حمد الناصري
دقّ سعيد هاتف الغرفة من صالة الاستقبال للتأكّد، جميع موظفي الشقق الفندقية على علاقة صداقة مع ميلاد إبراهيم، قبل أن تكون وظيفية.. أحدهم عبر سماعة الهاتف ، قال: كان هُنا ومشى.. نعم، إنّه هنا، كان هنا بالفِعل.. يبدو أنّه في دورة المياه أو في.. في مكان آخر.. لاحظ سعيد توتر وقلق موظفي الاستقبال، كأنّما انتابهم توجّس من السؤال عن ميلاد إبراهيم.
قال سعيد بغير رضاً: هل الاستفادة أنْ نُتاجر بأجْسادنا لِمْنَفعة لا أخلاق فيها؟ ردت خولة الطويلة.. لو نظرت إلى الطبيعة لوجدت الكثير فيها الذي لا يناسبك ولا يتّفق عقلك معها.. فهل هي جزء من رذيلة لا خلاق لها؟ لا يا سعيد، الحياة عطاء وتبادل ومنافع.. دون ذلك لا تسير الحياة، هبْ أن قارباً يُريد أن يبحر به الصياد، لكن القارب يصطدم بيابسة.. ماذا على الصياد فعله؟ أن يخرج عائق ما ارتطم به القارب وسحب ما علق به، أنْ يطلب مساعدة غيره.. انظر ماذا أو ما هو المقصد من إبحار الصياد.. المكسب صح، مع الابتسامة.. هزّ سعيد رأسه إيجاباً.. ردّت خولة الطويلة، إذن، فأين الرذيلة التي لا أخلاق لها؟ كانت خولة مُكتنزة الجسم، وسطية الطول، بين كاترينا الطويلة وبين سحر الرشيقة فائقة الجمال، وتزيد عن سحر الرشيقة، بجسمها السمين...وهي تُلقي نظرة فيها غنج، ورقّة، تتقن فنّ ململة القعدة، تُغيرها تارة على اليمين وتارة أخرى على اليسار، ومن خواص السمينة، مظهرها يكسبها وزناً، تُحرك الأنظار إليها، كلّما تململت أو حرّكت شعرها، ينسدل على كتفها وصدرها البارز، شعرها ناعم به مُنحنيات يزيده إثاره، تتباهى بشعرها وجسدها كأنّها في جلسة حميمية.
قالت كاترينا ذات المبسم الرقيق والقامة الطويلة وهي تستقبل إشارة من عين خولة، كأنما تقول لها، حان دورك، فاستلميه، وضعي بصمتك المؤثرة عليه.. التفتت إلى خولة وغمزت لها بطريقة ذكية وسريعة، غالباً ما اسمع بعض أحاديث الناس عندكم، أنهم يُسَمّون مُعتدلة القامة بـ مربوعة الجسم.. هزّ سعيد رأسه مُبتسماً، وأردف: نعم ذلك صحيح.. فردّت، ما أراهُ في الحياة، هو أنّ علينا الاستمتاع بكل شيء، الرجل برجولته وحركته.. وكوّرت يديها مع ضمّ الأصابع إلى باطن اليدين وراحتهما.. فنّ استمتاع الفتاة بأنوثتها، نحن الأُنثوات خُلقنا لنجد الراحة للرجولة ونستمتع بها معاً، ولكلّ مِنا سُلوك يستمتع به ومشاعر يمتاز بها عن غيره أو ما يُميزهُ عن أقرانه.. فمثلاً نحن بثلاثتنا، أشارت إلى زميلتيها سحر وخوله، نختلف عن بعض في أنوثتنا وفي مشاعرنا وفي طريقتنا وسُلوكنا وفي استمتاعنا.. ابتسمت.. المرأة يا صديقي سعيد، للرجل كمثل النبات، تظهر للرجل فيشتم ريحها فينجذب إليها، وذلك هو شُعور الرجولة؛ أما إذا وجدت الأنثى شُعوراً ينكسر أمامها، فتلك هي الذكورة، والفرق بينهما أي بين الذكورة والرجولة.. هو ما أوضحته لك في هذه العُجالة.. ولا بدّ من فهمها بالطريقة المناسبة.. فلن يتعلّم الإنسان من الحياة ما لم يُمارس فيها، فيُقال عنه صاحب خبرة أو يمتلك خبرة.. وحاولتْ كاترينا أنْ تكشف له أكثر وتتقرّب منه، يا صديقي سعيد، كاترينا هي الوحيدة التي تسمّي سعيد بـ صديقي، ابتسمت.. يبدو أنّها تميل إليه أكثر من غيرها، ابتسم وأغمض عينه، فأردفت كاترينا، إنّ الرجل والمرأة؛ لهما المَسْلك نفسه في الشهوة والرغبة، ولكلّ منهما إعدادات يختصّ بها جسده، ولكل منّا مشاعر تختلف عن الآخر، وتلك المشاعر هي استعدادات نفسية، رغبة وشهوة؛ ولكل منّا طاقة يبذلها وطاقة يستفيد منها، بمعنى أنّ المُعادلات ليست في أسس رياضية، كلاّ بل حتى في أجسادنا وفي نفسياتنا وفي مشاعرنا، مُعادلات حسّية.. فإنْ كنت ممّن لا تفهم المشاعر وأحاسيسها، وتستلم رسائلها، وتُخزّنها في نفسك، فإنك بلا شك سوف تقع في مُعادلتها الخطأ.. فالمشاعر ليست كالأحداث اليومية، المشاعر خذ وهات، تبادل.. أعطني؛ أنفعك، أشعر بك، تحسّ بي، قيمة المشاعر في المنافع المُتبادلة.. أمّا الأحداث اليومية فقد تمتنع عنها وقد تختلف معها، وقد يسوء حالك بها، وقد تظفر بغيرها.. لكن المشاعر انتصار للحياة.. رد سعيد بعفوية.. أثمن المكاسب للإنسان، تلك التي لا يلمسها بيده، بل التي يشعر بها كـ الطمأنينة والسعادة والرضا والثقة.. والمشاعر الحسّية لا تُشترى.؛.
شعر ميلاد إبراهيم بأنّ سعيد شبق بـ كاترينا، والتمس احتمالية أن يكونا معاً، وأنها انتصرت على إحساسه واحتوتْ مشاعره، فأردف.. أنّ بين الأنثى والذكَر عطاء مُتبادل ومكسب متبادل في كل القِيَم المُتعارف عليها؛ كالتجارة تماماً، لن تبقَ على حال ولن تستمر بدون المال.! ولن تجد شعورٌ يتجانس مع طاقة الآخر، وأعني بها هنا طاقة التجاذب والشعور بالآخر.. فالروح لا تسعد إلّا بما في داخل غيرها؛ حين تتجانس طاقتهما معاً.. فيتدفّق كل شيء بسهولة. إنْ أعطى كل منهما مساحة من المُقدمات يشعر بها الآخر، ومن غير تعقيد، يُدرك الشخص الذي يتبادل الحديث معه أنه يحمل في داخله حاجة للتعبير عنها، حاجة ماسّة لا تقلّ أهمية عن حاجة الطرف الآخر به.. توقّف ميلاد إبراهيم وظلّ صامتاً ولم يبزم.
سحب سعيد نفساً عميقاً، واسترق النظر إلى كاترينا طويلة القامة.. ورأتْ ذات الجديلة المُميزة والشعر الأملس الطويل.. أنّه لا بُدّ وأنْ تصل إلى قلب سَعيد وتُحرّك مشاعره نحوها.. وفي داخلها، حديثاً لم يطلع عليه أحد.. نحن في بُلدان قد مَسّها الجوع والعَوز وحاجة الناس أضْحَت كُلّها تجارة.. منافع وبَيع وشِراء ومكاسب، فإنْ لم نفعل شيئاً لحياتنا فسوف نموت ونحن أحياء من شدّة العَوز، ليس لدينا ما نملكه، أحياناً أحسّ كأنّ انفجاراً في داخلي، شيء يتمزّق حين أنظر لما حولي، ناس تموت، مشاهد حالِكة وموقف الموت صعب وقاس.
واردفت كاترينا، وهي ترفع ناظريها إلى سعيد، التجارة مكسب وخسارْة، كما يُقال، فإنْ لم تجد ما تخسرهُ لن تجد ما تكسبه.؛ فلسفة شائنة لكن لا بدّ منها، في بلادنا الناس فكّروا فيما يكسبون، فالمكسب عطاء، والعطاء تسيير للحياة.. ولذا تجد كل الناس على عطاء وتيسير مكاسب، مقابل ما يخسروهُ، إذا اُعِدّ ذلك خسارة.. لكنّي وكثير من أمثالي الذين يُنشدون الحياة والرّفاه؛ لا بدّ أن يضحّوا ولو بأنفسهم، وأنْ يُقدّموا ما يلزم لينالوا المال والمكسب والعطاء.. ديمومة البقاء ليس كمثلها شيء، ولا تُقارن بشيء.. فإمّا أن تكون أو لا تكون.. كحال السفينة حين تصارع العاصفة.
استدارتْ، وتململت بجسدها وبانَ نصفي عجيزتها، وبرقت برقّة الأنثى الجاذبة العارفة بأساليب الغرام والشبق، وحرّكت جفنيها كأنّما تُسقيه من سرّ جاذبيّتها.. ملامحها هادئة، بلا تصنّع، يبدو أنّها هي التي شبقت بـ سعيد وأُغرمت به.. وظنّت أنّ سعيد شبق بها، وألزمت نفسها، بأنْ لا تخدش مشاعرهُ وتتصرّف وكأنّها صديقة مُقرّبة لا تترك جرحاً يخدش علاقتهما.. اقتربت منه، وهمست.. السرّ في الإعجاب، ومن كانَ معنا، له ما يُعجبه من كل شيء.. والأقدار جميلة وعلينا أن نرسمها بطريقة جاذبة.. قد يضيق صدرك وقد يُحيطك أمراً قاسياً، قد تكون المُواجهة فيه صعبة ومؤلمة، ولكن الأجمل ما نرسمه في مُخيّلتنا بمشاعر الأمل، فالأفق البعيد، زوايا أقدار لا نُدركها، نرسمها بمعيّة مشاعرنا.. فإنْ مات الأمل في دواخلنا، فقد قيّدنا نفوسنا بأحزان لا طاقة لنا بها، فتغريد الطيور في وقت المِحَن، تعني انها لا تستسلم للرياح الشديدة، فتراها تُرفرف وتُحلّق وتزقزق، كل ذلك من أسرار الأمل.
يتبع 6
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
في ذكرى ميلاد زبيدة ثروت.. "ملكة الرومانسية" صاحبة أجمل عيون في السينما المصرية
تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنانة الكبيرة زبيدة ثروت، إحدى نجمات الزمن الجميل اللاتي تركن بصمة لا تُنسى في تاريخ الفن المصري والعربي، عُرفت بجمالها الساحر، وملامحها الرقيقة، وأدائها الرومانسي الهادئ الذي أسر قلوب المشاهدين، ولا تزال أعمالها حاضرة في وجدان الأجيال رغم مرور السنوات.
في هذا التقرير، نُسلط الضوء على محطات حياتها من النشأة وحتى رحيلها، مرورًا بأهم أعمالها وزيجاتها.
النشأة والبداية
وُلدت زبيدة أحمد ثروت في 14 يونيو عام 1940 بمحافظة الإسكندرية، لعائلة مصرية من أصول شركسية، وكان والدها ضابطًا بحريًا، نشأت في بيئة محافظة، وكان لديها أربعة أشقاء، من بينهم شقيقتها التوأم حكمت.
حصلت على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية، وعملت لفترة قصيرة في مجال المحاماة، قبل أن ينتقل بها القدر إلى عالم الفن.
طريقها إلى النجومية
بدأت قصة دخولها إلى الفن بعد فوزها في مسابقة جمال نظمتها مجلة "الجيل"، ثم اختيرت كأحد أجمل عشرة وجوه في مصر من قِبل مجلة "الكواكب"، ما لفت أنظار المخرجين إليها.
انطلقت في مشوارها الفني عام 1956 من خلال فيلم "دليلة" الذي شاركت فيه إلى جانب عبد الحليم حافظ وشادية، لتبدأ بعدها سلسلة من الأدوار التي رسّخت اسمها كنجمة من نجمات الصف الأول.
أبرز أعمالها السينمائية
تنوعت أعمال زبيدة ثروت بين الدراما والرومانسية والاجتماعية، ومن أشهر أفلامها: "الملاك الصغير" (1957)،"نساء في حياتي" (1957)، "بنت 17" (1958)، "عاشت للحب" (1959)،"شمس لا تغيب" (1959)، "في بيتنا رجل" (1961) إلى جانب عمر الشريف، "يوم من عمري" (1961) مع عبد الحليم حافظ
كما شاركت في أفلام أخرى بارزة مثل "المذنبون"، و"الحب الضائع"، و"كيف تتخلص من زوجتك"، ما منحها لقب "أميرة الرومانسية" عن جدارة.
أعمالها المسرحية والتلفزيونية
رغم أن زبيدة ثروت لم تُقدم العديد من الأعمال المسرحية، فإنها برزت في مسرحية "20 فرخة وديك" و"عائلة سعيدة جدًا".
كما ظهرت في أعمال تلفزيونية وإذاعية محدودة، منها المسلسل التلفزيوني "وفاء بلا نهاية"، وبرامج درامية إذاعية مثل "أفواه وأرانب" و"رد قلبي".
زيجاتها وحياتها الخاصة
تزوجت زبيدة ثروت خمس مرات، وكانت أول زيجاتها من ضابط البحرية إيهاب الغزاوي، ثم من المنتج السوري صبحي فرحات، والذي أنجبت منه أربع بنات.
بعد ذلك، تزوجت من المهندس محمد إسماعيل، ثم من الفنان عمر ناجي، ويُقال إنها تزوجت أيضًا من كوافير لبناني يُدعى نعيم.
من القصص اللافتة في حياتها، ما كشفته لاحقًا عن حب عبد الحليم حافظ لها، ورغبته في الزواج منها، والتي لم تكن تعلم بها إلا بعد زواجها، وهو ما أثّر فيها كثيرًا، حتى أوصت أن تُدفن بجواره.
الاعتزال والابتعاد عن الأضواء
اعتزلت زبيدة ثروت التمثيل في أواخر السبعينيات بعد مشاركتها في فيلم "المذنبون"، وفضلت الابتعاد عن الأضواء، مكتفية بما قدمته من فن راقٍ وأداء متميز.
عاشت بعد الاعتزال لفترة في الولايات المتحدة قبل أن تعود إلى مصر وتقضي سنواتها الأخيرة بعيدًا عن الكاميرات.
وفاتها ووداع جمهورها
في 13 ديسمبر عام 2016، غادرت زبيدة ثروت عالمنا بعد صراع مع مرض السرطان، عن عمر ناهز 76 عامًا.
شُيعت جنازتها من مسجد السيدة نفيسة وسط حزن كبير من جمهورها ومحبيها، الذين لطالما أحبوا فنها ورقّتها.