تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: سمعت أن هناك أذكارًا وأدعية تقال في الحرّ الشديد، ودرجة الحرارة مرتفعة جدًّا في هذه الأيام؛ فنرجو منكم بيان ما يقال من الأدعية في هذه الأحوال.

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إنه يستحبُّ للإنسان عند اشتداد الحرِّ أن يُكثر من قول "لا إله إلا الله"، وأن يستعيذ بالله تعالى من النار ومن حرِّ جهنم، وأن يسأله سبحانه العافية؛ فيقول: "اللهم أجرني من حَرِّ جهنم"، أو "اللهم أجرنا من النار، ومن عذاب النار، ومن كلِّ عملٍ يقربنا إلى النار، وأصلح لنا شأننا بفضلك وكرمك يا عزيز يا غفَّار"، ويجوز أن يدعو بغير ذلك من الأدعية التي يباح الدعاء بها عندما يحصُل للإنسان ما يقلقه أو يزعجه.

وأوضحت أنه من المقرر أن التوجيه الشرعي للإنسان إذا أصابه شيء يصعب عليه تحمله، أو كان سببًا في حصول المشقة عليه: أن يلجأ إلى الله تعالى راجيًا كشف الضر وإزالة البأس؛ فقد قال الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62]، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 67].

هل دعاء الاستفتاح واجب في الصلاة؟.. دار الإفتاء توضحدعاء العودة للعمل.. احرص عليه لتيسير الأمور والرزقصلاة الضحى.. اعرف فضلها ولا تتكاسل عن أدائهادعاء النجاح للأولاد في الامتحانات.. ردده بيقين يوفقهم الله

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، و"المعجم الأوسط"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

ورُوي مُرسلًا عن الحسن البصري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اسْتَقْبِلُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ» رواه أبو داود في "مراسيله".

قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (3/ 47، ط. مكتبة الرشد): [السُّنَّة عند نزول الآيات: الاستغفار والذكر والفزع إلى الله تعالى بالدعاء، وإخلاص النيات بالتوبة والإقلاع، وبذلك يكشف الله تعالى ظاهر العذاب؛ قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾] اهـ.

وقال العلامة ابن رجب الحنبلي في "اختيار الأَوْلَى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 115، ط. مكتبة دار الأقصى): [فالمؤمن: مَن يستكين قلبه لربه، ويخشع له ويتواضع، ويظهر مسكنته وفاقته إليه في الشدة والرخاء، أما في حالة الرخاء: فإظهار الشكر، وأما في حال الشدة: فإظهار الذل والعبودية والفاقة والحاجة إلى كشف الضر] اهـ.

وتابعت: لا يخفى أن الحرَّ مشقة تلحق بالإنسان، وجهد ينزل ساحته؛ ولذا فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن شدة الحر من فيح جهنم؛ كما في حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» متفقٌ عليه.

قال الإمام الزرقاني في "شرحه على موطأ الإمام مالك" (1/ 111، ط. مكتبة الثقافة الدينية): [سَجْرُ جهنم سبب فيحها، وفيحها سبب وجود شدة الحر، وهو مظنة المشقة] اهـ.

ما يقال عند اشتداد الحر

أما ما يقوله الإنسان عندما يشتد عليه الحرُّ فقد ورد أنه يقول: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه" وأنه يدعو الله تعالى بقوله: "اللهم أجرني من حَرِّ جهنم".

وذلك لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَنِي مِنْكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ» رواه البيهقي في "الأسماء والصفات"، وذكره أيضًا مختصرًا في "الاعتقاد"، وابن السنّي وأبو نعيم في "عمل اليوم والليلة".

وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا فإنَّه ممَّا يعمل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند عامة العلماء في مثل ذلك؛ كما قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 8، ط. دار الفكر): [قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل وفضائل الأعمال بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا] اهـ.

وحتى لو لم يرد في الباب إلا هذا الحديث الضعيف فإنَّ النصوص الصحيحة الأخرى العامَّة التي تُرَغِّب في الدعاء وكثرة الذكر مطلقًا، وفي الاستجارة وطلب الوقاية من النار على الخصوص تكفي في إثبات المشروعيَّة؛ إذ إن القاعدة عندهم أن العامَّ يبقى على عمومه، والمطلق يجري على إطلاقه حتى يأتي مُخصِّص أو مُقيِّد. ينظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (5/ 8، ط. دار الكتبي)، و"التلويح على التوضيح" للعلامة التفتازاني (1/ 117، ط. مكتبة صبيح).

واشارت الى ان الشرع رغَّب في الاستجارة من النار وطلب الوقاية منها بالعفو والمغفرة؛ حيث قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 16].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلَّا قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ، إِنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا قَدِ اسْتَجَارَكَ مِنِّي فَأَجِرْهُ.. الحديث" أخرجه الإمامان أبو يعلى وإسحاق بن راهويه في "المسند"، والإمام البيهقي في "الدعوات الكبير".

ولفتت الى انه يجوز للإنسان أن يدعو بغير هذا الدعاء من الأدعية التي يباح الدعاء بها عندما يحصل للإنسان ما يقلقه أو يزعجه؛ رغبةً في أن يدفع الله تعالى عنه هذا الأمر ومشقته؛ ففي السُّنَّة النبوية المطهرة كثيرٌ من الأدعية والأذكار التي يلتجئ بها العبد إلى الله تعالى عند وقوع ما يُفْزِعُه أو يقلقه متضرعًا راجيًا من ربه تعالى أن يكتب له السلامة والنجاة؛ فمنها: ما جاء عن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق، قال: «اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ» رواه الترمذي في "سننه"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، والإمام أحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك".

ومنها ما يقال عند الكرب والهم: "هو الله، الله ربي لا شريك له"؛ لما جاء عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا راعَه شيء قال: «هُوَ اللهُ، اللهُ رَبِّي لا شَرِيكَ لَهُ» رواه النسائي في "السنن الكبرى"، وأخرجه أبو داود وابن ماجه في "سننهما" والطبراني في "المعجم الكبير" عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها.

طباعة شارك الإفتاء ما يقال فى الحر ما يقال فى الحر الشديد الحر ما يقال عند اشتداد الحر

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الإفتاء الحر رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم صلى الله علیه وآله وسلم قال رضی الله عنه أن الله تعالى من الأدعیة من النار ما یقال

إقرأ أيضاً:

حـفظ المـال

لقد أحاط الإسلام المال بسياجات متعددة من الحفظ، فنهى عن أكل الحرام بكل صوره وأشكاله نهياً قاطعاً لا لبس فيه، يقول الحق سبحانه: ”يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرًا”، ويقول سبحانه: «إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون فى بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا». 
وعن ابن عباس (رضى الله عنهما) أن سيدنا سعد بن أبى وقاص قال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلنى مستجاب الدعوة، فقال له النبى (صلى الله عليه وسلم): «يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذى نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه فلا يقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به»، وقد كان بعض الصالحين يتركون بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة حرام. 
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع فى الشبهات وقـع فى الحرام كـالراعى يـرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن فى الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهى الـقـلب»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا إنى بما تعملون عليم}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!». 
ويقول (عليه الصلاة والسلام): «إن رجالاً يتخوضون فى مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة» (صحيح البخارى)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به».
فأكل الحرام قتل للنفس وإهلاك وتدمير لها فى الدنيا والآخرة، فهو فى الدنيا وبال على صاحبه فى صحته، وفى أولاده، وفى عرضه، وفى أمواله، «ولعذاب الآخرة أشد وأبقى».
وحثنا الشرع الحنيف على كتابة الدين وتوثيقه والإشهاد عليه فقال سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأبَ كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتقِ الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأبَ الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم».

الأستاذ بجامعة الأزهر

مقالات مشابهة

  • فتاوى وأحكام | أصلي سنة الفجر بالبيت أم المسجد؟.. هل كل إنسان له قرين؟.. هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد؟
  • أفضل أدعية للميت.. وصية النبي بإهداء الثواب للأموات
  • حكم الدين في عدم الإنجاب.. أزهري: الشخص الذي يرفض النعمة عليه الذهاب لطبيب نفسي
  • أذكار الصباح اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025.. «اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الهمِّ والحَزنِ»
  • حكم ترك صلاة الجمعة بسبب البرد الشديد والمطر.. مفتي الجمهورية يوضح
  • في ليلة الجمعة.. صيغ الصلاة على النبي ﷺ
  • حـفظ المـال
  • خطأ شائع في الصلاة على النبي .. اكتبها صح: «اللهم صلِّ» وليس «صلي»
  • ماذا يقال عند رؤية الضباب؟
  • جوهرة الكون وسيدة الفطرة