هل تفرض أوروبا عقوبات على إسرائيل أم هو ذرّ للرماد في العيون؟
تاريخ النشر: 22nd, May 2025 GMT
باريس- في نوفمبر/تشرين الثاني 1995 وقع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل اتفاقية شراكة تشكل الأساس القانوني للعلاقات بينهما وتسهم في تسهيل التبادلات التجارية الثنائية، لا سيما الصناعية والزراعية.
وبما أن المادة الثانية من الاتفاقية تنص على أن الموقعين عليها مُلزمون باحترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وجّه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ونظيره الأيرلندي ليو فارادكار، في منتصف فبراير/شباط 2024 رسالة إلى المفوضية الأوروبية يطلبان فيها مراجعة عاجلة لمدى احترام إسرائيل لالتزاماتها، لكن المفوضية تجاهلت ذلك.
وبعد مرور 15 شهرا على الرسالة وتفاقم الوضع الإنساني إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أصبح من الصعب التهرب من هذه المأساة وحقائقها. وأعلنت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، أن المفوضية ستجري مراجعة لمدى التزام إسرائيل بمبادئ حقوق الإنسان.
فهل ستنجح أوروبا بالفعل في الضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لإدخال المساعدات وإنهاء الحرب، أم أنها تصريحات لذرّ الرماد في العيون؟
صحوة متأخرةوفي خرق للمواقف الحذرة والتصريحات التقليدية، أدانت فرنسا وكندا والمملكة المتحدة ما وصفته باللغة "البغيضة" التي استخدمها أعضاء حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتهديد بالتهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين، فضلا عن "الأفعال الفاضحة" التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
إعلانوتبنى بيان مشترك صدر الإثنين الماضي عن هذه الدول لهجة أكثر شدة وانتقادا لإسرائيل وجيشها. وقال "نعارض بشدة تمديد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة حيث مستوى المعاناة الإنسانية لا يُطاق". ودعا قادة الدول الثلاث إسرائيل إلى استئناف توزيع المساعدات الإنسانية المتوقفة منذ الثاني من مارس/آذار.
كما عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسا الوزراء البريطاني والكندي كير ستارمر ومارك كارني عن تصميمهم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية "كمساهمة في تحقيق حل الدولتين"، وقالوا "نحن مستعدون للعمل مع الآخرين لتحقيق هذه الغاية"، وفق البيان.
وتعليقا على هذه الصحوة الأوروبية، قال داغ هيربورنسرود، الكاتب الصحفي ومؤسس مركز تاريخ الأفكار العالمي في أوسلو، إن المسؤولين السياسيين في أوروبا كان عليهم الاستيقاظ من غفوتهم في وقت أبكر، في ظل تراكم هذا الكم الهائل من القرارات الأممية والتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها.
ويعتبر هيربورنسرود -في حديث للجزيرة نت- أن الوقت قد حان للتفكير في أن إسرائيل لا تولي اهتماما كبيرا لأطفال غزة، وهو ما أكدته الأمم المتحدة عندما أشارت إلى أنه تبقى 48 ساعة للطوارئ لإنقاذ حياة الأطفال الفلسطينيين.
وبالفعل، صرح توم فليستر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، في حديثه لبرنامج "توداي" على "بي بي سي"، بأن 14 ألف طفل رضيع سيموتون في غزة خلال الساعات الـ48 القادمة إذا لم تسمح إسرائيل بدخول المساعدات فورا.
وصوتت أغلبية وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي (17 دولة عضوا) لصالح مراجعة النص المعمول به منذ عام 2000، بينما أعلنت السويد أنها ستضغط على الاتحاد لفرض عقوبات على الوزراء الإسرائيليين، ولوّحت بريطانيا بفرض عقوبات على المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.
إعلانويعتقد السفير الفرنسي السابق في قطر ثم في السعودية برتراند بيزانسينو، أن رغبة نتنياهو في تحقيق أهدافه الخاصة دون إعطاء أي فرصة حقيقية لمناقشة إيجاد حل دائم أو عملية سلام حقيقية، يولد شعور الرعب والاستياء في كل مكان في العالم تقريبا، وخاصة في أوروبا.
ولتغيير هذه السياسة الدراماتيكية، أكد بيزانسينو، في حديث للجزيرة نت، على ضرورة إثارة مسألة فرض عقوبات على إسرائيل، سواء بتعليق الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل أو بتدابير أخرى مثل حظر جميع مبيعات الأسلحة.
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي جان بيير بيران، أن أوروبا أضاعت فرص التأثير على الشرق الأوسط والقضايا الإنسانية رغم امتلاكها الوسائل للسيطرة على الحكومة الإسرائيلية، لكن افتقارها إلى الإرادة السياسية منعها من اتخاذ أي إجراء سريع.
وعن وسائل السيطرة، قال بيران للجزيرة نت، إن حوالي 40% من تجارة إسرائيل تتم مع أوروبا، "مما يعني أننا قد نتمكن من تطبيق سلسلة من عقوبات مماثلة للتي تم فرضها على روسيا، واستخدام المعاهدة التي تم توقيعها في عام 1995 كورقة ضغط رئيسية".
انقسام أوروبيويبدو أن الانقسامات الداخلية التي تشهدها أوروبا على عدة مستويات لا تزال عقبة أمام اتخاذها قرارات مشتركة، بما في ذلك سياستها في الشرق الأوسط وقطاع غزة بشكل خاص.
وبالتالي، يرى السفير الفرنسي السابق أن انقسام الأوروبيين بشأن الوضع المأساوي في قطاع غزة يدفع إلى ضرورة إيجاد صيغة موحدة لممارسة الضغط على نتنياهو وحكومته، مشيرا إلى أن المؤتمر الدولي الذي ستقوده فرنسا والسعودية في نيويورك بين 17 و20 يونيو/حزيران المقبل قد يكون أكثر فائدة إذا تم التوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار.
وفي إشارة إلى سياسة التجويع التي تودي بحياة الفلسطينيين تحت نيران الاحتلال الإسرائيلي، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الثلاثاء على قناة "فرانس إنتر" أن "الوضع غير قابل للاستمرار، والعنف الأعمى يحوّل غزة إلى معسكر موت، إن لم يكن إلى مقبرة".
إعلانمن جهة أخرى، يبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب جعلت الأوروبيين أكثر استقلالية في تصرفاتهم وقراراتهم، وقد بدا ذلك جليا في ملف الحرب الأوكرانية، بعد ضمان الولايات المتحدة هذا الشق الأمني لأوروبا طوال 80 عاما.
وفي سياق متصل، أوضح الكاتب الصحفي داغ هيربورنسرود، أن ألمانيا لا تسلك الاتجاه الأوروبي نفسه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، مما يعني عدم وجود موقف أوروبي مشترك للتعامل مع هذه القضية "بسبب المسؤولية الأوروبية عن الهولوكوست وما إلى ذلك".
وفسر ذلك بالقول إن "المملكة المتحدة وأيرلندا مثلا لا تتحملان ما يُسمى بالذنب من الحرب العالمية الثانية، لذا يمكنهما التعبير عن آرائهما حول الوضع في قطاع غزة بسهولة أكبر، على عكس ألمانيا والنمسا".
إسقاط نتنياهوعندما صافح ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع، ووعده برفع العقوبات عن بلاده في القصر الملكي السعودي بالرياض الأسبوع الماضي، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسين أميركي وسوري منذ 25 عاما، اعتبر مراقبون ذلك بمثابة دليل واضح على أن دبلوماسية الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط قد أزعجت وهمّشت إسرائيل.
وفي هذا الإطار، رأى السفير الفرنسي السابق في قطر ثم في السعودية برتراند بيزانسينو، أن رفع الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا وقيامها بمفاوضات مباشرة مع الحوثيين وحماس تمثل مؤشرات واضحة على أن ترامب اليوم لا يسعى إلى إرضاء إسرائيل فقط، بل يأخذ في الاعتبار رأي حلفاء واشنطن الآخرين في المنطقة، وخاصة دول الخليج.
ولا يعتقد بيزانسينو أن هناك رغبة أميركية أوروبية في إسقاط حكومة نتنياهو، وإنما رغبة أوروبية في الضغط عليها وبداية للاستياء الأميركي من تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي.
من جانبه، تساءل جان بيير بيران عما إذا كان هناك توتر حقيقي بين ترامب ونتنياهو، قائلا "قد يبدو أنهما مختلفان لكنهما حليفان قويان، ومشروع الرئيس الأميركي في بناء "ريفييرا" في غزة أكثر جدية مما يبدو. أما الفرق الوحيد الذي يمكن ملاحظته هو أن ترامب لا يريد شن حرب على إيران، لكنه لا يهتم بغزة على الإطلاق".
إعلانوتابع المحلل السياسي "هناك رغبة على المستوى الأوروبي لمنع استمرار المذبحة اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، وتصريحات القادة كانت حازمة بهذا الشأن، لكن هل يريدون رؤية حكومة نتنياهو تسقط؟ نعم، ربما".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاتحاد الأوروبی عقوبات على قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تدرس رد حماس مساء قبل توجه نتنياهو إلى واشنطن
من المخطط أن يجتمع المجلس الأمني المصغر (كابينت) في الساعة العاشرة مساء اليوم السبت لدراسة رد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مقترح الاتفاق بغزة، قبل توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الاثنين.
وصباح اليوم، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه "قد يكون هناك اتفاق بشأن غزة" الأسبوع المقبل.
وسئل ترامب على متن الطائرة الرئاسية إن كان متفائلا بشأن التوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس فأجاب "كثيرا" مشيرا رغم ذلك إلى أن "الأمر يتغير بين يوم وآخر".
بدورها، قالت القناة الـ12 الإسرائيلية مساء أمس -نقلا عن مصدر- إنه في ضوء رد حماس يتوقع أن يغادر وفد إسرائيلي إلى الدوحة لإجراء مفاوضات حول شروط الاتفاق، حيث من المتوقع أن تبدأ محادثات غير مباشرة بين الطرفين.
وأضاف المصدر ذاته -بحسب القناة الإسرائيلية- أن المفاوضات قد لا تستغرق أكثر من يوم ونصف اليوم.
مطالب أساسيةوبدورها، قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية إن حماس ما زالت تُصرّ على 3 مطالب أساسية لتعديل بنود الاتفاق، نقلا عن مصادر مطلعة.
وأضافت المصادر أن المطلب الأول يتعلق بالعودة إلى نموذج توزيع المساعدات الإنسانية السابق الذي ترى المصادر أنه يتيح لحماس استعادة جزء من السيطرة على دخول البضائع إلى قطاع غزة.
أما المطلب الثاني فيتعلق بما سيحدث بعد انقضاء فترة الـ60 يوما من وقف إطلاق النار، فبينما ترى إسرائيل أن انتهاء المدة دون اتفاق يسمح باستئناف القتال، تُصرّ حماس على تمديد وقف إطلاق النار حتى من دون اتفاق نهائي، وفق ما أورده المصدر.
أما المطلب الثالث فإنه يركز على خريطة انسحاب الجيش الإسرائيلي من أراضي قطاع غزة، إذ تطالب حماس بانسحاب واضح وملموس من المناطق التي ينتشر فيها الجيش الإسرائيلي داخل القطاع.
"رد يتسم بالإيجابية"والليلة الماضية، قالت حماس في بيان إنها "أكملت مشاوراتها الداخلية، ومع الفصائل والقوى الفلسطينية حول مقترح الوسطاء الأخير لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة"، وإنها سلّمت "الرد للإخوة الوسطاء (المصريين والقطريين)".
إعلانوأكدت أن ردها "اتّسم بالإيجابية. وأن الحركة جاهزة بكل جدية للدخول فورا في جولة مفاوضات حول آلية تنفيذ هذا الإطار".
من جانبها، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي أنها تدعم قرار حليفتها الدخول في مفاوضات حول آلية تنفيذ مقترح الهدنة، لكنها طلبت "ضمانات" بتحويل الهدنة المؤقتة إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وأضافت في أنها "قدمت (لحماس) بعض الملاحظات التفصيلية حول آلية تنفيذ المقترح"، ولفتت إلى أنها "معنية بالتوصل إلى اتفاق" لكنها تريد "ضمانات دولية إضافية لضمان عدم استئناف الاحتلال الإسرائيلي لعدوانه بعد تنفيذ بند الإفراج عن الأسرى".