إسطنبول– في مشهد رمزي تزامن مع الذكرى الـ572 لفتح إسطنبول، شهدت تركيا الخميس الماضي عبور أول منصة عائمة لإنتاج الغاز الطبيعي في تاريخ البلاد، وتحمل اسم "عثمان غازي"، عبر مضيق البوسفور متجهة إلى البحر الأسود.

وأُطلقت رحلة المنصة من أمام قصر دولمة بهجة في إسطنبول، وسط مراسم رسمية حضرها الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، في لحظة احتفاء وطنية جسدت الطموح التركي نحو الاستقلال الطاقي.

واستغرقت عملية العبور قرابة 11 ساعة، ووصفت بأنها أكبر عملية سحب بحرية في تاريخ الجمهورية، بمرافقة قاطرات تابعة للمديرية العامة للسلامة الساحلية، وتحت إشراف طواقم ملاحية مختصة.

قدرات وطنية

تشكل المنصة العائمة "عثمان غازي" محطة فارقة في مسار تطوير قطاع الطاقة التركي، بوصفها أول منشأة بحرية متكاملة مخصصة لإنتاج ومعالجة الغاز الطبيعي في المياه العميقة لحقل صقاريا، أكبر حقول الغاز المكتشفة في البحر الأسود. وصُممت المنصة بأبعاد هائلة بلغ طولها 298.5 مترا، وعرضها 56 مترا، وعمقها 29.5 مترا، وتضم على متنها مرافق متطورة تستوعب نحو 140 من المهندسين والفنيين المتخصصين.

وتتمتع المنصة بقدرة معالجة قصوى تصل إلى 10.5 ملايين متر مكعب من الغاز يوميا، إلى جانب طاقة نقل يومية تبلغ 10 ملايين متر مكعب، مما يجعلها واحدة من أكبر المنشآت العائمة من نوعها في المنطقة. ومن المقرر أن تُربط بخط أنابيب بحري بطول 161 كيلومترا يمتد إلى محطة التوزيع على الساحل، ليُضخ الغاز المُعالج مباشرة إلى شبكة التوزيع الوطنية، دون حاجة إلى منشآت وسيطة.

إعلان

ووفق الخطة التشغيلية، من المتوقع أن تبدأ المنصة إنتاجها الفعلي في منتصف عام 2026، على أن تستمر مهمتها لمدة تصل إلى 20 عاما ضمن مشروع طويل الأمد يهدف إلى تعزيز أمن الطاقة المحلي وتقليص الاعتماد على الخارج.

ويمثل دخول المنصة حيز التشغيل نقلة نوعية من مرحلة الاستكشاف والتنقيب إلى مرحلة الإنتاج الفعلي من البحر، وهو ما وصفته الحكومة التركية بأنه "بداية عصر جديد في استقلال الطاقة".

اكتشافات الغاز في البحر الأسود تشكل حجر الزاوية في إستراتيجية تركيا الطاقية الجديدة (وزارة الطاقة التركية) أمن طاقي

ومن المتوقع أن تمثل مرحلة الإنتاج الجديدة في حقل صقاريا تحولا نوعيا في مساعي تركيا لتأمين احتياجاتها المحلية من الغاز الطبيعي، لا سيما مع دخول المنصة العائمة "عثمان غازي" الخدمة، إذ يُرتقب أن تتضاعف الطاقة الإنتاجية اليومية من نحو 9.5 ملايين متر مكعب حاليا إلى 20 مليون متر مكعب في المرحلة الأولى من التشغيل.

ويعني ذلك -بحسب تقديرات وزارة الطاقة- توفير احتياجات نحو 4 ملايين منزل من الغاز عبر موارد محلية بالكامل، في خطوة وُصفت بأنها "نقلة إستراتيجية في طريق تحقيق السيادة الطاقية".

وكان وزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار قد صرح بأن المشروع يمثل "ركيزة رئيسية في خطة تركيا لتقليص الاعتماد على واردات الطاقة، وتعزيز الإنتاج المحلي عبر تقنيات وطنية"، واصفا المنصة بأنها "رمز للعزيمة الوطنية والهندسة التركية".

وبحسب الخطط الحكومية، يُتوقع أن يسهم حقل صقاريا في تغطية نحو 15% من الطلب المحلي على الغاز بحلول عام 2026، على أن ترتفع النسبة تدريجيا إلى 30% بحلول عام 2030. وتطمح الوزارة إلى مضاعفة الإنتاج ليصل إلى 40 مليون متر مكعب يوميا بحلول عام 2028، وهو ما يكفي -نظريا- لتغطية كامل احتياجات المنازل في البلاد.

إعلان

في السياق، تصف الباحثة في شؤون الطاقة جيران بيلتكين التوقعات الحكومية بتغطية 30% من الطلب المحلي على الغاز بحلول عام 2030 بأنها "طموحة لكنها ممكنة"، مستندة إلى اكتشافات حقل صقاريا وتشغيل منصة "عثمان غازي".

وتؤكد -في حديث للجزيرة نت- أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تجاوز تحديات تقنية ومالية، أبرزها استدامة الإنتاج في بيئة بحرية معقدة، وتأمين تمويل طويل الأجل في ظل محدودية الموارد وتقلبات السوق.

وتشير بيلتكين إلى أن ازدياد الطلب المتوقع على الغاز، خاصة في القطاعات الصناعية والنقل، قد يزيد من صعوبة تحقيق النسبة المستهدفة، رغم نمو الإنتاج المحلي.

ورغم ذلك، ترى الباحثة أن تغطية 20% إلى 25% من الاستهلاك المحلي تبقى هدفا واقعيا إذا التزمت الحكومة بالتنفيذ الدقيق، وواصلت الاستثمار في كفاءة الطاقة والمصادر المتجددة.

المرحلة التشغيلية القادمة لحقل صقاريا هي مرحلة حاسمة في تقليص الاعتماد على الواردات (وزارة الطاقة التركية) أسطول متكامل

يشهد الأسطول البحري التركي المتخصص في أعمال الطاقة توسعا مطردا وضع البلاد في المرتبة السادسة عالميا من حيث قدرات التنقيب والإنتاج في البحار، ضمن طموح رسمي يهدف لإدراج تركيا ضمن قائمة الدول الأربع الأولى في هذا المجال عالي التقنية.

ويتكون الأسطول من 4 سفن حفر بحرية متقدمة، هي: "فاتح"، "ياووز"، "قانوني"، و"عبد الحميد خان"، لعبت دورا حاسما في تعزيز مكانة أنقرة كمستكشفة نشطة في البحر الأسود وشرق المتوسط. وكانت سفينة "فاتح" قد حققت في عام 2020 أكبر اكتشاف للغاز في تاريخ تركيا في حقل صقاريا، مما شكل نقطة تحول في المسار الطاقي للبلاد.

وعلى موازاة ذلك، تشغل تركيا سفينتين متخصصتين في المسح الزلزالي هما "خير الدين بربروس" و"عروج ريس"، قادرتان على استكشاف الطبقات الجيولوجية حتى عمق 15 كيلومترا تحت قاع البحر، وجمع بيانات زلزالية ثلاثية الأبعاد تُستخدم لتوجيه عمليات التنقيب بدقة عالية.

إعلان

وتنظر أنقرة إلى اكتشافات الغاز في البحر الأسود، وفي مقدمتها حقل صقاريا، بوصفها أحد الأعمدة المستقبلية لسياستها الطاقية بعيدة المدى، ورافعة جديدة لدورها كلاعب إقليمي في معادلات الطاقة. فعلى المدى القصير، تركز تركيا على تلبية احتياجات السوق المحلية وتقليص الاعتماد على الواردات، إلا أن خططها المستقبلية تتجه نحو تصدير فائض الإنتاج، خصوصا إلى أوروبا التي تبحث عن مصادر بديلة وآمنة للغاز.

وفي هذا السياق، أعلن السفير التركي لدى الاتحاد الأوروبي أن أنقرة تضخ حاليا قرابة 18 مليار متر مكعب من الغاز إلى القارة العجوز عبر "الممر الجنوبي"، قادمة أساسا من أذربيجان، مشيرا إلى قدرة تركيا على توسيع هذا الممر ليشمل أيضا الغاز المستخرج من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، مما يمنح البلاد موقعا محوريا في معادلات الإمداد الإقليمي.

رهانات مستدامة

يرى الباحث الاقتصادي عمر أكوتش أن مشروع "عثمان غازي" يمثل خطوة واعدة لإعادة تموضع تركيا على خريطة الطاقة الإقليمية، لكنه لا يكفي بمفرده لإعادة هيكلة الاقتصاد، في ظل تحديات هيكلية مستمرة، مثل العجز في الحساب الجاري وتقلبات أسعار الصرف.

ويشير أكوتش -في حديث للجزيرة نت- إلى أن محدودية التمويل تتطلب توجيه الاستثمارات نحو مشاريع إستراتيجية طويلة الأمد، مؤكدا أن "عثمان غازي" قد يسهم في تقليص فاتورة واردات الطاقة وتحسين الميزان التجاري، بشرط التحكم في التكاليف وضمان استقرار الإنتاج.

لكنه يحذر من المبالغة في الرهان على المشروع، معتبرا أن أثره الحقيقي سيظل محدودا ما لم يُستكمل بتوسيع الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الاستهلاك المحلي في مختلف القطاعات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحج حريات الحج فی البحر الأسود الاعتماد على عثمان غازی بحلول عام من الغاز متر مکعب

إقرأ أيضاً:

الوزير: مصر تتجه للطاقة المتجددة والتصنيع المحلي لتعزيز قطاع الصناعة

قال الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والنقل، إن من أبرز التحديات التي واجهت قطاع الصناعة كان توفير مصادر الطاقة، وهو ما دفع الحكومة إلى التحول نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

كامل الوزير: سياسة الجزر المنعزلة بين الوزارات أحد أبرز تحديات الصناعةكامل الوزير: نستورد ما يقارب من 7 ملايين إطار سيارات ملاكي

وأضاف كامل الوزير، خلال حوار خاص مع الإعلامي أحمد موسى في برنامج "على مسؤوليتي" على قناة صدى البلد، أن الدولة بدأت في إنشاء مصانع متخصصة لإنتاج الخلايا الشمسية اللازمة لتوليد الكهرباء، ضمن خطة أوسع لتقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز القدرات الإنتاجية المحلية.

وأشار الوزير إلى أن العديد من المكونات الصناعية التي كانت تُستورد من الخارج، مثل طلمبات الرفع، أصبحت تُصنّع محليًا، مما يمثل خطوة كبيرة نحو توطين الصناعة.

وأكد الفريق كامل الوزير أن الخطة التي تم عرضها على الرئيس عبد الفتاح السيسي لاقت دعمه، حيث قال الرئيس: "لو تم تصنيع احتياجاتنا بدلاً من استيرادها، فهذا يكفي".

كما كشف الوزير عن وجود 151 فرصة استثمارية داخل وزارة الصناعة، مؤكدًا أن هذه الفرص تمثل قاعدة قوية لجذب الاستثمارات ودفع عجلة التنمية الصناعية في مصر.

طباعة شارك كامل الوزير الطاقة قطاع الصناع الخلايا الشمسية

مقالات مشابهة

  • أستاذ تمويل: منصة التراخيص الإلكترونية نقلة نوعية لتسريع الاستثمار في مصر
  • وزير الإعلام يُدشّن من مكة المكرمة منصة الصور السعودية للعالم
  • من مكة المكرمة.. وزير الإعلام يُدشّن منصة الصور السعودية للعالم
  • الوزير: مصر تتجه للطاقة المتجددة والتصنيع المحلي لتعزيز قطاع الصناعة
  • عملاق الطاقة السعودي يدخل بقوة إلى تركيا
  • وزير الاستثمار: منصة التراخيص الموحدة تربط 41 جهة حكومية إلكترونيا
  • منصة استثمارية جديدة.. تفاصيل اجتماع رئيس مجلس الوزراء الأسبوعي
  • وزير الاستثمار: منصة التراخيص الموحدة تتيح 250 خدمة للمستثمرين
  • من أمام البحر.. بسنت شوقي تخطف أنظار جمهورها