القدس المحتلة- تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالة من الإجماع حول الضربة التي وجّهها الطيران الإسرائيلي إلى عمق إيران بدعوى ما تصفه حكومة الاحتلال "بتهديدات وجودية متصاعدة" تشكلها طهران.

ويتجلى هذا الإجماع في تصريحات قادة المعارضة، وفي مقدمتهم رئيسها يائير لبيد، الداعمة بقوة لأي عمل عسكري ضد المنشآت النووية والعسكرية بإيران.

وهو ما يثير تساؤلات عما إذا كان هذا الإجماع يصب في مصلحة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يواجه أزمات داخلية متراكمة منذ هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.

لكن هذا الإجماع لا يقرأ بالضرورة كدعم مباشر لنتنياهو، بل كحالة تعبئة تقودها "منظومة الأمن القومي" ومؤسسات الدولة العميقة التي ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديدا مصيريا.

من جهة أخرى، تدرك المعارضة أن دعمها لأي تحرك عسكري ضد إيران لا يعني الاصطفاف السياسي خلف نتنياهو، بل محاولة لتسجيل نقاط في معركة القيادة، والتأكيد أنها شريك في القرارات المصيرية، وفق محللين.

ويسعى نتنياهو كعادته إلى "الهروب للأمام"؛ عبر تصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج وفتح جبهة جديدة مع إيران قد تتيح له استعادة زمام المبادرة، خاصة بعد فشله في تحقيق نصر حاسم في الحرب على غزة.

إعلان

في هذا السياق، فإن حالة "النشوة الوطنية" التي تعيشها إسرائيل حاليا قد تمنح نتنياهو هامشا للاستفادة السياسية المؤقتة، لكنها تبقى رهينة لحجم الخسائر إن تطورت المواجهة إلى صراع مباشر ومدمِّر.

دفع الثمن

منذ الساعة التاسعة من مساء أمس الجمعة، بدأت إيران هجوما صاروخيا واسع النطاق، أطلقت خلاله نحو 200 صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل. وقد دام ساعات وخلّف دمارا واسعا في عدد من المدن الإسرائيلية، وعلى رأسها تل أبيب الكبرى التي شهدت أضرارا جسيمة وتدميرا لعدد من المباني.

وأسفرت الهجمات حتى الآن، بحسب الإسعاف الإسرائيلي، عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 172 آخرين بجروح متفاوتة، في حصيلة مرشحة للارتفاع مع استمرار عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض.

وصف شهود العيان المشهد كأنه "نهاية العالم"، مع انتشار صور الدمار الهائل والخراب الذي طال البنية التحتية والعمارات السكنية والمنشآت في المدن الإسرائيلية.

بهذه الخلفية، ناقشت التحليلات الإسرائيلية الإجماع السياسي حول ضرب إيران، وبحثت فيما إذا كان نتنياهو قادرا فعلا على تحويل هذا التوافق إلى رافعة سياسية، أم إنه يغامر بإشعال حرب قد تزيد من تعقيد أزماته بدلا من أن تنقذه منها.

نتنياهو يهرب إلى الأمام للإبقاء على حالة الحرب للحفاظ على حكومته (مكتب الصحافة الحكومي) أبواب المجهول

رغم الإرهاق الذي يعانيه الجمهور الإسرائيلي جراء حرب غزة والانقسام السياسي الداخلي، يقول محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة "هآرتس" يوسي ميلمان إن إسرائيل دخلت في مواجهة مباشرة مع إيران، في عملية عسكرية اعتبرت "ناجحة تكتيكيا في مرحلتها الأولى، لكنها فتحت أبواب المجهول".

وأوضح أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تأمل في صراع قصير ومحدود، لكن القرار النهائي ليس بيد إسرائيل وحدها، بل في طهران.

وبحسب ميلمان، فإن نتنياهو يبدو مصمما على مواصلة الحرب، مدفوعا بدوافع شخصية وسياسية، بعكس رغبة الجيش والموساد بإنهاء الحدث سريعا. فإيران المعروفة بعنادها واستعدادها لصراعات طويلة قد تختار مسار الاستنزاف بدلا من رد محدود، كما فعلت في حربها مع العراق.

إعلان

ويعتقد أن إسرائيل التي تجمع بهذه المرحلة على ضرب إيران تبقى أمام معادلة معقدة، من ناحية إنجاز عسكري ميداني لا يضمن تحقيق مكاسب إستراتيجية طويلة الأمد، ومواجهة داخلية متوترة قد تتفاقم مع اتساع رقعة المواجهة وتكبد الجبهة الداخلية الإسرائيلية خسائر غير مسبوقة، من ناحية أخرى.

أجندة سياسية

وتحت عنوان" على إسرائيل أن تثبت سبب مهاجمتها إيران الآن"، كتب المحلل السياسي في موقع "والا" الإلكتروني أمير أورن مقالا استعرض من خلاله الضربة الإسرائيلية على إيران التي تطرح تساؤلا محوريا: "لماذا الآن؟".

يعتقد أورن أن الهجوم الإسرائيلي على إيران، رغم ضخامته، لم يكن ضرورة أمنية عاجلة، بل يبدو كأنه مدفوع بأجندة سياسية داخلية، لا بتهديد إستراتيجي وشيك.

وأوضح المحلل السياسي أنه منذ سنوات، كان الهجوم على إيران حلما يراود نتنياهو، لكنه ظل مؤجلا بلا موعد. وبعد "هجوم 7 أكتوبر"، تغيّر كل شيء، فقد بات الهجوم على إيران طوق نجاة سياسيا له، وفرصة للهروب من مساءلة الفشل الأمني في غزة، ولإعادة رسم صورته كرجل أمن لا يتردد في اتخاذ قرارات مصيرية.

لكن هذه المغامرة العسكرية، كما يقول المحلل السياسي، "لم تكن لتتم لولا استمرار الحرب في غزة التي رفض نتنياهو إنهاءها، حتى في ظل عروض تشمل إعادة جميع الرهائن. والسبب هو وقف الحرب الذي يعني انهيار الائتلاف". ومن ثم، فإن الحفاظ على الحرب كان السبيل الوحيد لبقاء الحكومة، ومن خلالها تنفيذ الهجوم على إيران.

ولم يكن الهجوم كالهجمات الإسرائيلية السابقة على مفاعل العراق أو سوريا، التي نُفذت بصمت ومن دون تبنٍّ رسمي. وهذه المرة كان الهدف استعراض القوة، وفرض رد علني من طهران، وتقديم نتنياهو كبطل قومي في مواجهة "الخطر الإيراني". ذلك كله رغم أن الموساد أثبت مرارا أن العمليات الدقيقة ممكنة دون اللجوء إلى حرب شاملة، برأي المحلل.

إسرائيليون يتجمعون في أحد الملاجئ في ظل استمرار الرد الإيراني (رويترز) واقع مضطرب

في قراءته لواقع الجبهة الداخلية منذ الهجوم على إيران، وصف الكاتب والناقد التلفزيوني الإسرائيلي عيناف شيف المشهد بأنه "إغلاق تام مغلف بالخوف والذعر، في واقع بلا مدارس أو صلوات أو مظاهرات أو ثقافة، حيث لا تنفع شعارات الصمود أمام أيام طويلة ومعقدة قادمة".

وفي إشارة إلى حالة النشوة التي تعيشها إسرائيل، وصف شيف في "يديعوت أحرونوت" الإنذار الذي دوى فجر الجمعة بأنه لم يكن تحذيرا من صواريخ أو مسيّرات، بل رسالة صادمة تعكس واقعا مضطربا ومستقبلا لا يقل قلقا".

إعلان

ويتابع شيف متسائلا: "كم يمكن لإنسان أن يحتمل واقعا كهذا؟ عزلة طويلة فرضت على الجميع، والآن يعود القلق مع آلاف استيقظوا فجرا ليجدوا أنفسهم في دوامة جديدة، يطرحون الأسئلة ذاتها: إلى متى؟ ولماذا؟".

و"المأساة"، كما يراها شيف، أن "من يهتمون حقا بإسرائيل لا يقدمون جوابا واضحا لسؤال بسيط: هل ما يحدث ضروري؟ فالقيادة تفتقر إلى الوضوح والثقة، والردود غائبة أو مرتبكة، بعد أكثر من 615 يوما من حرب غزة وانهيار الثقة بالقرار السياسي والإستراتيجي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحج حريات الحج الهجوم على إیران

إقرأ أيضاً:

إدموند غريب: نتنياهو حاول دفع ترامب نحو التورط في الصراع مع إيران

قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورجتاون الأمريكية، إدموند غريب، إن ما حدث مؤخرًا يُعد عملية خداع استراتيجية أمريكية إسرائيلية، هدفها الأساسي كان تخفيف حالة التأهب لدى إيران قبل تنفيذ الهجوم.

وأوضح غريب خلال مداخلة عبر 'زوم' مع الإعلامي مصطفى بكري مُقدم برنامج 'حقائق وأسرار' على 'صدى البلد'، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد صرح بأن واشنطن تسعى إلى حل دبلوماسي وليس عسكريًا، بينما جاء وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لينفي بعد بدء الهجوم أي علاقة لواشنطن بالعملية العسكرية.

وأشار غريب إلى أن السلطات الأمريكية أصدرت تعليمات لموظفيها بمغادرة المنطقة قبل ساعات فقط من الضربة، وهو ما يفسر أن الولايات المتحدة كانت على علم مسبق بالهجوم.

فرض أمر واقع على ترامببعد طلب إيران | مجلس الأمن الدولي يحدد موعدًا لاجتماع طارئنتنياهو: أبلغنا الولايات المتحدة بضرب إيران قبل تنفيذ الهجومخبير: الحرب بين إيران وإسرائيل تساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية عالمياخبير: استهداف إيران للقواعد الأمريكية قد يكون جزءًا من رد رمزي لحفظ ماء الوجهإيران تستدعي سفيرة سويسرا احتجاجا على الهجوم الإسرائيلي على أرضها

وأضاف أن نتنياهو الذي يواجه ضغوطًا داخلية شديدة، حاول فرض أمر واقع على ترامب، ودفعه نحو التورط في الصراع مع إيران، لا سيّما أن أي رد إيراني على أهداف أمريكية سيجبر واشنطن على الدخول المباشر في المواجهة لحماية نفسها.

واختتم غريب بأن الولايات المتحدة كانت تميل إلى التفاوض والتوصل إلى تسوية سلمية مع إيران، لكن هذا التوجه كان يمثل تيارًا ضعيفًا داخل الإدارة الأمريكية مقارنة بصقور الحرب.

طباعة شارك ترامب نتنياهو اخبار التوك شو صدى البلد

مقالات مشابهة

  • باسم سليماني.. إيران تكشف طبيعة الصواريخ الأخيرة التي استهدفت بها إسرائيل
  • نتنياهو: إسرائيل نسقت مسبقا مع إدارة ترامب بشأن الهجوم على إيران
  • إدموند غريب: نتنياهو حاول دفع ترامب نحو التورط في الصراع مع إيران
  • نتنياهو يكشف سر النجاح في ليلة الهجوم على إيران
  • موسكو: روسيا تدين بشدة الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت إيران
  • أبرز القيادات التي اغتالتها إسرائيل في الهجوم على إيران
  • أبرز القيادات التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية على إيران
  • ما المواقع التي استهدفتها إسرائيل في طهران؟
  • ما المواقع التي استهدفتها إسرائيل في إيران؟