تفجير مسجد دار الرئاسة.. 14 عاماً على محاولة اغتيال النظام الجمهوري في اليمن وجريمة لا تسقط بالتقادم
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
في مثل هذا اليوم، الثالث من يونيو، يستحضر اليمنيون واحدة من أبشع الجرائم الإرهابية التي شهدتها المنطقة والعالم، حين استُهدِف رئيس الجمهورية الأسبق، علي عبدالله صالح، وكبار قيادات الدولة العسكرية والمدنية، بتفجير مسجد دار الرئاسة في العاصمة صنعاء، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى.
وبعد مرور 14 عاماً على هذه الجريمة الإرهابية، لا تزال تُعد من أكثر الجرائم فظاعة في العصر الحديث، لعدة أسباب، أبرزها توقيت ومكان تنفيذها، فضلاً عن أن نجاحها كان سيؤدي إلى فراغ دستوري خطير، يغرق البلاد في الفوضى، وهي الغاية التي تسعى إليها دائماً الجماعات المتشددة دينياً وطائفياً وجماعة الإخوان المسلمين ومليشيا الحوثي نموذجاً لذلك، بوصفها الوسيلة الوحيدة لبلوغ الحكم، في ظل فشلها المتكرر في نيل القبول المجتمعي.
ويؤكد عضو المكتب السياسي في حزب الشعب الديمقراطي "حشد"، ناجي علي بابكر، أن اليمنيين باتوا يدركون اليوم الأبعاد الحقيقية لهذه الجريمة، خاصة بعد ما عاشوه من فوضى ونهب للحقوق والحريات، وتعدد الولاءات المحلية لقوى دولية، حتى غدت تلك القوى هي من تدير المشهد سياسياً واقتصادياً وديموغرافياً، بل وحتى دينياً، في واحدة من أكثر المراحل سوداوية في تاريخ المنطقة.
وأشار بابكر، في حديثه لوكالة "خبر"، إلى أن أجهزة استخبارات وأنظمة دولية خططت للجريمة ومولتها، ونفذتها قوى محلية سياسية وطائفية وعسكرية تتعارض مشاريعها واجتداتها جميعاً مع النظام الجمهوري، الذي أرسى أسس التعددية السياسية وحرية الصحافة والتعبير، وكرّس تجربة ديمقراطية فريدة في المنطقة، أتاحت للشعب اختيار ممثليه عبر صناديق الاقتراع.
ويستشهد سياسيون يمنيون كثيرون بدور قوى سياسية وأخرى متطرفة فكرياً وطائفياً في الشراكة بالتخطيط للجريمة، ودفع البلاد عمداً نحو فراغ دستوري، كوسيلة مثلى لبلوغ السلطة، عبر تقسيم البلاد إلى كيانات مناطقية لكل منها ذراع عسكرية، وتجميد العملية الديمقراطية برمتها، من انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية، لأكثر من عقد.
ويشير هؤلاء إلى أن آخر انتخابات رئاسية شهدتها البلاد كانت في 21 فبراير 2012، بانتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً لمدة عامين، والتي بموجبها قام الرئيس علي عبد الله صالح بنقل صلاحيات الرئاسة لنائبه المرشح التوافقي "هادي"، على أن تُجرى لاحقاً انتخابات شاملة، كما كانت الحال في الفترات التي سبقت أزمة 2011.
تجربة ديمقراطية فريدة
كانت هذه الانتخابات شرطاً أساسياً لحزب المؤتمر الشعبي العام، في سعيه إلى تثبيت تجربة ديمقراطية فريدة في التداول السلمي للسلطة قادها رئيسه، رئيس الجمهورية الأسبق علي عبدالله صالح، والتي شهدت تطوراً مستمراً في كل دورة انتخابية، بشهادات منظمات دولية ومراكز ديمقراطية متخصصة، وشكّلت في الوقت ذاته انتصاراً لإرادة الشعب اليمني شمالاً وجنوباً، وتضحياته التي توّجت بإسقاط الاحتلالين البريطاني والعثماني، والنظام الإمامي الكهنوتي.
وأتاحت هذه التجربة الفريدة للشعب حق اختيار ممثليه بعيداً عن هيمنة الحزب أو الجماعة، ما فتح باب التنافس بين القوى السياسية على تقديم الأفضل، ودفع بعض الأحزاب إلى إعادة النظر في أنظمتها ولوائحها الداخلية، تماشياً مع تنامي الوعي المجتمعي.
في المقابل، وجدت بعض الجماعات المتطرفة والطائفية نفسها عاجزة عن التماهي مع هذا التطور، فلجأت إلى تقويض التجربة وتدمير النظام الجمهوري، لفتح طريقها نحو مشاريعها الضيقة، كما يرى مراقبون.
واليوم، وبعد 14 عاماً على الجريمة، بكل أبعادها السياسية والثقافية والديموغرافية، يعيش اليمن واقعاً مُجزّأ كما خُطّط له، غير أن الشعب لا يزال يقاوم، رغم محاولات تجويعه وتخوينه... لكن، إلى متى يمكنه الصمود؟
يقول التاريخ، ومثله العدالة، إن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وإن التحالفات والمؤامرات قد تُطيل عمر المجرمين، لكنها لا تحميهم من القصاص. فالشعوب الحُرّة لا تموت، وهذه حقائق أكدتها شواهد كثيرة، خاصة في بلد كاليمن.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
إقرأ أيضاً:
تمثال نادر لملكة قتبانية يُعرض في معارض دولية بعد تهريبه من اليمن قبل عام 1970
كشف الباحث اليمني المتخصص في الآثار، عبدالله محسن، عن تمثال أثري نادر لامرأة بارزة من مدينة "تمنع" التاريخية، عاصمة مملكة قتبان، يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ويُعرض حالياً في عدد من المعارض الدولية بعد تهريبه من اليمن إلى فرنسا قبل عام 1970، ثم انتقاله إلى سويسرا.
ويُعدّ التمثال، المنحوت من المرمر والمزيّن بعناصر من البرونز، من أكمل وأندر نماذج النحت اليمني القديم، ويُرجّح أنه يجسد ملكة أو كاهنة. وقد شارك في عدة معارض دولية بارزة، من بينها معرض "PAD London" الذي أُقيم في ساحة بيركلي بلندن خلال أكتوبر 2017، والمعروف بعرضه لأهم قطع الفنون الكلاسيكية والمعاصرة.
وبحسب مؤسسة "فينكس للفن القديم"، التي استعرضت التمثال، فإنه يُعتبر أكمل تمثال مرمري معروف لامرأة يمنية، يحتفظ بتفاصيل فنية نادرة، من بينها الشعر المصنوع من البرونز، والتاج، والأقراط، والأساور المصممة على شكل أفاعٍ، إلى جانب فستان طويل بأكمام قصيرة. كما تتجلى في وجهه ملامح دقيقة، أبرزها العينان الكبيرتان المرصعتان بمادة داكنة، يُعتقد أنها من البيتومين، إضافة إلى الحواجب والحدقتين المحفورتين بعناية فائقة.
وأشار الباحث محسن إلى أن التمثال يُصوّر امرأة واقفة بثبات على قاعدة صغيرة، وقدماها عاريتان، وذراعاها ممدودتان للأمام في وضع تعبدي، إحداهما مفتوحة والأخرى تقبض على جسم غير محدد، مع تباين فني بين دقة نحت الوجه وتجريد الجسد، وهو ما يميز فن النحت اليمني في تلك الحقبة.
وتشير دراسات دولية، منها ما قدمه الباحثان كليفلاند ودي ميغريه، إلى أن هذه التماثيل الجنائزية كانت تُستخدم كصور رمزية للمتوفين وتوضع بجوار القبور، ما يعكس طقوس الدفن والمعتقدات الدينية في حضارة قتبان.
ويمثل هذا التمثال النادر دليلاً ملموساً على ثراء وتفرّد الحضارة اليمنية القديمة، ويعيد التأكيد على أهمية الجهود الرامية لاستعادة الآثار اليمنية المنهوبة، والحفاظ على ما تبقى منها من عبث التهريب والنهب.
وتشهد اليمن منذ انقلاب ميليشيا الحوثي عام 2014 تصاعدًا خطيرًا في عمليات تهريب ونهب الآثار، خصوصًا من المتاحف والمواقع الأثرية الواقعة تحت سيطرتهم، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
وفي المقابل، تمكنت الحكومة اليمنية من استعادة عدد من القطع الأثرية النادرة من الولايات المتحدة وبريطانيا، بعد جهود دبلوماسية وقانونية مستمرة بالتعاون مع جهات دولية متخصصة في حماية التراث الثقافي.