ارتفعت درجة حرارتي على نحو مفاجئ عندما تغير الطقس، فأخذتني زميلتي التي تُشاركني الغرفة إلى المشفى القريب من الجامعة. وبعد انتظار، ناولني الطبيب وصفة العلاج، ويا للهول! كانت هذه هي المرّة الأولى التي أتمكن من قراءة ما كتبه الطبيب. لقد كتب أسماء الأدوية بلغة عربية صريحة!
كان هذا قبل أكثر من عقدين من الزمان، فـي جامعة حلب السورية؛ حيث كنتُ أدرس.
تذكرتُ هذه الحادثة وأنا أقرأ ما صدر عن الأمانة العامّة لمجلس الوزراء «أحوال وجوبية استعمال اللغة العربية»، وأظن أنّ قرارا من هذا النوع سيتركُ أثرا جيدا على وحدات الجهاز الإداري للدولة، وأسماء المشاريع، والشوارع، والأحياء، والساحات، والحدائق. فالأمر يشي بشيء من الاعتداد -شبه المفقود- بلغتنا العربية.
نضطر فـي عديد الاتصالات التي نُجريها فـي هذه الآونة، لحجز موعد فـي مستشفى أو فندق أو مكان سياحي، إلى أن نتحدث بلسان مُستعار، بينما الأولى أن نتقوى بمخزوننا الثقافـي العميق.
فاللغة تنمو وتزدهر بالاستعمال، والعربية تملك فـي نسيجها الحي ما يجعلها أكثر حيوية مما نظن، لاستيعاب سياقات المعاصرة عبر توليد لا نهائي.
يتبدى انسحاقنا -فـي أكثر صوره سطوعا- عندما نتواطأ فنتحدث بلغة مُكسرة هي خليط من عدة لغات أخرى مُدمرة، لإيجاد سياق للحديث مع الأيدي العاملة التي تغزو بلادنا، وهي أيد عاملة من مستوى تعليمي مُتدنٍ غالبا. فما الذي يمنعنا من التحدث برصانة عربيتنا دون لجوء لانكسارات مُشينة من هذا النوع؟ تماما كما تفعل كل اللغات التي تعتد بلغاتها وتستنكر من يُحدثها بغيرها! فهذه اللغة التي لقحت لغات العالم بمفرداتها فـي زمن قوتها، من المخجل حقا أن تُكابد انطواء وتقزما أمام اللغات الأخرى!
اللغة ليست ما يتحرك به اللسان وحسب، إنّها هويتنا. وتداولها وفق نطاق شاسع من شأنه أن يصنع ارتباطا عميقا، يُرسخ رمزية السيادة اللغوية لبلادنا، ويقلل من زحف اللغات الأخرى وتغلغل استعمالاتها فـي حياتنا.
لكن هل يمكن لقرارات من هذا النوع أن تكون نواة لما فشلت معظم الدول العربية فـي تحقيقه، رغم مرور عقود على محاولاتها، من قبيل تجربة سوريا والسودان وليبيا الأكثر اقترابا من مشروع تعريب التعليم الجامعي؟ أعني نواة لمشروع التعريب الشامل، بصورة أكثر ديمومة، لا سيما وأنّنا نتحدثُ عن ٢٦ دولة تعد العربية لغتها الرسمية!
أتذكر أنّ زميلاتي العائدات من جامعة حلب الدارسات للطب وطب الأسنان، اضطررن لإعادة اكتساب اللغة الإنجليزية، وإلا خسرن فرص التوظيف. بعض آخر اضطرّ للانسحاب! وذلك لغياب وجود استراتيجية عربية طويلة الأمد.
لا يخفى على أحد الضغوطات السياسية الخارجية، فوحدة اللغة العربية تعني توحد الجغرافـيا الأكبر على مستوى العالم التي تجمعها لغة واحدة. مما يعني أن اللغة تُضمرُ قوة جيوسياسية واقتصادية هائلة فـي أعماقها، كما أنّها تُعيد لأذهان الغرب صورة مُستنكرة لحضارة مُتجذرة، ولذا لا ريب أننا نُقاسي هذا التفتيت الممنهج!
والسؤال الأكثر إيلاما: لماذا يكره أبناؤنا تعلم اللغة العربية؟ من المؤكد أنّهم لا يكرهونها لذاتها، وإنّما يبغضون طرق تدريسها؛ لأننا لم نُغادر قيد أنملة حيز التلقين والحفظ، كما أننا ما زلنا نورطهم بالإعراب قبل أن نبني صلاتهم المتينة بعالم قرائي متين. لا ننسى أيضا فعل المقاومة الذي يُبديه الطلاب الراغبون فـي اقتناص فرص تعليمية أو عمل أو هجرة فـي البلدان البعيدة، كما أنّ سوق العمل يُقاوم أيضا بتفضيله من يمتلكُ لغة غير العربية!
البطء فـي ترجمة العلوم الجديدة، وعزل العربية عن علوم التقنية الحديثة، يجعلُ اللغة بالنسبة لأفهام أبنائنا، فـي أكثر صورها هشاشة، لغة ميتة لا تتحركُ فـي الراهن!
بالتأكيد هذه ليست دعوة للتوقف عن تعلم اللغات الأخرى، وإنما لإرساء ممارسة لغوية وثقافـية تستثمرُ فـي ترجمة العلوم باختلافها، وترتبطُ بفرص العمل، لجعل لغتنا أكثر اتقادا وحياة، فعزلة اللغة -على هذا النحو الذي نراه- حربٌ شرسة لها من المآرب ما لا يعد ولا يُحصى. وكما يقول بن خلدون: «اللغة فـي الإنسان، إنّما هي صورة من صور فكره، فإذا هُجنت لغته، دلّ ذلك على اختلال فـي فكره».
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير «نزوى»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
لطلاب الشهادة الإعدادية.. ننشر توزيع درجات امتحان اللغة العربية
أدى طلاب الشهادة الإعدادية اليوم امتحان مادة اللغة العربية في مختلف المحافظات، وسط حالة من التركيز والاهتمام الشديدين من الطلاب وأولياء الأمور على حد سواء، نظرًا لأهمية المادة في رفع المجموع الكلي.
وتضمن امتحان اللغة العربية عددًا من الأسئلة المتنوعة التي تقيس مهارات الطالب في التعبير والقراءة والنصوص والنحو والإملاء والخط، وذلك وفق توزيع محدد للدرجات يعكس وزن كل فرع من فروع المادة داخل ورقة الامتحان.
وجاء توزيع درجات اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي، كالتالي:
التعبير الإبداعي: 5 درجات.
التعبير الوظيفي: 2 درجة.
القراءة من كتاب المدرسة: 4 درجات.
كتاب طموح جارية: 3 درجات.
القراءة المتحررة المحتوى: 4 درجات.
النصوص النثرية: 5 درجات.
النصوص الشعرية: 5 درجات.
النحو (السؤال السابع): 8 درجات.
الخط (السؤال الثامن): 2 درجة.
الإملاء (السؤال التاسع): 2 درجة.
المجموع الكلي لمادة اللغة العربية: 40 درجة