فـي مشهد مهيب، يجتمع اليوم ملايين المسلمين، فـي مكة، يقفون على صعيد عرفة، ملبين، ومكبرين، يجمعهم رابط عظيم هو «الإسلام»، يحملون لواء واحدا، ويستعرضون قوة إيمانية عظيمة، وأعدادا بشرية هائلة، يؤدون مناسك الحج، ويجددون الولاء والطاعة لله تعالى، ويرددون بصوت واحد، يصل إلى عنان السماء، وتمتلئ به الأرض، «لبيك اللهم لبيك»، هذا النداء والخضوع لله، يغوص فـي الأعماق، يقتلع جذور النفاق، وتضج به الأسماع، ويصل إلى أقاصي الدنيا، مؤكدا أن الإسلام ما زال قويا، وعزيزا، مكتوب له النصر، مهما طالت فترة الذلة، والظلام على أبنائه.
أكثر من ملياري مسلم، ينتشرون فـي هذا العالم، يحملون رسالة واحدة، ويتجهون إلى قبلة واحدة، وتجمعهم شريعة واحدة، ولكن.. فـي ظل هذا العدد الهائل، فالمسلمون أصبحوا غرباء فـي هذا الكون، رغم أنهم يشكلّون حوالي ربع تعداد الكرة الأرضية، ولكنهم غير قادرين على التأثير فـي متغيرات، وقرارات العالم، أصبحوا تابعين، غير متبوعين، يجمعهم الدين، وتفرقهم السياسة، يتقرّبون إلى العدو، ويضحّون بالقريب، يتوجسّون خيفة من بعضهم، بينما يعطون ثقتهم كلها لمن يتربّص بهم الدوائر، يعرفون الحقيقة، وينكرونها، ويعيدون تهميش ذواتهم، دون التفات إلى نقد جمعي، أو حتى ذاتي، يعيد إليهم توازنهم.
يمتلكون ثروات هائلة، وطاقات عظيمة، ولكنهم يستوردون قوت يومهم من غيرهم، بينما تذهب ثرواتهم إلى الغرب، والشرق، ثم يعاد تصديرها إليهم، وكأنهم رضوا أن يكونوا مستهلكين لمنتجات صُنعت بمواد أولية من بلدانهم، وبدلا من أن يعيدوا بناء أنفسهم، ودولهم، أعطوا تلك المسؤولية لغيرهم، وكفوا أنفسهم شر القتال، ولذلك أصبحت كل قدراتهم، وطاقاتهم، وثرواتهم ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ تدار بيد الآخرين، وسمحوا لـ«الآخر» أن يتحكم فـي مصائرهم، رغم أنهم قادرون على تغيير المعادلة -إن أرادوا-، ولكن يبدو أن الوقت تأخر كثيرا على ذلك، وهم بحاجة إلى الكثير من الزمن للعودة إلى المعادلة الكونية.
كتلة بشرية هائلة، لا تملك حق النقض «الفـيتو» فـي الأمم المتحدة، ولذلك هي تلجأ لدول كبرى غير محايدة أحيانا، تملك ذلك الحق، لإصدار قرار معيّن يتعلق بمصيرها، وكثيرا ما خاب مسعاها، (وما حرب غزة ودلالاتها عنا ببعيد)، ورغم ذلك فلا تكل الدول الإسلامية عن الجري خلف السراب، ودلالاتها عنّا ببعيد، وبما أنها همّشت نفسها، هانت على العالم، وبما أنها تركت قوّتها، وعزتها خلف الباب، لم يعد يلتفت إليها أحد، إلا فـي حال الاحتياج إليها ماليا، واقتصاديا، رغم أنها تمتلك صوتا إعلاميا جهوريا، وضخما، إلا أنه غير مسموع، ودون تأثير فـي الغرب، وغير ذي مصداقية لديهم؛ لأن العالم لا يسمع إلا ما يروق له، ولا يحترم الضعيف، ولو كان ذا حق.
مليارا مسلم ينظرون اليوم إلى صعيد عرفة، يشاهدون هذا الطوفان البشري الهائل، وهو يؤدي الشعائر، حاملا راية واحدة، ومرددا بصوت واحد، هتافا واحدا، ويسألون الله أن يجمع المسلمين على كلمة الحق، والتوحيد، والتمكين، يحاولون أن يعيدوا صناعة أنفسهم، ويصدّرون صورة ذهنية، وبصرية للعالم بأنهم قوة عظمى، تحتاج فقط إلى التنظيم، والوحدة، وحسن النوايا، ومن بعد ذلك سيعود المسلمون أقوياء، وأعزة، يقودون العالم، ويغيرون نمط الكون، وثوابته.
وفـي هذا اليوم المبارك، وفـي هذا الجو المشحون إيمانيا لا تنسوا غزة وأهلها من الدعاء، وما النصر إلا من عند الله، وهو خير الناصرين.
وكل عام والأمة الإسلامية بخير، وعظمة، وسلام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فـی هذا
إقرأ أيضاً:
واحدة من كل 3 شابات بلا عمل أو دراسة في تركيا
كشفت غرفة تجارة إسطنبول (İTO)، عبر تقرير جديد صادر عن مركز البحوث الاستراتيجية “إيتوسام” (İTOSAM)، عن تحدٍّ مقلق يواجه الشباب، خاصة الشابات، في تركيا، يتمثل في بروز شريحة تُعرف باسم “NEET”، أي أولئك غير الملتحقين بالتعليم أو العمل أو التدريب المهني.
28% في تركيا و18.6% في إسطنبول
بحسب التقرير، فإن 28% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا في تركيا، لا يشاركون في أي نشاط تعليمي أو مهني أو تدريبي.
وتُعتبر إسطنبول في وضع أفضل نسبيًا، حيث تبلغ النسبة 18.6%، لكنها لا تزال أعلى بكثير من متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) البالغ 13%.
“الدعم الاجتماعي وحده لا يكفي”
قال شكيب أفداغيتش، رئيس غرفة تجارة إسطنبول (İTO)، إن الاكتفاء بالمساعدات الاجتماعية للشباب من فئة NEET “غير كافٍ”، مشددًا على ضرورة ربط الدعم باكتساب المهارات أو التعليم المهني، فضلًا عن توسيع التدريب الداخلي وتفعيل آليات تحفيزية لتعزيز الخبرة العملية.
النساء والأقل تعليمًا في صدارة الفئة الأكثر تهميشًا
أوضح التقرير أن النساء والشباب الذين لم يتخرجوا من أي مدرسة رسمية يشكّلون النسبة الأكبر من فئة NEET، حيث تُظهر البيانات أن واحدة من كل ثلاث شابات في تركيا غير ملتحقة بأي شكل من التعليم أو العمل.
عوائق بنيوية: انخفاض الأجور وقلة الخبرة وسوق هش
تشمل أبرز التحديات التي تمنع الشباب من دخول سوق العمل:
• تدنّي الأجور
• غياب الخبرة العملية
• ظروف العمل غير المستقرة
كما يقسم تقرير “إيتوسام” فئة NEET إلى:
• نشطين: يبحثون عن عمل ولكن لا يعملون
• سلبيين: لا يشاركون في أي نشاط تعليمي أو مهني أو حتى بحث عن عمل، وبالتالي لا يُصنفون ضمن العاطلين رسميًا
تداعيات نفسية واجتماعية مقلقة
يحذّر التقرير من أن المشكلة تتجاوز الجوانب الاقتصادية، لتشمل آثارًا نفسية واجتماعية خطيرة.
فالشباب الذين نشأوا في بيئات مفرطة في الحماية، أو تلقوا “تربية غير آمنة” تُشبه العيش داخل “جرس زجاجي”، غالبًا ما يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية والاستقلالية.
هل تستطيع العيش في إسطنبول؟ رقم صادم لتكلفة المعيشة الشهرية!