الأزمة الليبية والصحوة الشعبية.. قراءة في الأسباب والسياقات
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
تدخل الأزمة الليبية عامها الرابع عشر، دون أن ينجح الليبيون في التوصل إلى رؤية وطنية جامعة أو مشروع تأسيسي حقيقي يضع أسس الدولة. في هذه القراءة، نحاول مقاربة أسباب هذه الأزمة الممتدة، معتمدين على ما راكمناه من متابعة دقيقة للشأن الليبي عبر مقالات وتحليلات وتصريحات متعددة.
إن تحديد أسباب الأزمة لا ينفصل عن ضرورة الاعتراف بمواطن الخلل، في ظل واقع معقّد بدأت ملامحه منذ عام 2011، مرورًا بالصراعات المسلحة، والانقسامات، والتدخلات الإقليمية والدولية.
أولًا: أسباب الأزمة الليبية
انتشار السلاح بعد الحرب (20 أكتوبر 2011): رفضت أطراف مناطقية تسليم السلاح بذريعة حماية الثورة، في حين انصرف “الثوار الحقيقيون” إلى حياتهم، ليتركوا المجال لمن تسلقوا المشهد وتحكموا في مفاصل القوة. رفض نتائج الانتخابات (2012): منذ البداية، رفضت الميليشيات وبعض القوى المتحالفة معها نتائج انتخابات 7 يوليو 2012، وسيطرت بالقوة على المؤتمر الوطني العام، لتبدأ أولى مراحل اختطاف الدولة، مرورًا بقانون العزل السياسي وخطف رئيس الوزراء علي زيدان. إشعال الحرب عقب انتخابات 2014: رفض تيار الإسلام السياسي نتائج انتخابات مجلس النواب، وأشعل حربًا لتصفية الميليشيات الأخرى، فدمرت البنية التحتية، ومنها مطار طرابلس، حيث أُحرقت قرابة 20 طائرة. التدخل الدولي المتواطئ: رغم صدور قرارات دولية بحل الميليشيات، لم تُنفذ، ما يعكس تواطؤًا دوليًا. فقد مُنحت شرعية داخلية وخارجية لأسماء ارتبطت بالجريمة والسجون، وسيطروا على المال العام والمؤسسات دون مساءلة دولية. دور الأمم المتحدة (منذ 2011): منذ قراري مجلس الأمن 1970 و1973، تُدار ليبيا تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد تعاقب على ملفها أكثر من عشرة مبعوثين. لم يحقق أغلبهم اختراقًا يُذكر سوى برناردينو ليون، ومارتن كوبلر (اتفاق الصخيرات 2015)، وستيفاني ويليامز (اتفاق جنيف 2021). جميعها حلول مؤقتة لا تعكس توافقًا وطنيًا حقيقيًا. حكومة الوفاق واتفاقياتها: وقّعت حكومة الوفاق أثناء الحرب على اتفاقيتين مع تركيا، إحداهما عسكرية والأخرى تمنحها حقوق التنقيب عن الغاز، دون تفويض شعبي أو مؤسسي. حكومة الوحدة الوطنية وخطوات مشبوهة: جاءت حكومة الوحدة الوطنية إثر آلية مشكوك فيها (لجنة 75)، وتم منحها الثقة لتنفيذ ثلاث مهام أساسية: التحضير للانتخابات، توحيد المؤسسة العسكرية، وتخفيف المعاناة الاقتصادية. لكنها أخفقت، وأُلغيت الانتخابات بذريعة “القوة القاهرة”، ضاربة عرض الحائط بإرادة 2.8 مليون ناخب. التجاذب السياسي بعد 2021: سحب مجلس النواب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، وكلف حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، التي لم تتمكن من دخول العاصمة. زاد الأمر تعقيدًا مع ترشح الدبيبة رغم تعهده بعدم الترشح. حوارات دون نتائج ملموسة: انتهت لجنة 6+6 باتفاق في بوزنيقة (يونيو 2023)، ثم جاء المبعوث عبد الله باتيلي باقتراح لجنة جديدة، أعقبتها لجنة العشرين بقيادة المبعوثة العاشرة هانا تيتيه، التي قدمت أربعة مسارات، لكنها لم تجد توافقًا، باعتبار أنها إعادة تدوير لأفكار سابقة دون آلية تنفيذ واضحة.ثانيًا: الواقع الاقتصادي المعقد
ليبيا، رغم ثرواتها، ترزح تحت أزمات اقتصادية خانقة، ناتجة عن:
الاعتماد على النفط وسط تحديات فنية وأمنية تعيق الإنتاج. تضخم الجهاز الإداري، وتوظيف عشوائي دون كفاءة أو حاجة سوق العمل. فشل السياسات الاقتصادية في تنويع مصادر الدخل. غياب دعم حقيقي للقطاع الخاص.تخصيص ميزانيات ضخمة للتشكيلات المسلحة، ما قوّض قيام مؤسسات الدولة.
ثالثًا: المؤسسة العسكرية بين الإهمال والتجاهل
رغم دور الجيش الليبي في محاربة الإرهاب واستعادة الأمن بشرق البلاد ووسطها وجنوبها، إلا أن الحكومات تجاهلت هذا الدور، واختارت التعامل مع التشكيلات المسلحة، متجاهلة خطرها على وحدة البلاد ومستقبلها.
رابعًا: صحوة الشارع الليبي
بعد أربع عشرة سنة من المعاناة، انطلقت موجة احتجاجات شعبية تطالب بإنهاء كافة الأجسام السياسية الحالية. إنها صرخة من أجل الكرامة، في وجه سلطة فاشلة. وقد أثبت الشعب الليبي أنه قادر على كسر الحواجز، والتعبير عن رفضه لواقع مرير.
لقد أصبح واضحًا أن التعويل على الأمم المتحدة لن يُخرج ليبيا من أزمتها، بل يُسهم في إطالة أمدها. فالعالم يتساءل: أين الليبيون؟ هل هؤلاء المتصدرون للمشهد يمثلون حقًا الشعب؟ لماذا شعب غني كهذا يعيش الفقر وانعدام الاستقرار؟
الخلاصة:
أمام الليبيين خياران لا ثالث لهما:
المسار الديمقراطي الحقيقي، بانتخابات نزيهة، تطيح بالأجسام الحالية. أو تأييد المؤسسة العسكرية والأمنية لفرض الأمن وإنهاء فوضى السلاح خارج الشرعية.والأمل معقود على وعي الشعب، وصحوة الشارع، لإنقاذ ليبيا من واقعها المنهك، نحو بناء دولة تستحقها الأجيال القادمة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تدين مجزرة دوار الطيارة بدير البلح
الثورة نت/
أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اليوم الخميس المجزرة الجديدة التي ارتكبتها طائرات العدو الصهيوني صباح اليوم على تجمع للأطفال الفلسطينيين من أجل الحصول على مكملات غذائية في منطقة دوار الطيارة بدير البلح .
وأكدت الجبهة في بيان تلقته وكالة الأنباء اليمنية ” سبأ ” : أن “أطفال غزة ضحايا القصف والجوع في حرب إبادة صهيونية تُدار بتنسيق صهيوني–أميركي وتواطؤ دولي “.
واضافت الجبهة أن هذه المجزرة الجديدة تضاف إلى سجل جرائم الابادة الصهيونية .
وارتكبت طائرات العدو الصهيوني صباح اليوم جريمة بشعة بحق الأطفال أثناء تجمّعهم للحصول على مكملات غذائية في منطقة دوار الطيارة بدير البلح، ما أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى، غالبيتهم من الأطفال الُمجوعيّن الذين كانوا ينتظرون دورهم على أمل البقاء .
•تأتي هذه المجزرة في سياق تصعيد صهيوني شامل يستهدف الإنسان الفلسطيني في كل مكان، ويتجسد على الأرض كجريمة حرب مكتملة الأركان.
وقالت الجبهة “من الطوابير إلى الخيام، من دير البلح إلى خان يونس وحتى شرق غزة، يُقتل أطفالنا المجوعون وهم يبحثون عن الغذاء، وتُباد عائلاتنا في خيام النزوح التي تحوّلت إلى مقابر جماعية بفعل القصف المستمر للاحتلال في المواصي .
•واكدت أن ما يجري هو تطهير عرقي ممنهج ومنظم، يتم برعاية أمريكية مباشرة، حيث يتجلى التناغم بين مجرمي الحرب نتنياهو وترامب في تبادل أدوار الإبادة عبر دعم سياسي وعسكري مطلق .
•وحذرت الجبهة من كارثة إنسانية وشيكة، ونُحمّل العدو الصهيوني وشركاه الأمريكيين والمجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم. وندعو شعوب العالم وأحرارها إلى التحرك العاجل والفاعل لإنقاذ غزة التي تتعرض للإبادة على مدار الساعة .