كيف يغيّر مشروع ديجيتس من إنفيديا مشهد الذكاء الاصطناعي؟
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
في عالم يتجه بشكل متسارع نحو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، تبرز "إنفيديا" بصفتها واحدة من الشركات الرائدة في تقديم حلول مبتكرة.
ومن بين هذه الحلول، يأتي "مشروع ديجيتس" (Project Digits) بصفته منصة متقدمة تهدف إلى تبسيط وتسهيل عملية تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي.
ويعد هذا الجهاز الجديد بمنزلة أداة حيوية للباحثين والمطورين الذين يسعون إلى تحسين نماذج الذكاء الاصطناعي.
خلال فعاليات نسخة هذا العام من "معرض الإلكترونيات الاستهلاكية" "سي إي إس" (CES)، أعلنت "إنفيديا" عن منتجها الجديد السري، وهو أصغر حاسوب عملاق للذكاء الاصطناعي في العالم قادر على تشغيل نماذج مكونة من 200 مليار معلمة.
ويستهدف الحاسوب العملاق الشخصي للذكاء الاصطناعي المسمى "مشروع ديجيتس" المطورين وعلماء البيانات الذين يبحثون عن منصة عتادية وبرمجية ميسورة التكلفة وسهلة الوصول لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ومن الاستدلال إلى الضبط الدقيق إلى تطوير الوكلاء، يمتلك الجهاز كل ما يلزم لبناء حل ذكاء اصطناعي توليدي شامل، إذ إنه أقوى بمقدار ألف مرة من الحاسوب المحمول التقليدي.
ويتيح الجهاز للمطورين إنشاء نماذج أولية وضبط وتنفيذ نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة محليا، وهو يشبه إلى حد كبير جهاز "ماك ميني" (Mac Mini) من "آبل".
ويستطيع "مشروع ديجيتس" تشغيل البرامج العاملة بالذكاء الاصطناعي، مما يقلل من الاعتماد على السحابة ويوفر الخصوصية والسرية والامتثال.
منذ عام 2022، شهدت صناعة الذكاء الاصطناعي طفرة في النمو منذ نشأتها. وقد أثبتت النماذج اللغوية الكبيرة فعاليتها في مجالات متنوعة، مثل خدمة العملاء، وتوليد المحتوى، والبحث الطبي. ولكن يتطلب دعم هذه الإنجازات في مراكز البيانات استثمارات ضخمة في الأجهزة.
إعلانوتعد وحدات معالجة الرسوميات العالية الأداء ضرورية لتدريب وتشغيل النماذج المتقدمة بسرعة. وكان لدى الشركات التي تتطلع إلى بناء كفاءات الذكاء الاصطناعي خياران، هما الاعتماد على موفري الخدمات السحابية، أو الاستثمار في الأجهزة.
ويمثل كلا الخيارين تحديات، إذ قد ترتفع النفقات بشكل كبير عند تكرار تدريب النماذج، كما تحتاج عملية بناء بنية تحتية عالية الأداء للذكاء الاصطناعي إلى رأس مال أولي ضخم وخبرة متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ومساحة مادية كبيرة للتبريد والطاقة.
ويهدف "مشروع ديجيتس" إلى التغلب على هذه التحديات من خلال تقديم قدرات متطورة بحجم صغير وسعر مقبول.
وقبل "مشروع ديجيتس"، كانت "إنفيديا" تركز على توفير وحدات معالجة الرسوميات الداعمة للذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، كانت هذه الحلول تتطلب معرفة تقنية لاستخدامها. وجاء "مشروع ديجيتس" لسد هذه الفجوة من خلال واجهة المستخدم البسيطة، والتكامل مع أدوات "إنفيديا" الأخرى، ودعم التطبيقات المتعددة.
المواصفات العتاديةفي قلب "مشروع ديجيتس"، توجد شريحة "جي بي 10 جريس بلاكويل سوبر تشيب" (GB10 Grace Blackwell Superchip)، التي تحتوي على طاقة معالجة كافية لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة مع كونها صغيرة الحجم بما يكفي لتناسب المكتب وتشغيلها من منفذ طاقة قياسي.
وتجمع هذه الشريحة بين وحدة معالجة الرسوميات "بلاكويل" (Blackwell) ووحدة المعالجة المركزية "جريس" (Grace).
ويجري ربط وحدة معالجة الرسوميات مع وحدة المعالجة المركزية باستخدام تقنية ربط عالية السرعة تسهل نقل البيانات بسرعة بينهما.
ويساعد هذا التكامل الجهاز في توفير أداء يتيح له التعامل مع مهام الذكاء الاصطناعي المعقدة بسرعة وكفاءة.
وتتضمن وحدة معالجة الرسوميات "بلاكويل" نوى "كودا" (CUDA) ونوى "تينسور" (Tensor) من الجيل الخامس لتسريع حسابات الذكاء الاصطناعي.
ويأتي الجهاز مع 128 غيغابايت من الذاكرة الموحدة، وهي ذاكرة مشتركة لوحدة المعالجة المركزية ووحدة معالجة الرسومات، مما يزيل الحاجة إلى نسخ البيانات ويسرع المعالجة.
كما يأتي مع مساحة تخزين عالية السرعة تصل إلى 4 تيرابايت تضمن الوصول السريع إلى البيانات من أجل تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي.
ومن أجل التعامل مع مهام الذكاء الاصطناعي المعقدة، يوفر الجهاز ما يصل إلى 1 بيتافلوب من أداء الذكاء الاصطناعي، مما يعني القدرة على أداء 1 كوادريليون عملية فاصلة عائمة في الثانية.
وعلى عكس الحواسيب العملاقة التقليدية، يستطيع جهاز "إنفيديا" العمل باستخدام منفذ حائط قياسي، وهو مصمم مع مراعاة كفاءة الطاقة، مما يجعله مناسبا للأفراد والفرق الصغيرة.
منصة جاهزة للذكاء الاصطناعيعند تصميم "مشروع ديجيتس"، وضعت "إنفيديا" نصب عينيها التكامل السلس مع منظومتها الشاملة للذكاء الاصطناعي، مما يوفر للمطورين بيئة مناسبة لتطوير الذكاء الاصطناعي.
واعتمادا على نظام التشغيل "إنفيديا دي جي إكس" (Nvidia DGX) القائم على "لينكس"، فإن الجهاز يضمن منصة مستقرة وقوية مصممة لمهام الحوسبة العالية الأداء.
ويوفر الجهاز إمكانية الوصول إلى مجموعة من الأدوات المألوفة لتطوير الذكاء الاصطناعي لأنه مزود مسبقا بمجموعة برامج الذكاء الاصطناعي الشاملة من "إنفيديا"، بما في ذلك منصة برامج "إنفيديا إيه آي إنتربرايز" (Nvidia AI Enterprise).
إعلانونتيجة توافق النظام مع أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل "باي تورش" (PyTorch) و "بايثون" (Python)، يستطيع المطورون استخدام بيئات مألوفة لتطوير النماذج.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يدعم إطار العمل "إنفيديا نيمو" (Nvidia NeMo)، الذي يتيح ضبط النماذج اللغوية الكبيرة، ومكتبات "إنفيديا رابيدز" (Nvidia RAPIDS)، التي تسرع سير عمل علوم البيانات.
ومن حيث الاتصال وقابلية التوسع، يستخدم "مشروع ديجيتس" شبكات "إنفيديا كونيكت إكس" (Nvidia ConnectX)، مما يتيح نقل البيانات بسرعة عالية بين الأنظمة.
وتتيح هذه الميزة ربط وحدتين من وحدات "مشروع ديجيتس" ببعضهما البعض، مما يضاعف القدرة على التعامل مع النماذج التي تحتوي على ما يصل إلى 405 مليارات معلمة.
وتضمن قابلية التوسع هذه أنه مع نمو نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة، يستطيع "مشروع ديجيتس" التكيف لتلبية المتطلبات الحاسوبية المتزايدة.
علاوة على ذلك، صممت "إنفيديا" الجهاز لإدماج البنية التحتية للسحابة ومركز البيانات بسلاسة.
وبفضل البنية التحتية المتناسقة ومنصات البرامج عبر منظومة "إنفيديا"، يستطيع المطورون إنشاء نماذج أولية محليا عبر الجهاز مع نشرها في بيئات أكبر نطاقا دون مشكلات التوافق.
وتبسط هذه المرونة الانتقال من التطوير إلى الإنتاج، مما يعزز الكفاءة ويقلل من الوقت المستغرق للنشر. وتعاونت "إنفيديا" مع "ميدياتيك" في تصميم وحدة المعالجة المركزية الموفرة للطاقة، مما ساهم في كفاءة الطاقة.
وفي حين يعمل الجهاز عبر نظام تشغيل قائم على "لينكس"، فإنه مصمم للتكامل مع حواسيب "ويندوز". ويتيح هذا للمطورين الذين يستخدمون بيئات "ويندوز" الاستفادة بسهولة من قوة الجهاز لمشاريع الذكاء الاصطناعي.
يستهدف الجهاز باحثي الذكاء الاصطناعي وعلماء البيانات والطلاب والمطورين الذين يعملون مع نماذج الذكاء الاصطناعي.
ويساعد في إنشاء نماذج أولية وضبطها وتشغيلها محليا أو في السحابة أو داخل مركز بيانات، مما يوفر المرونة والتحكم في عملية تطوير الذكاء الاصطناعي.
ومن خلال جلب قوة الحاسوب العملاق للذكاء الاصطناعي إلى المكتب، يعالج الجهاز تحديات الذكاء الاصطناعي المعقدة دون الاعتماد على موارد الحوسبة السحابية أو البنية التحتية للحوسبة.
وتعد حالات الاستخدام المحتملة للجهاز واسعة ومتنوعة، إذ يمكن للمطورين استخدامه من أجل إنشاء نماذج أولية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة، وضبط النماذج اللغوية الكبيرة لمهام محددة، وإنشاء محتوى مدعوم بالذكاء الاصطناعي، واستنباط الخوارزميات الجديدة.
وبفضل إمكانياته المتقدمة، يستطيع "مشروع ديجيتس" إحداث فرق في عدة صناعات، من بينها:
الرعاية الصحية: تحليل الصور الطبية، وتشخيص الأمراض، واكتشاف الأورام. السيارات الذاتية القيادة: تحسين أنظمة الرؤية الحاسوبية للسيارات الذكية. الألعاب: تحسين الذكاء الاصطناعي في الألعاب وتطوير شخصيات أكثر واقعية. التجارة الإلكترونية: تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالأسواق المالية، وتحسين أنظمة التوصيات. الصناعات التحويلية: مراقبة الجودة عبر تحليل الصور في الوقت الفعلي.ويتوفر "مشروع ديجيتس" بسعر يبدأ من 3 آلاف دولار، ويجعل هذا السعر التنافسي منه خيارا قابلا للاستخدام لمجموعة واسعة من المستخدمين، مما يساهم بشكل كبير في تسهيل تطوير الذكاء الاصطناعي.
ويسد الجهاز الفجوة بين خدمات الذكاء الاصطناعي المستندة إلى السحابة والبنية التحتية الضخمة داخل مقر العمل من خلال تقليل النفقات الأولية، وتحسين قابلية التوسع، وزيادة التحكم والأمان.
إعلانفي الختام، يمثل "مشروع ديجيتس" قفزة كبيرة إلى الأمام في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهو جزء من مبادرة أوسع نطاقا لشركة "إنفيديا" لجلب الذكاء الاصطناعي للجميع على غرار الطريقة التي جعلت بها الحواسيب الشخصية في الثمانينيات الحوسبة في متناول المتخصصين العاديين.
ويساعد الجهاز في إحداث تغيير كبير في مشهد الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح العتاد الحصري متاحا على نطاق واسع. ومن خلال إدماج الحوسبة القائمة على الذكاء الاصطناعي العالية الأداء مع الشكل الصغير، تراهن "إنفيديا" على مستقبل حيث لا يقتصر الابتكار فيه على عمالقة التكنولوجيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الذکاء الاصطناعی المعقدة وحدة المعالجة المرکزیة نماذج الذکاء الاصطناعی تطویر الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی معالجة الرسومیات عالیة الأداء الاعتماد على وحدة معالجة من خلال
إقرأ أيضاً:
قيادة المستقبل في عصر الذكاء الاصطناعي
د. علي بن حمدان بن محمد البلوشي
تطوَّر مفهوم القيادة بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، فلم يعد القائد هو ذلك الشخص الذي يعتمد فقط على الكاريزما أو السلطة الرسمية؛ بل أصبح الدور أكثر شمولًا وتعقيدًا.
القيادة الحديثة تقوم على مزيج من المهارات الإنسانية والتقنية، وعلى قدرة القائد على التأثير في الآخرين والإلهام واتخاذ القرارات ضمن بيئات سريعة التغيّر. وبعض القادة يولدون بسمات تساعدهم مثل الحزم أو الذكاء العاطفي، لكن النجاح الحقيقي يعتمد بشكل أساسي على مهارات مكتسبة عبر التجربة والتعلم المستمر؛ مثل القدرة على التواصل، التفكير الاستراتيجي، إدارة فرق متنوعة، فهم البيانات، والتعامل مع التقنية.
وفي عصر العولمة والذكاء الاصطناعي، يواجه القادة تحديات لم يشهدوها من قبل. أولى هذه التحديات هو تسارع التغيير التقني الذي يفرض على القائد مواكبة الابتكار دون فقدان البوصلة الإنسانية. إضافة إلى ذلك، فإن تنوع ثقافات ومهارات المرؤوسين يجعل إدارة التوقعات وبناء فرق متجانسة أكثر تعقيدًا. كما تُعد حماية البيانات والالتزام بالأخلاقيات الرقمية من أبرز التحديات، في وقت أصبحت فيه القرارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي جزءًا من العمليات اليومية. كذلك تواجه المؤسسات ضغوطًا عالمية تتعلق بالاستدامة والمسؤولية المجتمعية، ما يتطلب من القادة فهم البيئة الدولية واتخاذ قرارات مبنية على قيم واضحة.
ولمواجهة هذه التحديات، يحتاج القائد إلى مجموعة من الاستراتيجيات والأدوات. من أهمها تعزيز ثقافة الابتكار داخل الفريق وتشجيع التعلم المستمر، بما في ذلك تعلّم مهارات العمل جنبًا إلى جنب مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. كما يجب على القائد بناء جسور للثقة عبر الشفافية في القرارات، والإفصاح عن كيفية استخدام البيانات والتقنيات. ويُعد الالتزام بالأخلاقيات- سواء في استخدام التكنولوجيا أو إدارة الأفراد- ركيزة أساسية للحفاظ على سمعة المؤسسة ومتانة بيئتها الداخلية. كما ينبغي استخدام أدوات التحليل الرقمي لأخذ قرارات دقيقة، دون إغفال البعد الإنساني في قيادة الأفراد وفهم دوافعهم الثقافية والاجتماعية.
وفي الختام.. فإن قادة المستقبل بحاجة إلى مزيج فريد من البُعد الإنساني والرؤية التقنية. عليهم أن يعزّزوا الثقة داخل منظوماتهم، ويجعلوا الأخلاق معيارًا أساسيًا في كل خطوة، وأن يبنوا ثقافة عمل تتقبّل التغيير وتحتفي بالابتكار. والمستقبل سيكافئ القادة القادرين على التوازن بين العقل والآلة، وبين التقنية والقيم، وبين الطموح والمسؤولية؛ فهؤلاء وحدهم سيقودون التغيير في عصر الذكاء الاصطناعي.
** مستشار اكاديمي