عربي21:
2025-06-10@09:46:14 GMT

“غزة الصغيرة”.. مشروع التصفية الكبرى؟

تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT

حين أطلق الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، ضمن ما سُمّي بـ”السيوف الحديدية”، لم يكن الهدف مجرد الرد على عملية عسكرية نفذتها المقاومة.

الأيام الأولى للعدوان، ثم ما تلاها من قصف وتجويع ونزوح، كشفت ملامح مشروع أكبر: خطة لتفكيك غزة وتصفية القضية الفلسطينية، بما بات يُعرف اليوم اختزالًا باسم “غزة الصغيرة”.


هذا المقال لا يتعامل مع “غزة الصغيرة” كمجرد سيناريو عسكري، بل كمخطط استراتيجي إحلالي، يُعيد إنتاج النكبة بشكل ممنهج. فما هي معالم هذا المشروع؟ وما أهدافه؟ وهل يمكن أن ينجح رغم كل التعقيدات؟

أولًا: ما هو مشروع “غزة الصغيرة”؟ “غزة الصغيرة” هو الاسم الرمزي لخطة تهدف إلى تقليص القطاع إلى شريط ضيق في أقصى الجنوب (رفح وخان يونس)، وتحويله إلى كتلة بشرية منهكة، مقطوعة عن الامتداد الفلسطيني الطبيعي، ومحاصَرة بجدران أمنية وأطواق تجويع. يقوم المشروع على خمس مراحل متداخلة:

1. تفريغ الشمال عبر القصف المستمر وتدمير البنية التحتية لتهجير السكان جنوبًا.
2. إنشاء منطقة عازلة بطول القطاع تُمنع العودة من خلالها ويُفرض واقع أمني دائم.
3. حصر السكان في جيب جنوبي مكتظ يُدار بغطاء إنساني أو دولي، دون سيادة وطنية.
4. فصل غزة عن الضفة الغربية سياسيًا وجغرافيًا، لنسف وحدة المشروع الوطني.
5. فرض واقع إنساني كارثي يدفع باتجاه قبول حلول مذلة: التهجير، التوطين، أو الحكم الذاتي المشوّه. ما نراه ليس فقط تدميرًا ماديًا، بل هندسة سكانية – جيوسياسية لإعادة تعريف غزة وظيفيًا وجغرافيًا.

ثانيًا: البعد السياسي – غزة الصغيرة كنواة لتصفية القضية منذ عام 1948، لم يجرؤ الاحتلال على تهجير جماعي بهذا الحجم وبهذا العلن. العدوان الحالي تجاوز منطق الحرب، ليتحول إلى معمل تفكيك سياسي للوجود الفلسطيني، حيث تُستبدل الهوية المقاومة بـ”النجاة” الفردية.

أهداف الخطة السياسية أعمق من ظاهرها: إخراج غزة من المعادلة الوطنية كمركز للمقاومة والتمثيل السياسي. فرض كيان فلسطيني هش تُشرف عليه جهة وظيفية لا تملك الأرض ولا القرار. تفكيك وحدة الجغرافيا الفلسطينية ومن ثم وحدة الذاكرة والهوية. تهيئة البيئة الإقليمية لشرق أوسط جديد، تُنفى منه فلسطين، وتُجرّم فيه المقاومة.

تسريبات من مراكز أبحاث إسرائيلية (مثل مركز “بيغن–السادات”) تؤكد أن خطة ما بعد الحرب تهدف إلى خلق “واقع دائم بلا حماس، وبلا تهديد استراتيجي”، ما يعني قضم غزة سياسيًا، لا فقط عسكريًا.

ثالثًا: الواقع الميداني – غزة تحت المقصلة حسب تقارير الأمم المتحدة: 1.9 مليون فلسطيني نزحوا قسرًا داخل قطاع غزة. 90% من البنية التحتية في الشمال والوسط مدمرة. 85% من المستشفيات خارج الخدمة. أكثر من مليون ونصف فلسطيني محاصرون في رفح، بلا مياه أو كهرباء أو دواء.
رفح لم تعد مدينة، بل تحولت إلى أكبر مخيم لاجئين على وجه الأرض. لكنها، رغم القهر، لم تتحول إلى قبر للهوية؛ بل إلى فضاء جديد للعناد الفلسطيني.

رابعًا: العوائق الكامنة – لماذا قد تفشل الخطة؟ رغم البطش الإسرائيلي، يواجه مشروع “غزة الصغيرة” خمسة عوائق استراتيجية:

1. بقاء المقاومة: فصائل المقاومة ما زالت تنشط من قلب مناطق يزعم الاحتلال أنه “طهّرها”.
2. الرفض الشعبي الفلسطيني: الناس، رغم النزوح، يصرّون على العودة ورفض أي حلول بديلة.
3. الانكشاف الدولي غير المسبوق: الاحتلال يُحاكم اليوم أخلاقيًا وقانونيًا بتهم الإبادة الجماعية.
4. الفيتو المصري: القاهرة ترفض التهجير إلى سيناء، لإدراكها خطورته على أمنها القومي.
5. اليقظة العربية المتصاعدة: رغم هشاشة الأنظمة، تعود الشعوب العربية لتبني فلسطين قضيةً أولى.

خامسًا: المأساة الإنسانية – غزة بلا قلب ولا مأوى “في النكبة مشينا حفاة من المجدل إلى غزة، واليوم نمشي حفاة من غزة إلى الموت”، تقول أم فادي، وهي عجوز هجّرتها الحرب.
ما يجري هو كارثة إنسانية كاملة الأركان: الطفل يفتش عن ماء في الركام، والأم تلد فوق التراب، والمُقاتل يدفن رفاقه ثم يعود لموقعه.
لكن ما لا يراه الاحتلال: أن هذا الألم لم يُنتج استسلامًا، بل عنادًا وجوديًا. فاللاجئ يكتب على خيمته: “سنعود، ولو من رمادنا”.

سادسًا: السيناريوهات المحتملة – ماذا بعد الدم؟
1. نجاح مؤقت للخطة: قد يُفرض واقع ميداني، لكنه هش، وسرعان ما ينهار بفعل المقاومة أو انفجار شعبي.
2. فشل تراكمي تدريجي: عودة السكان، وفشل الإدارة البديلة، يُعيد غزة إلى المعادلة الوطنية.
3. تفجير إقليمي واسع: أي تهجير نحو سيناء سيشعل المنطقة، ويغيّر قواعد الاشتباك الإقليمي.

ختامًا: غزة لا تُصغّر.. بل تتسع فينا يريدون حشر غزة في خيمة، لكنها تسكن قلب كل حرّ. يريدون اختزالها في أزمة إنسانية، لكنها تحيا كرمز للكرامة. يريدون تصغيرها، فكبُرت بدم شهدائها.

“غزة الصغيرة” ليست مجرد مشروع احتلالي، بل اختبار للضمير العالمي: هل يُسمح بإبادة مدينة على الهواء مباشرة، دون عقاب؟ وهل يبقى الحق حيًا في عصر الصمت المُصور؟ غزة تعيد تعريف النكبة كواقع مستمر، لكنها أيضًا تعيد تعريف الكرامة كمقاومة لا تموت.
إذا أرادوا تصغير فلسطين، فإن دماء غزة تُكبرها.. تُكبرها حتى تُعيد رسم خريطة الحرية. غزة لن تُهزم، لأنها تشبهنا في لحظتنا الأصدق: لحظة الصمود، مهما عظمت الكلفة.

الدستور الجزائرية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الاحتلال غزة التهجير غزة الاحتلال التهجير اليوم التالي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد صحافة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة غزة الصغیرة

إقرأ أيضاً:

الدويري: المقاومة أعادت ترتيب أوراقها وتنفذ عملياتها بعمق جيش الاحتلال

قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد فايز الدويري إن فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أعادت تنظيم صفوفها ورتبت أوراقها من جديد، وهي تنفذ الآن عمليات مركزة في عمق تشكيلات جيش الاحتلال الإسرائيلي، في ظل اتساع هامش المناورة لديها وتبدّل طبيعة المناطق التي تشهد المواجهات.

وأشار الدويري -في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة- إلى أن العمليات المتكررة في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة تمثل نمطا متقدما من القتال، تتسم بالاحتكاك المباشر والتسلل إلى عمق التشكيلات الإسرائيلية، باستخدام تكتيكات تستند إلى كمائن مُعدة سلفا وتفجيرات هندسية داخل المنازل المستهدفة.

وتأتي هذه التصريحات في ظل إعلان وسائل إعلام إسرائيلية عن "حدث أمني" جديد في حي الشجاعية، تزامن مع هبوط مروحية عسكرية إسرائيلية في مستشفى "شاعري تصيدق" في القدس المحتلة، وسط تقديرات بنقل جرحى من ساحة العمليات.

وكانت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أعلنت في وقت سابق تنفيذ عملية من نقطة صفر أجهزت فيها على جنديين إسرائيليين في الشارع ذاته.

وأوضح الدويري أن المقاومة استفادت من إخلاء السكان قسريا في المناطق الحمراء، مما أطلق يدها وأعطاها مساحة أكبر للحركة، وسمح لها بتكثيف عملياتها خلف خطوط التمركز الأمامية لقوات الاحتلال، وليس بالضرورة خلف الجبهة بكاملها، ما يعكس مرونة وتطورا واضحا في الأداء الميداني.

إعلان

وأضاف أن هذه الكتائب باتت تستدرج الجنود الإسرائيليين إلى مناطق "تقتيل"، تستخدم فيها العبوات الناسفة والتفجيرات المؤجلة داخل المنازل، بالإضافة إلى أسلحة مثل قذائف "الياسين 105" و"الثاقبة" وقناصة "الغول"، وهو ما يشير إلى حزمة متكاملة من التكتيكات التي يتم تفعيلها بدقة في الميدان.

استنزاف الاحتلال

وأشار إلى أن المقاومة -من شمال القطاع إلى جنوبه- نجحت في الحفاظ على وتيرة عملياتها رغم تلقيها ضربات قاسية، مؤكدا أن المقاتلين ما زالوا قادرين على استنزاف الاحتلال، "حيث لا يكاد يمر يوم دون تسجيل قتلى أو جرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي".

وأكد الدويري أن تأثير الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي اليوم يختلف عما كان عليه في الأشهر الأولى للحرب، حيث باتت تحمَّل مسؤولية كل قتيل للحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو، وسط إدراك متزايد بأن "ضريبة الدم" أصبحت ثمنا لبقاء هذا الائتلاف في الحكم.

وفي معرض تقييمه لأداء الجيش الإسرائيلي، استشهد الدويري بما كتبه إسحاق بريك في صحيفة "معاريف"، إذ قال إن الجيش الإسرائيلي "هُزم أمام حماس"، محذرا من التورط في حرب استنزاف طويلة قد تؤدي إلى انهيار البنية التنظيمية والأمنية للجيش، وخسائر اقتصادية باهظة.

وتابع اللواء المتقاعد أن المقاومة ليست فقط بعيدة عن الانهيار، بل استعادت أنفاسها وأعادت تشكيل بنيتها التنظيمية، رغم فقدان معظم قادة الصف الأول والثاني، حيث شهدت صفوفها إعادة بناء في البعدين البشري والعسكري، وهو ما يفسر استمرارها في القتال بهذا الزخم.

الهندسة العكسية

وقال إن سؤال "من أين للمقاومة القدرة على مواصلة تصنيع الأسلحة رغم الحصار؟" يمكن الإجابة عليه من خلال فهم آليات "الهندسة العكسية" التي تعتمد عليها الفصائل، عبر تفكيك القذائف غير المنفجرة -التي تُقدّر بـ15 إلى 20% من إجمالي القنابل المسقطة على القطاع- وإعادة تدوير موادها المتفجرة لاستخدامها في عبوات ناسفة.

إعلان

ولفت إلى أن حماس وسرايا القدس توظف هذه المتفجرات في بعدين: الأول عبر استخدام مباشر لبعض القذائف لتفجيرها في قوات الاحتلال، والثاني -وهو الأكثر شيوعا- من خلال استخراج المواد المتفجرة لاستخدامها في تجهيز العبوات والكمائن بدقة فنية عالية.

وشدد على أن هذه القدرات التي تُبديها المقاومة اليوم ليست محض مصادفة، بل نتيجة تراكم خبرات وتطوير تقنيات القتال تحت الحصار، بما يشمل تصنيع العبوات، واستخدام أساليب الرصد والتوثيق والتخفي، وتوظيف الأدوات البسيطة لإنشاء بنية قتالية فعالة ومنظمة.

وقال إن نمط القتال الذي تتبعه المقاومة بات يرتكز على تنفيذ كمائن محكمة، واستهداف الجنود عبر القنص أو تفجير المنازل أو الحشوات المتفجرة، مضيفا أن هذه الإستراتيجيات تعكس تغيرا نوعيا في أسلوب العمل المقاوم مقارنة ببداية الحرب.

ورأى الدويري أن استمرار المقاومة في تنفيذ عمليات نوعية رغم الجسر الجوي الأميركي الداعم لإسرائيل يمثل مفارقة لافتة، معتبرا أن حجم التسليح والدعم اللوجستي للجيش الإسرائيلي لا يُترجم إلى تفوق ميداني حقيقي، في مقابل أداء فصائل المقاومة التي وصفها بـ"الخارقة للعادة".

مقالات مشابهة

  • اشتباكات عنيفة بين عناصر القسام وميليشيا أبو شباب.. والاحتلال يتدخل
  • الإمارات في حرب غزة.. شريك في مشروع سحق المقاومة
  • مادلين: جدوى السفينة الصغيرة في مواجهة الاحتلال
  • ما بين الحياة الآمنة تحت الاحتلال والمقاومة أيهما كلفته أكبر؟ (2)
  • من تحت الأنقاض..كيف تُعيد كمائن القسام صياغة معادلة الردع في غزة؟
  • لإنهاء المقاومة.. الاحتلال ينقل نموذج تدمير رفح لشمال الضفة الغربية
  • الكشف عن تفاصيل كمين الجمعة: هكذا ضللت المقاومة قوة من جيش الاحتلال في خانيونس
  • الدويري: المقاومة أعادت ترتيب أوراقها وتنفذ عملياتها بعمق جيش الاحتلال
  • اشتباكات عنيفة بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة في حي الشجاعية