اللغة والسيادة.. العربية مفتاح النهضة وصوت الهوية
تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT
أحمد بن محمد العامري
ahmedalameri@live.com
في التاريخ، ما من أمة نهضت إلا وكانت لغتها هي البوابة الأولى للوعي والتمكين. فاللغة ليست أداة تواصل فحسب، بل هي عقل الأمة المتكلم، وروحها الناطقة، ومرآتها في العالم. وإذا كانت المعرفة قوة، فإن اللغة التي تُنتَج بها المعرفة هي جوهر السيادة.
من هنا، تأتي اللغة العربية ليس بوصفها مجرد لغة قومية أو دينية، بل باعتبارها أساسًا لبناء مشروع حضاري متكامل، يعيد للأمة العربية حضورها الفاعل في عصر التنافس الثقافي والتقني والمعرفي.
إن تمكين اللغة العربية في فضاءات العلم والتعليم والإنتاج والبحث ليس رفاهًا فكريًا، ولا حنينًا تراثيًا، بل هو ضرورة سيادية واستراتيجية. إذ لا يمكن لشعب أن ينهض على أسس مستعارة، ولا لأمة أن تنهض بلغة غيرها. فحين تكون اللغة الأجنبية هي لغة التعليم والبحث والعمل، فإننا نخلق فجوة بين الإنسان وهويته، ونصنع أجيالًا تفكر بلغة الغير، وتحلم بما لا يشبه بيئتها، وتنتج لمن لا يشبهها.
اللغة العربية اليوم تمتلك المقومات التي تؤهلها لأن تكون لغة العصر، فهي لغة ذات جذور فكرية وفلسفية عميقة، وقد أثبتت قدرتها عبر قرون على استيعاب العلوم والفلسفات، من الطب والفلك إلى الرياضيات والمنطق. وقد استطاعت أن تكون لغة العلم في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، عندما كانت بغداد وقرطبة والقيروان مراكز إشعاع معرفي للعالم أجمع، وما كانت تلك النهضة لتحدث لولا أن كان هناك وعي بأهمية اللغة في إنتاج المعرفة لا مجرد نقلها.
اليوم، نحن في مفترق طرق، إما أن نعيد للعربية دورها المركزي في بناء الإنسان العربي، أو نستمر في التبعية المعرفية التي تحول دون امتلاك زمام المستقبل. إن الحديث عن تعريب التعليم، وتوطين المعرفة، ليس مجرد شعار، بل هو مشروع سيادي عميق يرتبط بالاستقلال الحقيقي، ويحرر العقل من الارتهان الثقافي. فالمعرفة حين تُستورد بلغة أخرى، تأتي محمّلة بثقافة الآخر، بقيمه، وبتصوراته عن الإنسان والعالم. وإذا لم نكن حذرين، فإننا لا نأخذ منها فقط أدوات العلم، بل نأخذ معها ملامح التبعية والتنازل عن الذات.
وتمكين اللغة العربية يتطلب منظومة متكاملة، تبدأ من الطفولة، حيث تُزرع في الطفل محبة لغته لا باعتبارها مادة دراسية؛ بل هوية وكرامة. وتمتد إلى الجامعات، حيث يجب أن تُقدَّم العلوم بالعربية مع دعم البحث والترجمة والتأليف. ولا بُد أن تكون بيئة العمل والمؤسسات الرسمية نموذجًا في اعتماد اللغة العربية، ليس من باب الالتزام الشكلي، بل باعتبارها لغة الكفاءة والاحتراف.
أما في المحافل الدولية، فالتحدث بالعربية، حتى لمن يُجيدون غيرها، هو موقف وطني، ورسالة رمزية تقول: "نحن نحترم أنفسنا كما نحترمكم، ونخاطبكم بلغتنا كما تخاطبوننا بلغاتكم." إن هذا الموقف لا يُقلل من القيمة، بل يرفع من مكانتنا، لأن الأمم القوية لا تتنازل عن لغاتها، بل تُصدّرها، وتربط بها منتجاتها، ومعرفتها، وصورتها في الوعي العالمي.
خلاصة القول.. إن اللغة ليست ترفًا ثقافيًا، بل خيار استراتيجي. والحديث عن التنمية لا يكتمل من دون الحديث عن اللغة. والهوية لا تُبنى بلغة مستعارة. وإذا أردنا أن نكون أمةً حرةً، واثقةً، قادرةً على المشاركة في تشكيل ملامح المستقبل، فعلينا أن نعيد الاعتبار للغتنا، لا بوصفها موروثًا، بل باعتبارها أداة للتمكين، ومفتاحًا للنهضة، وصوتًا نُعبّر به عن رؤيتنا في عالم لا يحترم إلا من يحترم نفسه.
لنرفع قيمة اللغة العربية في مدارسنا، وجامعاتنا، ومؤسساتنا، ومؤتمراتنا، ونحملها معنا إلى كل مكان، لأنها ليست مجرد كلمات؛ بل راية سيادة، ودليل وعي، وطريق كرامة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ورشة عمل بصنعاء خاصة بمؤشر المعرفة والابتكار الوطني
الثورة نت/.
عقدت بصنعاء اليوم ورشة عمل خاصة بـ المسودة الأولية لمؤشر المعرفة والابتكار الوطني، نظمتها الهيئة العامة للعلوم والبحوث والتكنولوجيا والابتكار بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء.
ناقشت الورشة بمشاركة عدد من خبراء الهيئة ومجلس الاعتماد الأكاديمي والجهاز المركزي للإحصاء واليونيسكو، المسودة الأولية لمؤشر المعرفة والابتكار الوطني والمؤشرات الفرعية الفردية والمركبة وإثرائها بالمقترحات والتوصيات.
وفي الورشة أكد نائب وزير التربية والتعليم والبحث العلمي الدكتور حاتم الدعيس أهمية مؤشر المعرفة والابتكار التي تفتقر للأرقام والمعلومات التي تساعد على اتخاذ القرارات السليمة والمناسبة.
وأشار إلى أن المعلومة مغيبة عن صانعي القرار وتوفر المؤشرات يمثل النواة الحقيقية للمعرفة والابتكار في اليمن .. حاثا على الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا الشأن مع ضرورة الاحتفاظ بالهوية اليمنية.
وثمن الدكتور الدعيس جهود الهيئة العامة للعلوم والبحوث والابتكار .. مشيرا إلى أن الهيئة سباقة إلى الابتكار وتقوم بتنفيذ المهام المنوطة بها على أكمل وجه.
فيما أوضح رئيس الهيئة العامة للعلوم والبحوث والتكنولوجيا الدكتور منير القاضي أهمية مؤشر المعرفة والابتكار في تعزيز التنمية المستدامة وبناء اقتصاد المعرفة الذي يطمح إليه الشعب اليمني .
وأشار إلى أن الدافع الرئيسي لإنشاء المؤشر الوطني للمعرفة والابتكار يتمثل في التوجهات السياسية للدولة وتناسقها مع الأهداف السياسية والاقتصادية للمؤشرات الدولية بشكل عام وبما يسهل التعامل مع مختلف الجهات.
ولفت القاضي إلى أن المؤشر الوطني للمعرفة ليس مجرد أداة قياس فحسب بل هو خارطة طريق استراتيجية تهدف إلى تحديد مواطن القوة والضعف في منظومة المعرفة والابتكار في اليمن وتسهم في توجيه الجهود الوطنية نحو تطوير هذه المنظومة بشكل متكامل ومستدام .
وأوضح أن اثراء هذا المؤشر الوطني سيسهم في تحسين جودة التعليم وزيادة الإنتاج البحثي وتحفيز الابتكار والإبداع وتعزيز القدرة التنافسية والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بين مختلف الجهات والمؤسسات التعليمية والبحثية والإنتاجية وتحفيزها على تطوير قدراتها المعرفية والابتكارية .
كما القيت في الورشة التي حضرها وكيل وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي لقطاع التعليم الثانوي زيد الهدور وعدد من مسؤولي الجهاز المركزي للإحصاء وهيئة العامة للعلوم ومجلس الاعتماد الاكاديمي، كلمتان من وكيل وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي لقطاع التعليم العالي الدكتور إبراهيم لقمان والأمين العام لمجلس الاعتماد الأكاديمي الدكتور محمد ضيف الله،أشارتا إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي لأي بلد لا يمكن ان يتم بالطرق التقليدية وإنما من خلال مؤشر الابتكار والابتكار والإبداع غير المستورد.
وأكدا أهمية مؤشر المعرفة والابتكار في بناء المجتمع والاقتصاد المبنيان على المعرفة ..لافتين إلى أن اليمن يمتلك الكثير من الخبرات والكفاءات القادرة على إحداث نهضة تنموية مستدامة .
و ثمن لقمان وضيف الله جهود وإسهامات الهيئة العامة للعلوم والتكنولوجيا والابتكار وما حققته من إنجازات خلال الفترة الماضية .