لم يعد "شات جي بي تي" مجرد أداة للحصول على المعلومات، بل تطور ليُستخدم بشكل واسع في تقديم النصائح العاطفية، ومشاركة الحديث حول مشكلات العمل أو العلاقات الأسرية والاجتماعية. كما يلجأ إليه كثيرون كوسيلة لتخفيف مشاعر القلق، التوتر، الحزن، أو حتى الوحدة.

وبهذا الدور الجديد، يبرز سؤال مهم: هل يمكن أن يتحول شات جي بي تي مستقبلا إلى بديل للمعالج النفسي أو الصديق الحقيقي؟

رفيق فعال لتقديم الدعم النفسي

ساهمت عدة عوامل في تحويل "شات جي بي تي" إلى أداة مستخدمة على نطاق واسع في مجال دعم الصحة النفسية، من أبرزها صعوبة الوصول إلى خدمات الرعاية النفسية التقليدية.

ففي كثير من الدول، لا يزال طلب المساعدة النفسية مرتبطا بوصمة اجتماعية، إلى جانب النقص الكبير في عدد الاختصاصيين النفسيين، وارتفاع تكاليف العلاج، مما يجعل الدعم النفسي خارج متناول فئات واسعة من الناس.

وفي هذا السياق، يبرز "شات جي بي تي" كمنصة مجانية وسهلة الوصول، تتيح للجميع مساحة للتعبير دون أحكام أو تحيّزات. فالذكاء الاصطناعي لا يحاكم ولا ينتقد، مما يوفر بيئة آمنة للتعبير عن المشاعر ومشاركة الهموم بعيدا عن الخوف من ردود الفعل السلبية.

ومع تسارع وتيرة الحياة وتراجع العلاقات الاجتماعية المباشرة، ازداد الشعور بالوحدة لدى كثيرين، مما جعل من الذكاء الاصطناعي وسيلة بديلة للتواصل والدعم العاطفي. وبفضل قدرته على التعلم وتذكر المعلومات، يستطيع "شات جي بي تي" أن يقدم دعما متكيفا مع شخصية المستخدم وظروفه الخاصة.

إعلان

وهذا الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في مجال الصحة النفسية دفع الباحثين إلى إجراء دراسات متعمقة لفهم هذه الظاهرة وتقييم فعاليتها وجدواها على المدى الطويل.

وأجريت إحدى الدراسات على مجموعة من المرضى الذين يعانون من مشكلات نفسية، حيث استخدموا الذكاء الاصطناعي لمدة أسبوعين، تلتها جلسات منتظمة مع مختصين في الصحة النفسية. وقد عبّر معظم المشاركين عن رضاهم الكبير تجاه التجربة، واعتبروها مفيدة على عدة مستويات.

وعند تقييم نتائج الدراسة، تبيّن أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم فوائد حقيقية، من بينها توفير نوع من الدعم السلوكي المعرفي، وتعزيز الوعي النفسي، إلى جانب المساعدة في تقديم الدعم العاطفي، وتمكين المرضى من فهم مشكلاتهم بشكل أوضح وتحديد أهدافهم الشخصية.

لكن الدراسة كشفت أيضا عن عدد من التحديات والقيود، أبرزها محدودية الدقة والموثوقية، وعدم قدرة الذكاء الاصطناعي على إجراء تقييمات نفسية شاملة أو تقديم تشخيص واقعي للحالات.

كما أظهرت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي قد يعجز عن استيعاب الفروق اللغوية والثقافية، ويواجه صعوبة في فهم الخلفيات الاجتماعية للمستخدمين. إضافة إلى ذلك، لوحظ ميله أحيانا إلى مجاملة المستخدمين وتقديم نصائح ترضيهم، حتى وإن لم تكن دقيقة أو مناسبة من الناحية العلاجية.

شات جي بي تي أداة فعالة لنشر الوعي حول مفاهيم نفسية مثل القلق والاكتئاب وإستراتيجيات التأقلم (شترستوك) حدود لا يمكن تجاوزها

بناء على العديد من الدراسات، يعتقد الخبراء بوجود إمكانيات واعدة للذكاء الاصطناعي في مجال دعم الصحة النفسية، مع ذلك من المهم للغاية فهم حدود استخداماته. فـ"شات جي بي تي" ليس معالجا نفسيا مدربا، ولا يمكنه التعامل مع الأزمات النفسية الطارئة ولا يمكن أن يقدم علاجا لأمراض نفسية مثل الذهان أو الاكتئاب الحاد أو غيرها.

إعلان

وعلى الرغم من قدرته على تقديم الدعم النفسي، فإنه ليس قادرا على تقديم التعاطف الإنساني، ولا يمكن استبداله بالتفاعل البشري المباشر، الذي يعد عنصرا أساسيا في عملية الشفاء والدعم النفسي.

وتقول اختصاصية علم النفس، ميكي لي إليمبابي: "يقتصر دور شات جي بي تي على كونه أداة تكميلية قد تصاحب رحلتك في العناية بصحتك النفسية". وتضيف: "عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانية والتواصل العاطفي، لا يمكن لأي ذكاء اصطناعي أن يحل مكان الصديق الحقيقي، أو الحضور الفيزيائي للمعالج النفسي".

ويواجه "شات جي بي تي" عدة قيود في مجال الدعم النفسي، أبرزها ضعف قدرته على التحقق من المعلومات، مما يجعله عرضة لنشر محتوى مضلل، ويؤكد عدم صلاحيته كأداة لتشخيص الاضطرابات النفسية.

إلى جانب ذلك، تثير مسألة الخصوصية قلقا واسعا، إذ تُخزن البيانات الشخصية وتُحلل دون ضمانات أمنية كافية لحمايتها.

كما حذّرت بعض الدراسات من آثار نفسية سلبية محتملة على المدى الطويل، خاصة إذا اعتمد المستخدمون على الذكاء الاصطناعي بديلا للتفاعل البشري، مما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات النفسية نتيجة تشخيصات غير دقيقة وخطط علاجية غير فعالة.

كثيرون يستخدمونه كبديل مؤقت للتواصل الإنساني وسط شعور متزايد بالوحدة (بيكسلز) كيف يساعدك شات جي بي تي في تحسين صحتك النفسية؟

على الرغم من عدم قدرته على تقديم بديل عن العلاج النفسي ودفء العلاقات الإنسانية، فإنه لا يزال بإمكاننا استخدامه بطرق تساعد على دعم صحتنا النفسية، بما في ذلك:

كتابة اليوميات بطريقة منظمة

قد تواجه صعوبة أحيانا في التعبير عن مشاعرك، خاصة في الأوقات العصيبة. هنا يمكن لشات جي بي تي أن يساعدك في بدء عملية الكتابة عبر طرح أسئلة موجهة، أو تقديم منهجية فعالة لتدوين مشاعرك، مما يساعدك في فهم واستيعاب الصعوبات التي تمر بها ومحاولة إيجاد حلول للتخلص منها.

تفريغ الأفكار وتنظيم المهام

إذا كنت تعاني من تشتت الأفكار أو القلق الناتج عن كثرة المهام، يمكن أن يساعدك "شات جي بي تي" على تفريغ أفكارك ثم ترتيب المهام حسب الأولوية. هذه الأداة مفيدة خصوصا لمن يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه "إيه دي إتش دي" (ADHD) أو القلق المرتبط بالإنتاجية.

إعلان التعلم الذاتي والتثقيف النفسي

من أبرز أدوار "شات جي بي تي" أنه يشكل مصدرا معرفيا مرنا وسهل الوصول، يشرح مفاهيم مثل اضطرابات القلق، وأعراض الاكتئاب، وإستراتيجيات التأقلم كتمارين التنفس أو اليقظة الذهنية (Mindfulness). وهو بذلك يساعد المستخدم على فهم ذاته بشكل أعمق، دون الحاجة للبحث العشوائي والمشتت عبر الإنترنت.

دعم اتخاذ القرار في العلاقات والتواصل

في بعض المواقف، قد يكون من الصعب الرد على رسائل مؤذية أو خوض محادثات شائكة، خاصة عندما تطغى المشاعر والانفعالات. في مثل هذه الحالات، يمكن لشات جي بي تي أن يساعد في صياغة ردود هادئة ولبقة، تحميك من التوتر والمواجهة الحادة. وتبرز أهمية هذه الميزة في المواقف التي تتطلب ضبط النفس والحفاظ على حدود صحية في التعامل مع الآخرين.

الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى عزلة نفسية أو استجابات علاجية غير دقيقة (بيكسلز) توفير اقتراحات بين جلسات العلاج

إذا كنت تخضع لعلاج نفسي، يمكن أن يكون شات جي بي تي رفيقا داعما بين الجلسات. إذ يساعدك في استكشاف كتب أو بودكاست متعلق بمشكلتك، أو حتى مساعدتك في تحضير ملاحظات لعرضها على معالجك في الجلسة القادمة.

وأخيرا يمكن اعتبار "شات جي بي تي" أداة فعالة قد تسهم في دعم الصحة النفسية من خلال تعزيز الوعي الذاتي، وتنظيم الأفكار، والتخفيف من القلق والتوتر، ومساعدتك على التعبير عن مشاعرك. ومع ذلك، ورغم دوره كمرافق رقمي ذكي، فإنه لا يمكن أن يحل محل المعالج النفسي أو يغني عن صديق حقيقي يقدم دعما إنسانيا صادقا وعاطفة ملموسة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی الصحة النفسیة الدعم النفسی شات جی بی تی قدرته على فی مجال لا یمکن یمکن أن

إقرأ أيضاً:

إماراتية تسخّر الذكاء الاصطناعي في تصنيع عطور عضوية

دبي: محمود محسن
نجحت الدكتورة الإماراتية صفاء النقبي، طبيبة وعطارة بخبرة تمتد لأكثر من 18 عاماً، في مبادرة رائدة في الوطن العربي، بتأسيس مشروع فريد لتصنيع عطور عضوية خالية تماماً من المواد الكيميائية والكحول، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، داخل مصنع صديق للبيئة يعمل 100% بالطاقة الشمسية.
«الخليج» التقت الطبيبة على هامش فعاليات اليوم الأول لقمة الإعلام العربي. وأكدت أن فكرة المشروع جاءت نتيجة لتجربة شخصية عاشتها عندما عانت حساسية تجاه الكحول المستخدم في معظم أنواع العطور، خاصة خلال مرحلة تعافيها من السرطان، هذا التحدي الصحي دفعها للبحث عن بدائل طبيعية وآمنة، فبدأت رحلة تطوير تركيبات عطرية تعتمد على الزيوت النباتية، بدلاً من الكحول، بالتعاون مع أكاديمية عطور في فرنسا. وتمكنت عام 2021 خلال جائحة «كورونا»، من إطلاق علامتها التجارية بالشراكة مع مصنع إيطالي للاستفادة من خبرات عالمية.
خلطات دقيقة
والمشروع استثنائي لاعتماده على الذكاء الاصطناعي في تصميم العطور وتصنيعها، وتقول د. صفاء ل«الخليج»: «إن استخدام الذكاء الاصطناعي بدأ من مراحل التصميم الأولى لأجهزة الخلط والتعبئة، إذ جرى الاستغناء عن عدد كبير من الموظفين، ما خفض الكلف التشغيلية وسرّع عمليات الإنتاج. كما جرى تطوير أجهزة ذكية يمكنها قراءة المعادلات الكيميائية الخاصة بالخلطات العطرية، وتنفيذها بدقة متناهية دون تدخل بشري، ما قلل هامش الخطأ في نسب المكونات إلى الصفر تقريباً، وبدل من هدر الوقت الطويل في تجربة الخلطات يدوياً، الآن أدخل المعادلة في الجهاز الذي يحللها، ويخلطها، ويعبئها بدقة، من دون خطأ حتى لو كان بمقدار 0.1، وهو كفيل بتغيير رائحة العطر تماماً».
ويتميز الذكاء الاصطناعي أيضاً بقدرته على مقارنة الخلطات الجديدة بقاعدة بيانات ضخمة، تحتوي على آلاف التركيبات العالمية، لينبه فوراً إذا كانت الرائحة مكررة أو مشابهة لعلامة تجارية أخرى، ما يمنح المشروع تفرداً وابتكاراً دائماً.
صديق للبيئة
ويعد المصنع المزمع إطلاقه في الدولة خلال النصف الأول من العام القادم الأول في العالم الذي يعمل بطاقة شمسية بالكامل، دون أي اعتماد على الكهرباء التقليدية. كما أن جميع مواد التعبئة والتغليف قابلة لإعادة التدوير وصديقة للبيئة، في خطوة تعكس التزام العلامة التجارية بالاستدامة تماشياً مع توجهات حكومة الإمارات.
وتطمح د. صفاء، إلى أن يكون مصنعها في الإمارات نموذجاً عالمياً يحتذى في صناعة العطور النظيفة والمستدامة. مؤكدة أن النجاح الكبير الذي حققته المرحلة التجريبية في إيطاليا سيكون نقطة الانطلاق نحو توطين هذا الابتكار في بلدها.

مقالات مشابهة

  • إيكونوميست: الذكاء الاصطناعي يُسرّع العمل ولن يقصي البشر
  • قمة الإعلام العربي: الذكاء الاصطناعي واقع لا مفر من إجادته والتدريب عليه
  • الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.. من يحمي من؟
  • فاروق جويدة: ترامب لا يهتم بالثقافة.. والإبداع البشري لا يمكن استبداله بالذكاء الاصطناعي
  • جوجل تكشف عن مستقبل الذكاء الاصطناعي في مؤتمر Google I/O 2025
  • إماراتية تسخّر الذكاء الاصطناعي في تصنيع عطور عضوية
  • كيف تسأل الذكاء الاصطناعي؟.. 5 مفاتيح لإجابات أدق
  • الذكاء الاصطناعي يسهل البحث على غوغل.. فيديو
  • الصين تطلق أول بطولة ملاكمة لروبوتات الذكاء الاصطناعي .. فيديو