كشفت دراسة حديثة عن أدلة دامغة على أن النشاط البركاني الهائل لعب دورا محوريا في انفصال قارتي أميركا الجنوبية وأفريقيا قبل حوالي 135 مليون سنة، الأمر الذي يقدم رؤى جديدة حول العمليات الجيولوجية التي أدت إلى تفكك قارة بانغيا العظمى وتشكل المحيط الأطلسي الجنوبي.

تشير الدراسة، المنشورة في مجلة "إيرث ساينس ريفيوز"، والتي اعتمدت على مصادر متعددة لبيانات جُمعت سابقا من أميركا الجنوبية وأفريقيا وقاع المحيط، إلى أنه قبل حوالي 135 مليون سنة، ثارت كمية هائلة من الصهارة -تُقدر بأكثر من 16 مليون كيلومتر مكعب- مع بدء تباعد القارتين، وخلّفت هذه الانفجارات البركانية تكوينات صخرية بركانية واسعة، يصل سمك بعضها إلى كيلومتر واحد، وتوجد في مناطق مثل ناميبيا وأنغولا، وكذلك في قاع المحيط الأطلسي.

وفي حديث للجزيرة نت أكد الباحث التونسي الدكتور محمد منصور عبد الملك، وهو باحث جيولوجي بجامعة أوسلو والمؤلف الرئيسي للدراسة، على أهمية هذه النتائج، إذ تساعد دراسة هذه الأحداث النارية الضخمة والانكسارات القارية، في الحصول على صورة أوضح لكيفية إعادة تشكيل سطح الأرض.

ويضيف عبد الملك أن الصدع الذي تشكّل جنوب المحيط الأطلسي لم يكن مجرد حدث محلي، بل كان جزءا من إعادة تنظيم عالمية للقارات مهدت الطريق للجغرافيا الحالية، كما تُمكّن هذه الرؤى الجيولوجيين من إعادة بناء القارات العظمى القديمة والأحواض المحيطية، مما يساعد على تتبع تطور الأرض عبر الزمن.

أعمدة الوشاح هي نفاثات من الصهارة تتصاعد من قرب نواة الأرض لتخترق المواد التي تعلوها (شترستوك) فرضية عمود الوشاح

يقترح الباحثون أن عمود الوشاح ربما كان مسؤولا عن بدء هذا النشاط البركاني، إذ يمكن أن تُسبب هذه الأعمدة البركانية ترقق قشرة الأرض وتشققها، مما يُسهّل تفكك القارات.

وعادة ما توجد البراكين قرب حدود الصفائح التكتونية التي تتدافع أو تجذب بعضها البعض بعنف، ومن المحتمل أن تثور البراكين أحيانا في منتصف هذه الصفائح، وقد تكوّن أعمدة ضخمة من الصخور المنصهرة الساخنة تُعرف باسم أعمدة الوشاح، وهي نفاثات من الصهارة تتصاعد من قرب نواة الأرض لتخترق المواد التي تعلوها.

يوضح عبد الملك للجزيرة نت أن انفتاح جنوب المحيط الأطلسي في أوائل العصر الطباشيري رافقه اندفاع صخور نارية متطفلة واسعة النطاق، تجمعت في إقليم جنوب الأطلسي الناري والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بتصدع غرب غندوانا.

مع ذلك، وبحسب الباحث، لا تزال الآليات المسؤولة عن الإنتاجية الصهارية الزائدة غير الطبيعية وآثارها على البيئة القديمة موضع نقاش، إذ يتطلب فائض الصهارة في الحواف البركانية المتصدعة طبقة وشاح إما ساخنة بشكل غير طبيعي، وإما صاعدة بنشاط بمعدلات أعلى من معدل انتشار الصفيحة النصفي، أو خصبة بشكل غير طبيعي، أو مزيجا من هذه العوامل.

إعلان

وتدعم هذه الفرضية أدلةٌ على وجود "شذوذ حراري" تحت ما كان يُعرف آنذاك بجنوب قارة بانغيا، القارة العظمى التي بدأت بالتفكك قبل 200 مليون سنة لتكوّن القارات الحالية، وكان هذا التفكك بطيئا، حيث انفصلت أميركا الجنوبية وأفريقيا قبل 135 مليون سنة، ولم تُكمل أميركا الشمالية انقسامها مع أوروبا إلا قبل 55 مليون سنة.

هذا الحدث البركاني الضخم قد أدى ربما إلى فترة من التبريد العالمي (أسوشيتد برس) التداعيات المناخية

ومن المثير للاهتمام أن هذا الحدث البركاني الضخم قد أدى ربما إلى فترة من التبريد العالمي، على عكس الاحترار المرتبط عادة بالثورات البركانية واسعة النطاق.

يشير الباحثون إلى أن التجوية السريعة للصهارة المنفجرة ربما لعبت دورا في هذا التحول المناخي غير المتوقع.

يوضح عبد الملك للجزيرة نت أن تمركز الأقاليم النارية الكبيرة عادة ما يصاحبه انقراض جماعي، وينطبق هذا عادة على مصايد سيبيريا في نهاية العصر البرمي، والإقليم الصخري الأطلسي الأوسط في نهاية العصر الترياسي، حيث رافق تمركزها ارتفاع في درجة حرارة المناخ العالمي وانقراض جماعي كبير.

ويضيف "يمكن للانفجارات البركانية والتدفقات البركانية الهائلة، سواء كانت جوية أو تحت سطح البحر، أن تُغير نظام المحيطات والغلاف الجوي بإطلاق الغازات والجسيمات، وفي حين يُستشهد بتسرب الصهارة إلى حشوات الأحواض الرسوبية كمصدر رئيسي لانبعاثات غازات الدفيئة، فقد كان لهذه الأحداث القدرة على إحداث تحولات مناخية، إما بارتفاع درجة حرارة الكوكب أو تبريده، والتأثير على التركيب الكيميائي للمحيطات".

نافذة على الماضي

لا تُلقي هذه الدراسة الضوء على القوى التي شكّلت قارات كوكبنا فحسب، بل تُبرز أيضا التفاعل المُعقد بين النشاط الجيولوجي والمناخ.

يصف الباحث التونسي دراسة الأحداث البركانية والتكتونية القديمة التي شكّلت تاريخ الأرض بأنها أشبه بتصفح صفحات كتاب لأعماق تاريخ كوكبنا، فهذه الأحداث لا تقتصر على الصخور القديمة وتدفقات الحمم البركانية، بل هي سجلات لكيفية تطور الأرض على مدى ملايين السنين، وبدراسة هذه الأحداث النارية الضخمة والانكسارات القارية، نحصل على صورة أوضح لكيفية إعادة تشكيل سطح الأرض باستمرار.

ويضيف أن فهم كيفية تشكّل أعمدة الوشاح وارتفاعها وتفاعلها مع الغلاف الصخري يُساعد العلماء على نمذجة المحرّك الداخلي الذي يُحرّك الصفائح التكتونية والنشاط البركاني وبناء الجبال.

كما تُعدّ أحداث "الصدمة المناخية" للبراكين القديمة بمثابة نظائر أساسية للتغيرات البيئية السريعة التي نشهدها اليوم نتيجة للنشاط البشري، فهي تُظهر مدى ترابط أنظمة الأرض، فالعمليات التي تنشأ عميقا تحت سطح الأرض يُمكن أن تُغيّر في نهاية المطاف الغلاف الجوي الذي يحيطنا والنظم البيئية التي تدعم الحياة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أمیرکا الجنوبیة المحیط الأطلسی هذه الأحداث ملیون سنة عبد الملک

إقرأ أيضاً:

بسبب صفقة فيسبوك الضخمة.. جوجل تنهي شراكتها مع Scale AI

أعلنت شركة جوجل، أكبر عميل لشركة سكيل أي آي Scale AI - المتخصصة في وسم بيانات الذكاء الاصطناعي- عن نيتها إنهاء علاقتها مع الشركة، ويأتي ذلك بعد أن أفادت تقارير أن شركة “ميتا”، المالكة لـ فيسبوك، استحوذت على حصة تبلغ 49% من أسهم Scale AI.

وكان من المقرر أن تدفع جوجل لشركة Scale AI حوالي 200 مليون دولار هذا العام مقابل بيانات تدريب موسومة يدويا، وهو أمر أساسي لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل Gemini ومنافسه لـ “شات جي بي تي”.

جوجل تعيد إحياء Snapseed بتحديث ضخم لأجهزة آيفون وآيبادجوجل تطلق نموذج ذكاء اصطناعي جديد للتنبؤ بالعواصف والأعاصير

وبحسب تقرير من وكالة “رويترز” نقلا عن خمسة مصادر مطلعة على الأمر، فإن قرار جوجل جاء بسبب المخاوف من أن استثمار “ميتا” الكبير قد يؤدي إلى كشف أبحاث جوجل السرية في مجال الذكاء الاصطناعي ومسارها المستقبلي أمام منافس رئيسي.

وذكرت التقارير أن جوجل قد بدأت بالفعل مناقشات مع عدة منافسين لشركة Scale AI هذا الأسبوع، بحثا عن نقل هذا العبء الكبير.

ولا تقتصر المخاوف على شركة جوجل فقط، بل امتد الوضع ليشمل شركات تكنولوجيا كبرى أخرى تستخدم خدمات Scale AI، مثل مايكروسوفت و"إكس أي" التابعة لـ إيلون ماسك، حيث تبتعد هذه الشركات أيضا عن التعاون مع Scale AI. 

كما أشار التقرير إلى أن “أوبن إيه آي”، أحد المطورين البارزين في مجال الذكاء الاصطناعي، قد خفضت بالفعل تعاونه مع Scale AI منذ عدة أشهر، رغم أن إنفاقها كان أقل بكثير من جوجل. 

ومع ذلك، ذكر المدير المالي لـ “أوبن إيه آي” مؤخرا أن الشركة ستستمر في العمل مع Scale AI كأحد العديد من موردي البيانات لها.

لماذا تقلص هذه الشركات علاقتها بـ Scale AI؟

يكمن القلق الأساسي بين الشركات المنافسة لـ “ميتا” في خطر كشف أولويات أبحاثهم وخططهم التقنية لمنافس مباشر، إذ غالبا ما يشارك العملاء بيانات حساسة وحتى منتجات تجريبية مع موظفي Scale AI من أجل خدمات وسم البيانات.

وبالنسبة لشركة Scale AI، فإن فقدان عميل كبير مثل جوجل يمثل ضربة قوية لها، رغم الزيادة الأخيرة في تقييم قيمتها السوقية إلى 29 مليار دولار بعد استثمار ميتا، مقارنة بـ14 مليار دولار قبل الصفقة. 

وتعتمد Scale AI بشكل كبير على عدد قليل من العملاء الرئيسيين، مما يجعلها عرضة لخسارة كبيرة في حال انسحابهم، ومع ذلك، تعتزم شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة مواصلة العمل، لكن الرئيس التنفيذي لها، ألكسندر وانج، وبعض الموظفين انتقلوا إلى ميتا.

ميتا تستحوذ على ألكسندر وانج


شركة ميتا قد استحوذت على ألكسندر وانج، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Scale AI، ليترأس مختبر الذكاء الاصطناعي المتفوق الذي أنشأته الشركة حديثا. 

وتقدر الصفقة بنحو 15 مليار دولار، وهي تعد خطوة جريئة من “ميتا” لاستعادة مكانتها القيادية في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.

وكان وانج قد أسس Scale AI في عام 2016 بعد أن ترك معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وقام بالانضمام إلى “واي كومبيناتور”، حيث طور وانج شركته لتصبح إحدى الشركات الرائدة في مجال وسم البيانات التي تدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي لـ أوبن إيه آي ومايكروسوفت وجوجل. 

تحت قيادته، توسعت Scale AI من مساعدة السيارات الذاتية القيادة في جمع البيانات المتعلقة بالشوارع إلى تمكين تدريب نماذج اللغة الكبيرة، وهي الأساس الذي يعتمد عليه الذكاء الاصطناعي المولد حاليا.

طباعة شارك Scale AI ميتا جوجل الذكاء الاصطناعي

مقالات مشابهة

  • سر تشكل سحب مضيئة في السماء.. خبير بيئة ومناخ يوضح
  • تقدم أشغال ميناء الداخلة الأطلسي.. مشروع استراتيجي يعزز مكانة الأقاليم الجنوبية
  • بسبب صفقة فيسبوك الضخمة.. جوجل تنهي شراكتها مع Scale AI
  • زلزال بقوة 5.3 درجات يضرب جزر ساندويتش الجنوبية بالمحيط الأطلسي
  • باحث: الإسرائيليون قضوا ليلة صعبة بسبب صواريخ إيران
  • فيلم "سيكو سيكو" يدخل ضمن قائمة الأفلام التي تجاوزت الـ 100 مليون جنية
  • طائرات إسرائيل فرت من صواريخ إيران إلى قبرص واليونان وأميركا
  • ما حجم الخسائر التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية جراء الضربات الإسرائيلية؟
  • بالدليل.. إعلامي تونسي عن قافلة الصمود: لا أحد يمكنه أن يزايد على مصر