(CNN)-- كان جوهر هجمات إسرائيل غير المسبوقة على إيران هدفًا بعيد المنال وعالي المخاطر: القضاء على البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، إذ استهدفت إسرائيل ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية - نطنز وأصفهان وفوردو - وعددًا من كبار العلماء المشاركين في البحث والتطوير النووي.

لم يتضح بعد مدى الضرر - وما إذا كان البرنامج النووي الإيراني قادرًا على الصمود، وصرّح مسؤول عسكري إسرائيلي في إحاطة صحفية يوم السبت بأن الضربات على المواقع النووية الإيرانية في نطنز وأصفهان ألحقت أضرارًا "كبيرة" بالمواقع؛ بينما قالت إيران إن الأضرار التي لحقت بالمنشآت كانت محدودة، لكنها أقرت بمقتل تسعة خبراء.

هذا ما نعرفه عن الأضرار التي لحقت بالمواقع الثلاثة

الأضرار في منشأة نطنز النووية: حصلت شبكة CNN على صور أقمار صناعية من شركة التصوير الفضائي "ماكسار تكنولوجيز"، والتي أظهرت أن عدة مناطق من المنشأة تضررت جراء الضربات.Credit: Source: Maxar Technologies Graphic: Amy O'Kruk, CNN نطنز

أفاد مسؤولان أمريكيان لشبكة CNN أن التقييمات الأولية تشير إلى أن الضربات الإسرائيلية على منشأة نطنز النووية الإيرانية كانت فعّالة للغاية، إذ تجاوزت بكثير الأضرار السطحية التي لحقت بالهياكل الخارجية، وتسببت في انقطاع الكهرباء في المستويات السفلية حيث تُخزن أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم.

وقال مصدر آخر مطلع على التقييمات: "كانت هذه غارة شاملة".

دمرت الضربات الجزء فوق سطح الأرض من محطة نطنز التجريبية لتخصيب الوقود، وهو موقع مترامي الأطراف يعمل منذ عام 2003، حيث كانت إيران تُخصب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60%، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويُخصب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة بنسبة نقاء تصل إلى 90%.

حصلت CNN على صور رادار من شركة التصوير الفضائي "أومبرا"، والتي التقطت الأضرار التي لحقت بعدة مناطق في منشأة نطنز، أظهرت صور أقمار صناعية أخرى راجعتها CNN الضرر نفسه بوضوح أكبر، حيث تصاعدت أعمدة دخان سوداء من مواقع متعددة في أنحاء الموقع.

وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن البنية التحتية الكهربائية في نطنز - بما في ذلك مبنى إمداد الطاقة الرئيسي، بالإضافة إلى مولدات الطوارئ والاحتياطية - قد دُمرت أيضًا، ويؤيد هذا التقييم المسؤولان الأمريكيان اللذان صرحا لـ CNNبأن الكهرباء انقطعت في الطوابق السفلية حيث تُخزن أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم.

صورة لمسؤول أمني إيراني في منشأة أصفهان عام 2005 Credit: Getty Images) أصفهان

كان من الصعب تحديد حجم الأضرار التي لحقت بموقع أصفهان النووي في وسط إيران في الساعات التي تلت قصفه، مع تضارب المزاعم حول تأثير الهجوم في إسرائيل وإيران.

وصرح بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، السبت، بأن الأضرار التي لحقت بالموقع - أكبر مجمع للأبحاث النووية في إيران - كانت محدودة.

وأضاف كمالوندي أنه تم نقل المعدات في المنشأتين تحسبًا للضربات، وأضاف أن حريقًا اندلع في سقيفة بالمنشأة، ولا يوجد خطر تلوث.

لكن إسرائيل كانت أكثر تفاؤلًا؛ حيث صرّح مسؤول في جيش الدفاع الإسرائيلي خلال إحاطة صحفية، السبت، بأن الموقع تعرض لأضرار جسيمة.

وبُنيت المنشأة بدعم من الصين وافتُتحت عام 1984، وفقًا لمبادرة التهديد النووي. ووفقًا للمنظمة غير الربحية، يعمل في أصفهان 3000 عالم، ويُشتبه في أن الموقع "مركز" البرنامج النووي الإيراني.

وتُشغّل المنشأة "ثلاثة مفاعلات بحثية صغيرة مُزوّدة من الصين"، بالإضافة إلى "منشأة تحويل، ومصنع لإنتاج الوقود، ومصنع لتكسية الزركونيوم، ومنشآت ومختبرات أخرى"، وفقًا لمبادرة التهديد النووي.

وفي إحاطة إعلامية عُقدت، السبت، صرّح مسؤول في جيش الدفاع الإسرائيلي بأن إسرائيل لديها "معلومات استخباراتية ملموسة" تفيد بأن إيران "تتجه نحو صنع قنبلة نووية" في منشأة أصفهان، ورغم تقدمها الكبير في تخصيب اليورانيوم، فقد أكدت إيران مرارًا وتكرارًا أن برنامجها النووي لأغراض سلمية، ونفت أنها تُطوّر قنبلة ذرية.

حصلت شبكة CNN على صور أقمار صناعية من شركة التصوير الفضائي "ماكسار تكنولوجيز"، والتي أظهرت أن العديد من مناطق منشأة أصفهان تضررت في الضربات. تصوير: Source: Maxar Technologies Graphic: Renée Rigdon, CNN فوردو

يُعد استهداف منشأة فوردو لتخصيب الوقود النووي أصعب بكثير، تقع المنشأة في أعماق الجبال قرب مدينة قم، شمال إيران، وتضم أجهزة طرد مركزي متطورة تُستخدم لتخصيب اليورانيوم إلى درجات نقاء عالية.

واستهدفت إسرائيل الموقع خلال هجماتها يوم الجمعة، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفت تأثره، ولم يُعلن الجيش الإسرائيلي عن أي أضرار تُذكر هناك، أفادت قناة "برس تي في"، وهي وسيلة إعلام رسمية إيرانية، الجمعة، أن الدفاعات الجوية الإيرانية أسقطت طائرة إسرائيلية مسيرة في محيط المنشأة.

وقد يكون مصير فوردو محوريًا في نجاح الهجمات الإسرائيلية بشكل عام.

وفي عام 2023، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومقرها فيينا، العثور على جزيئات يورانيوم مُخصبة بنسبة نقاء 83.7% - وهي نسبة قريبة من نسبة التخصيب البالغة 90% اللازمة لصنع قنبلة نووية - في فوردو.

وكتب جيمس م. أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، الجمعة: "إذا ظلت منشأة فوردو قيد التشغيل، فقد لا تُبطئ هجمات إسرائيل مسار إيران نحو القنبلة النووية".

وأضاف أكتون أن إسرائيل قد تتمكن من هدم مدخل المنشأة، لكنه أشار إلى أن تدمير جزء أكبر بكثير من موقع فوردو سيكون مهمة صعبة بالنسبة لإسرائيل.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: البرنامج النووي الإيراني أقمار صناعية الاتفاق النووي الإيراني الجيش الإسرائيلي الجيش الإيراني الحرس الثوري الإيراني النووي الإيراني تحليلات الدولیة للطاقة الذریة الأضرار التی لحقت فی منشأة

إقرأ أيضاً:

هل تستطيع إسرائيل حقا تدمير البرنامج النووي الإيراني؟

فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن قواته "ضربت قلب برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني"، متوعدًا بمواصلة الضربات "لأيام عديدة، بقدر ما يلزم لإزالة هذا التهديد".

بهذا التصريح، كشفت إسرائيل عن أكبر عملية عسكرية تنفذها داخل إيران في مغامرة هي الأكثر جرأة في سجل مواجهتها مع ما تعتبره "تهديدًا وجوديًا" تمثّله الجمهورية الإسلامية. جاءت العملية، التي تبدو أقرب إلى بداية حملة شاملة، استنادًا إلى فرضية أمنية طالما تبنتها تل أبيب: أن طهران تقترب من العتبة النووية، وأن الوقت المتاح لمنع ذلك يوشك على النفاد.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف تمكنت إيران من خداع الدفاع الجوي الإسرائيلي؟list 2 of 2لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟end of list

استهدف الهجوم الإسرائيلي سلسلة من المواقع النووية والعسكرية الحساسة في إيران، شملت منشآت نطنز في محافظة أصفهان، وخنداب حيث موقع مفاعل آراك لإنتاج الماء الثقيل، إضافة إلى مواقع في خرم آباد ومحيط العاصمة طهران. كما طالت الضربات منشآت حيوية لتطوير الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي.

لم تقتصر الضربات على البنية التحتية النووية والصاروخية الإيرانية، بل شملت أيضًا اغتيالات لقيادات رفيعة المستوى، في مقدمتها قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس الأركان محمد باقري، فضلًا عن شخصيات علمية نووية مؤثرة، مثل العالمان فريدون عباسي دوائي ومحمد مهدي طهرانجي.

إعلان

بهذا الهجوم، تدشن إسرائيل حقبة جديدة عنوانها المواجهة العسكرية المفتوحة مع إيران بعد سنوات طويلة من الاعتماد على العمليات السرية المغلفة بالإنكار السياسي بعد أن رأت أن هناك فرصة سانحة ما تراه تهديدًا استراتيجيًا متصاعدًا، لكنها في الوقت نفسه، تفتح أبوابًا واسعة أمام تصعيد متبادل وردود إيرانية قد تعيد رسم قواعد الاشتباك في المنطقة.

فهل تحقق هذه الضربات هدفها المعلن في إجهاض البرنامج النووي الإيراني أم أن ذلك الهدف يظل بعيد المنال؟ وهل ستجبر الضربة طهران على التراجع أم تشخذ إرادتها لتخطي العتبة النووية؟ وهل ستكون ضربة عسكرية ناجزة تتبعها تهدئة أم أنها ستدخل المنطقة في طور الجديد من التوترات الجيوسياسية والصراعات العسكرية؟

شبكة نووية تحت الأرض

يتوزع البرنامج النووي الإيراني على شبكة واسعة من المنشآت؛ تمتد من قلب البلاد إلى أطرافها، وقد صُمّم العديد منها داخل تحصينات هندسية شديدة مختارة ومشيدة بعناية، وبعضها أنشئ تحت الأرض أو داخل الجبال، بما يجعل استهدافها تحديًا كبيرًا أمام أي عملية عسكرية، خاصة إذا كانت قائمة على الضربات الجوية وحدها.

أولى هذه المواقع هي منشأة نطنز في محافظة أصفهان، التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية الأخيرة بصورة رئيسية نظرًا لمكانتها كمركز رئيسي لتخصيب اليورانيوم في إيران. تضم المنشأة قاعات تحت الأرض على عمق يُقدّر بنحو 8 أمتار، محاطة بطبقات من الخرسانة المسلحة والصخور، مما يجعل تدميرها تماما بالذخائر التقليدية مهمة بالغة الصعوبة.

وعلى مدار السنوات الماضية، تعرضت منشآت نطنز لمجموعات من التفجيرات الغامضة، وُصفت بأنها "عمليات تخريبية" استهدفت البنية التحتية النووية الإيرانية، بما دفع طهران إلى اعتماد استراتيجية جديدة تقوم على تعزيز العمق الجغرافي والتحصين الهندسي، من خلال بناء مجمع جديد تحت قمة جبال زاغروس بجوار منشآت نطنز.

إعلان

وبحسب صور أقمار صناعية التقطت في عام 2022، يقع المجمع الجديد داخل أحد الجبال العالية في المنطقة، على ارتفاع يبلغ نحو 1600 متر فوق مستوى سطح البحر. وتشير التقديرات إلى أن القاعات الرئيسية تُحفر على أعماق تتراوح بين 78 – 145 مترًا تحت القمة، تبعًا لميل الأنفاق واتجاه الحفر، بما يمنح المنشأة طبقة حماية طبيعية كثيفة تُصعّب استهدافها حتى بأعتى الذخائر الخارقة للتحصينات.

أما المنشأة الثانية، في فوردو، الواقعة على بُعد نحو 90 كيلومتر جنوب غربي طهران، فتضم معظم أجهزة الطرد المركزي. ورغم أنها أصغر من نطنز من حيث الحجم، فإنها أشد تحصينًا، إذ تقع، وفق ما يتوفر من معلومات، داخل نفق محفور في جبل على عمق يُقدّر بين 80 – 90 مترًا، وهو عمق يفوق قدرة الذخائر التقليدية على الوصول إليها، ولا يمكن تدميرها إلا باستخدام قنابل خارقة ثقيلة لا تتوفر لدى إسرائيل.

وفي آراك، جنوب غرب طهران، يقع مفاعل الماء الثقيل، وهو أحد المسارات البديلة لصناعة السلاح النووي من خلال إنتاج البلوتونيوم وليس تخصيب اليورانيوم، إلى جانب وظيفته التقنية في تبريد المفاعلات النووية. وقد أكدت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن الموقع كان ضمن الأهداف التي طالها الهجوم الإسرائيلي الأخير، دون توفّر معلومات دقيقة حتى الآن حول حجم الأضرار.

أما منشأة أصفهان، (التي استهدفتها موجة تالية من الهجمات الجوية الإسرائيلية بعد ظهر الجمعة)، فتمثل حلقة حاسمة في دورة الوقود النووي، حيث يُحوّل فيها اليورانيوم الخام إلى غاز (سادس فلوريد اليورانيوم) يستخدم في التخصيب. وبحكم موقعها فوق الأرض، تُعد منشأة أصفهان هدفًا مكشوفًا وسهل الاستهداف نسبيًا، بما قد يتسبب في تعطيل إمدادات الغاز المغذّي لأجهزة الطرد المركزي، حتى وإن حاولت إيران تعويض الخسارة من خلال منشآت بديلة صغيرة وسرية.

إعلان

إلى جانب هذه المنشآت، تضم الخارطة النووية الإيرانية مواقع أخرى، مثل مجمع بارشين العسكري، الذي يُعتقد أنه شهد تجارب تفجيرية تتصل بتصميم الرؤوس النووية، ومفاعل طهران البحثي المستخدم في إنتاج النظائر المشعة لأغراض طبية. أما مناجم اليورانيوم ومنشآت المعالجة، فرغم دورها في بداية سلسلة التوريد، إلا أن أثر استهدافها يبقى محدودًا على المدى القريب، في ما يتعلق بقدرة إيران على إنتاج سلاح نووي.

في الوقت ذاته، تمتلك إيران مخزونًا كبيرًا من المواد الأولية لليورانيوم، التي يمكن تخصيبها إلى درجة الاستخدام العسكري. وبينما تعتقد إسرائيل والولايات المتحدة أنهما على دراية بجميع مواقع أجهزة الطرد المركزي العاملة، تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران ربما تمتلك عددًا إضافيًا من أجهزة الطرد المركزي التي لا يُعرف مكانها. ورغم أنها قد لا تكون مدمجة حاليًا في منظومة تشغيلية، إلا أنه يمكن توظيفها بسرعة، إلى جانب قدرة طهران على إنتاج المزيد منها.

منشأة نطنز النووية الإيرانية (الفرنسية) الضربات المنفردة لن تكفي

هذا التوزيع الأفقي والعمودي لمنشآت إيران النووية (عبر الانتشار الجغرافي والتحصين الهندسي العميق)، يفرض على أي خطة عسكرية تهدف إلى إلحاق ضرر مدمر بهذه المنظومة ضرورة تنفيذ ضربات متزامنة ودقيقة وعلى نطاق واسع. ومع ذلك، تظل منشآت مثل فوردو والمجمع الجبلي الجديد قرب نطنز خارج نطاق التدمير الفعّال بالذخائر التقليدية مما يضع قيودًا استراتيجية صارمة على أي خيار عسكري منفرد.

وتتزايد هذه الصعوبة بفعل طبيعة المواد التي تغلف المنشآت المستهدفة. فالقنابل التي تخترق بسهولة عشرات الأمتار من التربة أو الرمل المضغوط، قد تعجز عن تجاوز بضعة أمتار من الخرسانة العادية، وتقل فاعليتها أكثر أمام الخرسانة المسلحة عالية الكثافة أو المدعّمة بالفولاذ. وتشير التقديرات إلى أن معظم المنشآت الإيرانية محمية بطبقات متراكبة من الخرسانة، والصخور الصلبة، والتربة المضغوطة، وربما مواد مُصممة خصيصًا لإعاقة الأسلحة الخارقة.

إعلان

على سبيل المثال، تحتاج منشأة نطنز، رغم عمقها المتوسط نسبيًا (نحو 8 أمتار)، إلى ضربات دقيقة ومتكررة في نفس النقطة لاختراق الغطاء الدفاعي وتفجير الرأس الحربي داخل المنشأة، وذلك باستخدام ذخائر مثل "جي بي يو-28" (GBU-28)، التي لا تتجاوز قدرتها على الاختراق 6 أمتار، وهي الأقوى ضمن ترسانة سلاح الجو الإسرائيلي، ولا يضمن ذلك إصابة المنشأة بأضرار كاملة. أما الذخائر الأعلى فاعلية، مثل "جي بي يو 57" (GBU-57) الأميركية، فهي غير متوفرة لإسرائيل وتتطلب إطلاقها من قاذفات بي-2 الشبحية، التي لا تمتلكها أيضًا.

يتسق هذا القيد التقني مع ما أشار إليه الخبراء حول محدودية تأثير الضربة الإسرائيلية الأخيرة على منشآت إيران النووية. إذ يؤكد ديفيد أولبرايت، الخبير النووي في معهد العلوم والأمن الدولي، على أن الضرر الذي لحق منشأة نطنز سطحي، وأنه لا يوجد دليل على تدمير الموقع تحت الأرض.

وحتى في حالة تعطل منشأة نطنز، يظل لدى إيران خيار نقل الوقود إلى منشأة التخصيب الأصغر في فوردو، حيث يتطلب الأمر لاختراقها تدخلا أميركيا مباشرا عبر قنابل "جي بي يو 57" الخارقة للتحصينات، مع تنفيذ ضربات متتالية على نقطة واحدة بدقة عالية. ومع ذلك، يظل اختراق هذه المنشآت غير مضمون، بسبب تعقيد تصميمها الداخلي والتحصينات الطبقية العميقة التي تحيط بها.

ورغم أن الذخائر الأقل قدرة على الاختراق قد تُستخدم لتعطيل مداخل الأنفاق أو شلّ مسارات الإمداد، فإن غياب حملة جوية طويلة الأمد تضمن ضربات متابعة، يمنح إيران فرصة لإصلاح الأضرار واستعادة تشغيل المنشآت بسرعة. فضلا عن ذلك، راكمت إيران معرفة تقنية وعلمية واسعة في مجالات تخصيب اليورانيوم وتطوير تقنيات البرنامج النووي. وحتى في حال تدمير المنشآت المادية، فإن الخبرة البشرية والمعرفة المتخصصة لا يمكن القضاء عليها بالقصف الجوي. وهذا ما يجعل البرنامج الإيراني قابلًا لإعادة البناء، سواء في مواقع جديدة أو عبر أساليب مختلفة، اعتمادًا على البنية المعرفية المتراكمة (رغم أن استهداف إسرائيل للعلماء النووين البارزين ريما يعطل نسبيا هذه الجهود).

قاذفة شبح أميركية من طراز بي-2 (يمين) تحلق فوق قاعدة جوية أمريكية في بيونغتايك، جنوب سيول، في 28 مارس/آذار 2013، وهي الطائرة القادرة على حمل ذخائر ثقيلة مثل "جي بي يو 57" (GBU-57) الأميركية. (الفرنسية) المعرفة لا يمكن تدميرها بالقنابل

تفسر هذه العوامل الجدل القائم حول إمكانية "تدمير البرنامج النووي الإيراني"، فالمسألة لا تقتصر على تنفيذ ضربات جوية لمواقع محددة، بل تتعلق بقدرة أي هجوم على إنهاء البنية التحتية النووية، والكوادر العلمية، فضلا عن النية والإرادة السياسية التي تحرك البرنامج.

إعلان

ورغم أن إسرائيل نجحت تاريخيا في تطبيق ما يُعرف باسم "مبدأ بيغن"، القائم على منع أي خصم إقليمي من امتلاك سلاح نووي، كما في قصفها مفاعل تموز 1 العراقي عام 1981، ثم موقع الكبر النووي السوري عام 2007، فإن الحال مع إيران يظل مغايرا تماما.

فبينما كانت الأهداف في العراق وسوريا فردية، مكشوفة نسبيًا، وفي مراحل مبكرة من البناء، يتميز البرنامج الإيراني باتساع جغرافي، واعتماد محلّي كامل، وتحصينات هندسية معقّدة. كما أن طهران قطعت شوطًا بعيدًا في تطوير قدراتها، بما ينعكس على تراكم المعرفة والخبرة البشرية. وكل ذلك يجعل تكرار السيناريوهات السابقة أمرًا غير واقعي، ولا يمكن تحقيقه بالمنطق العسكري ذاته.

لذلك، فإن الضربات الجوية، مهما بلغت قوتها، لن تحقق "التدمير الكامل"، الذي يعني إزالة المنشآت النووية نهائيا وإنهاء القدرات التقنية والمعرفية، وحرمان إيران من إمكانية إعادة البناء. فطالما بقيت الكوادر العلمية والإرادة السياسية في طهران، تبقى إمكانية استئناف البرنامج قائمة، لأن المعرفة لا يمكن تدميرها بالقنابل.

يدفع ذلك إسرائيل إلى الرهان على عرقلة الجهود عبر قتل علماء إيرانيين بارزين، مثلما فعلت في بداية الهجوم الحالي، لكن هذا المسار لن يتمكن بمفرده من إنهاء تراكم المعرفة الذي حققته طهران عبر عقود طويلة خاصة في ظل مأسسة المشاريع النووية التي قامت بها إيران، وعدم اعتمادها على فرد أو 2 أو ثلاثة. ووفق ذلك، يرجح محللون أن أقصى ما تطمح إليه إسرائيل، هو توجيه ضربة تعطيلية تؤخر مسار البرنامج لعدة سنوات، على أمل أن تتيح هذه المهلة ظهور فرص سياسية أو دبلوماسية تمنع استئنافه.

ومع إدراك صانع القرار الإسرائيلي لهذه الحدود، يبدو أن السقف الواقعي للعمل العسكري هو "الإعاقة المؤقتة"، وليس التدمير الكامل. وحتى هذا الهدف المحدود يتطلب جهدًا عسكريًا كثيفًا ودعمًا أميركيًا مباشرًا، خاصة في مواجهة منشآت شديدة التحصين مثل فوردو والمجمعات الجبلية الجديدة.

إعلان

وما لم تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر، وهو ما يبدو أن إسرائيل تعوّل عليه إذا ما تصاعدت وتيرة القصف المتبادل، سوف يظل هدف الضربة الأساسي هو توقيع أكبر قدر ممكن من الضغط السياسي لدفع طهران للقبول بالشروط الأميركية (والإسرائيلية) جنبا إلى جنب مع زيادة الضغوط الداخلية على النظام الإيراني، على أمل أن تحولا داخليا في بنية النظام يمكن أن يحقق ما لا تستطيع تحقيقه الطائرات والقنابل.

مقالات مشابهة

  • وكالة الطاقة الذرية تؤكد تضرر منشأة نطنز النووية في إيران
  • إيران تحذّر من “كارثة نووية” بعد استهداف منشأة نطنز
  • موقع إيطالي: إسرائيل تقامر بكل أوراقها ضد حصن إيران النووي
  • غروسي يكشف عن حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية
  • هل ضُرب قلب إيران النووي؟: الطاقة الذرية تلمّح وتترك الباب مفتوحا للرعب
  • فايننشال تايمز: هذا هو “الجبل النووي” الذي يؤرق إسرائيل
  • ماذا تعرف عن شركة رافائيل التي أعلنت إيران تدميرها في إسرائيل؟
  • هل تستطيع إسرائيل حقا تدمير البرنامج النووي الإيراني؟
  • إيران تضرب إسرائيل بصواريخ الحاج قاسم.. ماذا نعلم عنه؟