الأسد الصاعد هجوم إسرائيلي على إيران بحمولة دينية
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025 شنت إسرائيل هجمات واسعة على مناطق متعددة في إيران بأكثر من 200 طائرة مقاتلة، سمته "الأسد الصاعد"، مستهدفة منشآت عسكرية ونووية وقادة إيرانيين كبارا في مؤسسات أمنية وعسكرية وبحثية.
وذكرت تقارير إعلامية أن دوي انفجارات سمع في العاصمة طهران، بالقرب من قواعد عسكرية وفي أحياء يسكنها كبار القادة الإيرانيين، كما أبلغ عن انفجارات في نطنز بمحافظة أصفهان، حيث تقع واحدة من أهم المنشآت النووية في إيران.
اعتبرت إسرائيل العملية "ضربة وقائية" تحميها من "التهديد الوجودي الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني"، مشيرة إلى أن طهران "طورت صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية وضرب إسرائيل في دقائق"، بينما اعتبرتها إيران "عدوانا خطيرا" و"جريمة حرب"، ووصفتها بأنها "إعلان حرب" يستوجب ردا قويا.
وجاءت العملية في سياق تصاعدي للصراع الإسرائيلي-الإيراني الذي شهد تحولا نوعيا في أبريل/نيسان 2024 عندما نفذت إيران أول هجوم مباشر على إسرائيل تحت اسم "الوعد الصادق 1″، ردا على اغتيال إسرائيل قادة فيلق القدس في دمشق، تلاه هجوم آخر في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، سمته إيران "الوعد الصادق 2" بعد اغتيال الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو/تموز 2024، والأمين العام السابق لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في سبتمبر/أيلول من العام نفسه.
رمزية الاسم ودلالتهاستوحت إسرائيل اسم هذه العملية ( الأسد الصاعد) من التوراة، فهو مأخوذ من أحد نصوص العهد القديم، يتحدث عن "مستقبل مزدهر تنتصر فيه إسرائيل القوية"، وورد التعبير في "الإصحاح 23/24": وجاء فيه "شعب كالأسد يقوم، وكالليث يشرئب، لا ينام حتى يأكل فريسته ومن دم ضحاياه يشرب".
وللأسد مكانة رمزية في التعاليم التلمودية اليهودية، ففي نبوءة لبلعام بن باعوراء، وهو نبي وعراف تنبأ بقوة إسرائيل وسلطانها، شبهها بأسد لا يهدأ حتى يشبع جوعه.
وقبل يوم واحد من العملية، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورقة مكتوبة بخط اليد في شقّ على حائط البراق في القدس المحتلة، قبل أن ينشر مكتبه لاحقا صورة للورقة التي وضعها، وكُتب عليها "سينتفض الشعب كالأسد".
إعلان أهداف العمليةكشفت تقارير إعلامية وعسكرية إسرائيلية أن العملية تصبو لتحقيق 4 أهداف رئيسية، تتمركز جميعها حول ما سمته إسرائيل "التهديد الوجودي" الذي يمثله المشروع النووي والصاروخي الإيراني، عبر:
تعطيل البرنامج النووي الإيرانيتهدف العملية في المقام الأول إلى إضعاف القدرات النووية الإيرانية عبر استهداف منشأتي نطنز وأصفهان لتخصيب اليورانيوم، وهما من الركائز الأساسية في البرنامج النووي الإيراني، وتخضعان لمراقبة دولية نظرا لاحتمال استخدامها في إنتاج مواد انشطارية لأغراض عسكرية. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فقد هدفت الضربات الإسرائيلية إلى تأخير الجدول الزمني الإيراني نحو امتلاك القدرة النووية.
اغتيال القيادات العسكرية والعلميةتمثل الهدف الثاني للعملية في شل البنية القيادية للبرنامج النووي والقدرات العسكرية الإيرانية، عبر تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة استهدفت قادة بارزين في القوات المسلحة والحرس الثوري الإيراني، إلى جانب عدد من العلماء النوويين المشرفين على تطوير البرنامج في استهداف مباشر للمعرفة النووية.
وأكدت مصادر إسرائيلية أن هذه الضربات هدفت إلى تقويض قدرة طهران على إعادة بناء برنامجها في المدى القريب، عبر ما سمته "استهدافا للعقول المدبرة".
تدمير البنية التحتية الصاروخيةركزت العملية أيضا على إضعاف القدرات الباليستية الإيرانية، وذلك عبر تدمير مواقع تصنيع وتجميع صواريخ، إضافة إلى منصات إطلاق تقول إسرائيل "إنها مصممة لحمل رؤوس نووية".
وذكرت المصادر الإسرائيلية ذاتها أن الضربات استهدفت منشآت في مناطق جنوب ووسط إيران، ضمنها مواقع في بندر عباس ومحيط طهران، تمثل جزءا من شبكة التسلح الإيرانية التي تخشى إسرائيل أن تستخدمها طهران ضدها أو ضد حلفائها.
توجيه رسالة ردع إستراتيجيةالهدف الرابع كان ذا طبيعة رمزية، يتمثل في إيصال رسالة مفادها أن إسرائيل لن تتردد في استخدام القوة العسكرية ضد أي تهديد إستراتيجي مباشر، لا سيما ما يتعلق بالتسلح النووي الإيراني.
وأكد نتنياهو أن العملية تهدف إلى "تغيير حسابات النظام الإيراني"، وتوضيح أن المساس بأمن إسرائيل سيقابل بـ"رد ساحق وفوري".
تنفيذ الهجومنفذت إسرائيل هجومها بطريقتين، تمثلت الأولى في انطلاق 200 طائرة مقاتلة من إسرائيل عبرت مسافة تجاوزت 1500 كيلومتر، وأطلقت عشرات الصواريخ نحو الأهداف المحددة، أما الثانية فتجلت في تنفيذ الموساد اغتيالات مركزة استهدفت قيادات وازنة، تزامنا مع الهجمات الجوية.
وضربت إسرائيل أكثر من 300 هدف، موزعة على 3 مستويات رئيسية، إذ استهدفت مقرات نووية ومواقع عسكرية في مختلف أنحاء إيران، ونفذت عمليات اغتيال طالت شخصيات عسكرية وازنة في القوات المسلحة والحرس الثوري والدائرة المقربة من المرشد الإيراني، كما اغتالت علماء يعملون بالبرنامج النووي الإيراني.
استهدف الهجوم الإسرائيلي المنشآت النووية والمقرات العسكرية بدءا من بارشين في الشمال إلى مفاعل أراك ومنشأة نطنز ومواقع أخرى، وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه ألحق ضررا بليغا بالمنشآت النووية التي استهدفها خاصة في طهران وأصفهان.
موازاة مع ذلك استهدفت القوات الإسرائيلية مواقع عسكرية في المناطق الغربية، إذ دمرت مطار تبريز وضربت مواقع في مدينتي إيلام وكرمانشاه، وتقول إسرائيل إن "هذه المواقع تحديدا استخدمت في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل في المواجهات السابقة".
إعلانقبل الهجوم نشّطت إسرائيل وحدات العمليات الخاصة التابعة لجهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) داخل إيران، إذ زرعت هذه الوحدات أنظمة أسلحة موجهة مسبقا قرب مواقع عسكرية حساسة، ولا سيما منصات إطلاق الصواريخ، وفقا لما أكدته وسائل إعلام إسرائيلية، مما أتاح تنفيذ ضربات دقيقة مع بدء الهجوم الصاروخي.
إلى جانب الضربات الجوية، استخدمت إسرائيل طائرات مسيرة صغيرة محملة بالمتفجرات هرّبت إلى داخل إيران قبل الهجوم بأسابيع، وتم تفعيل هذه المسيرات بالتزامن مع الغارات الجوية لاستهداف نقاط محددة، من بينها مستودعات صواريخ ومنشآت اتصالات عسكرية.
ورأى مراقبون أن العملية رافقتها "حملة خداع" إعلامي وإستراتيجي، شاركت فيها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وكان الهدف منها إيهام إيران بأن التحركات العسكرية الإسرائيلية لا تتعدى كونها "أوراق ضغط" قبيل العودة إلى المفاوضات النووية، وقد أسهم هذا التضليل في تقليل درجة التأهب الإيراني، مما سمح بمرور الطائرات والمسيرات وتفعيل الخلايا النائمة دون ردود فعل مبكرة.
نتائج العملية وتداعياتهاركزت الهجمات الإسرائيلية على منطقتين جغرافيتين، الأولى تمثلت في المحافظات الغربية على الحدود مع العراق أو بالقرب منها خاصة محافظات أذربيجان الشرقية، وهمدان وكرمانشاه وأذربيجان الشرقية، في حين ضمت الثانية المحافظات الوسطى مثل طهران وأصفهان وقم وكرج.
تنوعت أهداف العملية بين عسكرية ونووية ومدنية حسب طبيعة كل منطقة، فقد ركزت الضربات في أصفهان على المنشآت النووية الحيوية (مثل منشأة نطنز) والقواعد الجوية ومراكز الدفاع الجوي والمنشآت الدفاعية، نظرا لأهميتها الإستراتيجية في البرنامج النووي والعسكري الإيراني.
أما في محافظة قم، فقد طالت الهجمات مواقع عسكرية ونووية، أبرزها منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، التي تعتبرها إيران ثاني أهم موقع نووي في البلاد، بينما شملت أهداف الهجوم الذي استهدف العاصمة طهران منشآت مدنية وعسكرية، واستهدفت أحياء سكنية يقطنها قادة عسكريون وعلماء نوويون، إلى جانب مواقع عسكرية حيوية مثل مجمع بارشين العسكري شرق العاصمة وحظائر الطائرات المقاتلة في مطار مهرآباد غرب طهران، فضلا عن مقر قيادة الحرس الثوري الإيراني ومقر الأركان العامة للقوات المسلحة.
خلفت العملية كذلك خسائر في الأرواح، إذ أدت إلى سقوط 224 قتيلا و1481 جريحا وفقا لما صرح به المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية حسين كرمانبور في 15 يونيو/حزيران 2025، مؤكدا أن أكثر من 90% من الضحايا والجرحى هم من المدنيين.
كما أسفرت العملية عن مقتل قادة عسكريين وعلماء نوويين، أبرزهم:
اللواء حسين سلاميقائد الحرس الثوري الإيراني، ولد عام 1960 بضواحي مدينة كلبايكان في محافظة أصفهان، ودرس الهندسة الميكانيكية في العاصمة طهران، انضم إلى الحرس الثوري عقب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وتولى في أثنائها قيادة عدد من الفرق والمقرات الجوية والبحرية في جبهتي الغرب والجنوب.
اللواء محمد باقري: رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية -المعروف أيضا باسم محمد حسين أفشردي-، وُلد عام 1958، وهو أحد أبرز العسكريين المشاركين في الحرب العراقية الإيرانية. وهو الشقيق الأصغر لحسن باقري أول رئيس لاستخبارات الحرس الثوري. العميد أمير علي حاجي زاده: قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري. حاصل على وسام "الفتح من الدرجة الأولى" من المرشد الأعلى علي خامنئي، وُلد يوم 28 فبراير/شباط 1962 في طهران، وانضم إلى المؤسسة العسكرية الإيرانية عام 1980 أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وعمل في وحدة القناصة للحرس الثوري وبقي في جبهات القتال حتى نهاية الحرب، وشارك في عمليات عدة منها "كربلاء 5″ و"الفجر 8″. إعلان اللواء غلام علي رشيد: قائد مقر خاتم الأنبياء المركزي، وأحد أبرز القادة الميدانيين في الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980). وُلد عام 1953 بمدينة دزفول الواقعة شمالي الأهواز جنوب غربي إيران. حاصل على ماجستير في الجغرافيا السياسية من جامعة طهران ودكتوراه في الجغرافيا السياسية من جامعة "تربيت مدرس". فريدون عباسي دوائي: عالم نووي ومهندس وأستاذ جامعي برتبة عميد في الحرس الثوري الإيراني، وهو حائز دكتوراه في الفيزياء النووية، وكان له دور مهم في برنامج تخصيب اليورانيوم. وبدأ نشاطه العسكري عام 1978 داخل الحرس الثوري الإيراني، وتولى منصب نائب مدينة كازرون في البرلمان الإيراني في الدورة الـ11، ومنصب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بين عامي 2010 و2014، كما شغل منصب مدير تنفيذي رفيع المستوى ومهندس نووي وقيادي في الحرس الثوري. محمد مهدي طهرانجي: عالم فيزياء نووي ولد في طهران عام 1965، ويعتبر أحد أبرز النوويين الإيرانيين ومن القيادات الأكاديمية الهامة في المؤسسات الإيرانية، إذ تولى منصب نائب رئيس جامعة الشهيد بهشتي ورئيسها في الفترة (2012-2016). ردود فعل متباينةأثارت عملية "الأسد الصاعد" ردود فعل متباينة، ففي الوقت الذي نأت فيه الولايات المتحدة الأميركية بنفسها عن الهجوم، مؤكدة أن إسرائيل تصرفت بشكل أحادي الجانب، وإن كانت قد أبلغتها مسبقا، تعهدت إيران بالرد "الساحق والمؤلم"، وأطلقت عملية "الوعد الصادق 3″ التي شملت إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة نحو إسرائيل.
في حين عبرت دول إقليمية عدة عن قلقها من الهجمات الإسرائيلية، التي قد تجر المنطقة إلى حرب شاملة، ودعت الطرفين إلى ضبط النفس وتفادي التصعيد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات البرنامج النووی الإیرانی الحرب العراقیة الإیرانیة الحرس الثوری الإیرانی مواقع عسکریة الأسد الصاعد فی طهران
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تستهدف وزارة الدفاع الإيرانية..والحرس الثوري "يتوعد"
استهدفت ضربة إسرائيلية، مساء السبت، مقر وزارة الدفاع في طهران، وأحدثت أضرارا في أحد مبانيه.
وأفادت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية الأحد بأن ضربة إسرائيلية استهدفت مقر وزارة الدفاع في طهران.
ووفق الوكالة فإن الهجوم تسبب بأضرار طفيفة بأحد مباني وزارة الدفاع الإيرانية التي لم تصدر حتى الآن أي تعليق.
من جانبه، قال الحرس الثوري الإيراني في بيان إن "منشآت لإنتاج وقود الطائرات المقاتلة في إسرائيل تعرضت لقصف بالصواريخ الإيرانية".
وأضاف البيان أن "البنية التحتية للطاقة في إسرائيل تعرضت لضربات صاروخية وبطائرات مسيرة".
وشدد على أنه "إذا واصلت إسرائيل أعمالها القتالية فإن هجمات إيران ستصبح أقوى وأوسع".
وفجر الأحد، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بدوي صافرات الإنذار في عدة مواقع بإسرائيل خوفا من تسلل طائرات معادية.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم اعتقال إسرائيليين اثنين للاشتباه في تجسسهما لصالح إيران.
وكان مراسل "سكاي نيوز عربية" في القدس قد أفاد بسقوط 4 قتلى و14 جريحا في إسرائيل بعد ضربات صاروخية إيرانية، مساء السبت.
وأشارت وسائل إعلام إيرانية إلى استهداف هجوم إسرائيلي لمستودع نفط شهران، وسط أنباء عن دويّ انفجارات في طهران.