من القضايا التي يطرحها خصوم الإخوان فكرة وتنظيما: أنه لم ينج تنظيمهم من السجون، في كل العصور التي مرت على مصر، منذ الملكية في عهد فاروق، وحتى الحكم العسكري، بداية بعبد الناصر، وانتهاء بالسيسي، وأن ذلك يعد دليلا على فساد الفكرة، أو عدم صوابية المنهج، إذ لا بد من تفكير لا يجعلهم زوارا أو مقيمين في السجون لفترات طويلة.



وهي فكرة تطرح من الكارهين للإخوان، أو ممن غادروها ورأوا كي يحصلوا على مساحة أمان بعيدا عن السجون، فلا بد من مغادرة التنظيم، سواء مغادرة تحافظ على أدب العشرة، أم لم تحافظ، وتحولت لأبواق أمنية وسياسية للطغاة والظلمة، وبغض النظر عن الدوافع وراء الفكرة، فإنها فكرة جديرة بالنقاش، ليس لأنها صادرة من خصومهم فقط، بل هي تصدر من داخل التنظيم نفسه لكن بطريقة أخرى، إذ مما يتوارث في الفكر الدعوي، نقلا عن الإمام حسن البنا، قوله: تأخر الابتلاء، نخشى أن نكون على خطأ!

الابتلاء ليس بالسجن وحده

وكلام البنا عن الابتلاء بوجه عام، وليس حصر الابتلاء بالسجون والمعتقلات، فليس السجن دليل صحة المنهج، ولا دليل فساده، ومن الخطأ البين أن نقيم الأفكار أو المناهج بناء على مكان أصحابه وحامليه داخل أو خارج السجن، فكلا المنهجين خطأ، فخصوم الإخوان يتبنون هذه النظرية دلالة على فساد منهجهم، وشريحة ليست قليلة من الإخوان تتبناه على أنه معيار اصطفاء داخل التنظيم، ودلالة على صحة المسير.
وما قصده البنا أولا، من أن تأخر الابتلاء ويخشى أن يكون على خطأ، يقصد بذلك عموم الابتلاء، سواء بالمنح أو المنع، بالسلب أو العطاء، وذلك لأن الحياة مبنية على الاختبار، بالخير والشر، وهي فلسفة وجود الإنسان في الحياة وغاية خلقه، فقال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) الملك: 2.

السجن ليس هدفا ولا معيارا

فدخول السجن ليس هدفا يرتجيه الداعية أو السياسي، وإلا أصبحت هذه الفكرة المعطوبة عبئا على التفكير لديه، وربما برر ذلك لدى بعض الأغرار من الصغار في السن، ما كان يرويه أهل السجون ممن خرجوا منها، من أهل الدين أو السياسة، ما يرونه من ذكريات السجون، فالمتدين يحكي كيف زاد إيمانه في السجن، وثباته كان أسطوريا أمام المحققين والمعذبين، ولم يكن حافظا للقرآن فحفظه وختمه، ويصبح أيقونة دينية، فيتخيل السامع أنه لن يختم القرآن ولن يمر بهذه الكرامات إلا بداخل السجن، وهو تصور موهوم، ومبني على خطأ في روافد التزكية والإيمان، فالسجن إن فعل ذلك مع متدين، فهناك متدين آخر ربما يتحول في السجن لجاسوس على إخوانه المسجونين، وهو ما حدث مع كل أصحاب الأفكار الدينية منها وغير الدينية.

والبعض يتخذ السجن أحد معايير التفضيل، كما حدث عند خروج الإخوان من السجون في السبعينيات، فكانت من المعايير في فترة من الزمن، أنه لا بد أن يكون المتولي لمنصب كبير في الجماعة، أن يكون قد سبق له السجن، ولسنوات، وثبت صبره وصموده، وقصدوا لذلك وقتها: ألا يمتحن بالسجن فيضعف، وهو كلام أيضا لا يصح فكرا ولا تجربة، وهو ما رأيناه في نائب مرشد سابق، وقد انتهى به الأمر أنه اختبر بالمنصب فسقط في الاختبار، وقد نجح في كل اختبارات السجن من قبل، وهكذا.

مسجون سياسي أم جنائي؟!

كما أن من الخطل الاستغراق في هذه الفكرة، وكأن المسجون السياسي مجرم عتي الإجرام، قام بارتكاب جرم يحاسب عليه القانون، وبذلك نقلب ميزان العدالة والحق، يمكننا القول بتقييم الأفكار بالسجون، لو كان أصحابها يسجنون في جرائم جنائية، وتكون هذه سمة عامة لها، فمعناها أنها مرتبطة بارتكاب جرائم هي من صميم منهجها، لكن أن نحاكم الأفكار بناء على بغض أو حب الأنظمة لها فهذه نكتة كبرى.

لدينا عبد الناصر والسيسي، فناصر بدأ بالقوى الليبرالية، بحزب الوفد، وأجل معركته مع الإخوان، وظل مستثنيا للإخوان من كل إجراء، ثم ثنى بالإخوان بعد ذلك، والسيسي فعل العكس، بدأ بالإخوان، وظل صامتا عن القوى الأخرى، ثم استدار عليها، فهذا المزاج الاستبدادي لدى السلطات التي لا تحكمها قوانين ولا نظم، لا يمكن أن يكون السجن والخروج منه معيارا لصلاح أو فساد الفكرة التي يعتنقها المسجون.ذكرتني بطرفة حقيقية، حيث كان أحد الأفراد المنتمين لجماعة دعوية في عهد مبارك، لم يكن الأمن يقترب منهم، فلا حديث لهم عن السياسة مطلقا، فاختلف مع أحد الأفراد المنتمين لجماعة تعنى بالعمل السياسي، فقال له الأول: نذهب معا إلى مكتب الباشا فلان ضابط أمن الدولة، وهو يحكم بيننا: أينا على صواب؟ وسرعان ما تغيرت سياسة النظام بعدها، وبدأوا في اعتقال أفراد هذه الجماعة المسالمة تماما أيضا.

الابتلاء المتكرر بالسجن ليس علامة فساد منهج

أما الفكرة الرئيسة التي نناقشها، ولعل كثيرا منها قد اتضح بما فندناه أو ناقشناه في مسألة الابتلاء، والابتلاء بالسجن تحديدا، أن بعض السذج يريد أن يحكم على الإخوان، أو أي أصحاب فكرة بالسجن، وهو كلام يمر عبر فكرة مخلصة لمن لم يسبر أغوار التاريخ والفكر، أو غبر فكرة متجنية، فهو يبحث عن عيب والسلام، فمن استقرأ التاريخ وأحداثه، والأفكار ومضامينها، يجد أن جعل السجن معيارا للحكم على منهج أو فكرة، هو معيار ساذج، فعلى المستوى الديني، هناك آل البيت النبوي، الذين ظلوا طوال التاريخ الإسلامي مضطهدين، وبعيدين عن أي تصدر، بل كانت كل خلافة تأتي تضع عليهم الأعين، وتضيق عليهم الخناق، حتى الخلافة العباسية والتي جاءت من البيت الهاشمي نفسه، كان لها نفس الموقف، ومن يقرأ كتاب: (مقاتل الطالبيين) للأصفهاني، سيجد تفاصيل تاريخية، كفيلة بعدول صاحب هذه الفكرة عنها تماما، إذ كيف نقيم هؤلاء الناس المتدينين، والذين ابتعد أكثرهم عن السياسة، لكنهم ظلوا مطاردين محاصرين، موضع اشتباه وتوجس دائم؟!

وما يقال عن الإخوان يقال كذلك عن التنظيمات الأخرى غير الدينية، فالشيوعيون والملحدون، طوردوا وحوربوا في كل عصور مصر، منذ الملكية وحتى السيسي، فكيف نحكم بذلك على أصحاب هذه الأفكار، هل المعيار هو السجن ومطاردة السلطة، أم الحكم على الفكرة من حيث جوهرها، وأفكارها، ومدى صلاحيتها، وقابليتها للتطبيق؟!

هذا هو المعيار الذي يحتكم إليه، وليست معايير رضا السلطة عن فكرة أم سخطها، لأن هذه السلطة بطبيعتها تروح وتجيء، فماذا نفعل لو رضيت سلطة عن فكرة أو جماعة، ثم جاءت سلطة أخرى وطاردتها؟ أو مرت السلطة هذه بمراحل، كما حدث مع مبارك، ففي أول سنوات عمره، ظل يمتدح الإخوان، ويصرح للغرب بأن الإخوان قوم وسطيون، يمارسون العمل السياسي والسلمي، ولما تخلص من جماعات العنف بالسجون، استدار على الإخوان، وهذا ديدن كل نظام مستبد، مع الإخوان وغيرهم، والنظام العسكري خير دليل.

فلدينا عبد الناصر والسيسي، فناصر بدأ بالقوى الليبرالية، بحزب الوفد، وأجل معركته مع الإخوان، وظل مستثنيا للإخوان من كل إجراء، ثم ثنى بالإخوان بعد ذلك، والسيسي فعل العكس، بدأ بالإخوان، وظل صامتا عن القوى الأخرى، ثم استدار عليها، فهذا المزاج الاستبدادي لدى السلطات التي لا تحكمها قوانين ولا نظم، لا يمكن أن يكون السجن والخروج منه معيارا لصلاح أو فساد الفكرة التي يعتنقها المسجون.

هذا من حيث نقاش الإخوان كقطر مصري، ولو رحنا نناقش ذلك في أقطار أخرى، لنسفت هذه الفكرة تماما، فهناك أقطار ظل الإخوان منذ نشأتهم حتى عهد قريب لا يحدث لهم أي صدام أو سجون، سواء كانت دول ملكية أو خليجية، أو أوروبية، ولم يحدث التضييق إلا في سنوات أخيرة، في ظل سياقات مختلفة ومعروفة، فكيف نطبق هذا المعيار على هذه التجارب؟!

[email protected]

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء السجون اخوان سجون مشاريع رأي دلالات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الفکرة أن یکون

إقرأ أيضاً:

طهران تدرس فكرة شرق أوسط بلا سلاح نووي كضمانة لأي اتفاق محتمل

أفاد مصدر إيراني مسؤول ومطلع للجزيرة بأن طهران تدرس بجدية فكرة شرق أوسط خال من الأسلحة النووية كضمانة وجزء من أي اتفاق نووي محتمل. في المقابل اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران بالتباطؤ في اتخاذ قرار بشأن.

ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن مستشار المرشد الإيراني للشؤون السياسية علي شمخاني قوله إنّ المقترح الأميركي بشأن الاتفاق النووي لم يتطرق إلى مسألة إلغاء العقوبات أبدا في وقت يعدّ فيه هذا الأمر قضية أساسية بالنسبة لطهران، واصفا كاتب هذا المقترح بعديم الخبرة.

وأضاف أن إيران تعمل على إعداد مقترح جديد ولن تتنازل أبدا عن حقها الطبيعي، مؤكدا أن بلاده لن تسمح للولايات المتحدة بتحقيق أهدافها المتمثلة في تفكيك البرنامج النووي الإيراني وتصفير عمليات تخصيب اليورانيوم.

وفي وقت سابق مساء أمس الأربعاء، أكد المرشد الإيراني علي خامنئي تمسك بلاده بتخصيب اليورانيوم، قائلا إن الصناعة النووية الإيرانية لن يكون لها أي فائدة من دون قدرات التخصيب.

في المقابل، نقلت وكالة أسوشيتد برس عن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي قوله إنه متفائل بالتفاوض بين واشنطن وطهران لأنها مفاوضات مباشرة وكلا الجانبين يريد التوصل لاتفاق وهذه ميزة هائلة.

إعلان

وأضاف أنه من البديهي أن تكون الوكالة الضامن لأي اتفاق يتوصلان إليه.

ترامب يتهم

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتهم إيران أمس الأربعاء بـ"المماطلة" في ما يتعلّق بالمباحثات الجارية معها بشأن برنامجها النووي.

وذكر ترامب -في منشور على منصته تروث سوشيال- أنه ناقش مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي أمس الأربعاء ملف إيران، وأخبره أنه لا يمكنها امتلاك سلاح نووي.

وقال الرئيس الأميركي إن بوتين ألمح إلى أنه قد يشارك في المباحثات الهادفة للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن برنامج إيران النووي، ورأى أن ذلك قد يكون مفيدا في التوصل إلى حل سريع.

وأجرت طهران وواشنطن 5 جولات من المباحثات بوساطة عمانية منذ أبريل/نيسان الماضي، مع تأكيد الجانبين إحراز تقدم رغم التباين المعلن بينهما بشأن احتفاظ إيران بالقدرة على تخصيب اليورانيوم.

وتشكل هذه المسألة نقطة خلاف رئيسية، في حين تؤكد إيران حقها في مواصلة تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية، الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • لا يا حمدوك.. هل اصلاح كبري شمبات والحلفايا فكرة “سخيفة” ؟؟
  • بعد وصفه بالمجنون.. ماسك يؤيد فكرة عزل ترامب
  • الجماز: مسكين سعود دفع ثمناً بسبب فكرة غبية
  • مصدر إيراني: ندرس فكرة شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية كضمان لاي اتفاق محتمل
  • طهران تدرس فكرة شرق أوسط بلا سلاح نووي كضمانة لأي اتفاق محتمل
  • مرغم : محاربة الإخوان المسلمين مرض أصاب قطاعاً واسعاً من الأمة
  • نظرية جديدة تنسف الفكرة المتداولة عن نشأة الكون
  • مشرعون: أميركا تقترب من تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية
  • إنزاغي يرفض فكرة احتراف مصعب الجوير ويتمسك ببقائه مع الهلال