من تحت القصف إلى قلب الحقل.. هكذا أنقذت نساء الجنوب الأرض من الموت
تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT
حين اشتعلت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على الجنوب اللبناني، لم تكن مجرد معركة عسكرية عابرة، بل كانت زلزالاً غيّر وجه القرى الجنوبية من أساسها. فجأة، تحوّلت بيوت الطمأنينة إلى أطلال صامتة، أُقفلت الأبواب، توقفت المدارس عن استقبال التلاميذ، وخفتت أصوات الحياة في الطرقات التي باتت خاوية إلا من الغبار والخوف.
لكن المدهش لم يكن فقط صمودهن في زمن الحرب، بل ما فعلنه بعدها. فمع انقشاع غبار القصف، ومع كل حجر أعيد إلى مكانه، عادت هؤلاء النساء لا إلى منازلهن المهدّمة فقط، بل إلى الأرض نفسها. عدن إلى الزراعة كما يعود القلب إلى النبض، وكأن الحراثة فعل مقاومة، والغرس ردٌّ على الدمار. إنها عودة إلى الجذور، لا فقط لاستعادة الرزق، بل لاستعادة الكرامة والدور، والدوران الطبيعي للحياة في الجنوب.
تنظر أم حسين إلى الدونومات التي خرّبها القصف الإسرائيلي، وكيف عبثت بها الدبابات.. تستذكر المواسم التي كانت العائلة تنتظرها.. تتذكر بحسرة وبغصة تلك الأيام، وتسترجع معها ذكريات البقاء في منزلها إبان القصف إلى أن أتت الإنذارات النهائية، حيث اضطرت حينها إلى المغادرة، فتقول لـ"لبنان24":" ما غادرت بوقت الحرب. بقيت لحالي بعد ما راحوا الولاد. كنت آخذ المي وأسقي الزرع من ورا البيت... واليوم، رغم إنو الأرض تعبت، أنا رجعت أزرع." تقول إنها في الأيام الأولى بعد وقف القصف، نزلت إلى الأرض، وبدأت بتفقد ما تبقّى من المحصول السابق، ثم شرعت في تنظيف الحقل، وإعادة ترتيب الأقنية والسطول.، فتقول:" حتى لو تعب جسمي، بعرف إنو الأرض إذا ما حسّت بلمسة حدا، بتموت. وأنا ما بدي شي يموت أكتر."
تشير المعطيات غير الرسمية إلى أنّ نسبة كبيرة من الحقول الصغيرة والمتوسطة أعيد تشغيلها على أيدي النساء، لا سيما تلك التي تعنى بزراعة التبغ، الزعتر، الخضروات، والبقوليات الموسمية. ورغم هذه العودة اللافتة، لا تزال النساء يواجهن تحديات حادة: نقص البذور، ارتفاع كلفة الأسمدة، غياب الدعم الحكومي، وعدم وجود برامج مخصصة لدعم النساء العاملات في الزراعة بعد الحروب.
وسط هذا المشهد التاريخي الذي يؤرخ لنساء جنوبيات عانين لسنوات طوال، نستطيع القول أنّه حين اشتعلت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على الجنوب اللبناني، لم تكن مجرد جولة قصف عابرة، بل زلزالًا اجتماعيًا واقتصاديًا ونفسيًا طال قلب المجتمع الريفي في الجنوب، لكن ما لم يظهر في مشهد الخراب ذاك، هو التحوّل الذي أصاب بنية الصمود الشعبية، وخصوصًا في أدوار النساء. فبينما كان ينظر تاريخيًا إلى المرأة الجنوبية كـ"مُساعِدة" في الزراعة أو "ضحية" في زمن الحرب، أظهرت وقائع هذا النزاع بُعدًا آخر: النساء كنّ رأس الحربة في الحفاظ على الأرض والحياة، أولًا عبر الصمود والبقاء، ثم عبر المبادرة في إعادة إحياء الدورة الزراعية.
فمن بقيَ لم يكن فقط يحرس منزله، بل كان يعيد تعريف معنى "الانتماء". لقد تحوّلت العودة إلى الأرض، بعد انقشاع الحرب، إلى فعل سياسي ومجتمعي ضمني: الزراعة لم تكن مجرد حاجة غذائية، بل صرخة ضد التهجير، وضد خنق القرى اقتصاديًا. النساء، كما تثبت الشهادات الميدانية، عدن إلى الحقول قبل أن تعود الخدمات، قبل أن تُرمم البيوت، لأن الأرض كانت المكان الوحيد القادر على استيعاب الألم وتحويله إلى عمل. في هذا السياق، لا يعود دور النساء محصورًا في "النجاة"، بل في إعادة إنتاج المجتمع من جديد. إذ إن الجنوب الذي استهدفه العدوان، لم يُضرب فقط بقنابل عنقودية، بل أيضًا بمحاولات تفريغه من سكانه، من اقتصاده الزراعي، من ذاكرته الجماعية. والنساء، من موقعهن كراعيات للبيت والحقل معًا، تصدّين لهذا الشكل من الإبادة الناعمة.
وفي ظل غياب الدولة، والتضاؤل التدريجي لدور الأحزاب في التنمية، بدا لافتًا أن المبادرة النسائية في استصلاح الأرض عكست قدرة كامنة على التنظيم الذاتي، وعلى إنتاج اقتصاد مصغّر داخل القرى، وإن كان هشًّا. وهو ما يطرح أسئلة مهمة حول دور التعاونيات الزراعية، ومدى الحاجة إلى سياسات عامة تراعي دور النساء في التعافي بعد النزاعات، لا سيما في البيئات الريفية.
في المحصّلة، ما جرى في جنوب لبنان ليس فقط مشهدًا إنسانيًا عنيفًا، بل تجربة اجتماعية وسياسية في كيفية التمسّك بالأرض كهوية وكمصدر رزق. والنساء الجنوبيات لم يعدن إلى الحقول فقط كمزارعات، بل كفاعلات في مقاومة من نوع جديد: مقاومة التهميش، والاقتلاع، والموت البطيء للريف
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: إلى الأرض عدن إلى لم تکن هذا ما
إقرأ أيضاً:
الحوثيون يهدمون منزل مغترب في صنعاء ويشردون قاطنيه
أقدمت ميليشيا الحوثي، مساء الأربعاء، على طرد النساء والأطفال من منزل مغترب بالقوة بصنعاء، قبل أن تباشر جرافاتها بهدم المنزل وسط صراخ النساء واستغاثات الجيران، في سابقة تعكس تنامي السلوك الهمجي والانتقامي للميليشيا تجاه المواطنين العُزّل.
ووفقًا لمصادر محلية أفادت وكالة خبر، فإن عناصر من إدارة الأشغال التابعة للميليشيا حضرت إلى منزل المواطن المغترب فائز المخلافي في حارة زايد الجنوبية، وطلبت من النساء المقيمات داخله مغادرة المكان تمهيدًا لهدمه، مدعية أن الأرض تقع ضمن ما تسميه المليشيا "المنطقة المظللة"، وهي مخصصة -حسب زعمها- لمشاريع خدمية كالمستشفيات والحدائق.
وأكدت المصادر أن النساء رفضن مغادرة المنزل في البداية لعدم وجود أي مخالفة، ولأن البناء تم على قطعة أرض صغيرة يمتلكها المخلافي منذ سنوات، حاله كحال بقية سكان الحارة الذين بنوا منازل متعددة الطوابق منذ أكثر من 25 عامًا، دون أن تمسهم مليشيا الحوثي.
وأضافت المصادر، إن إدارة الأشغال الحوثية هددت باستخدام القوة، وتوعدت بإحضار شرطة نسائية لتنفيذ عملية الإخلاء القسري، وهو ما نفذته بالفعل صباح اليوم التالي، حيث وصلت قوة نسائية ترافقها جرافة "شيول"، وتم إخراج النساء بالقوة من المنزل إلى الشارع، قبل أن تُباشر بهدمه بشكل كلي.
وشدد الأهالي على أن الاستهداف الحوثي انحصر في منزل المخلافي فقط، رغم أن معظم بيوت الحي أُنشئت على أراضٍ مشابهة ودون أي اعتراض رسمي طوال العقود الماضية، مرجحين وجود أطماع من نافذين حوثيين للاستيلاء على الأرض، مستغلين غياب صاحبها الذي يعمل مغتربًا في السعودية منذ سنوات، ويقوم بتحويل مدخراته لأقاربه الذين أنجزوا البناء باسمه.
وطالب سكان الحارة المنظمات الحقوقية والجهات المحلية والدولية بالتدخل العاجل لوقف الانتهاكات الحوثية ضد المدنيين ومحاسبة المتورطين في جريمة هدم المنزل وتشريد أسرته، مؤكدين أن ما جرى يفتح الباب أمام سابقة خطيرة في نهب ممتلكات المواطنين واستباحة كرامتهم تحت ذرائع كاذبة.