غزة بين عربات جدعون وحجارة داود: معركة الرمز والمرجعية
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
في خضم النار والرماد، لا تنحصر الحرب على غزة في الأبعاد العسكرية أو السياسية فقط، بل تتجاوزها إلى معركة أعمق: معركة المعنى، والرمز، والمرجعية الدينية. أسماء العمليات وحدها تكشف الكثير: "عربات جدعون" في جانب، و"حجارة داود" في الجانب المقابل. وبين هذين الاسمين، تتقاطع روايتان: واحدة تستند إلى خطاب التفوق والاستعلاء الديني، وأخرى تتصل بالإيمان بالعدل ومقاومة الظلم.
بين جدعون وداود: رمزان لعقيدتين متضادتين
"عربات جدعون" اسم توراتي يشير إلى القائد جدعون، الذي -وفق النصوص الدينية اليهودية- قاد "شعب الله المختار" لتصفية من لا ينتمون إلى هذا "الاختيار". في الرواية الصهيونية، يتحوّل هذا الرمز إلى مرجعية دينية تسوّغ الحرب باسم "التفوق الأخلاقي" و"الحق التاريخي"، وهي إعادة إنتاج لفكرة مركزية في المشروع الصهيوني: إحلال القوة مكان القانون، والنص مكان الواقع.
أما "حجارة داود"، فيستدعي لحظة نبوية فارقة وردت في القرآن الكريم: "وقتل داوودُ جالوتَ وآتاهُ اللهُ المُلكَ والحكمة" (البقرة: 251). وهي لحظة تربط بين الفعل المقاوم والإرادة الإلهية، لا من منطلق التفوق، بل من منطلق العدل. فالنصر لم يُمنح لداود لأنه مختار، بل لأنه كان على حق، ولأنه واجه ظلما بقلب ثابت وعدالة ظاهرة.
توظيف الدين: بين الاستعمار والرسالة
الصهيونية، كحركة سياسية علمانية في جوهرها، لم تتردد في اقتباس النصوص الدينية وإعادة توظيفها ضمن إطار أيديولوجي حديث. فشخصيات مثل يشوع وجدعون وموسى تُستحضر في الخطاب السياسي لتبرير القتل والهدم، وتُقرأ النصوص القديمة خارج سياقها الأخلاقي لمصلحة "حق إلهي مزعوم".
هذا التلاعب لا يُعبّر عن تدين حقيقي، بل عن اختزال الدين إلى خطاب سيادة، يُستخدم كغطاء لإضفاء الشرعية على العنف. وفي المقابل، يقدم الإسلام تصورا آخر للعلاقة بين الإنسان والحق، حيث لا امتياز إلا بالتقوى، ولا مبرر للعدوان، كما في الحديث النبوي: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة" (رواه البخاري).
فلسطين: من جغرافيا إلى قيمة إيمانية
فلسطين، في الوعي الإسلامي، ليست مجرد أرض ذات شأن سياسي، بل موقع روحي مرتبط بالعقيدة. فيها المسجد الأقصى، وثالث الحرمين، ومسرى الرسول ﷺ، وقد ورد ذكرها في القرآن والحديث الشريف. لذا، فإن الصراع عليها لا يُفهم فقط كصراع على الأرض، بل كصراع على قيمة الحق نفسها.
من هنا، تظهر غزة ليس باعتبارها ضحية نزاع، بل باعتبارها بؤرة مقاومة تنبع من منطق إيماني يرى العدالة ضرورة، ورفض الاحتلال فرضا أخلاقيا، لا فقط خيارا سياسيا.
بين السردية والقيم: الإعلام وتغييب الأصل
الخطاب الإعلامي الغربي يُفرغ الصراع من أبعاده الدينية والقيمية، فيختزله تحت تسميات مثل "نزاع مسلح"، أو "دفاع مشروع"، دون النظر إلى السياق الطويل للنكبة والاحتلال والاستيطان، بينما الحقيقة أن المعركة تدور بين مشروع يُكرّس العنف كحق إلهي، وآخر يستمد مشروعيته من مقاومة الظلم.
هذه الرواية المغيبة ليست مجرد تقصير صحفي، بل جزء من معركة أخلاقية أوسع، تساهم في طمس الجريمة، وتبرئة الجلاد باسم "الموضوعية".
الأمة.. رغم الصمت
في مقابل أنظمة عربية باتت تنظر إلى فلسطين كعبء سياسي، ما زالت الشعوب الإسلامية تستشعر مركزية هذه القضية من منطلق إيماني. فالتضامن الشعبي لا ينبع فقط من مشاعر قومية، بل من إدراك ديني بأن نصرة المظلوم فريضة، وأن السكوت عن القتل خيانة للضمير والرسالة.
خاتمة: من اسم إلى مشروع
بين "عربات جدعون" و"حجارة داود"، تنكشف طبيعة الصراع: ليس مجرد معركة جغرافيا أو سيادة، بل معركة تأويل: من يملك الحق في تمثيل القيم الدينية؟ ومن يُسائل القوة بمنطق العدل؟
"حجارة داود" ليست فقط اسما لعملية، بل رمز لعودة المعنى الأصيل للدين كرافعة للحرية، لا كقناع للعدوان. وإن كان الرمز الصهيوني يستند إلى ذاكرة حربية مغلقة، فإن الرمز الإسلامي يتصل بإرث النبوة، حيث الانتصار ليس للعدد، بل للحق. وفي غزة، تتجسد هذه الحقيقة كل يوم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة مقاومة الاحتلال احتلال مقاومة غزة عملية عقيدة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة مقالات صحافة رياضة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عربات جدعون حجارة داود
إقرأ أيضاً:
القيادات الدينية الفلسطينية يتضامنون مع مصر في وجه الحملة المغرضة
توجه وفد رفيع المستوى من القيادات الدينية الإسلامية الفلسطينية، اليوم الخميس إلى السفارة المصرية في رام الله، في زيارة تضامنية إلى مقر إقامة السفير إيهاب سليمان للتأكيد على عمق ومتانة العلاقة الفلسطينية المصرية الأخوية والتاريخية.
وضم الوفد عددا كبيرا من القيادات الدينية على رأسهم قاضي قضاة فلسطين ونائب الرئيس محمود الهباش، يرافقه كل من المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، ووزير الأوقاف والشؤون الدينية محمد نجم، ولفيف من العلماء ورجال الدين وقضاة الشرع الحنيف من محافظات الوطن كافة.
وأكد الوفد الفلسطيني الدعم الكامل لمصر قيادة وشعبا في وجه الحملة المغرضة التي تتعرض لها لتشويه مواقفها الثابتة والتاريخية الداعمة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني في نضاله المشروع حتى زوال الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وثمن الدكتور محمود الهباش الدور القومي والتاريخي الذي تضطلع به مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدا أن موقف مصر يشكّل صمام أمان للقضية الفلسطينية، وركيزة أساسية في مواجهة المؤامرات التي تستهدف الوجود الفلسطيني وحقه في الحرية والاستقلال.
وقال الهباش إن هذه الزيارة تأتي في سياق الرد الوطني والديني الفلسطيني على الدعوات غير المسؤولة التي أطلقتها جهات هامشية للتظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب، وهي دعوات مرفوضة شعبيا ورسميا، لما تمثله من إساءة لمكانة مصر ولدورها الريادي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتخدم أجندات مشبوهة تتعارض مع الثوابت الوطنية والإجماع الفلسطيني وتتقاطع أو تخدم مشروع الاحتلال الإسرائيلي الرامي لتصفية القضية الفلسطينية.
من جهته، شدد المفتي، على أن الموقف المصري يُجسّد أصالة الانتماء العربي والإسلامي تجاه فلسطين، مؤكدا أن المؤسسة الدينية الفلسطينية تقف بكل مكوناتها إلى جانب الشقيقة الكبرى مصر في تصديها للمؤامرات الإسرائيلية الهادفة إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه وتهويد الأرض الفلسطينية.
بدوره، أعرب وزير الأوقاف والشؤون الدينية، عن تقدير القيادة الدينية الفلسطينية للمساعي السياسية والإنسانية التي تبذلها مصر على مختلف الأصعدة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي، مشيرا إلى أن هذه المواقف المشرّفة تبرهن على الثبات المصري في دعم الحقوق الفلسطينية، ورفض كل محاولات فرض حلول قسرية أو إملاءات تتنافى مع قرارات الشرعية الدولية.
من جانبه، رحب السفير المصري بالوفد الفلسطيني، معبرا عن تقديره لهذه اللفتة الأخوية التي تعكس متانة العلاقات بين الشعبين الشقيقين، ومؤكدا على استمرار مصر في القيام بدورها التاريخي في دعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل حريته وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.