لا يزال العالم يعيش حالة من التحول في موازين القوى الدولية فبعد عقود من الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، خصوصًا منذ نهاية الحرب الباردة في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، تحديدًا بين عامي 1980 و1990 تغيرات جذرية في السياسة العالمية، مع انهيار الاتحاد السوفييتي وتوحيد ألمانيا وانسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان وأوروبا الشرقية، وتراجع الصراع الأيديولوجي والجيوسياسي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

وأرى بعد نهاية الحرب الباردة بدأت ملامح تعددية قطبية تلوح في الأفق، مع بروز قوى أخرى تسعى لتأكيد حضورها العالمي، وإعادة تشكيل التوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

 الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم هي القوة الأعظم من حيث التأثير العالمي، بما تمتلكه من أدوات تفوق على جميع المستويات: اقتصاد متنوع وضخم، نفوذ عسكري غير مسبوق، هيمنة تكنولوجية، وسيطرة نسبية على المؤسسات المالية الدولية ولكن هذا التفوق بات يواجه تحديات داخلية وخارجية واضحة فمن جهة هناك انقسامات داخلية حادة تؤثر على السياسة الخارجية، ومن جهة أخرى، تتصاعد قوة الصين وروسيا بشكل قوي مؤثر يصعب تجاهله.

لذلك الصين في المقابل، لا تسعى إلى الهيمنة بالشكل التقليدي في القرن الماضي، بل تتقدم باستراتيجية هادئة تعتمد على الاقتصاد والتكنولوجيا والاستثمار طويل الأمد، كما نرى في مشروع الحزام والطريق الذي يربط الصين بقارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهذا الصعود لا يقتصر على الاقتصاد فقط، بل يمتد إلى القوة العسكرية التي تشهد تطورًا لافتًا، والتأثير السياسي المتزايد في المنظمات الدولية، بل ومحاولات خلق نظام عالمي موازٍ يحدّ من تفرد الغرب بقيادة العالم.

أما بالنسبة لدولة روسيا، فتعتمد في إعادة بناء مكانتها على الإرث السوفييتي من حيث النفوذ الجيوسياسي والقدرات النووية ومن خلال التدخلات العسكرية في مناطق مثل أوكرانيا وسوريا قبل ذلك، تحاول فرض نفسها كلاعب لا يمكن تجاوزه في المعادلات الدولية رغم ما تواجهه من عقوبات اقتصادية وعزلة غربية نسبية، فإن موسكو تراهن على تحالفاتها الجديدة وعلي مجموعة البريكس، وعلى استثمار التناقضات الدولية لإعادة تثبيت نفوذها.

بالنسبة للاتحاد الأوروبي لا يكتمل الواقع الجديد دون النظر إليه لإنه يمتلك قوة اقتصادية هائلة وقدرة تأثير دبلوماسي، لكنه يفتقر للوزن العسكري الموحد، ويعاني من تشتت في القرار السياسي، ما يُضعف من قدرته على لعب دور مستقل كقوة عظمى مكتملة الأركان ومع ذلك يظل فاعلًا مهمًا، وخاصة في ملفات حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

وهنا في خضم هذا المشهد الدولي المعقد للقوي العظمى تتأثر منطقة الشرق الأوسط تأثرًا مباشرًا بتحركات هذه القوى الولايات المتحدة، رغم تقليص وجودها العسكري، لا تزال تملك نفوذًا واسعًا عبر تحالفات استراتيجية مع دول كالسعودية ومصر.

أما روسيا، فقد عززت من موقعها الإقليمي من خلال تدخلها في سوريا سابقا.

 بينما تسعى الصين إلى التغلغل الاقتصادي في المنطقة دون الدخول في صراعات مباشرة. 

أما أوروبا، فتبقى حاضرة في القضايا الإنسانية والتنموية، ولكن بفعالية محدودة سياسيًا.

لذلك أرى بوضوح أن ما يمكن استنتاجه هو أننا نشهد تفككًا تدريجيًا لفكرة "القطب الواحد" وبداية مرحلة جديدة من تعددية القوى، حيث لا توجد دولة واحدة قادرة على فرض إرادتها منفردة، بل باتت المعادلات الدولية تقوم على التفاوض، توازن المصالح، وتقاطعات النفوذ هذا التحول يخلق تحديات وفرصًا في آن واحد، ويضع الدول الصغرى والمتوسطة أمام خيارين: إما التبعية لأحد الأقطاب، أو محاولة لعب دور مستقل يعتمد على التوازن والمرونة مثل مصر في ظل قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي.

في النهاية، فإن صراع القوى العظمى ليس مجرد تنافس على النفوذ، بل هو معركة على شكل العالم القادم: هل سيكون عالمًا تعدديًا متوازنًا، أم سيعيد إنتاج أنماط الهيمنة بشكل جديد؟ هذا ما ستكشفه السنوات القليلة المقبلة.

ولكن أرجح التعددية القطبية لأنها أصبحت قوى لا يستهان بها.

طباعة شارك القوى العظمى التعددية روسيا الصين

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: القوى العظمى التعددية روسيا الصين

إقرأ أيضاً:

الصين تعلن إجراء مناورات عسكرية مع روسيا في هذا الموعد

أعلنت الصين، الأربعاء، أنها ستجري مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا في أغسطس، بما في ذلك تدريبات بحرية وجوية قرب فلاديفوستوك ودوريات بحرية مشتركة في المحيط الهادئ.

وتعد المناورات التي أُطلق عليها "البحر المشترك-2025" جزءا من خطط دورية للتعاون الثنائي و"ليست موجّهة ضد أطراف ثالثة"، بحسب ما أكد الناطق باسم وزارة الدفاع الصينية جانغ شياوغانغ أثناء مؤتمر صحفي الأربعاء.

وأضاف أن البلدين سيسيران بعد المناورات دوريات بحرية في المحيط الهادئ في مياههما.

وأُجريت مناورات "البحر المشترك-2024" العام الماضي على طول ساحل الصين الجنوبي.

وتجري المناورات هذا العام قبيل زيارة مقررة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين تبدأ أواخر أغسطس.

وسيحضر بوتين قمة لمنظمة شنغهاي للتعاون واحتفالات في ذكرى مرور 80 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، تشمل عرضا عسكريا، ومن المقرر أن يجري محادثات مع الرئيس الصيني شي جينبينغ.

مقالات مشابهة

  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الرباعية الدولية .. صراع المصالح يبدد فرص الحل..!
  • استحداث اختبارًا جينيًا لتحديد أهلية اللاعبات للمشاركة في بطولات السيدات
  • الولايات المتحدة تدرس إصدار تحذير سفر إلى الصين بسبب تفشي حمى شيكونغونيا
  • كيف تستعد الصين لمعركة الذكاء الاصطناعي مع الولايات المتحدة؟
  • بطل «أوروبا للسيدات» يواجه الصين في ويمبلي
  • العين السابق عبدالحكيم محمود الهندي يكتب : بعد كلام الملك يسكت كل كلام
  • الصين: مستعدون لتعزيز الاتصالات مع الولايات المتحدة وتجنب سوء التقدير
  • الصين تعلن إجراء مناورات عسكرية مع روسيا في هذا الموعد
  • ترامب يُمهل بوتين 12 يومًا لإنهاء الحرب .. فهل ترد روسيا العظمى بقصف واشنطن؟ مدفيديف: لسنا (إسرائيل أو إيران)
  • الصين تصدر تحذيرًا من حدوث موجات تسونامي بعد زلزال روسيا