مؤشرات مرحلة جديدة للعلاقات المصرية الايرانية
تاريخ النشر: 4th, June 2025 GMT
بقلم د. حامد محمود
رئيس وحدة الخليج وايران بمركز العرب للدراسات السياسية القاهرة (زمان التركية)- تساؤلات عديده أثارتها الزيارة التى قام بها وزير الخارجية الايرانى عباس عراقجى للقاهرة لتؤشر على بداية مرحلة جديدة فى العلاقات المصرية الايرانية بدت ترسم ملانحها فى السنوات الخمس الاخيرة.
زيارة وزير الخارجية الايرانى التى جاءت بدعوه من نظيره المصرى بدر عبدالعاطى فى اشارة للدور الذى تحاول القاهرة ان تقوم به فى هذه المرحلة الحساسة من اعادة تشكيل الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، جاءت لتكمل ما بدأه عراقجى فى زيارته الاولى للقاهرة اكتوبر 2024، والتى جاءت بعد فترة طويلة من الفتور بين البلدين منذ العام 2013.
طهران رحبت من قبل بأية خطوات دبلوماسية بناءة من شأنها تطوير العلاقات الرسمية مع مصر بما يؤدى إلى رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى بين الدولتين إلى درجة السفراء. وجاء هذا الترحيب من أعلى مستوى سياسى/ دينى فى طهران؛ حيث صرح المرشد الأعلى على خامنئى بأن بلاده «ليس لديها أى مشكلة فى عودة العلاقات بشكل كامل مع القاهرة فى إطار التوسع فى سياسات حُسن الجوار».
إيران ومسار جديد للعلاقات مع مصرهذه المؤشرات جاءت على خلفية محاولة طهران فتح مسارا للتقارب عبر قنوات دبلوماسية قامت بها دول عربية للتوسط بينها وبين القاهرة؛ كسلطنة عُمان والعراق وكلاهما تبنى محاولات دبلوماسية متعددة لتقريب وجهات نظر الطرفين تجاه القضايا الخلافية، لاسيما وجهة النظر المصرية؛ حيث تلقت القاهرة تلك المحاولات بقدر كبير من التروى والتريث دون الامتناع عن التفاعل مع المسار نفسه، وذلك من باب رسم الخطوط الرئيسية لطبيعة العلاقات التى ترغب مصر فى أن تلتزم بها إيران من ناحية، وتوضيح التحفظات المصرية العديدة تجاه تفاعلات إيران فى المنطقة، لاسيما تدخلاتها فى شئون عدد من الدول العربية ذات الأهمية للأمن الإقليمى المصرى من ناحية ثانية، فضلا عن تأثيرات طبيعة النفوذ الإيرانى فى بعض تلك الملفات على المصالح المصرية بصورة مباشرة من ناحية ثالثة.
بالرغم من اتجاه إيران إلى التهدئة الإقليمية مع خصومها فى المنطقة، وما نتج عن ذلك من عودة العلاقات بينها وبين السعودية خلال شهر مارس 2023، وما يعنيه ذلك بالنسبة لمصر التى تعتبر «أمن الخليج العربى» خطا أحمر، إلا أن مصر آثرت الاستمرار فى نهجها تجاه محاولات إيران للتقارب معها، والقائم على التريث وتقييم مدى استجابة إيران لوجهات النظر المصرية، لكنها فى الوقت نفسه أبدت قدرا من المرونة تجاه محاولات إيران المتعددة، فلم تغلق الباب أمام تلك المحاولات كليةً، ولم تفتحه على مصراعيه؛ حيث آثرت التأنى والانتظار ودراسة ما ستنتج عنه نتائج محاولات الوسطاء فى هذا الشأن. وقد تمثلت أولى خطوات تلك المرونة من جانب مصر بإعلان الحكومة، فى مارس 2023، فتح المجال أمام حركة السياحة الإيرانية إلى مصر بعد فترة انقطاع طويلة، وإن كانت قد ربطتها بشروط محددة. وقدمت القاهرة تلك الخطوة كبادرة على حسن نيتها كمرحلة أولى فى مسار دراستها لإمكانية إعادة العلاقات مع طهران.
استمرار حالة التأنى المصرية تجاه مساعى إيران لإعادة العلاقات إلى مستوى تبادل السفراء، بالرغم من «التغيير النسبى» فى سلوك طهران السياسى تجاه دول الخليج، يدلل على أن القاهرة تولى أهمية قصوى لمصالحها الاستراتيجية العليا. وأن ما تشهده المنطقة من تداعيات مهددة للاستقرار والأمن تتطلب التعاون بين كافة القوى الإقليمية، والاستناد إلى آلية الحوار، وتسوية الخلافات، وتسكين العديد من الملفات الساخنة.
ونظرًا لأن مصر تعتبر الدولة العربية الأكثر انخراطا من الناحيتين التاريخية والدبلوماسية فى دعم القضية الفلسطينية عامة، وفى مسار المواجهات بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل فى قطاع غزة على وجه الخصوص، عبر سنوات طويلة مارست فيها القاهرة دور الوساطة الرئيسى فى كل مراحل المواجهات المسلحة بين الجانبين، فإن التطورات الراهنة، الناتجة عن الحرب الإسرائيلية على القطاع منذ أكتوبر 2023، باتت تمثل «فرصة إقليمية» لمزيد من التقارب بين القاهرة وطهران، أو على أقل تقدير تمثل فرصة للعمل المشترك -انطلاقا من دعم كلتا الدولتين للقضية الفلسطينية- نحو تهدئة مسار تلك الحرب ومحاولة البحث عن حلول لها، لاسيما الدور الذى تقدمه القاهرة كوسيط فى مفاوضات وقف إطلاق النار المأمول.
واتساقًا مع هذه الرؤية، فقد رفضت القاهرة، انطلاقا من دورها الإقليمى، أن تكون جزءا من تحالف دولى بحرى تكون مهمته مواجهة النشاط الحوثى أو حتى تقويضه، رغم تضررها المباشر من تراجع حركة الملاحة فى البحر الأحمر وتأثيره على حركة التجارة عبر قناة السويس.
دلالات زيارة عراقجى للقاهرةوفى التحليل السياسى لمقردات زيارة عراقجى والتى اخذت منحى اكثر ودية وحميمية وبعيدا عن التناول الرسمى وحسبما قال رئيس «مكتب رعاية المصالح الإيرانية» في مصر، إن اللقاءات بحثت التطورات والأزمات الإقليمية، والقضايا ذات الاهتمام المشترك مثل السودان وليبيا وسوريا ولبنان وغزة، بالإضافة إلى إجراء مشاورات بشأن تطورات العلاقات الثنائية بين طهران والقاهرة، والخطوات اللازمة في هذا الصدد.
حيث يمكن القول ان مصر تهدف من وراء دعوة عراقجي للزيارة وهى الاولى لمسئول ايرانى بعد زيارة الرئيس احمدى نجاد لمصر، تهدف إلى تعزيز العلاقات مع إيران، كما تريد تعزيز دورها وسيطاً إقليمياً فاعلاً في مختلف القضايا، حيث إن القاهرة لديها رغبة في إحداث توازنات للقوى بالشرق الأوسط؛ لأنه ليس من مصلحة المنطقة أن تندلع حرب إقليمية بها.
فمصر رغم حرصها على تعزيز العلاقات مع إيران، فهي ستفعل ذلك بحذر، حيث ستبتعد عن التمثيل الدبلوماسي الكامل في هذه المرحلة، لكنها لا تمانع في التعاون بمجالات أخرى سياسية واقتصادية، وكذلك التعاون بشأن القضايا الإقليمية مثل حرب غزة وما يحدث في لبنان، وكذلك أطماع إسرائيل في سوريا، كما أن القاهرة تعطي إشارات بأنها تدعم الحلول الدبلوماسية للملف النووي الإيراني، وعراقجي بالطبع سيُطلع الرئيس المصري على تطورات المفاوضات غير المباشرة مع أميركا بوساطة عمانية.
فضلا عن ان مصر ترغب، من خلال الدعوة لهذه الزيارة، في توجيه رسالة للولايات المتحدة ومعها إسرائيل بأن لديها استقلالية في القرار وعلاقات مع إيران وفق مصالحها وما تقتضيه ظروف المنطقة، وستشهد الزيارة مناقشة أمن الملاحة في البحر الأحمر التي تضررت منها مصر كثيراً وسُبل ضغط طهران على الحوثيين باليمن لوقف استهداف السفن.
وعلى الجانب الاخر فان ايران ا تُولي اهتماماً بدور مصر المحوري عربياً وإسلامياً في كل ما يخص المنطقة، ولديها رغبة رسمية وشعبية في عودة العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة، حيث ترى طهران أن القطيعة التي حدثت في الماضي بين البلدين قد ولى زمنها، وحالياً الظروف والمعادلات تغيرت، وهناك حاجة ماسة لتضافر الجهود، خاصة مع دولة محورية مثل مصر لحل القضايا الساخنة بالإقليم؛ وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وفى التحليل النهائىفان زيارة وزير الخارجية الايرانى عباس عراقجى للقاهرة جاءت هذه المرة مختلفة عن سابقتها، من حيث الشكل فدعوة القاهرة له لزيارتها امر له ابعاد هامة للغاية، وترتيب لقاءه بمدير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية بالقاهرة فى اطار لقاء ثلاثى مع وزير الخارجية المصرى ازال العدبد من الاشكالات التى اعقيت تقرير الوكالة الدولية عنة ايران وبرنامجها النووى، كما ان الزخم السياسى الذى واكب الزيارة من خلال لقاءه مع نخبه من السياسيين.
والدبلوماسيين المصريين السابقين مؤشر هام لحالة العلاقات وإطارها المستقبلى، ونهاية الاشارة التى اراد وزير الخارجية الايرانى ارسالها من وراء الصلاة فى مسجد الامام الحسين بالقاهرة وتجوله فى منطقة خان الخليلى الاثرية .. كلها اشارات تؤشر لمرحلة جديدة من العلاقات المصرية الايرانية.
فى هذا الصدد؛ فان لقاء القاهرة سيكون بداية لمرحلة جديدة فى اطار اعادة صياغة التفاعلات فى اقليم الشرق الأوسط ومواجهة محاولات الهيمنة الامريكية الجديدة، لاسيما ان مصر وإيران هما الاكبر نفوذا وتأثيرا وان يجمعهما هدف مشترك وهو الحفاظ على امن الخليج العربى والملاحة فى البحر الاحمر.
المصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: وزیر الخارجیة الایرانى
إقرأ أيضاً:
إيران: لا اتفاق ومفاوضات دون تخصيب اليورانيوم
4 يونيو، 2025
بغداد/المسلة: حذّرت طهران مجددًا، اليوم الأربعاء (4 حزيران 2025)، من أن أي اتفاق نووي لا يضمن حق إيران في تخصيب اليورانيوم سيكون مرفوضاً من أساسه، في موقف حاسم أعلنه وزير الخارجية كبير المفاوضين عباس عراقجي.
وكتب عراقجي في حسابه الرسمي على منصة “إكس” “هناك سببٌ يجعل قلةً من الدول تُتقن القدرة على تزويد المفاعلات النووية بالوقود”، مضيفاً “إلى جانب الموارد المالية الكبيرة والرؤية السياسية، يتطلب الأمر قاعدة صناعية متينة ومجمعاً تكنولوجياً أكاديمياً قادراً على إنتاج الموارد البشرية والخبرات اللازمة”.
وأوضح عراقجي “لقد دفعت إيران ثمناً باهظاً لهذه القدرات، ولن نتخلى أبدًا عن الوطنيين الذين حققوا حلمنا، وأؤكد مجددا اذا لم يكن هناك تخصيب، لن يكون هناك اتفاق”، منوهاً “إذا كان مطلبهم عدم امتلاكنا أسلحة نووية، سنتوصل لاتفاق”.
وتشير هذه التصريحات إلى أن المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن تمرّ بمرحلة حرجة، حيث لا تزال مسألة التخصيب تمثل أكبر العقبات أمام التوصل إلى اتفاق جديد.
وبحسب مراقبين، فإن الرسائل الصادرة من طهران تُغلق الباب أمام أي صفقة لا تعترف بحق إيران في التخصيب، ما يجعل مستقبل المحادثات مرهونًا بتنازلات أمريكية محتملة أو تصعيد إيراني جديد.
وقال المرشد علي خامنئي، في خطاب له بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني، إن الغنيّ هو “القضية الأساسية” في الملف النووي، وإن أي حديث عن التخلي عنه “غير مقبول وخارج النقاش”.
وأضاف “إذا امتلكنا مئة محطة نووية دون تخصيب، فلا فائدة منها، وبدونه سنضطر إلى مدّ يدنا لأمريكا التي ستفرض شروطًا مذلّة.”
وفي انتقاد مباشر للعرض الأمريكي الأخير، قال خامنئي “اقتراحهم لا ينسجم مع مصالحنا الوطني، وردّنا على أوهام الإدارة الأمريكية الصاخبة معروف”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts