القدس المحتلة- صادقت الحكومة الإسرائيلية، هذا الأسبوع، على خطة جديدة يقودها كل من وزير الخارجية جدعون ساعر ووزير شؤون القدس مئير بوروش، تهدف إلى تشجيع الدول الأجنبية على نقل سفاراتها إلى القدس أو افتتاح بعثات دبلوماسية جديدة فيها.

وتشمل هذه الخطة تخصيص ميزانيات بملايين الدولارات، وتقديم "سلة حوافز" للدول المعنية، تتضمن مساعدات مالية لتغطية تكاليف بناء أو نقل السفارات، إلى جانب تسهيلات تخطيطية وسكنية، في محاولة لخلق بيئة دبلوماسية تشجع على الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل.

تأتي هذه الخطوة في وقت حساس تشهد فيه إسرائيل انتقادات أوروبية متزايدة، خاصة في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية فيه، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عن إعادة النظر في اتفاقيات الشراكة الموقعة مع تل أبيب على ضوء الانتهاكات الموثقة لحقوق الإنسان.

الحكومة صادقت على خطة لتحفيز نقل السفارات الأجنبية إلى مدينة القدس المحتلة (مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي) فشل واضح

وأكد الوزير ساعر -في بيان رسمي- أن هذه الخطة تمثل "إضافة مهمة للجهود الدبلوماسية" التي يقودها، بينما اعتبر بوروش أنها تأتي في إطار "تعزيز مكانة القدس على الساحة الدولية".

ومنذ اعتراف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2017، وما تبعه من نقل السفارة الأميركية إلى المدينة المحتلة، سعت إسرائيل إلى استثمار هذا التحول لإقناع دول أخرى بالسير على النهج ذاته.

وبعد مرور سنوات، لم تتجاوز قائمة الدول التي نقلت سفاراتها إلى القدس سوى الولايات المتحدة، وغواتيمالا، وكوسوفو، وهندوراس، وبابوا غينيا الجديدة، وباراغواي، وهو ما يشير إلى فشل واضح في تحويل هذا الزخم السياسي الأميركي إلى إجماع دولي واسع.

إعلان

رغم الاحتفاء بالخطة الحكومية، تواصل غالبية دول العالم، بما فيها شركاء إسرائيل الأوروبيون، رفض نقل سفاراتها إلى القدس، التزاما بالقرارات الدولية التي تعتبر القدس الشرقية أرضا محتلة وتركز على حل الدولتين، مع اعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية.

ساعر (يمين) ووزيرة الأمن الداخلي الأميركية والسفير الأميركي بإسرائيل مايك هاكابي (مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي) قلق إسرائيلي

رأى الصحفي أرييل كهانا، مراسل الشؤون الدبلوماسية والسياسية في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أن الحدث، الذي يحمل طابعا دعائيا واضحا، يأتي في وقت تشهد فيه الساحة الدولية تحركات متزايدة من قبل عدد من الدول الأوروبية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مما يضفي على الحدث بعدا رمزيا في سياق المواجهة الدبلوماسية المتصاعدة حول مستقبل القدس.

وأوضح أن الخطة تأتي في وقت يتزايد فيه القلق داخل إسرائيل بشأن مكانة القدس على الساحة الدولية، ويعتقد أن الحدث الذي يعتبر "فرصة لتكريم الدول التي عملت بشجاعة إلى جانب إسرائيل لنقل سفاراتها إلى القدس"، يُعد أيضا نقطة تحول نحو تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية معها، خصوصا في ظل التحديات الدبلوماسية والضغوطات التي تتعرض لها إسرائيل بظل استمرار الحرب على غزة.

كما أنها جاءت -وفق كهانا- لتشجيع نقل السفارات الأجنبية إلى القدس في توقيت حساس، حيث تخوض تل أبيب ما وصفها بـ"معركة العالم الحر ضد قوى الظلام والعنف". في هذا السياق، تكتسب الدول، التي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفاراتها إليها، أهمية خاصة، إذ يُنظر إلى خطواتها باعتبارها دعما سياسيا ومعنويا لتل أبيب في مواجهة التحديات التي تمر بها في المرحلة الراهنة.

من جانبها، تقدّر مايا زيون صدقيا، مديرة برنامج إسرائيل وأوروبا في معهد "ميتفيم"، أن الخطة الإسرائيلية لتحفيز نقل السفارات إلى القدس لا تعكس إنجازا دبلوماسيا، بل تكشف عمق الأزمة التي تمر بها تل أبيب خاصة في ظل حرب غزة وتراجع الدعم الدولي، حتى من الحلفاء التقليديين.

إعلان

وترى أنها تأتي كرد فعل متسرع على تصاعد الضغط الأوروبي والانتقادات، لا سيما بعد إعلان الاتحاد الأوروبي مراجعة اتفاقيات الشراكة مع إسرائيل بسبب الانتهاكات التي تُرتكب في غزة، وأنها تعكس فشل سياستها الخارجية في حشد الدعم الدولي.

وتؤكد صدقيا أن الخطة لا تمثل حلا إستراتيجيا، بل محاولة لامتصاص الأضرار، وتبرز فشل تل أبيب في تحويل اعتراف إدارة ترامب بالقدس إلى موقف دولي واسع. وبدلا من كسب التأييد، تواجه إسرائيل اليوم عزلة دبلوماسية متزايدة، تتطلب معالجة سياسية حذرة لإعادة بناء الثقة من جديد مع المجتمع الدولي.

مأزق سياسي

حسب المتحدث باسم حركة "السلام الآن" آدم كلير، يُنظر إلى القرار الإسرائيلي بتقديم ميزانيات وحوافز لنقل السفارات إلى القدس، كمؤشر على فشل الدبلوماسية التقليدية. فبدلا من أن يستند الاعتراف بالقدس إلى قناعة سياسية أو قانونية، تلجأ الحكومة إلى إغراءات مالية، مما يعكس تراجع نفوذها الدولي وضعف قدرتها على التأثير عبر القنوات الدبلوماسية المعتادة.

ويضيف كلير للجزيرة نت أنه على الرغم من المظهر الاحتفالي الذي رافق الإعلان عن الخطة، فإنها في جوهرها تعكس مأزقا سياسيا ودبلوماسيا متفاقما تمر به إسرائيل، خاصة في ظل تزايد العزلة الدولية وتصاعد الانتقادات الأوروبية لسياستها، لا سيما خلال حربها المستمرة على غزة.

في ظل هذه الظروف، تُقرأ الخطة الإسرائيلية -وفق كلير- على أنها محاولة لإطفاء حرائق سياسية بدلا من معالجة الأسباب العميقة للعزلة الدولية. وهي تعكس إلى حد كبير ارتباك السياسة الخارجية الإسرائيلية التي فشلت في ترجمة لحظة الدعم الأميركي إبان رئاسة ترامب إلى تحوّل فعلي في المواقف الدولية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تل أبیب

إقرأ أيضاً:

غليون لـعربي21: أوروبا تعترف بفلسطين خوفاً من وصمة الإبادة التي شاركت فيها

اعتبر المفكر العربي وأستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور برهان غليون أن إعلان عدد من الدول الأوروبية نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول/ سبتمبر المقبل، لا يعكس صحوة ضمير أو تحولاً جوهرياً في السياسة الغربية، بل هو "رد فعل متأخر يهدف لتفادي تهمة التواطؤ في حرب إبادة جماعية يتكشف فظاعتها تدريجياً"، مشيراً إلى أن "أوروبا كانت وما تزال شريكة أصيلة في الجريمة، تسليحاً وصمتاً وتغطية سياسية".

وقال غليون في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إن "ما غيّر موقف بعض العواصم الأوروبية ليس معاناة الفلسطينيين ولا احترام القانون الدولي، بل الخوف المتزايد من تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن صمتٍ طويل رافق مذبحة جماعية شُنّت بدم بارد على الشعب الفلسطيني في غزة".

وأضاف: "لا يوجد إنسان لا يتأثر مبدئياً باعتراف أوروبي بالدولة الفلسطينية، لكنه اعتراف متأخر ومشروط وفارغ من مضمونه، لأن دوافعه لا تنبع من شعور بالعدالة، بل من حسابات سياسية باردة تهدف لغسل اليدين من دماء أطفال غزة".

وأوضح المفكر السوري أن "الاعتراف يأتي بعد 21 شهراً من حرب همجية على غزة أوقعت مئات آلاف الضحايا ودماراً شاملاً في البنية التحتية والحياة المدنية، ولم يتحرك خلالها الأوروبيون إلا دفاعاً عن إسرائيل وحقها في القتل بلا ضوابط"، مضيفاً: "كان أغلب القادة الأوروبيين ينتظرون أن تنهي إسرائيل المهمة، أي تدمير غزة، وإلحاق الضفة الغربية، وتحويل فلسطين إلى ذكرى قديمة… ثم تُغلق القضية بهدوء".

وأكد غليون أن "نجاح إسرائيل الكلي في تنظيم المقتلة، وتحويل الحرب إلى محرقة ممنهجة، هو ما أسقط كل مبررات التغطية الأخلاقية والدبلوماسية، ودفع بعض الدول إلى محاولة الحد من تداعيات التورط الغربي".

وقال: "الغرب يعرف أن إسرائيل لم تخسر عسكرياً، لكنها خسرت سياسياً وأخلاقياً، لا بسبب عجزها عن تنفيذ الإبادة، بل بسبب تنفيذها الكامل لها أمام عدسات الكاميرات وضمير العالم، الذي بدأ يصحو متأخراً".

ووصف غليون الاعتراف الأوروبي المرتقب بـ"المناورة الوقائية"، مشدداً على أن "الغرب لن يجد صعوبة في التنصل من مسؤوليته، ورمي الجريمة على إسرائيل وحدها، رغم أنه كان مشاركاً في التخطيط والتنفيذ والتمويل".

وختم بالقول: "الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد سبعة عقود من قرار الأمم المتحدة وبعد واحدة من أبشع الحروب في العصر الحديث، لا يُعدّ خطوة تقدمية، بل محاولة مكشوفة لإعادة ترميم صورة انهارت تحت ركام غزة".




وأول أمس الأربعاء، أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل.

إعلان كارني جاء عقب إطلاق 15 دولة غربية بينها فرنسا، نداء جماعيا للاعتراف بدولة فلسطين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، نشرته الخارجية الفرنسية الأربعاء على موقعها الإلكتروني، وبعد إعلانات مشابهة في الأيام الماضية صدرت عن فرنسا وبريطانيا ومالطا.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 24 يوليو/ تموز الماضي، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل.

والثلاثاء، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مؤتمر صحفي، إن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، إذا لم تتخذ إسرائيل "خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروع" بقطاع غزة.

والأربعاء، أعلنت مالطا أنها ستعلن اعترافها رسميا بدولة فلسطين، في سبتمبر المقبل.

وفي 28 مايو/ أيار 2024، أعلنت إسبانيا والنرويج وإيرلندا اعترافها بدولة فلسطين، تلتها سلوفانيا في 5 يونيو/ حزيران من العام نفسه، ليرتفع الإجمالي إلى 148 من أصل 193 دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأمس الخميس وصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خطط بعض الحكومات الغربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية بأنها "غير مجدية"، وزعم أنه "لا دولة فلسطينية دون موافقة إسرائيل".

وردا على سؤال خلال مقابلة مع إذاعة فوكس الأمريكية: "كيف تنظر الولايات المتحدة إلى خطوة قرارات دول غربية الاعتراف بفلسطين؟"، أجاب روبيو: "هذه خطوة محبطة للبعض، ولا تعني شيئًا".

وأكد دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، مضيفاً: "لا تملك أي من هذه الدول (التي تخطط للاعتراف بفلسطين) القدرة على إنشاء دولة فلسطينية. لن تكون هناك دولة فلسطينية حتى توافق إسرائيل".

وزعم أن الدول التي تعتزم الاعتراف بفلسطين لا تعرف أين ستكون الدولة الفلسطينية ومن سيحكمها، قائلاً: "هذا القرار سيأتي بنتائج عكسية"، بحسب تعبيره.

وزير الخارجية الأمريكي رأى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "مكافأة لحماس".

وأشار إلى أن هذه "الخطوات اتخذت بسبب ضغوط سياسية داخلية في البلدان المذكورة، وأن هذا لا يتوافق مع الواقع على الأرض"، بحسب زعمه.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 207 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.


مقالات مشابهة

  • الأونروا : إسرائيل تحاول استبدال منظومة الأمم المتحدة بمؤسسة غزة الإنسانية
  • القاهرة الإخبارية: ميدان المحتجزين في تل أبيب يشهد تظاهرات واسعة
  • ماذا تبقى من الدولة الفلسطينية ليتم الاعتراف بها؟
  • كيف احتلت الهاغاناه القدس في إطار الخطة دال؟
  • 40 ألفًا يُؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • 40 ألفًا أدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • غليون لـعربي21: أوروبا تعترف بفلسطين خوفاً من وصمة الإبادة التي شاركت فيها
  • تل أبيب: ماكرون هدم السد أمام الاعتراف بفلسطين
  • الحكومة الفلسطينية: المظاهرات أمام السفارة المصرية بتل أبيب تخدم الاحتلال
  • الهيئات الإسلامية بالقدس تستنكر انتهاكات الاحتلال والجماعات اليهودية ضد الأقصى