مقدمات نشرات الأخبار لهذا المساء... ماذا جاء فيها؟
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
مقدمة "تلفزيون لبنان"
في اروقة الأمم المتحدة تخوض الدبلوماسية اللبنانية مفاوضات شاقة رفضا للصيغة المطروحة في التجديد لليونيفل ومنحها استقلالية الحركة خارج التنسيق مع الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش وفرض القرار 1701 بالقوة الأمر الذي يرفضه لبنان. وقبيل التصويت على مشروع القرار نهاية الشهر الحالي شهدت الحدود الجنوبية استنفارا عسكريا وتحليقا مكثفا للطيران الحربي الاسرائيلي فوق المناطق الحدودية.
وبالتوازي مع الكباش المحموم ضد التوجه لاعتماد الفصل السابع في التجديد لليونيفل برز موقف لحزب الله على لسان النائب علي فياض رأى فيه ان التعديلات المطروحة على مهمة القوات الدولية وحركتها في منطقة انتشارها مرفوضة رسميا وشعبيا.
أما على الصعيد السياسي الداخلي تتطبع المراوحة الاستحقاق الرئاسي الذي يدخل بعد أيام عامه الاول حيث ان المهلة الدستورية لانتخاب رئيس كانت قد بدأت في الأول من أيلول الماضي بعدها انقضت كل المهل الدستورية وتلك الوطنية ولا يزال الفراغ يتمدد في موقع الرئاسة الاولى وهو مرشح للمزيد من الاطالة في ظل التعقيد الذي يطبع الكباش بين الكتل البرلمانية يضاف اليه الغموض الذي يكتنف مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان ايف لودريان، وتراجع الرهانات المعقودة على امكان احداثه خرقا في جدار الازمة الرئاسية لاسيما بعد الانقسام النيابي الواسع بشأن اسئلته. وحيال تمدد الازمة سأل البطريرك الراعي لماذا يحرم لبنان من انتخاب رئيس؟ لماذا ينتهك الميثاق الذي ينص على أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا ورئيس الحكومة مسلما سنيا ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا؟
***********
مقدمة تلفزيون "أم تي في"
نايا حنا، اسم جديد يضاف الى ضحايا الرصاص الطائش في لبنان. نايا، ابنة السبع سنوات ووحيدة والديها، لم تكن تعلم عندما غادرت منزلها العائلي قبل ثلاثة وعشرين يوما الى مدرستها الصيفية، انها لن تعود اليه الا جثة هامدة. فبينما كانت تلعب مع رفاقها في ملعب المدرسة انهال الرصاص الطائش فاصابها اصابة بالغة. نايا تشبثت بالحياة ، قاومت وصمدت، لكن لعنة الموت في النتيجة كانت اقوى من نعمة الحياة. اليوم دفنت نايا, لكن قضيتها لا يجب ان تدفن. ففي كل عام يموت سبعة اشخاص على الاقل ويصاب خمسة عشر شخصا نتيجة الرصاص الطائش. فهل مسموح ان تكون ارواح الناس معلقة على وحشية اشخاص لا يعرفون كيف يعبرون عن فرحهم او غضبهم او حزنهم الا باطلاق الرصاص؟ من هنا اهمية ما اعلنه النائب اديب عبد المسيح، من انه سيتقدم يوم الاربعاء باقتراح قانون معجل مكرر اسمه قانون نايا حنا، ويهدف الى رفع سقف العقوبات على مطلقي النار وعلى كل من يتواطأون معهم ويسكتون عنهم. فهل يبصر قانون نايا حنا النور قريبا، ام نبقى رهينة عتمة الموت المجاني حتى اشعار آخر؟
سياسيا، انه يوم بشري. فمدينة المقدمين انشغلت باثنين: انتخابات لجنة جبران خليل جبران، وزيارة جبران باسيل اليها. بالنسبة الى الانتخابات، النتيجة، على ما يبدو، شبه محسومة للائحة المدعومة من القوات اللبنانية، اذ يتوقع ان يفوز اعضاؤها الخمسة عشر. لكن السؤال يبقى حول النسبة التي ستحصل عليها اللائحة المدعومة قواتيا مقابل اللائحة المدعومة من القوى الاخرى. اما بالنسبة الى زيارة باسيل الى وادي قاديشا، التي تزامنت مع انتخابات لجنة جبران، فانها تطرح سؤالا: هل الامر مجرد مصادفة، ام ان لا مصادفات في السياسة؟ علما انه خلال الزيارة جدد باسيل دعوته الى تحقيق اللامركزية الموسعة والى انشاء الصندوق الائتماني، معتبرا ان الامرين هما المدخل الطبيعي للانماء الشامل. في الاثناء التوترات مستمرة في سوريا. اذ لليوم الثامن على التوالي خرجت تظاهرات في السويداء تطالب باسقاط نظام بشار الاسد. توازيا، تحدثت معلومات عن تحركات لقوافل عسكرية اميركية داخل بعض المدن العراقية. فهل من سيناريو ما يعد للمنطقة؟ وهل صحيح ان الولايات المتحدة تعتزم احكام قبضتها على الحدود العراقية- السورية، قطعا للخط الذي يربط طهران ببيروت، مرورا ببغداد ودمشق؟
*************
مقدمة تلفزيون "الجديد"
نجح بالبالكوريا. فقتل طفلة السبع سنوات بعلاماته الطائشة. نايا حنا عزفت نهايتها بصمت وقاومتها ثلاثة أسابيع لكنها أسلمت الروح لحيا ولد ناجح ثانويا ساقط مع أهله وصحبه أخلاقيا ومعهم كل من يستسهل الابتاج عبر اطلاق النار وإنهاء حياة الناس عشوائيا. نايا لا تعرف قاتلها، لكن دولة لا تعاقب المتهورين ولا تجرم حملة السلاح المتفلت هي في كل مرة أمام الامتحان. وستهان وروح نايا ستلعنها من السماء فهذه الأفعال الجرمية لم تعد طائشة بل ستصبح جرائم مرتكبة عمدا. أما إذا وضعت السلطة قوانين وضوابط وفرضت سطوتها وهيبتها على الاحياء والمناطق. فليجرؤ عندها الناجح "ان يرفع إيدو" إبتهاجا بالرصاص. وفي الذخائر الدولية المجهزة للبنان.. حرب تدور في أروقة الأمم المتحدة حول توسيع صلاحيات اليونيفل بعد معلومات عن إدخال القرار 1701 تحت الفصل السابع. لكن مرجعا حكوميا رفيعا قال للجديد إن هذا الامر غير مطروح. وسواء طرح أم هو مستبعد، فإن للبنان الحق في الاعتراض وله ان يسجل ملاحظاته على القرار 1701 وأولها أن إسرائيل تخرق هذا القرار ألفا وسبعمئة مرة في اليوم، وتحرق سماءه وتنطلق من سمائنا لتنفيذ اعتداءاتها على سوريا ولم تطبق اسرائيل مرة هذا القرار السلمي بل استخدمته لأعمال حربية وعدائية.
واليوم يدفع مجلس الأمن بالوكالة عن إسرائيل نحو توسيع صلاحيات اليونيفل، وربما إدخال قوات ردع دولية بعد أن التمس العدو تعاظم القدرة الدفاعية للمقاومة وارتفاع تصدي الجيش عند الحدود. وفي توسعة للصلاحيات القضائية يدخل ملف الحاكم السابق رياض سلامة الثلاثاء الى غرفة العناية المركزة لدى الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي ماهر شعيتو وعضوية قاضيين اخرين سيتخذا القرار مع الرئيس. ولتاريخه فان سلامة لم يحسم امكانية حضورة الجلسة التي استبقتها رئيسة هيئة القضايا هيلانة اسكندر باصدار الاحكام العرفية قبل ان تتراجع عن تصريحاتها التي اجازت فيها توقيف سلامة سواء حضر ام لم يحضر. ولكن الهيئة الاتهامية لا تزال في مرحلة التشاور ودرس القرار وقالت مصادر الجديد ان سلامة اذا حضر امامها فلن يتم استجوابه لان الهيئة ستصدر قرارها حصرا في مذكرة التوقيف وليس في ملف التحقيقات معه.وهناك احتمالات عدة تتصدر الجلسة لكن جميعها يتوقف على موقف سلامة من الحضور او عدمه.
*************
مقدمة تلفزيون "المنار"
أسطر واضحة ورسالة مسننة من حركة حماس كفيلة بان ياخذ الاحتلال اضيق زواياه للتفكير بعواقب تهديد رئيس حكومته بنيامين نتنياهو بحق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة الشيخ صالح العاروري.
ربما يقال ان نتنياهو يسعى لانجاز يرمم سمعة حكومته المازومة ، أو أن يغطي اهتراء كيانه المتهالك داخليا ، أو ان يكبح صعود المقاومة في الضفة الغربية او غير ذلك، ولكن بالواقع فان مثل هذه المغامرات يمكن ان تكون قشة تكسر ظهر الاحتلال وتضعه امام مصير محسوم في ظل تماسك محور المقاومة وتمحوره حول مشروع تحرير فلسطين .. ولان نتنياهو ذكر اسم لبنان في معرض تهديده العاروري ، فلا بأس من تذكيره بان الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله قد حذر كيان الاحتلال في التاسع من آب العام الماضي بان الاعتداء على أي مسؤول فلسطيني في لبنان لن يبقى من دون عواقب ومن دون رد.
فلسطين التي تحسن ارباك الاحتلال واضعافه تلتقي في مدرستها بالتضحية والمقاومة مع كربلاء ليطلق باسمهما معا، وللعام الثاني على التوالي، نداء للاقصى من مدينة كربلاء المقدسة في فعالية كبيرة تلامس وتناقش محورية القضيتين معا في مواجهة الظلم والغطرسة على طريق الحرية مهما غلت التضحيات.
والى لبنان الذي يمسي شعبه ويضحي على مراوحة سياسية سلبية، لا يرعوي بعض المعرقلين عن الحاق مزيد من الاذى بحياة المواطنين ومستقبلهم، وحتى الساعة لا ملامح لما ستحمله عودة الموفد الفرنسي الى لبنان الشهر المقبل بل لا تصورات لنتائجها في ظل اشهار البعض سيف الاعتراض على هذا المسعى الفرنسي قبل ان يحصل.
*************
مقدمة تلفزيون "أل بي سي"
نايا جان حنا، الجميع سيبكونها، من أمها وأبيها المفجوعين، إلى جميع الناس، ولكن ماذا ستفعل الدولة حيال هذه الجريمة المتمادية؟ أين المجتمع المدني الذي لم يبلغ يوما عن مطلق الرصاص ابتهاجا؟ هل يعقل أن يطلق مئات المجرمين الرصاص ولا يشاهدهم أحد أو يبلغ عنهم أحد... تستطيع الدولة، إذا أرادات، أن تحصي من أطلقوا النار لحظة أصيبت الطفلة نايا جان حنا، ويستطيع جيران من أطلقوا النار ان يبلغوا عنهم، لكننا في بلد نتستر فيه على المجرمين. وإلى حين وقف التستر، سيبقى اللبنانيون يسقطون ضحايا الرصاص الطائش والمتفلت، ولا حسيب ولا رقيب.
في السياسة، راوح مكانك، الجميع يتحركون في الوقت الضائع أو لملء الوقت الضائع. في الحركة الفرنسية، لا أثر للموفد لودريان، وفي حوار حزب الله التيار الوطني الحر، لا مؤشرات. الملف الرئاسي شبه متروك، والبطريرك الماروني يصرخ وينتقد في كل عظة.
حياتيا، هل تبحث لجنة الكهرباء في السرايا غدا، الارتفاع الهائل في فواتير الكهرباء في ظل الانقطاع المتمادي؟ هل ستقدم للمواطنين أجوبة على هذه المعضلة؟
خارجيا كانت لافتة زيارة نواب أميركيين مناطق المعارضة السورية، عبر تركيا.
************
مقدمة تلفزيون "أو تي في"
بعد ضحايا المرفأ والطيونة والقرنة السوداء وعين ابل والكحالة، غفت الطفلة نايا حنا اليوم. اما العدالة في الوطن المشلع فلم تستيقظ بعد، فيما اللائحة السوداء تطول، والحسيب غائب والرقيب في غيبوبة. صحيح ان الظروف تختلف بين حالة واخرى، تماما كالمناطق والاطراف والمسؤولين. لكن سبب كل المآسي واحد: لبنان ارض وشعب، لكن بلا دولة. فكيف تكون دولة، والاستقلال الذي ظننا اننا استعدناه عام 2005، استولت عليه سفارات ودول. كيف تكون دولة، واموال الناس الذين خدعوا بالشعارات والوعود والجوائز، مسروقة… وثرواتهم الممكنة في خطر شديد. كيف تكون دولة بلا رئيس، وبمجلس نيابي لا ينتخب رئيسا ولا يقر قانونا اصلاحيا، وبحكومة لا تعرف من الميثاق الا الصورة في الديمان؟ كيف تكون دولة والسلاح متفلت على مساحة الوطن، من الشمال الى الجنوب، ومن الشرق الى الغرب، والشواهد كثيرة. كيف تكون دولة، ويموت كل هؤلاء الناس، ولا يحاسب احد، الا بالكلام، ولا يتخذ تدبير واحد، الا بالبيانات والتصريحات عبر مواقع التواصل والاعلام. كيف تكون دولة، لا يعيش فيها الا موتى الضمير، من سياسيين، او من كائنات لا يربطها بالانسانية الا الشكل، وتصر على رصاص الابتهاج بالاحزان.
امس غفت نايا حنا. فمن سيغفو غدا وفي الآتي من الايام، وبسبب من؟ ابنوا لنا دولة. قوموا من موت الضمير.
*************
مقدمة تلفزيون "أن بي أن"
مرتا، مرتا، إنك تهتمين بأمور كثيرة، وتضطربين! إنما المطلوب واحد!". وهكذا هو حال رئيس تيار العتمة. وهو "فلتة الزمان" في الديماغوجية بكل مستوياتها من الخفة في التناول الى السطحية في التفكير وتراخي الضوابط وسيادة الغرائز.
ولأنه كذلك خاض معركة طواحين الهواء في التدقيق الجنائي فنصب نفسه قاضيا للقضاة وبدأ بتوجيه الإتهامات بلغة العالم بالماورائيات فتنحنح بداية وقال: "التقرير تم إخفاؤه لأن فيه وصفا جرميا وتحديد مسؤوليات.. فأعلن النفير العام وتقدم جيوشه الى الأمام لتحرير التقرير ثم ما لبث أن أصدر حكمه المبرم بعد صدور هذا التقرير وتبين معه أنه أظهر جريمة مالية "غير مسبوقة في تاريخ البشرية" مطالبا بتسليم كل المستندات المطلوبة واستكمال التدقيق في المصرف المركزي وكل مؤسسات الدولة ولم ينس أن يكمل فصول مسرحيته الشعبوية عندما إعتبر أن نشر التقرير أظهر الكثير من المخالفات والسرقات للمال العام وأموال المودعين.
الى هنا واكتفى. فأسدل الستار وابتلع لسانه بعدما تبين في وثائق التدقيق الجنائي العار والشنار. مليار يجر المليار. تحت عنوان التيار... والنتيجة 24 مليارا من جيوب الناس و24 ساعة من الظلام. لأول مرة يصدق في كلامه. هي بالفعل جريمة مالية "غير مسبوقة في تاريخ البشرية". هدر كل هذه الأصفار في المليارات، مقابل صفر كهرباء.
ومن بيروت إلى نيويورك تكثف الدبلوماسية اللبنانية اتصالاتها مع مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن قبل أيام من الجلسة التي يعقدها المجلس من أجل تمديد مهمة القوات الدولية العاملة في الجنوب. ويتركز الحراك اللبناني على تفادي نقل هذه المهمة من الفصل السادس إلى الفصل السابع وتعديل ما ورد في مسودة مشروع القرار المطروح والتي تبيح لليونيفيل تسيير دوريات بمعزل عن التنسيق مع الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش. ويفترض ان تتظهر نتائج المساعي اللبنانية خلال اليومين المقبلين علما بأن جلسة التجديد ستعقد قبل بداية الشهر المقبل.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: نایا حنا
إقرأ أيضاً:
صحوة أوروبية في مواجهة تعنت نتنياهو.. أم ماذا؟
بعد أكثر من 600 يوم من الحرب الفاشية الإجرامية على قطاع غزة، وصلت أصداء صرخات الضحايا وصور أشلاء الأطفال والنساء والجثث المحترقة في خيام النازحين ومراكز الإيواء الأممية، وصلت آهات الثكالى واليتامى إلى الضمير الإنساني، وصل أنين الجياع والعِطاش والمرضى والمصابين في المشافي المدمرة والذين افتقدوا كل شيء حتى أكسجين الحياة، وصل بكاء الأطفال الرضع وأمهاتهم، وصور أواني الطعام الفارغة المحتشدة بطوابير عشوائية أمام مراكز توزيع الطعام بعد أن خمدت نار الطهي بسبب نفاد الوقود، وصل كل ذلك إلى أسماع من أصمّوا آذانهم وأغمضوا عيونهم، واستيقظ أخيرا العالم الحر من غفوته بعد سنة ونصف على اندلاع هولوكوست العصر على يد سيد الإبادة بنيامين نتنياهو.
استيقظ الضمير الإنساني، وصحا من غفوته القانونُ الدولي الإنساني وإعلان حقوق الإنسان، وكأن أعداد الضحايا قد وصلت إلى الرقم القياسي المطلوب ليستيقظ كل هذا المدد العالمي لوقف الحرب أو إنهائها، بعد أكثر من 600 يوم سقط فيها أكثر من 53 ألف شهيد و122 ألف مصاب، وتدمير شامل بل مسح كامل لمدن القطاع، وقتل كل جوانب الحياة.
هل جاءت المواقف الأوروبية بتنسيقٍ مع الولايات المتحدة، أم أن الأمور قد وصلت إلى ذروتها، وبدأت نهاية نتنياهو السياسية وحكومته، وبدأت نهاية مأساة شعبنا في غزة والضفة؟ وهل فشل مشروع التهجير؟ أم بات المطلوب فقط إيصال رغيف الخبز وحبة دواء؟ ما يدفعنا إلى التساؤل هو الحديث الجاري اليوم والمقتصر على إدخال المساعدات، ويتجاهل الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الحرب ونتائجها الكارثية
أخيرا استيقظت أوروبا، الحضارة والإنسانية، استيقظت أوروبا حقوق الإنسان والعدالة والسلام، استيقظت من سباتها العميق لتعلن بريطانيا العظمى موقفا للتاريخ بتعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع "إسرائيل"، وتعلن حكومتها الغضب من توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية، وتستدعي سفيرة الكيان، وتفرض عقوبات على أفراد وشركات إسرائيلية بسبب اعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين في الضفة، وتلحق بها فرنسا وقد أيقظتها شعارات ثورتها الفرنسية، لتعلن تصميمها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، واستياءها من السلوك الإسرائيلي لما تقترفه دولة الكيان من قتل وتدمير، وتسبقها إسبانيا التي تُزيّنها الحضارة الأمويّة، فاتخذت قرارا بحظر تصدير السلاح إلى دولة الكيان وتستدعي السفيرة، وتعرب عن سخطها من الممارسات اللاإنسانية لدولة العصابات والأحزاب اليمينية المتطرفة، والتي تتخذ من المساعدات الإنسانية سلاحا لإبادة المدنيين ودفعهم نحو التهجير القسري.
ويأتي دور الاتحاد الاوروبي ليلحق هو الآخر بالركب ليعلن عن مراجعة اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع "إسرائيل" تمهيدا لإيقافها، في خطوة من شأنها أن تُجبر دولة العدوان لوقف حربها المجرمة. وها هو وزير خارجية ألمانيا يعلن موقفا غير مسبوق بأن "دولا أوروبية عدة تطالب بوقف الشراكات مع إسرائيل بسبب ما تقوم به في غزة". وهناك على الضفة الأخرى، تصدر كندا وبريطانيا وفرنسا بيانا مشتركا تقول فيه: "لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو أفعالها الفاضحة"، كما كثّفت دعواتها لإيقاف الحرب واحتجت على توسيع العملية العسكرية "عربات جدعون" التي استقلها نتنياهو دون كوابح، مع تعنته ورفضه المستمر لكل المطالبات الدولية بوقف حربه المجنونة العبثية، والتي باتت بلا أهداف ولا إنجازات بحسب ما خطط له قاده الكيان.
وبحسب ما صرح به الكثيرون من المسؤولين الإسرائيليين السابقين سواء الأمنيين أو العسكريين أو السياسيين، وآخرهم ما جاء على لسان رئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود أولمرت لبي بي سي، فإن "هذه حرب بلا هدف وبلا فرصة لتحقيق أي شيء يمكن أن يُنقذ الرهائن، مشهد الحرب واضح هو مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين الأبرياء والعديد من الجنود".
من جهةٍ أخرى، تتقاطع هذه المواقف الاستثنائية الأوروبية مع المواقف الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينما وجه عددا من الصفعات إلى نتنياهو فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران أو مع حماس، أو الاتفاق على وقف إطلاق النار مع الحوثيين وما تبعه من سحبٍ لحاملة الطائرات "ترومان"، وتجاهل زيارة الكيان، ورفع العقوبات عن سوريا ولقاء رئيسها الشرع، وما عقده من صفقات مع السعودية أقلقت نتنياهو لحجمها وتأثيرها على دور الكيان الوظيفي في المنطقة، وتقوية وتأهيل الجيش السعودي وتزويده بأحدث الأسلحة. فهل جاءت المواقف الأوروبية بتنسيقٍ مع الولايات المتحدة، أم أن الأمور قد وصلت إلى ذروتها، وبدأت نهاية نتنياهو السياسية وحكومته، وبدأت نهاية مأساة شعبنا في غزة والضفة؟ وهل فشل مشروع التهجير؟ أم بات المطلوب فقط إيصال رغيف الخبز وحبة دواء؟ ما يدفعنا إلى التساؤل هو الحديث الجاري اليوم والمقتصر على إدخال المساعدات، ويتجاهل الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الحرب ونتائجها الكارثية.
إن مسارات الأحداث أظهرت أن أوروبا ضاقت ذرعا أمام شعوبها بسلوكيات دولة الكيان وتعنت نتنياهو المستمر ورفضه عقد صفقة تبادل الأسرى، بل إصراره على المضي بحربه وتوسيعها. هذا الاستنتاج يُعيدنا إلى فلسفة سقراط الذي قال ذات يوم "الاختلاف هو بداية الفهم"؛ إن هذا يعني أن أوروبا باتت تدرك تماما خطورة العقيدة الصهيونية التوراتية على الشعب الفلسطيني والمنطقة، وفهمت أبعادها وأهدافها، والتي انكشفت مرارا وتكرارا على لسان نتنياهو ووزرائه المتطرفين الذين لا يرون أي وجود للفلسطينيين، ولا يتحدثون مطلقا عن أي مبادرة أو حل أو دولة فلسطينية، بل يتحدثون عن خارطة دولة الكيان الجديدة التي يضعها الجندي الإسرائيلي على ذراعه والتي لم تعد تشمل الضفة الغربية وغزة فقط، بل أجزاء من الدول العربية المحيطة لتصل إلى أجزاء من المملكة السعودية.
دولة العدوان لا تفهم إلا لغة القوة والعقوبات، وفرض إجراءات أشد تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولأن نتنياهو يعرف كيف يتعامل مع سياسة "العصا والجزرة" فالمطلوب من أوروبا الآن التحلّي بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية باتخاذ إجراءات أكثر صرامة وتأثيرا
إن ما دأب على التصريح به الوزير المتطرف العنصري سموتريتش، الأوكراني الجنسية، بقوله: "أمام الفلسطينيين أن يرحلوا أو يخضعوا لنا أو يموتوا"؛ يُعبّر بوضوح عن مخطط الإبادة والتطهير العرقي والتهجير. إذا، لم يعد المطلوب فقط هو القضاء على المقاومة بكل فصائلها وأشكالها، بل المطلوب القضاء على الفرد الفلسطيني الذي يمثل المستقبل والوجود الفلسطيني النقيض الدائم للوجود الصهيوني الإسرائيلي، فما أسماها نتنياهو "حرب نهضة إسرائيل" و"حرب الاستقلال الثانية وحرب الوجود" تبرهن على أهداف هذه العقيدة الصهيونية التلمودية، التي نعتقد أنها وصلت إلى ذروتها بعد قامه دولة الكيان، والسعي إلى إعلان يهودية الدولة بالتطهير العرقي القائم على تهجير الفلسطينيين ليس من غزة فقط، بل من الضفة وأراضي الـ48. ولعل ما جاء في خطاب نتنياهو الأخير هو الإفصاح عن جزءٍ من خطة "إسرائيل" لإنهاء الوجود الفلسطيني؛ بدءا من غزة التي ستكون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي بعد إنهاء حكم حماس وتدميرها.
إن هذه المواقف الأوروبية على أهميتها تمثل أول الغيث، إلا أنها تفتقد إلى الفاعلية؛ لأن نتنياهو المتغطرس لا يأبه للمجتمع الدولي ولا للهيئات الدولية ولا لقراراتها، ولا يحترم العلاقات مع الدول، فإقدام جنود الاحتلال على إطلاق النار في جنين على الدبلوماسيين الأوروبيين والآخرين الأجانب إنما هو إطلاق النار على المجتمع الدولي برمته وعلى رأسها أوروبا، وهي رسالة من الدولة المارقة إليها بعد اتخاذ هذه المواقف الأخيرة.
إن الصهاينة باتوا يدركون أن "قتل 100 فلسطيني في يومٍ واحد لا يثير اهتمام العالم أبدا"؛ هذا ما قاله عضو الكنيست الإسرائيلي تسيفي سكوت، فقتل ثمانية أطفال من تسعة هم أبناء الطبيبة آلاء النجار، وهي على رأس عملها في إسعاف الأطفال المصابين، تستقبل جثامين أطفالها المتفحمة أشلاء، لا يثير اكتراث العالم لاستشهادهم، بينما لمقتل موظفين اثنين في المتحف اليهودي في الولايات المتحدة تقوم الدنيا ولا تقعد، ويُوصف الحدث بالجريمة وأنه معاداه للسّامية، فيما لا زال العالم يصمت على جرائم قتل اكثر من 53 ألف شهيد.
إن دولة العدوان لا تفهم إلا لغة القوة والعقوبات، وفرض إجراءات أشد تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولأن نتنياهو يعرف كيف يتعامل مع سياسة "العصا والجزرة" فالمطلوب من أوروبا الآن التحلّي بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية باتخاذ إجراءات أكثر صرامة وتأثيرا.
ويُذكر أن صادرات الأسلحة التي تسعى الدول الأوروبية إلى إيقافها لا تشكل أكثر من 1 في المئة مما تحتاجه "إسرائيل"، فالمطلوب فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية وسياسية مؤثرة عليها ترتقي إلى سحب السفراء والتلويح بقطع العلاقات، حتى تُذعن وتنفذ قرارات الشرعية الدولية، وتشكل مدخلا لتقديم قادة الإجرام إلى العدالة.
[email protected]