أكثر من تريليون دولار قد تخسره أميركا برحيل المهاجرين
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
واشنطن– أبدت الإدارة الأميركية توجها نحو اعتماد نوع من المرونة في تفعيل سياسات الترحيل الجماعي للمهاجرين غير النظاميين، الذين يقدر عددهم بحوالي 11 مليون شخص، وذلك في وقت يحتدم فيه النقاش حول الموضوع على خلفية الاحتجاجات المتواصلة بمدينة لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا جراء حملة مداهمات أمنية استهدفت عددا من هؤلاء المهاجرين.
وبينما يثير الوضع في كاليفورنيا جدلا بشأن التعامل الأمني والقانوني مع ملف المهاجرين غير النظاميين الذين يقدر عددهم في تلك الولاية بنحو مليوني شخص، فإن الموضوع في شقه الاقتصادي يطرح نفسه باستمرار، لأنه يهم الحياة اليومية للمواطن الأميركي.
ويسهم هؤلاء المهاجرون -وجلهم قادمون من بلدان أميركا اللاتينية وخاصة المكسيك المجاورة- في الحياة الاقتصادية وغير الاقتصادية لمجتمعاتهم، وغالبًا ما يطلقون أعمالا خاصة، ويشتغلون في قطاعات الزراعة والبناء والضيافة وغيرها من الصناعات التي تعتبر أساسية لاقتصاد البلاد.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز، الجمعة، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب طلبت من مسؤولي إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك وقف المداهمات والاعتقالات في صفوف المهاجرين العاملين في القطاع الزراعي وفي الفنادق والمطاعم.
إعلانوعلقت الصحيفة على ذلك الطلب -الذي ورد في رسالة بريد إلكتروني داخلية وأكده مسؤولون أميركيون- بالقول إن نطاق حملة الترحيل الجماعي التي يشنها الرئيس ترامب في صفوف المهاجرين غير النظاميين، وفق ما وعد به في حملته الانتخابية، يُلحق الضرر بقطاعات اقتصادية يعتبر الفاعلون فيها من أكبر داعميه السياسيين.
واعترف الرئيس ترامب -الخميس الماضي- بأن حملة المداهمات ربما تثير غضب العاملين في الصناعات التي كان يرغب في الاحتفاظ بدعهما، وقال في تغريدة على منصته تروث سوشيال: "لقد صرح مزارعونا العظماء والعاملون في قطاع الفنادق والترفيه بأن سياستنا العدوانية للغاية بشأن الهجرة تحرمهم من العمال الجيدين للغاية وذوي الخبرة الطويلة، إذ يكاد يكون من المستحيل استبدال هذه الوظائف".
https://truthsocial.com/@realDonaldTrump/114670684664650262
تراجع ترامبويعتبر هذا الموقف الجديد بمثابة تراجع عن تصريحات سابقة للرئيس ترامب أعرب فيها عن أمله في تحطيم الرقم القياسي في ترحيل المهاجرين الذي حققه الرئيس دوايت أيزنهاور في خمسينيات القرن الماضي في "عملية ويتباك" (وهي كلمة تنطوي على إهانة للمكسيكيين)، التي استُخدمت فيها أساليب عسكرية لجمع وترحيل 1.3 مليون مكسيكي وأميركي من أصل مكسيكي في جميع أنحاء البلاد.
كما أن القرار الجديد يناقض توجهات كثيرين في الإدارة الأميركية، وعلى رأسهم ستيفن ميلر، نائب كبيرة موظفي البيت الأبيض ووزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، إذ أمرا مؤخرا موظفي دائرة الهجرة والجمارك برفع وتيرة الاعتقالات في صفوف المهاجرين غير النظاميين إلى 3 آلاف حالة يوميا (مقارنة بمتوسط 400 في فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين).
ولا يخفي ميلر، الذي يعتبر مهندس سياسة الهجرة المتشددة بإدارة ترامب، رغبته في تطهير الولايات المتحدة من المهاجرين غير النظاميين، الذين دأب على وصفهم بالمجرمين. وفي إطار تهويل الموضوع، يقول البيت الأبيض إنهم يقدرون بنحو 21 مليون شخص، في حين تشير الأرقام المتداولة إلى أن أعدادهم تقدر بنحو 11 مليون شخص فقط.
إعلان
المهاجرون ودواليب الاقتصاد
ويعكس التغيير في نبرة إدارة الأميركية إزاء المهاجرين غير النظاميين وعيا بأهمية هذه الفئة العريضة في تحريك دواليب الاقتصاد الأميركي، خاصة في الولايات القريبة من الحدود مع المكسيك، مثل تكساس، ونيومكسيكو وكاليفورنيا وكبرى مدنها لوس أنجلوس التي تعتبر موطنًا لأكبر عدد من المهاجرين غير النظاميين في البلاد.
ويرجح موقع "أميركيون من أجل عدالة ضريبية" (وهو مؤسسة غير ربحية) أن ترحيل ملايين العمال غير النظاميين خارج أميركا من شأنه أن يؤدي لانكماش الاقتصاد بما يتراوح بين 1.1 إلى 1.7 تريليون دولار، وهو انكماش يعتبر أكثر تدميرا مما حدث خلال الأزمة المالية عام 2008.
وتشير بيانات الإقرار الضريبي في أميركا لعام 2023 إلى أن المهاجرين بصفة عامة وعددهم حوالي 47.8 مليون نسمة، دفعوا ما يقرب من 652 مليار دولار ضرائب، حيث أسهم المهاجرون غير النظاميين بما يقرب من 90 مليار دولار من ذلك المبلغ الإجمالي.
وتتوزع المساهمات الضريبية للمهاجرين غير النظاميين إلى ضرائب فدرالية قدرها 55.8 مليار دولار وضرائب على مستوى الولايات والمدن قدرها 33.9 مليار دولار. وتدعم تلك المساهمات مختلف الخدمات والبرامج العامة التي يستفيد منها ملايين الأميركيين، مثل المدارس وأنظمة الرعاية الصحية والبنى التحتية.
والمفارقة في الموضوع أنه على الرغم من مساهماتهم الكبيرة في دعم تلك الخدمات والبرامج، فإن المهاجرين غير النظاميين غير مؤهلين للحصول على عديد من المزايا التي يمولونها من جيوبهم، بما في ذلك الضمان الاجتماعي وبعض الإعفاءات الضريبية.
المهاجرون والزراعة
ويشكل المهاجرون غير النظاميين نحو 5% من إجمالي القوى العاملة في البلاد، ويلعبون أدوارا كبرى في قطاعات رئيسية مثل البناء (عامل واحد من كل 7 عمال) والزراعة (عامل واحد من كل 8) والمستشفيات (عامل واحد من كل 14 عاملا).
إعلانلكن قطاع جني المحاصيل الزراعية وغيرها يعتبر نموذجا صارخا للدور الحيوي للمهاجرين غير النظاميين في الاقتصاد الأميركي إذ يشكلون نحو 50% من جميع العمال الميدانيين وعمال جني المحاصيل، مما يجعلهم ضروريين لنجاح المزارع الأميركية واستمرارها.
وتؤكد هذه الأرقام والمعطيات أن المهاجرين غير النظاميين لا يهددون الأمن الوظيفي للأميركيين ولا يحلون محلهم في سوق العمل، لكنهم يشغلون وظائف لا يرغب في شغلها سوى عدد قليل من الأميركيين، لما تتطلب من جهد بدني ومثابرة.
وإلى جانب الحاجة الاقتصادية الملحة للمهاجرين غير النظاميين، فإن الإجراءات القضائية لترحيلهم تستدعي أحيانا بقاءهم في البلاد لفترات طويلة. وتشير معطيات قانونية إلى أن محاكم الهجرة تعج بملايين القضايا (نحو 3.7 ملايين قضية)، وهو ما يمنح المعنيين بها حق البقاء فوق التراب الأميركي لفترة تمتد لسنوات قبل صدور أحكام نهائية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات للمهاجرین غیر النظامیین المهاجرین غیر النظامیین ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
عملية الأسد الصاعد وشعار ترامب أميركا أولاً
في وقت مبكر من صباح الجمعة، شنّت إسرائيل ضربات غير مسبوقة على إيران، ما أسفر عن مقتل مدنيين إلى جانب مسؤولين عسكريين كبار وعلماء، واضعةً الحكومة الإيرانية فعليًا في موقف لا بد أن تردّ فيه، وكأن ما يجري في الشرق الأوسط ليس كافيًا، لا سيما مع الإبادة الجماعية المستمرة التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
أصبحت إسرائيل تعيش على الفوضى الدائمة والقتل الجماعي، بينما تواصل تصوير نفسها كضحية لأولئك الذين تذبحهم وتستفزهم بانتظام. وكما هو متوقع، صوّرت إسرائيل إيران الآن على أنها المعتدية، مدعية أن أسلحة إيران النووية- غير الموجودة- تشكل "تهديدًا لبقاء إسرائيل نفسه"، كما صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيانه الذي أعلن فيه عن إطلاق "عملية الأسد الصاعد".
وعلى عكس إيران، تمتلك إسرائيل بالفعل أسلحة نووية، ما يجعل الوضع أكثر قابلية للاشتعال. لكن بالنسبة لنتنياهو، فإن إبقاء المنطقة مشتعلة هو وسيلة لإنقاذ نفسه من المعارضة الداخلية وتورطه في تهم فساد متعددة.
أما الولايات المتحدة، فقد نفت من جهتها أي تعاون في الهجمات الإسرائيلية، رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال بالأمس القريب: إن "ضربة إسرائيلية لإيران قد تحدث فعلًا".
إعلانوكان ترامب قد تفاخر في مارس/ آذار بأنه "يرسل إلى إسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة" في غزة، لكنه أثار مؤخرًا غضب نتنياهو بدعوته إلى حل دبلوماسي مع إيران، إلى جانب خطوات أخرى رآها نتنياهو غير عدائية بما فيه الكفاية.
وبإطلاقها ما يسمى "ضربة استباقية" على إيران، تكون إسرائيل قد أجهضت فعليًا إمكانية التوصل إلى أي حل سلمي لمسألة ما إذا كان يجب السماح للإيرانيين بمواصلة برنامجهم لتخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية.
وكان ترامب قد أكّد، يوم الأربعاء، أن الطاقم الدبلوماسي والعسكري الأميركي يُنقل من بعض مناطق الشرق الأوسط "لأنها قد تصبح خطرة، وسنرى ما سيحدث".
ومع تحوّل المنطقة إلى مكان أكثر خطورة بالفعل، حدد البيت الأبيض موعدًا لاجتماع مجلس الأمن القومي في واشنطن- بحضور ترامب- عند الساعة 11 صباحًا بتوقيت واشنطن (15:00 بتوقيت غرينتش). وبعبارة أخرى، لا يبدو أن هناك استعجالًا في التعامل مع نهاية العالم المحتملة، ما دام بإمكان المسؤولين الأميركيين تناول فَطورهم بهدوء أولًا.
أما وزير الخارجية في إدارة ترامب، ماركو روبيو، فقد علّق بالفعل على التطورات، قائلًا: "لسنا مشاركين في الهجمات على إيران، وأولويتنا القصوى هي حماية القوات الأميركية في المنطقة".
وأضاف روبيو محذرًا: "دعوني أكون واضحًا: على إيران ألا تستهدف المصالح أو الأفراد الأميركيين".
لكن الولايات المتحدة ليست غريبة على استهداف المصالح والأفراد الإيرانيين. نتذكر جميعًا عملية اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، التي نفذتها الولايات المتحدة بطائرة مسيّرة في يناير/ كانون الثاني 2020، والتي لم تكن سوى ترسيخ إضافي للمعايير المزدوجة للإمبراطورية.
وقعت عملية الاغتيال في بغداد خلال الولاية الأولى لترامب، وشكّلت انتهاكًا للقانون الدولي، وهو ما ليس استثناءً في السياسة الخارجية الأميركية.
إعلانوقد كانت العملية مثيرة للغاية بالنسبة لأعضاء الإعلام الليبرالي في الولايات المتحدة، حتى إن صحيفة نيويورك تايمز نشرت بسرعة مقالًا لرئيس قسم الشؤون الخارجية لديها يقول فيه إنّه "ربما يطلق اسم ترامب على أحد شوارع طهران يومًا ما".
ذلك اليوم لم يأتِ بعد، رغم أن ترامب كان سيُنظر إليه ربما بأقل قدر من العداء في طهران لو أنه التزم بسياسة "أميركا أولًا" التي تُعد حجر الأساس لإدارته الثانية. وكما يوحي اسمها، فإنّ هذه السياسة تدّعي التركيز على المواطنين الأميركيين واحتياجاتهم، بدلًا من قصف الناس في بلدان أخرى.
ومع ذلك، فإن التأييد- ولو الضمني- الذي أبداه ترامب لهجمات صباح الجمعة على إيران، يثير تساؤلات حول أولويات الولايات المتحدة، ويثير احتمال أن تكون الولايات المتحدة تضع "إسرائيل أولًا".
والواقع أن هذه ليست المرة الأولى التي يُتّهم فيها البيت الأبيض بتقديم أهداف السياسة الإسرائيلية على حساب مصالحه الخاصة. فالمليارات التي منحتها الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء لإسرائيل كمساعدات فتاكة، لا يمكن القول بأنها تفيد المواطن الأميركي العادي، الذي سيكون أفضل حالًا لو أنفقت تلك المليارات في الإسكان الميسّر، أو الرعاية الصحية في الولايات المتحدة نفسها.
ومن الطبيعي أن تؤدي هذه الترتيبات المالية إلى إطلاق شائعات بأن إسرائيل هي من تملي الأوامر في واشنطن. لكن في نهاية المطاف، تستفيد قطاعات رئيسية من الرأسمالية الأميركية من وحشية إسرائيل في المنطقة؛ فلن تسمع، مثلًا، من صناعة الأسلحة الأميركية شكوى بأن الهجوم على إيران لا يضع أميركا أولًا.
وقد نقلت وكالة رويترز عن المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية قوله إن "إسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة ستدفعان ثمنًا باهظًا" للهجوم، متهمًا واشنطن بتقديم الدعم للعملية.
إعلانومهما كان ذلك الثمن، فسيجد الحليف الرئيسي لإسرائيل، بلا شك، في نهاية المطاف أن الأمر كان يستحق العناء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline