ما يقال من الذكر والدعاء عند شدة الحر.. اللهم أجرنا من النار
تاريخ النشر: 12th, June 2025 GMT
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: سمعت أن هناك أذكارًا وأدعية تقال في الحرّ الشديد، ودرجة الحرارة مرتفعة جدًّا في هذه الأيام؛ فنرجو منكم بيان ما يقال من الأدعية في هذه الأحوال.
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إنه يستحبُّ للإنسان عند اشتداد الحرِّ أن يُكثر من قول "لا إله إلا الله"، وأن يستعيذ بالله تعالى من النار ومن حرِّ جهنم، وأن يسأله سبحانه العافية؛ فيقول: "اللهم أجرني من حَرِّ جهنم"، أو "اللهم أجرنا من النار، ومن عذاب النار، ومن كلِّ عملٍ يقربنا إلى النار، وأصلح لنا شأننا بفضلك وكرمك يا عزيز يا غفَّار"، ويجوز أن يدعو بغير ذلك من الأدعية التي يباح الدعاء بها عندما يحصُل للإنسان ما يقلقه أو يزعجه.
وأوضحت أنه من المقرر أن التوجيه الشرعي للإنسان إذا أصابه شيء يصعب عليه تحمله، أو كان سببًا في حصول المشقة عليه: أن يلجأ إلى الله تعالى راجيًا كشف الضر وإزالة البأس؛ فقد قال الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62]، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 67].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، و"المعجم الأوسط"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
ورُوي مُرسلًا عن الحسن البصري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اسْتَقْبِلُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ» رواه أبو داود في "مراسيله".
قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (3/ 47، ط. مكتبة الرشد): [السُّنَّة عند نزول الآيات: الاستغفار والذكر والفزع إلى الله تعالى بالدعاء، وإخلاص النيات بالتوبة والإقلاع، وبذلك يكشف الله تعالى ظاهر العذاب؛ قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾] اهـ.
وقال العلامة ابن رجب الحنبلي في "اختيار الأَوْلَى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 115، ط. مكتبة دار الأقصى): [فالمؤمن: مَن يستكين قلبه لربه، ويخشع له ويتواضع، ويظهر مسكنته وفاقته إليه في الشدة والرخاء، أما في حالة الرخاء: فإظهار الشكر، وأما في حال الشدة: فإظهار الذل والعبودية والفاقة والحاجة إلى كشف الضر] اهـ.
وتابعت: لا يخفى أن الحرَّ مشقة تلحق بالإنسان، وجهد ينزل ساحته؛ ولذا فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن شدة الحر من فيح جهنم؛ كما في حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» متفقٌ عليه.
قال الإمام الزرقاني في "شرحه على موطأ الإمام مالك" (1/ 111، ط. مكتبة الثقافة الدينية): [سَجْرُ جهنم سبب فيحها، وفيحها سبب وجود شدة الحر، وهو مظنة المشقة] اهـ.
ما يقال عند اشتداد الحر
أما ما يقوله الإنسان عندما يشتد عليه الحرُّ فقد ورد أنه يقول: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه" وأنه يدعو الله تعالى بقوله: "اللهم أجرني من حَرِّ جهنم".
وذلك لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَنِي مِنْكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ» رواه البيهقي في "الأسماء والصفات"، وذكره أيضًا مختصرًا في "الاعتقاد"، وابن السنّي وأبو نعيم في "عمل اليوم والليلة".
وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا فإنَّه ممَّا يعمل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند عامة العلماء في مثل ذلك؛ كما قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 8، ط. دار الفكر): [قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل وفضائل الأعمال بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا] اهـ.
وحتى لو لم يرد في الباب إلا هذا الحديث الضعيف فإنَّ النصوص الصحيحة الأخرى العامَّة التي تُرَغِّب في الدعاء وكثرة الذكر مطلقًا، وفي الاستجارة وطلب الوقاية من النار على الخصوص تكفي في إثبات المشروعيَّة؛ إذ إن القاعدة عندهم أن العامَّ يبقى على عمومه، والمطلق يجري على إطلاقه حتى يأتي مُخصِّص أو مُقيِّد. ينظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (5/ 8، ط. دار الكتبي)، و"التلويح على التوضيح" للعلامة التفتازاني (1/ 117، ط. مكتبة صبيح).
واشارت الى ان الشرع رغَّب في الاستجارة من النار وطلب الوقاية منها بالعفو والمغفرة؛ حيث قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 16].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلَّا قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ، إِنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا قَدِ اسْتَجَارَكَ مِنِّي فَأَجِرْهُ.. الحديث" أخرجه الإمامان أبو يعلى وإسحاق بن راهويه في "المسند"، والإمام البيهقي في "الدعوات الكبير".
ولفتت الى انه يجوز للإنسان أن يدعو بغير هذا الدعاء من الأدعية التي يباح الدعاء بها عندما يحصل للإنسان ما يقلقه أو يزعجه؛ رغبةً في أن يدفع الله تعالى عنه هذا الأمر ومشقته؛ ففي السُّنَّة النبوية المطهرة كثيرٌ من الأدعية والأذكار التي يلتجئ بها العبد إلى الله تعالى عند وقوع ما يُفْزِعُه أو يقلقه متضرعًا راجيًا من ربه تعالى أن يكتب له السلامة والنجاة؛ فمنها: ما جاء عن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق، قال: «اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ» رواه الترمذي في "سننه"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، والإمام أحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك".
ومنها ما يقال عند الكرب والهم: "هو الله، الله ربي لا شريك له"؛ لما جاء عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا راعَه شيء قال: «هُوَ اللهُ، اللهُ رَبِّي لا شَرِيكَ لَهُ» رواه النسائي في "السنن الكبرى"، وأخرجه أبو داود وابن ماجه في "سننهما" والطبراني في "المعجم الكبير" عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الإفتاء الحر رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم صلى الله علیه وآله وسلم قال رضی الله عنه أن الله تعالى من الأدعیة من النار ما یقال
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: القلب السليم أصدق من صورة الطاعة أو المعصية
أكدت دار الإفتاء المصرية أن طاعة الله ورسوله هي سبيل الفوز الحقيقي برضا الله وجنته، وأن من ثمرات الطاعة مرافقة النبيين والصديقين والشهداء، مستشهدة بآيات قرآنية متعددة تدل على أن الطاعة طريق النجاة، ومنها قوله تعالى: ﴿ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات...﴾ [النساء: 13]، و﴿فقد فاز فوزا عظيما﴾ [الأحزاب: 71].
وشددت الدار في بيانها على أن المعصية سبب في الهلاك والعذاب والغضب الإلهي، مصداقا لقوله تعالى:﴿ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا﴾ [الأحزاب: 36].
القلب هو المعيار الحقيقي
وأوضحت دار الإفتاء أن القلب هو الميزان الحقيقي في القرب من الله، مستندة إلى قول الله تعالى:﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب﴾ [الحج: 46]، وإلى حديث رسول الله:
«إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم».
الطاعة ليست بالمظهر
وأكدت الدار أن الطاعة التي لا تورث تواضعا وانكسارا، وتنتج عنها حالة من الكبر والعجب، لا تعد طاعة حقيقية، بل قد تصبح سببا للخذلان، بينما قد تكون المعصية التي تدفع الإنسان إلى التوبة والتذلل والخشوع أقرب إلى القبول عند الله، مشيرة إلى قول الإمام ابن عطاء الله السكندري:“معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا”.
وبينت دار الإفتاء أن هذا المعنى يتفق تماما مع مقاصد الشريعة وأصول السلوك الروحي، إذ يركز على مراقبة القلوب لا مجرد الظواهر، مشيرة إلى أن المقصود ليس مدح المعصية أو ذم الطاعة، وإنما التحذير من الغرور والتعالي بعد الطاعة، والتنويه بقيمة التوبة والخضوع بعد الذنب.
دعوة للتوبة والتجرد
ونقلت دار الإفتاء قول العارف بالله أبو مدين:
“انكسار العاصي خير من صولة المطيع”، مؤكدة أن الانكسار والافتقار صفات عبودية يحبها الله، بخلاف الاستكبار الذي هو من صفات الربوبية، ولا يليق بالعبد.
وختمت الإفتاء بيانها بالدعاء أن يرزقنا الله قلوبا سليمة، خاشعة، لا تعرف الكبر بعد الطاعة، ولا تيأس بعد الذنب، مستشهدة بقوله تعالى:
﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون ۞ إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ [الشعراء: 88-89].