في لحظة زمنية ثقيلة تلهب الذاكرة وتخنق القلب، حل أمس الأربعاء ليُتمّ 600 يوم على بدء واحدة من أكثر الحروب وحشية واستنزافا في العصر الحديث، حرب الإبادة التي تعصف بقطاع غزة منذ أكثر من 20  شهرا، دون توقف، ودون أن يحرك العالم ساكنا.

ومنذ بدء الحرب الممنهجة، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة تحت حصار خانق وعدوان متواصل دمّر الحجر وقتل البشر، في ظل صمت دولي مخزٍ، وعجز أممي واضح عن وقف آلة الإبادة التي لم تفرق بين طفل وامرأة، ولا بين مدرسة ومستشفى، ولا حتى بين ملجأ ومسجد.

لم يكن الرقم "600" مجرد رقم عابر أعاد النشطاء تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل تحوّل إلى مناسبة رمزية أعادت تسليط الضوء على حجم الفقد، والتجويع، والتدمير، والتشريد الذي يعانيه أهالي غزة يوميًا.

يعيش قطاع غزة المنكوب اليوم ما يُعدّ أكبر كارثة إنسانية في العالم، حيث لا تعمل المستشفيات، ولا تتوفر الأدوية، ولا يوجد تعليم، ولا منازل تؤوي السكان، ولا حتى خيام تحميهم من برد الشتاء أو حرّ الصيف، بل وأكثر من ذلك، يعيش الناس دون غذاء أو ماء نظيف، في ظروف يصعب تصورها أو احتمالها.

600 يوم الحرب على غزة
600يوم من المجازر والتدمير
600 يوم من النزوح والوجع والألم
600يوم من الاستهتار في حياة أهل غزة
600يوم غزة بدون مدارس ولا جامعات
600يوم العمال لا يذهبون إلى أعمالهم
600 يوم بدون أندية ولا رياضة ولا مباريات
600 يوم وأصحاب الأمراض المزمنة بدون علاج pic.twitter.com/06kiJnjnIU

— Arafat AL-imrani (@des_arafat_2020) May 28, 2025

إعلان

لكن ما يوجع أهالي غزة حقا -بحسب وصف النشطاء- هو أن يعيش الإنسان أكثر من 600 يوم وهو يتنفس البارود، ويواجه ألوانًا من العذاب والويلات، الفواجع، الإبادة، النزوح، والفقدان، في مشهد يُجسد أقسى درجات القهر وأسمى معاني الصبر.

وبينما تسجل غزة "رقما قياسيا مأساويا" بوصولها إلى اليوم 600 من الحرب، أشار معلّقون إلى أن الحال ما زال على ما هو عليه: قتل، فقد، تدمير، تجويع، نزوح، ومعاناة بكافة أشكالها.

"لم تتوقف حرب الإبادة بحقنا، والعالم ما زال يشاهد بصمت سيل دمائنا. حتى كسرة خبز تسد الجوع، لم يتمكن أحد من إدخالها إلينا"، يقول أحد المغردين لا يزال يعيش ويلات الحرب في غزة.

وفي محاولة لإيصال ثقل هذه الأيام وما تحمله من أعباء وهموم، نبّه بعض النشطاء إلى أن تلك الثواني والدقائق والساعات المثقلة بالقتل والتدمير ليست مجرد أرقام، وإنما هي جراح مفتوحة. فقد امتد جرح غزة إلى ما يزيد على 14 ألفا و400 ساعة دامية.

كما لا يُخفي الغزّيون إرهاقهم وعجزهم أمام هذه المقتلة، إذ كتب أحدهم "بعد 600 يوم من الحرب على غزة، ما زالت غزة تنزف أشلاء تحت الركام؛ نساء ينتظرن الخلاص من تحت البيوت المنهارة، أطفال ماتوا جوعا، رضع بلا حليب، كبار سنّ بلا رعاية، أسرى ومفقودون لا نعلم عنهم شيئًا، وخيام لا تقي من برد أو نار".

أُرهقوا هؤلاء على مدار 600 يوم دون راحة، كل ما ذهبوا اليه موت بكافة الأشكال حرقاً وردماً وأشلاء

رجال الدفاع المدني في غزة pic.twitter.com/pDddYQ1xun

— بَهْاء | (@knkn308) May 26, 2025

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أکثر من یوم من

إقرأ أيضاً:

كيف يعيش سكان غزة في ظل الحصار وشح المساعدات؟

حتى قبل الحرب الأخيرة ، كانت المؤشرات الأممية ترسم صورة قاتمة لواقع القطاع المحاصر، حيث صنفت غزة كواحدة من أكثر مناطق العالم معاناة من انعدام الأمن الغذائي. فبحسب بيانات الأمم المتحدة، وصلت نسبة الأسر التي تعاني من نقص الغذاء في نهاية 2022 إلى 68%، فيما تجاوز معدل الفقر عتبة الـ 61%. اعلان

تشهد الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تدهوراً غير مسبوق، وسط تحذيرات أممية من اقتراب كارثة إنسانية. إذ حذر برنامج الأغذية العالمي من أن العائلات في غزة "تتضور جوعًا" مع احتجاز المساعدات الغذائية على الحدود، فيما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوقت "ينفد" لإنقاذ الأرواح في ظل انهيار النظام الصحي. من جانبه، اتهم توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، إسرائيل بمعرفة حجم الكارثة، ودعا إلى تحرك عاجل لوقف ما وصفه بـ"الإبادة".

يأتي ذلك فيما تواصل إسرائيل إغلاق المعابر للشهر الثالث على التوالي، وسط اتهامات دولية باستخدام "التجويع سلاحًا".

هذه الأزمة يمكن تلخقيها بالأرقام التالية:

- 10 آلاف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد منذ بداية 2025، بينهم 1,397 حالة حرجة تحتاج إلى علاج فوري.

- 39 ألف شاحنة مساعدات عالقة خارج غزة، بينما تنفد الأدوية واللقاحات الأساسية، بما في ذلك تلك المخصصة للأطفال الخدج.

- 80% من المطابخ المجتمعية أُغلقت بسبب عدم توفر المواد الغذائية، وفقاً لبيانات أوتشا.

Relatedتدافع وازدحام قرب مراكز توزيع المساعدات في غزة والأمم المتحدة: مشاهد مفجعةغزة: الجوع يدفع سيدة فلسطينية للبحث عن الطعام بين النفاياتالجوع ينهش أطفال غزة: طوابير لا تنتهي وأيادٍ صغيرة تمتدّ بحثًا عن كسرة خبزأرض الجوع التي سبقت الحرب

حتى قبل الحرب الأخيرة، كانت المؤشرات الأممية ترسم صورة قاتمة لواقع القطاع المحاصر، حيث صنفت غزة كواحدة من أكثر مناطق العالم معاناة من انعدام الأمن الغذائي. فبحسب بيانات الأمم المتحدة، وصلت نسبة الأسر التي تعاني من نقص الغذاء في نهاية 2022 إلى 68%، فيما تجاوز معدل الفقر عتبة الـ 61%، وارتفعت البطالة إلى 45%، وهي أرقام تتجاوز بكثير المعدلات العالمية والعربية.

شكل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2007 عاملًا رئيسيًا في تفاقم الأزمة، حيث منعت السلطات الإسرائيلية دخول مواد أساسية مثل الأسمدة والأعلاف ومستلزمات الزراعة، تحت حجة "الاستخدام المزدوج". ورغم السماح بدخول كميات محدودة من المواد الغذائية الأساسية كالدقيق والخضروات، إلا أن القيود المشددة على المعابر جعلت تلك الإمدادات غير كافية لتلبية احتياجات السكان، مما حوّل القطاع إلى ما يشبه "سجنًا مفتوحًا" يعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية.

أظهرت البيانات تراجعًا كبيرًا في القطاع الزراعي، حيث فقدت 40% من الأراضي الزراعية قدرتها على الإنتاج، وانخفض إنتاج الدواجن بنسبة 65%، فيما أصبحت 90% من مصادر المياه غير صالحة للشرب.

هذه المؤشرات تعكس كيف تحولت غزة من منطقة تتمتع بموارد زراعية إلى نموذج صارخ للأزمات الإنسانية، حيث بات 2.3 مليون فلسطيني رهينة لسياسات الحصار التي تتحكم بكل تفاصيل حياتهم اليومية.

فلسطينيون يطهون على الحطب والبلاستيكيورونيوزاستهداف مراكز الإغاثة

كما دمر الجيش الإسرائيلي القطاع الزراعي، واستهدف 37 مركزًا لتوزيع المساعدات الغذائية و26 مطعمًا خيريًا، بالإضافة إلى قصف وتدمير عشرات شاحنات الإغاثة المحملة بالمواد الغذائية. وأدى الإغلاق الكامل للمعابر منذ 2 مارس/آذار 2025 إلى منع دخول المساعدات الإنسانية، مما دفع برنامج الغذاء العالمي إلى الإعلان عن نفاد مخزوناته بالكامل في القطاع.

وسط هذا الواقع، يجلس أحمد أبو العطا أمام خيمته في مخيم النصيرات، حاملاً كيسًا من العدس المطحون، ويقول: "هذا أصبح دقيقنا الوحيد. نطحن العدس والمعكرونة الجافة لنصنع منه خبزًا".

يحرك أبو العطا وعاءً معدنيًا فوق نار مشتعلة بقطع البلاستيك، مضيفًا: "الغاز اختفى منذ أشهر، نستخدم أي شيء قابل للاشتعال من أخشاب وبلاستيك وأقمشة بالية لأجل الطهي".

اعلان

على بعد أمتار، تجلس أم أحمد أمام منزلها المتضرر، تحاول طهي وجبة من الأرز على نار بالكاد تكفي لإعداده، وتقول: "نعتمد في الوقت الحالي على ما تبقى من المساعدات التي كانت توزع علينا قبل إغلاق المعابر. الخضار موجودة لكنها بأسعار خيالية".

وتضيف: "أصبح العدس والأرز والمعكرونة طعامنا اليومي، وأحيانًا بعض المعلبات إذا وجدناها، مضيفة أن التكيات التي كانت تسعفنا وقت الحاجة لم تعد قادرة على تقديم أي شيء".

عائلات غزة تعيش على المعلبات في ظل ارتفاع أسعار الخضراوات

في ظل استمرار إغلاق المعابر، يعاني محمد مهنا وأسرته من انعدام المواد الغذائية الأساسية، مما أجبرهم على الاعتماد بشكل كلي على المعلبات التي حصلوا عليها سابقًا من خلال برنامج الإغاثة الطارئ التابع لـ"الأونروا".

ويوضح مهنا أن الأوضاع وصلت إلى حد طحن الأرز والعدس والمعكرونة لصنع بديل للدقيق وإيجاد رغيف الخبز، بينما أصبحت الخضروات، وإن كانت متوفرة في الأسواق، بعيدة عن متناول الأسر الفقيرة بسبب تقلبات الأسعار الجنونية.

اعلان

ويضيف: "اليوم اضطررتُ لشراء البطاطا والطماطم رغم ارتفاع ثمنها، لأننا لم نعد نطيق طعم المعلبات".

فلسطيني يطهو طعامه على الحطبيورونيوزيورونيوز

وفي مشهدٍ يعكس عمق الأزمة الإنسانية في غزة، يروي جهاد مهنا - الشقيق الأكبر لمحمد مهنا - كيف تحولت أبسط متطلبات الحياة اليومية، كإعداد كوب شاي أو تسخين ماء، إلى معاناة يومية تهدد صحته.

بحسب حديثه فإن أسرته تُجبر على استخدام الحطب والبلاستيك كوقود بديل، في عملية وصفها بـ"المضنية" التي تستنزف ساعات طويلة، وتخلف آثارًا صحية خطيرة.

اعلان

ويقول: "أصبت بأمراض تنفسية متكررة وحروق بسبب الدخان الكثيف"، مشيراً إلى أن هذه المعاناة المتفاقمة تأتي نتيجة استمرار إغلاق المعابر منذ مارس/آذار الماضي، و"المنع الإسرائيلي المتعمد لإدخال المواد الأساسية التي كانت تخفف من حدّة الكارثة الإنسانية".

ويضيف بمرارة: "حتى طعامنا صار مقسَّمًا بحسب المعلبات غير الصحية – يوم فاصوليا، يوم بازلاء، يوم تونة – وكأنها قوائم طعام في سجن جماعي".

غزة بين المعلبات والتكيات.. مساعدات ومبادرات محلية تواجه شبح المجاعة

في ظل استمرار الأزمة الإنسانية الخانقة في غزة، تتعدد أشكال المقاومة اليومية للبقاء بين المساعدات الدولية والمبادرات المحلية. فبينما تواصل "تكية جباليا" المدعومة من الهلال الأحمر تقديم وجباتها اليومية، تنشط مبادرات أهلية أخرى لسد الفجوات الغذائية.

هبة أبو جزر، إحدى المنظمات للمبادرات الإغاثية، توضح: "نسعى عبر تبرعات المحسنين لتوفير سلل غذائية تحتوي خضروات طازجة، حيث تحتوي السلة الواحدة على بطاطا وبندورة وخيار وبصل وملفوف وملوخية بقيمة 100 دولار، تكفي عائلة متوسطة لمدة 3 أيام فقط". وتضيف: "هدفنا تنويع غذاء الأسر بعيدًا عن المعلبات التي سيطرت على موائد الغزيين".

اعلان

وفي مشهد يعكس عمق الأزمة، يروي أحمد الحواجري - فرّان يعمل بأفران الطين - كيف تحولت أفرانه إلى مطاعم شعبية: "أغلب ما يطهوه الناس هنا هو العدس، بعد أن أصبحت وجبة أساسية بديلة عن اللحوم والخضروات النادرة".

من جهته، يعلق أبو أحمد عسلية، وهو من المتعاونين مع الهلال الأحمر، على الوضع قائلًا: "نعمل ضد الزمن، فالمجاعة تهدد آلاف الأسر، خاصة مع شح المساعدات الداخلة عبر المعابر". بينما تشير هبة أبو جزر إلى أن "المبادرات المحلية تعاني من نقص التمويل رغم الحاجة الماسة".

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • شركة المثلجات "بن آند جيري" تصف الحرب الإسرائيلية على غزة بـ"الإبادة"
  • اليونيسف: أكثر من 50 ألف طفل في غزة قتلوا أو أصيبوا منذ بدء الحرب
  • اليوم الـ 600 من العدوان الإسرائيلي.. نداء دولي عاجل لوقف جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة
  • قائد أنصار الله: عملياتنا المساندة لـ غزة مستمرة والمرحلة المقبلة ستكون أكثر تأثيراً على العدو
  • صحف عالمية: غزة باتت فخا لإسرائيل ويجب وقف الإبادة فورا ومن دون شروط
  • 10% من الغزاويين ضحايا للعدوان.. إحصائيات مفزعة بعد 600 يوم من الحرب
  • أكثر من 170 ألف شهيد وجريح حصيلة 600 يوم من جرائم الإبادة الصهيونية
  • كيف يعيش سكان غزة في ظل الحصار وشح المساعدات؟
  • 600 يوم على الإبادة الجماعية في غزة .. واقع كارثي يفضح إجرام إسرائيل