العدوان الأمريكي على إيران يلزمه ردٌ مزلزل، فهل سترد إيران حيث تؤلم واشنطن، أم أن ردها سيتوقف في تل أبيب، إلى حين أن تبدأ محادثات وقف إطلاق النار؟
يعدُّ مغامرة أن يجزم الكاتب بأي توقع، فقد لا يتحقق شيء من توقعاته، رغم منطقية هذا التوقع أو ذاك، وخط سير حروب هذا الزمن خارج توقعات المحللين، ليكون سؤال المنطقة الآمنة: ماذا لو ردت إيران؟ وماذا لو اقتصر ردها حتى كتابة هذه السطور على دك تل أبيب؟
عندما حدث العدوان الإسرائيلي على طهران، توقعت أن ترد ردا ليّنا، كما هي العادة في حوادث سابقة.
بيد أن إيران خرجت عن سياقها، وردت ردا موجعا وفي عقر دار إسرائيل، وهو الرد الأكثر إيلاما في تاريخ هذا الكيان، ومنذ زرعه في المنطقة؛ أن تصبح عاصمته مستهدفة، وهو الأمر الذي لم يكن متصورا ولو في الأحلام. وقديما، عندما هددت إسرائيل بقصف العاصمة اللبنانية، رد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله: "إذا استهدفوا عاصمتنا سوف نستهدف تل أبيب". كان الأمر فوق الخيال، ولأن الرجل كان متمكنا من قواته ومن لسانه قبل الاختراق الإسرائيلي الكبير للحزب، فقد عملوا لتهديده ألف حساب. والأمر يخص قدس الأقداس، وهي العاصمة الإسرائيلية!
عندما ينقشع الغبار وتتشكل لجنة للتحقيق فيما جرى، سنكتشف أن أعداد القتلى والمصابين أكثر بكثير من المعلن، وأن حجم التدمير أكبر كثيرا مما يُعلن رسميا، وأن غزة ليست وحدها التي سيقتصر الحديث على مهمة إعادة إعمارها، فتل أبيب تحتاج إلى ذلك أيضا. وهذا انتصار كبير، بغض النظر عن ما تكبده الإيرانيون من خسائر كبيرة أيضا
الجحيم.. تل أبيب:
بيد أن إيران فعلتها، وحولت حياة الإسرائيليين إلى جحيم، وهم يبقون لفترات طويلة في الملاجئ التي لم تعد تتسع لهم. وتنظر إلى الصور القادمة من هناك فلا تعلم إن كانت من تل أبيب أم من غزة، فحجم الدمار فوق المتصور ويفوق أكثر أحلامنا جنونا، وهو سابقة منذ صواريخ صدام حسين، التي كانت في حدود أربعين صاروخا فقط.
وعندما ينقشع الغبار وتتشكل لجنة للتحقيق فيما جرى، سنكتشف أن أعداد القتلى والمصابين أكثر بكثير من المعلن، وأن حجم التدمير أكبر كثيرا مما يُعلن رسميا، وأن غزة ليست وحدها التي سيقتصر الحديث على مهمة إعادة إعمارها، فتل أبيب تحتاج إلى ذلك أيضا. وهذا انتصار كبير، بغض النظر عن ما تكبده الإيرانيون من خسائر كبيرة أيضا، وما نال من سمعتهم جراء هذا الاختراق الذي جرى لجبهتهم الداخلية!
فقد كان الجانب الإسرائيلي حريصا منذ بداية الأحداث على عدم نقل الحقيقة كاملة للناس أو حتى للرأي العام الداخلي، ففرض رقابة على وسائل الإعلام، تماما كما حذر من تصوير الدمار.
وإذا كنا نستبعد الرد الإيراني الموجع، فقد كنا نقر بأننا سنعيش في كنف الهيمنة الإسرائيلية لسنوات طويلة. وقد تعجل نتنياهو من أمره عندما قال إنه من سيعيد رسم خريطة المنطقة من جديد، ثم أعاد التأكيد على ذلك بعد العدوان الأمريكي، فهل هذا أمر حقيقي؟
أكتب هذه السطور على وقع صواريخ انطلقت من إيران إلى الأراضي العربية المحتلة، على نحو كاشف بأنه وإن استبعدت إيران الرد على أمريكا، فلن تترك إسرائيل تشعر بلذة النصر. وهو نصر لا بد وأن يكون مسكونا بالهزيمة، لأنه ثبت في الأولى والآخرة أن إسرائيل لا يمكن أن تدافع عن أمنها إلا بالدعم الأمريكي السريع. وفي البداية كان لا بد من تحرك حاملات السلاح في الأيام الأولى لطوفان الأقصى، وفي هذه كان لا بد من مساندة أمريكية. وإسرائيل تبدو مترنحة لا تقوى على الصمود، والعجز كذلك عن مجابهة الإيرانيين رغم الاختراقات التي حققتها، وهذا أكثر الأمور صعوبة!
ترامب ليس بوش الابن:
بدون الرد الموجه للمصالح الأمريكية في المنطقة، فإن إسرائيل لم تنتصر في المعركتين؛ سواء على مستوى غزة، لأنها برغم كل الإجرام الذي ترتكبه لم تحقق غايتها بإبعاد حماس أو القضاء عليها، وعلى مستوى إيران فلم تكسرها، ولم تسقط نظامها، وأثبتت أنها لا تستطيع الانتصار بعيدا عن الحماية الأمريكية
ما علينا، فلم يكن سيناريو الرد الأمريكي هو أكثر التوقعات وجاهة، فالرئيس الأمريكي الحالي ليس رجل حروب، إنه يفر منها، شأنه أي شخص يخشى المغامرة. ثم إن السواد الأعظم من ناخبيه هم الذين يشغلهم ما يتحقق لهم من إنجاز على مستوى المعيشة، وكان متوقعا أن يفوز لدورة ثانية متصلة، لكنهم فقدوا الحماس له بسبب دودة الأرض (كورونا) التي أخذت بالشمال ما جمعه باليمين، لينجح بايدن!
وهو يدرك أنه فاز هذه المرة لكي يحقق إنجازا اقتصاديا، ولهذا يفخر بما وعد بالحصول عليه من الخليج، رغم أنها صفقات مؤجلة في معظمها.فعندما يتورط في هذه الحرب فهذا ليس أكثر الاحتمالات ترجيحا، حتى وإن كان محاطا بصقور الحزب الجمهوري الذين ينطلقون من موقف أيديولوجي يفتقده عامة الناخبين، والذين مثلهم بوش الابن في غزوه للعراق. لكن ترامب ليس بوش، ومع ذلك رضخ للضغوط في النهاية، ربما أغواه أنه يستطيع أن يضرب ضربته ثم يجبر إيران على العودة لمائدة المفاوضات لوقف الحرب. فلا يزال ترشيحه كرجل سلام قائما، وكل من السادات ومناحيم بيجين بدآ بالحرب، لكن نوبل كانت بالخواتيم التي تمثلت في اتفاقية السلام!
والحال كذلك، فليس من السهل التنبؤ بالرد على العدوان الأمريكي بما هو موجع، كما الاستمرار في الانتقام من إسرائيل. فإيران التي أعرضت عن مقتل قادتها وضيوفها، ردت على العدوان الإسرائيلي الأخير، وهو رد خارج سياقها، وقد تعود لذات السياق في التعامل مع القصف الأمريكي لمنشآتها النووية. فماذا لو لم ترد؟
إن عدم الرد يمثل خصما من رصيدها، ولا يغطي على ذلك إلا قصف أكثر شراسة لإسرائيل، يمثل ضغطا على المجتمع الدولي، والبيت الأبيض نفسه، للتوصل لوقف إطلاق النار، ولو كانت النتيجة هو الإقرار الضمني بهزيمة إسرائيل، ما دامت هيبة الولايات المتحدة الأمريكية محفوظة!
ومهما يكن، ولأن الحروب بأهدافها، فبدون الرد الموجه للمصالح الأمريكية في المنطقة، فإن إسرائيل لم تنتصر في المعركتين؛ سواء على مستوى غزة، لأنها برغم كل الإجرام الذي ترتكبه لم تحقق غايتها بإبعاد حماس أو القضاء عليها، وعلى مستوى إيران فلم تكسرها، ولم تسقط نظامها، وأثبتت أنها لا تستطيع الانتصار بعيدا عن الحماية الأمريكية، في حين أن إيران لم يساندها أحد!
وهذه نهاية الحد الأدنى التي لن تمكن إسرائيل من إعادة رسم خريطة المنطقة، ولعلها تعجز عن إعادة رسم خريطة مساكنها ومنشآتها إلا بالاستعانة بصديق!
دعك من بجاحة نتنياهو!
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الأمريكي إيران الإسرائيلي ترامب الحرب إيران إسرائيل أمريكي حرب ترامب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة صحافة تكنولوجيا سياسة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على مستوى تل أبیب
إقرأ أيضاً:
ما حدود الرد الإيراني بعد الضربة الأميركية؟ الخبراء يجيبون
يشهد الإقليم توترا متصاعدا بعد الضربة الأميركية المفاجئة التي استهدفت منشآت نووية داخل إيران، مما أثار تساؤلات عديدة حول طبيعة الرد الإيراني، وحدود التصعيد المقبل، وإمكانية انزلاق المنطقة نحو مواجهة شاملة وطويلة الأمد.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه إسرائيل أنها حققت الهدف المركزي من الحرب، تلتزم طهران الصمت وتدرك حساسية الموقف وتسعى إلى ردع موجه دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة.
ويعتقد محللون أن طهران تواجه مأزقا إستراتيجيا في تحديد شكل الرد المناسب، بينما تستمر إسرائيل في تصعيد الضغط العسكري، وتسابق الوقت لتقويض القدرات الصاروخية الإيرانية قبل أن تتحول المواجهة إلى معركة استنزاف.
تنسيق إسرائيلي أميركي محكميقول الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا -في تصريح للجزيرة نت- إن الضربة الأميركية لم تكن قرارا مفاجئا، بل تم الإعداد لها مسبقا، وجرت محاكاة سيناريوهاتها خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، في إطار تنسيق وثيق بين القيادة المركزية الأميركية وإسرائيل.
ويشير العميد حنا إلى أن واشنطن دخلت المعركة لاستكمال أهداف إسرائيلية عالقة، ومنح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مخرجا من أزمته السياسية.
لكنه يؤكد أن هذا التدخل فتح بابا جديدا، حيث تواجه إيران -التي اعتمدت لعقود على مبدأ "الدفاع المتقدم" عبر وكلائها الإقليميين- واقعا جديدا بعد انتقال المواجهة إلى داخل أراضيها، مما يضعف دور وكلائها في حال استمرت الحرب على شكل استنزاف طويل الأمد.
حذر محسوب ورد محدودويرى الكاتب والباحث أسامة أبو أرشيد -من واشنطن- أن طهران حتى الآن حددت ردها العسكري باتجاه إسرائيل، متجنبة الصدام المباشر مع الولايات المتحدة، رغم التصريحات المتكررة لقادتها العسكريين التي تؤكد أن الرد على واشنطن قادم.
ويضيف أبو أرشيد -في تصريحات للجزيرة نت- أن أحد الاحتمالات المطروحة هو شن هجمات سيبرانية، وهو ما حذرت منه وزارة الأمن القومي الأميركية.
إعلانلكنه يشير إلى أن أي رد مباشر على قواعد أميركية في العراق أو الخليج سيضع إيران أمام معادلة صعبة "بين ردع العدو وعدم الانجرار إلى حرب مفتوحة".
ويستذكر تجربة عام 2020، حين ردت طهران على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني بضرب قاعدة عين الأسد، بعد إنذار غير مباشر لتجنب سقوط قتلى، لكن الوضع اليوم أكثر تعقيدا في ظل ضغوط انتخابية على واشنطن.
تصريحات نتنياهودعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية نتنياهو إلى اتخاذ القرار الصعب، واغتنام الفرصة التي أتاحتها الضربة الأميركية الأخيرة عبر الانخراط في تسوية سياسية تقود إلى وقف إطلاق النار.
ومن جانبه، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن إسرائيل تعتبر الضربة الأميركية فرصة إستراتيجية دفعتها لاستثمار اللحظة بكل قوة.
ويشير مصطفى إلى إعلان نتنياهو أن الهدف المركزي للحرب، وهو تدمير المشروع النووي الإيراني، قد تحقق. لكنه يعترف بوجود فسحة زمنية محدودة لاستكمال ضرب القدرات الصاروخية الإيرانية.
ويضيف أن إسرائيل تسعى لإنهاء الحرب بقرار إسرائيلي، مع محاولة إقناع واشنطن بتوجيه ضربة ثانية لضمان تدمير المنشآت النووية بالكامل، وتتبنى إسرائيل سياسة "الهدوء مقابل الهدوء والتصعيد مقابل التصعيد" مع الحفاظ على مسار جوي آمن لضرب أهداف إيرانية، إلى أن تفرض تسوية دبلوماسية أو تضعف قدرة إيران على الرد.
حسابات مفتوحةيشير أبو أرشيد إلى أن الحسابات العسكرية والسياسية التي سبقت الضربة الأميركية تتسم بتعقيدات كبيرة، إذ كشفت تقارير أميركية عن قيام إسرائيل بقصف منصات دفاع جوي إيرانية لتأمين أجواء العمليات لطائرات "بي-2" الأميركية التي نفذت الهجمات.
ويؤكد أن طهران تدرك أن الضربة الأميركية لم تكن ممكنة لولا التحريض الإسرائيلي، مشيرا إلى تبني واشنطن رواية استخباراتية إسرائيلية تتعارض مع تقييمات وكالاتها بأن إيران لم تسع لتطوير سلاح نووي منذ 2003.
ويحذر أبو أرشيد من احتمال لجوء طهران إلى تأزيم الملاحة في مضيق باب المندب بدلا من إغلاق مضيق هرمز، لما لذلك من كلفة عالية على إيران.
ويتفق المحللون على أن الأزمة تتجاوز المنشآت النووية التي استهدفتها الضربات، وتمتد إلى ما يقارب 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب الذي يبدو أن إيران نقلته قبل الهجمات، إضافة إلى المعرفة النووية المتقدمة، والصواريخ الباليستية، والدور الإقليمي لطهران.
وتشن إسرائيل حربا مفتوحة على إيران منذ 13 يونيو/حزيران الجاري، تستهدف منشآت نووية ومواقع عسكرية ومدنية، كما اغتالت خلال أيام قيادات بارزة في الحرس الثوري، بينهم رئيس هيئة الأركان، إلى جانب عدد من العلماء النوويين.
ومع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة الإسرائيلية الإيرانية -عبر ضربات مباشرة على منشآت تخصيب اليورانيوم في فوردو ونطنز وأصفهان- ارتقى التصعيد إلى مستوى غير مسبوق.