلى الحرب فقد حدث ذلك بالفعل، إلا أنه من الجائز أن نقول، إن ذلك حدث على مضض، على الأقل في حالة إيران ولبنان، اللذين وإن حاربا بالفعل، إلا أنهما لم يبادرا إلى ذلك، ولم يريدا حرباً مفتوحةً حتى النهاية، لأسباب موضوعية يمكن تفهمهما.. لكن يبقى أنهما ساهما بالفعل وتلقيا ضرباتٍ موجعة، خاصةً في حالة حزب الله، الذي فقد قائده الفذ والمتميز، وإن كانا نجحا في إيلام إسرائيل بالفعل، إلا أنهما لم ينجحا في إيقاف المذبحة ولم يتورطا في حربٍ حتى النهاية، لأسبابٍ ليس هنا المجال لشرحها. تتبقى دول الخليج، مشيخات النفط، وبعضها موافقٌ على تصفية القضية الفلسطينية.
ثالثا: لا يعني تواطؤ الأنظمة في مقابل خمول الشعوب العربية وتبنيها للانهزام أن ذلك الوضع مرشحٌ للدوام، فقد زلزلت هذه المذبحة البشعة الوجدان العربي والعالمي، من حيث فضحها لطبيعة المشروع الصهيوني العنصري الدموي المتوحش، وأيقظت الاهتمام العالمي بالاطلاع الحقيقي عليها ومعرفتها عن حق، وإني لعلى يقين من أن ذلك سيفرز أجيالاً بعقليةٍ وموقفٍ مختلف في المستقبل، وإن استغرق هذا الأمر جيلاً أو اثنين.
رابعاً: لديّ يقين بأن طرفي النزاع سيشرعان في التحايل على هذه الاتفاقية الملغمة منذ اللحظة الأولى. لا شك أن الفلسطينيين المنهكين تماماً والجائعين حد الموت مرحبون بالهدنة، إلا أن هذه الاتفاقية تسلم قيادة القطاع «لمندوب سامٍ»، بينما ضمانة انسحاب إسرائيل، أو بالأصح من الناحية الفعلية ليس هناك من يستطيع إجبار إسرائيل على ذلك، فلا الفلسطينيون سيقبلون بـ»الحكم الأجنبي»، ولا إسرائيل ستتوقف عن العمل على التملص من أي التزامات. من ناحيةٍ أخرى، هل ستخرج حماس بالفعل من المعادلة؟ أم أنها ستعيد التجمع تحت اسمٍ آخر؟
لقد انتهت جولة لتبدأ أخرى، فينبغي أن لا نخدع أنفسنا: إن الحرب لم تنته، فإسرائيل لم تزل هي الكيان العنصري نفسه المزروع في قلب عالمنا، تعبيراً عن مصالح الغرب وصراعنا معها لم ينته بعد.
أياً يكن فليهنأ الفلسطينيون الآن بهذه الهدنة. مهما قيل فقد غيرت تلك المذبحة وهذا الكم الرهيب من تضحيات شعبنا، الوعي العالمي. لقد كانت صَلباً للجسد الفلسطيني، قد يراه البعض موتاً أو نهايةً، إلا أنه في الحقيقة يَعِدُ بانبعاثٍ جديد وتغييرٍ عميق في وعي ووجدان البشر والتاريخ.
لقد علمنا التاريخ أيضاً أنه في المعارك غير المتكافئة كحروب التحرير، فإن أحد عناصر القوة الوازنة إزاء تفوق الخصم المغتصب هو المقدرة على استيعاب كم أكبر من الخسائر. لذا، فعلى الرغم من الدمار وعشرات آلاف الشهداء والجرحى، فإن الشعب الفلسطيني لم يُهزم، وإسرائيل لم تحقق أهدافها وظل الشعب الفلسطيني يقاوم حتى النهاية.
القدس العربي