الإبراهيمية والماسونية: جذور تاريخية وشكوك معاصرة
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
23 مايو، 2025
بغداد/المسلة:
ليث شبر
*تسعى هذه السلسلة التوعوية، المكونة من خمسة مقالات، إلى تمكين القارئ العربي من فهم قضايا مثيرة للجدل بعقل ناقد يتحرى الحقيقة بعيدًا عن التضليل ونظريات المؤامرة، وذلك لتعزيز وعي يحترم التعددية والعدالة في إطار دولة علمانية*.
يستكشف هذا المقال الرابع الشكوك حول العلاقة المزعومة بين الإبراهيمية والماسونية، ويركز على جذورهما التاريخية: هل تشكل الماسونية قوة خفية وراء الإبراهيمية؟ وكيف يواجه سياسي علماني هذه التساؤلات دون الانزلاق إلى التكهنات؟
تأتي الشكوك حول ارتباط الإبراهيمية بالماسونية من تاريخ طويل يحيط المنظمات السرية بهالة من الريبة، لكن النقاش يتطلب الرجوع إلى جذور كلا المفهومين.
*بحلول القرن التاسع عشر، أصبحت رمزًا للنفوذ الخفي في السياسة والاقتصاد، خاصة في الغرب، مما غذى نظريات المؤامرة التي تربطها بالسيطرة العالمية*.
أما الإبراهيمية، فظهرت كمصطلح حديث في القرن العشرين، مستوحى من فكرة إبراهيم كأب مشترك للديانات التوحيدية، لكنها اكتسبت زخمًا مع مبادرات معاصرة تدعو إلى الحوار الثقافي.
فلماذا تلتقي هذه الجذور التاريخية في الشكوك الحالية؟
يربط البعض بين الماسونية والإبراهيمية بسبب تقاطع رمزي في استخدام التراث الديني، لكن هذا الربط يثير جدلًا معقدًا. يرى نشطاء علمانيون في تونس، على سبيل المثال، أن الإبراهيمية، كما طُرحت في مؤتمرات دولية عام 2024، قد تستغل الرموز الدينية لتعزيز تحالفات سياسية، مشيرين إلى أن الماسونية استخدمت تاريخيًا رموزًا مشابهة لتوسيع نفوذها.
*ففي القرن التاسع عشر، اعتمدت الماسونية طقوسًا مستوحاة من التقاليد الإبراهيمية لجذب أعضاء من خلفيات متنوعة*. لكن تدافع منظمات ثقافية في الأردن عن الإبراهيمية كإطار للتعاون الثقافي، وتنفي أي صلة بالماسونية، مؤكدة أن الحوار يهدف إلى تعزيز السلام دون أجندات خفية. وتُبرز هذه الردود جدلية مؤداها: هل تعكس الشكوك قلقًا مشروعًا من استغلال الرموز، أم مبالغة ناتجة عن إرث تاريخي؟
تتطلب رؤية علمانية التعامل مع الإبراهيمية بحيادية، دون رفضها أو تصويرها كضد للعلمانية. *فالدولة العلمانية، التي تفصل الدين عن السياسة، تستطيع استيعاب الحوار الثقافي إذا احترم التعددية ولم يتحول إلى أداة للحكم الديني* . لأن المخاوف من الإبراهيمية لا تنبع من الحوار بحد ذاته، بل من إمكانية استغلاله لتعزيز مصالح سياسية، كما حدث في القرن الثامن عشر عندما استخدمت الماسونية شبكاتها لدعم النخب السياسية في أوروبا. ومع ذلك، تُظهر الوقائع أن الإبراهيمية الحديثة، كما طُرحت في فعاليات مثل قمة أبوظبي للتعايش 2023، تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي، لكن غموضها يُغذي الشكوك، خاصة في سياق إقليمي مشحون بالتوترات.
يُثير النقاش سؤالًا جوهريًا: هل تستند الشكوك إلى أدلة، أم تُغذيها روايات تاريخية مبالغ فيها؟
بينما تُحذر أوساط أكاديمية في مصر من أن التركيز على الماسونية كتهديد قد يُصرف الانتباه عن قضايا ملحة، كالعدالة الاجتماعية. ففي تقرير لمركز دراسات مصري عام 2024، أُشير إلى أن ربط الإبراهيمية بالماسونية يعكس خوفًا من التغيير أكثر منه دليلًا ملموسًا. بالمقابل تُصر أوساط شعبية في العراق على مشروعية الشكوك، مشيرة إلى أن التاريخ يُظهر استخدام الرموز الثقافية لخدمة مصالح النخب.
تُشير هذه التوترات إلى ضرورة تقييم الإبراهيمية بعقلانية، دون الانجرار إلى نظريات المؤامرة.
ومن هنا يتضح الموقف السليم : *يُرحب بالحوار الثقافي إذا احترم التعددية وخدم العدالة، لكن تُرفض أي محاولة لاستغلال الثقافة أو الرموز التاريخية لأغراض سياسية* .
فالدولة العلمانية قادرة على قيادة هذا الحوار دون السماح لأي مبادرة بتقويض مبادئها، سواء ارتبطت بتكهنات حول الماسونية أم بمبادرات غامضة. وبدلاً من الخوف من الأجندات الخفية، *نقترح رؤية علمانية تضمن أن يظل الحوار أداة للتقدم، مستلهمة قيم المساواة التي تحمي التنوع الثقافي* .
ومع هذا النقاش، تبرز تحديات جديدة: كيف تستجيب الدولة العلمانية لتعقيدات العولمة والمبادرات الثقافية؟ يناقش المقال القادم هذه التحديات، لمواصلة البحث عن الحقيقة بروح نقدية ملتزمة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
اللوفر أبوظبي يعرض مقتنيات فريدة وقطعاً مُعارة جديدة
يعرض متحف اللوفر أبوظبي في عام 2025 مقتنيات رائعة وقطعاً معارةً من متاحف عالمية تغطّي قروناً وثقافات وحركات فنية متعددة، منها حجر كريم من حقبة الإمبراطورية الرومانية يعود إلى القرن الأول، وتابوت مسيحي يرجع إلى القرن الثالث، إلى جانب مجموعة متميزة من اللوحات والأعمال المعاصرة لفنانين مشهورين، منهم كاندينسكي وجاكوميتي وتابيس. وتدعو هذه الأعمال الفنية الزوّار إلى فهم السرد العالمي للمتحف من خلال عدسة الإبداع والتواصل والقوة الخالدة للفن.
وقال الدكتور غيليم أندريه، مدير إدارة المقتنيات الفنية وأمناء المتحف والبحث العلمي في اللوفر أبوظبي: «نمضي في إثراء مجموعة متحف اللوفر أبوظبي بمقتنيات فنية مُختارة بعناية للمحافظة على مكانته كمساحة ديناميكية تتفاعل مع عُشّاق الفن والعائلات، وكل مَن يحمل فضولاً وشغفاً باستكشاف المزيد من التجارب الإبداعية الجديدة. ويسرُّنا أن نقدِّم لزوّارنا أعمالاً فنية مُعارة تُعَدُّ كنوزاً لا تُقدَّر بثمن في متاحفها الأصلية، ونحن ممتنون لشركائنا على كرمهم. إنَّ هذا التجديد المستمر يعزِّز دور متحف اللوفر أبوظبي، كمنارة للإلهام في المنطقة الثقافية في السعديات، ومنصة تلتقي فيها القصص المتنوّعة والتجارب الإنسانية المشتركة».
وأدّى فريق أمناء متحف اللوفر أبوظبي، آمنة الزعابي وفاخرة الكندي وعائشة الأحمدي ومريم الظاهري وروضة العبدلي، دوراً محورياً في عرض المجموعة الجديدة من خلال العمل الوثيق مع المؤسسات الشريكة على جميع الجوانب، بدءاً من البحث وحتى تأكيد القطع الفنية المعارة والمقتنيات. وتعكس مساهماتهنَّ التزام المتحف بتمكين المواهب المحلية وتعزيز التبادل الثقافي على نطاق عالمي.
ومن المقتنيات الجديدة لمتحف اللوفر أبوظبي المعروضة حالياً في صالات عرضه الدائمة، تمثال كوتا التذكاري من الغابون (يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين) ويُنسَب إلى «سيد نهر سيبي ذو الرأس الجمجمي»، ويُعرض حجر كريم ربّما يصوِّر أغريبا بوستوموس (يعود إلى نحو 37-41 ميلادياً)، ورأس شاب من الحجر الجيري (يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد)، من قبرص، وصندوق من مملكة كوتة، سيلان (يعود إلى نحو عام 1543) يُبرِز الطابع الجمالي الهجين ويُجسِّد الامتداد العالمي للفن البلاطي في جنوب آسيا.
ومن المقتنيات الجديدة أيضاً مجموعة من اللوحات الفنية المميَّزة، منها لوحة جسر ريالتو من جهة الجنوب (نحو 1720) للفنان جوفاني أنطونيو كانال الملقّب بكاناليتو، التي تعرض مشهداً هادئاً ودقيق التفاصيل لمدينة البندقية، ولوحة وداع تليماخوس وإفخاريس (1800)، وهي لوحة نادرة من الطراز الكلاسيكي الجديد للفنان شارل مينييه، تستعرض موضوعات الواجب والحب والفضيلة الأخلاقية، وصورة شخصية لكوسا بان (1686) للفنان أنطوان بينوا، تصوِّر أوَّل سفير من مملكة سيام إلى بلاط الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، وعمل فني بعنوان البيضاوي الأبيض (1921) للفنان فاسيلي كاندنسكي، وهو عبارة عن تركيبة نابضة بالحياة من الألوان والأشكال، تعكس إيمان الفنان العميق بقوة اللون والشكل والتكوين في تعزيز المشاعر وإبراز الإيقاع وتحقيق الوحدة.
أخبار ذات صلةإلى جانب المقتنيات التي أُزيح الستار عنها حديثاً، تُضيف روائع مُعارة من متحف اللوفر ومركز بومبيدو ومتحف الفلبين الوطني عُمقاً جديداً ومنظوراً عالمياً إلى صالات اللوفر أبوظبي.
ومن أبرز الأعمال الفنّية المُعارة، تابوت ليفيا بريميتيفا (يعود إلى نحو عام 250 ميلادياً)، وهو تمثال مُعار من متحف اللوفر من أقدم الأمثلة المعروفة على الفن الجنائزي المسيحي. وصورة شخصية للفنانة (1825) رسمتها الفرنسية أنطوانيت سيسيل أورتانس هوديبورت-ليسكو، مُعارة من متحف اللوفر. ولوحة امرأة من بولاكان (1895) لخوان لونا، أحد أشهر الرسّامين الفلبينيين، مُعارة من المتحف الوطني للفلبين. تغادر هذه اللوحة وطنها للمرة الأولى، وتُصنَّف كنزاً ثقافياً فلبينياً وطنياً منذ عام 2008. ولا يُحتفى بهذه اللوحة لمجرَّد تفوُّقها الفني فحسب، بل أيضاً لما تمثِّله من شعور بالفخر الثقافي، حيث تجسِّد امرأة فلبينية أصيلة تشعُّ قوة وكرامة.
ويستضيف متحف اللوفر أبوظبي ثلاثة أعمال مُعارة من مركز بومبيدو، هي تمثالان برونزيان يجسِّدان موضوع إعادة تصوُّر الشكل البشري؛ امرأة من البندقية 5 (1956) لألبرتو جاكوميتي، وهو تمثال نحيف هش يعبِّر عن التناقض بين الحضور والضعف، والعاصفة (1947-1948) لجيرمين ريشييه، وهو تمثال يصوِّر رجلاً ضخماً يجسِّد الصمود في مواجهة قوى الطبيعة. والعمل الثالث بعنوان أبيض أُفقي شاسع (1962) للفنان أنطوني تابيس، مصنوع من مواد مختلطة على قماش، ما يُضيف بُعداً معاصراً إلى سردية المتحف عن تجارب المواد والتجريد.
وينسَّق كلُّ عمل فني جديد يُعرَض في اللوفر أبوظبي وفق رؤية سردية تهدف إلى تعزيز الحوار بين الحضارات وعبر الزمن والقصص العالمية المشتركة، فمن خلال التراكيب الموضوعية والمقارنات العابرة للثقافات، يواصل المتحف تقديم مساحة ديناميكية وشاملة للاستكشاف الفني والثقافي.
المصدر: الاتحاد - أبوظبي