الجزيرة:
2025-05-30@08:11:24 GMT

ما وراء اهتمام ترامب بجنوب أفريقيا

تاريخ النشر: 29th, May 2025 GMT

ما وراء اهتمام ترامب بجنوب أفريقيا

مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض أنشأ برنامجًا لمساعدة الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا على الهجرة للولايات المتحدة الأميركية؛ حيث نقلت طائرات مؤجرة من قبل الولايات المتحدة مواطنين بيضًا (أفريكان) من جنوب أفريقيا للولايات المتحدة، مما طرح العديد من الأسئلة عن أسباب هذا البرنامج وأهدافه؟

في الواقع، يبرز سبب جوهري لما يروّجه إيلون ماسك حول ما يصفه بـ"اضطهاد السود للأقلية البيضاء" في جنوب أفريقيا، وهي أقلية لا تتجاوز نسبتها 7% من السكان، لكنها تملك ما يقارب 70% من الأراضي الزراعية.

ويُفهم من هذا الطرح – ضمنيًا – أنه يُحمّل السود مسؤولية فشل سياسات التمكين الاقتصادي التي أُقرّت بعد ثلاثة عقود على إنهاء نظام الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

غير أن ما يدعو للتساؤل هو: لماذا يتصدر إيلون ماسك هذه الحملة تحديدًا؟ فالرجل وُلد في جنوب أفريقيا عام 1971، ثم انتقل لاحقًا إلى كندا، مسقط رأس والدته، ومنها إلى الولايات المتحدة، دون أن تُسجّل في مسيرته أية تجربة مباشرة تُظهر تعرضه لمضايقات من السود في بلده الأم.

الوجه الآخر لهذه الحملة يكشف إدراكًا متزايدًا لدى الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا بأن مساعي الحكومات ذات الأغلبية السوداء لتمكين المواطنين اقتصاديًا، تهدد بسحب بساط الثروة من تحت أيديهم. ويتعزز هذا القلق في ضوء قانون يجيز – في حالات معينة – مصادرة الأراضي الزراعية لأغراض اقتصادية. وعلى الجانب الآخر، تُظهر المواقف السياسية المتعاقبة منذ عهد نيلسون مانديلا أن جنوب أفريقيا تمضي تدريجيًا نحو تبني سياسات أكثر استقلالًا عن الغرب، وتعزز تموضعها ضمن المعسكر المقابل له.

إعلان

لم يُفوّت الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا أي فرصة لدحض الادعاءات التي يروّج لها إيلون ماسك، والتي كررها لاحقًا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حتى خلال لقائهما الأخير في البيت الأبيض، حيث أصر ترامب على عرض مقطع فيديو يدعم السردية الأميركية بشأن "اضطهاد البيض" في جنوب أفريقيا. وقد تضمّن الفيديو لقطات لجوليوس ماليما، السياسي اليساري الجنوب أفريقي، وهو يردد هتافات من عهد الفصل العنصري ضد البيض.

وفي منتدى أقيم في أبيدجان بساحل العاج، علّق رامافوزا على إعلان الولايات المتحدة فتح باب الهجرة للأفارقة البيض بدعوى تعرضهم للاضطهاد، وتعهّدها بإنهاء إجراءات لجوئهم خلال ثلاثة أشهر فقط – وهي إجراءات تستغرق عادة ما يصل إلى ثلاث سنوات – قائلًا: "هذا لا ينطبق عليهم، فهم لا يستوفون تعريف اللاجئ"، مضيفًا: "اللاجئ هو من يفر من بلاده خوفًا من الاضطهاد السياسي أو الديني".

تكشف متابعة الأحداث في جنوب أفريقيا أن الفترة بين أبريل/ نيسان 2020 و2024 شهدت مقتل 225 شخصًا في المزارع، بحسب بيانات شرطة جنوب أفريقيا، من بينهم فقط 53 من المزارعين البيض. ورغم ذلك، فإن الولايات المتحدة تواصل تضخيم حوادث استهداف البيض على وجه الخصوص، ما يطرح تساؤلًا: لماذا هذا التركيز الأميركي على هذا الملف تحديدًا؟

في الواقع، هناك جانب آخر يتعلق بصعود جنوب أفريقيا على الساحة الدولية؛ فقد باتت تُصنَّف ضمن الاقتصادات الصاعدة، وانضمت إلى مجموعة العشرين التي تمثل نحو 85% من الاقتصاد العالمي، رغم أن مساهمتها لا تتجاوز 0.6% من إجمالي الناتج المحلي للمجموعة. والأكثر دلالة، أن جنوب أفريقيا تستعد هذا العام لاستضافة قمة مجموعة العشرين، ما يعزز مكانتها الدولية.

لكن الأهمية لا تكمن فقط في هذا الحضور الدولي، بل في أن مثل هذه القمم تُسهم في إيقاظ الوعي الأفريقي الجماعي بقيمة الثروات والموقع الجيوسياسي للقارة، وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة وشركاتها الساعية إلى إحكام سيطرتها على مفاصل الاقتصاد العالمي.

إعلان جنوب أفريقيا وروسيا

أعربت جنوب أفريقيا مرارًا عن تضامنها مع روسيا منذ بدء غزوها أوكرانيا، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يحضر قمة مجموعة "البريكس" التي استضافتها جنوب أفريقيا عام 2023، مبررًا غيابه بأن مشاركته قد تُفسد القمة. وبناءً عليه، يُستبعد حضوره المرتقب لقمة مجموعة العشرين المرتقبة في جنوب أفريقيا.

لكن التحدي الأبرز الذي يواجه الدولة المضيفة لا يتعلق بروسيا، بل يتمثل في ضمان حضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ إن مشاركته ستُعد مكسبًا سياسيًا كبيرًا، وتعزز من فرص نجاح القمة، وتوطيد العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة.

الاقتصاد يتحدث

هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على دول مجموعة "البريكس"، ردًا على دعوات بعض أعضائها إلى إنشاء عملة احتياطية بديلة للدولار. وتأتي هذه التهديدات في ظل مواقف جنوب أفريقيا نفسها، التي تنادي بإلغاء "الدولرة"، وتعزيز التبادل التجاري بالعملات الوطنية. ويتفاقم القلق الأميركي من تنامي علاقات جنوب أفريقيا مع شركاء "البريكس"، لا سيما الصين، وروسيا، وإيران، وهي علاقات شملت في بعض مراحلها تدريبات عسكرية مشتركة.

وعند إضافة موقف جنوب أفريقيا من الحرب على غزة، والمتمثل في رفعها دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة، تتضح تعددية نقاط التوتر بين بريتوريا وواشنطن. هذا التوتر يفسّر سبب ضعف شعبية جنوب أفريقيا داخل الأوساط الجمهورية في الكونغرس الأميركي، حيث طُرِح – منذ فبراير/ شباط 2024 – مقترح لإعادة تقييم العلاقات الثنائية مع جنوب أفريقيا.

قوة جنوب أفريقيا

تمتلك جنوب أفريقيا مصدر قوة إستراتيجيًا يتمثل في معادنها النادرة، مثل المنغنيز، والبلاتين، والإيريديوم، والتي شكّلت نحو 6.4 مليارات دولار من إجمالي صادراتها السلعية إلى الولايات المتحدة، بما يمثل 7.4% من واردات واشنطن من السلع الأولية في عام 2022. ومن هذا المنطلق، يدرك الطرفان أهمية هذه الصادرات ودورها في العلاقة الثنائية.

إعلان

وفي هذا السياق، سعى الرئيس سيريل رامافوزا خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة – ثاني أكبر شريك تجاري لبلاده – إلى الحصول على طمأنات بشأن مستقبل العلاقات الاقتصادية، لا سيما في ظل تهديدات بفرض تعريفات جمركية مرتفعة، وهو ما قد يُفاقم الأعباء على اقتصاد جنوب أفريقيا الذي يعاني أصلًا من معدلات بطالة مرتفعة وتباطؤ في النمو.

إيلون ماسك

في خضم هذه التطورات، برز إيلون ماسك كـ"صيّاد فرص"، إذ سارع إلى الدفع بشركته "ستارلينك" المتخصصة في بث الإنترنت عبر الأقمار الصناعية نحو التفاوض مع حكومة جنوب أفريقيا لتقديم خدماتها في البلاد. بيد أن هذا التوجه اصطدم بقانون محلي يشترط طرح نسبة من أسهم الشركة المحلية التابعة لـ"ستارلينك" للمواطنين السود، ضمن سياسة تمكين اقتصادي تهدف إلى تصحيح التفاوتات التاريخية. وقد قوبل هذا الشرط برفض من ماسك وعدد من المستثمرين الأميركيين.

لكن حكومة جنوب أفريقيا قدّمت بديلًا عمليًا عبر ما يُعرف بـ"مكافئ الأسهم" (Equity Equivalent Investment Programme)، والذي يتيح للشركات الأجنبية المساهمة باستثمارات تنموية في المناطق المحرومة بدلًا من التنازل عن أسهمها. وقد سبق تطبيق هذا النموذج بنجاح في قطاع السيارات داخل البلاد، ما يشير إلى أن الطريق أصبح ممهّدًا أمام ماسك للاستثمار في السوق الجنوب أفريقية.

ويبقى السؤال المطروح: هل تُمثّل هذه الخطوة بداية لتطور إيجابي في العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة قبيل انعقاد قمة العشرين في نهاية العام الجاري؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة فی جنوب أفریقیا دونالد ترامب إیلون ماسک

إقرأ أيضاً:

مقتل شخص في غارة إسرائيلية على النبطة بجنوب لبنان

أفادت وسائل إعلام لبنانية اليوم الخميس بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي نفذ غارة على بلدة النبطية الفوقا في جنوب لبنان أسفرت عن مقتل شخص.

قصف جنوب لبنان

وقالت وزارة الصحة اللبنانية إن طيران الاحتلال الإسرائيلي المسير أغار على منطقة حرج "علي الطاهر" في بلدة النبطية الفوقا، ما أدى لاستشهاد مواطن لبناني، بحسب ما أورده موقع النشرة اللبناني.

وأوضح رئيس بلدية ​النبطية الفوقا​ زين علي غندور، في بيان، “مرة جديدة يمعن ​العدو الاسرائيلي​ بشكل صارخ، في ​خرق وقف اطلاق النار​ والقرار 1701​ مستهدفا بلدتنا وأحيائها".

إخلاء السكان.. محاولات لإخماد حريق عقار في ميدان لبنان.. صورةتكلفته 4 دولارات ..جيش الاحتلال يستخدم سلاحا جديدا في حربه ضد لبنانالدرع الضوئي.. جيش الاحتلال يستخدم سلاحا جديدا في حربه ضد لبنانتكلفته 4 دولارات.. جيش الاحتلال يعلن استخدام سلاح جديد في حربه ضد لبنان

وأضاف أن هذه المرة كان الاستهداف لمنشأة مدنية تابعة للبلدية حيث توجد البئر الارتوازية التي تغذي عدة أحياء بمياه الشفه، وذلك أثناء تواجد الموظف البلدي محمود حسن عطوي خلال دوامه الرسمي على البئر لتشغيلها وضخ المياه الى المنازل والاحياء السكنية، ما أدى الى ارتقائه شهيدا في سبيل خدمة بلدته وأهلها وتوفير المياه لعائلات البلدة وسكانها”.

طباعة شارك مقتل شخص غارة إسرائيلية النبطة جنوب لبنان جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف جنوب لبنان

مقالات مشابهة

  • جنوب أفريقيا تعرض شراء غاز أميركي مقابل إعفاءات جمركية
  • الولايات المتحدة تلغي عقدا بقيمة 590 مليون دولار مع موديرنا للقاح مضاد لإنفلونزا الطيور
  • ياسر إبراهيم: جددت مع الأهلي في رحلة جنوب أفريقيا قبل مواجهة صنداونز
  • مقتل شخص في غارة إسرائيلية على النبطة بجنوب لبنان
  • الولايات المتحدة توقف تصدير تقنيات حساسة رداً على قيود المعادن الصينية
  • ماذا وراء التحذيرات الجيبوتية من الاستثمارات الإماراتية في أفريقيا؟
  • عميل أميركي وراء مذبحة رواندا.. خبيرة بريطانية تكشف تورط الغرب في صراعات أفريقيا
  • أمانة «ذوي القدرات الخاصة» بحزب الجبهة الوطنية تناقش حقوق فرسان الإرادة
  • لماذا تحاول أميركا ترحيل مهاجرين لجنوب السودان؟ وما قصتهم؟