9 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: في مشهد العراق السياسي المتشابك، يعود ملف حزب البعث المنحل إلى الواجهة مجدداً، ليكشف مدى هشاشة آليات الدولة في احتواء تراث النظام السابق وإدارته برغم السنوات الطوال على السقوط، فالحديث عن حظر البعث ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو معركة رمزية تستحضر نزاعاً بين الرغبة في حماية الدولة من عودة ماضي استبدادي، وبين ضرورة بناء مؤسسات سياسية حديثة تحترم مبادئ الديمقراطية والحقوق المدنية.

ويمكن قراءة تصريحات رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي في هذا السياق على أنها رسالة مزدوجة: من جهة، تأكيد على تمسكه بخطابه الأمني والسياسي الذي يستمد شرعيته من تجربة ما بعد 2003، ومن جهة أخرى تحرك استراتيجي سياسي يستهدف تثبيت قواعد نفوذه قبيل الانتخابات المقبلة.

والمالكي هنا لا يكتفي بإدانة الحزب فقط، بل يربط ذلك بشكل مباشر بضرورة استمرار «الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة» كأداة تنفيذية قادرة على فرض الحظر السياسي .

وعلى مستوى أعمق، تعكس هذه القضية تحديات العراق الكبرى في الانتقال من واقع ما بعد الاستبداد إلى دولة القانون والمؤسسات، حيث تبقى الفجوة بين الحاجات الأمنية والسياسية والحقوقية واسعة جداً. فالقانون الذي يحظر حزب البعث ورموزه هو في الأصل نص دستوري له مدلولات تاريخية تستند إلى تجارب قمعية لا يمكن تجاهلها، لكنه في الوقت ذاته يشكل عقبة أمام المصالحة الوطنية بحسب اراء القوى السنية.

ويبدو أن استمرار العمل بقوانين العدالة الانتقالية القديمة، التي ظلت رهن التأثيرات السياسية، يثير غضب المكون السني الذي يرى انه تحول الى انتقام بدلا من تعزيز بيئة سياسية مستقرة، الأمر الذي يثير انتقادات دستوريين وخبراء حقوقيين.

وتتبنى الكثير من القوى السنية فكرة ان الهيئة المعنية بالمساءلة تحولت إلى سلاح بيد الفواعل السياسية، يُستخدم لتصفية حسابات داخلية بدل أن تكون جسر عبور نحو دولة مدنية حقيقية. وهذا لا يعكس فقط ضعف مؤسسات الدولة، بل يكرس واقعاً من الانقسام والتوتر السياسي الذي قد يعيد إنتاج الصراعات القديمة.

وبينما تسعى الحكومة الحالية إلى إنهاء عمل الهيئة، تواجه عراقيل دستورية وسياسية تعكس عدم توافق القوى الكبرى على صيغة نهائية لمعالجة ملف البعث، ما يعكس هشاشة منظومة التوافق السياسي في العراق.

وهذا التعثر يعزز من احتمالات استمرار الصراعات حول هذا الملف في المستقبل القريب، خاصة مع اقتراب الانتخابات، حيث يتحول ملف البعث إلى ورقة ضغط سياسية يستخدمها كل طرف لخدمة أجندته الخاصة.

وفي ضوء ذلك، يبدو أن العراق ما زال في مفترق طرق بين خيارين متضادين: إما التمسك بقوانين انتقالية تشكل أداة استبعاد وانتقام سياسي، أو فتح باب مراجعة شاملة للملفات التاريخية في إطار حوار وطني يهدف إلى تأسيس توافق سياسي حقيقي يضمن المشاركة الشاملة ويعزز الاستقرار. وفي غياب هذا التوافق، ستظل مسألة البعث تشكل فتيل توترات سياسية قابلة للاشتعال في أي لحظة.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

الانتخابات المقبلة تعيد رسم الخريطة.. والإطار التنسيقي على عتبة التحول

7 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: وسط أفق سياسي عراقي ملبّد بتوقعات التغيير، يلوح في الأفق ما يشبه التحوّل البنيوي في خريطة التحالفات، مع احتمال مغادرة “الإطار التنسيقي” لاسمه وهويته بعد الانتخابات المقبلة. ويأتي هذا التقدير في سياق معطيات الداخل وتقاطعات الخارج الامر الذي يضع الإطار أمام معادلة معقدة بين البقاء ككتلة حاكمة أو التحلل إلى قوى متعددة تبحث عن صيغ تموضع جديدة.

وتتجلّى هذه الديناميكية في قراءة لمسيرة الإطار منذ ولادته عقب انتخابات 2021، حين نجح في توظيف انسحاب التيار الصدري لتشكيل الكتلة الأكبر، قبل أن يتمكّن من فرض معادلة حكم برئاسة محمد شياع السوداني.

وقد أفلح الإطار، بحسب مراقبين، في إدارة مرحلة توصف بالاستقرار النسبي، أمنيًا وسياسيًا، مع حضور محسوب في العلاقات الإقليمية والدولية، إلا أن تحوّله من تحالف انتخابي إلى آلية حاكمة أضعف مرونته السياسية وأدخله في حسابات السلطة.

وترى قراءات ان مرحلة ما بعد الانتخابات ستكون حاسمة، ليس فقط في رسم شكل الحكومة، بل في إعادة تعريف طبيعة التحالفات، وسط سيناريوهات مفتوحة على ضغوط أميركية قد تتخذ طابعًا اقتصاديًا أو سياسيًا يستهدف شخصيات رئيسية، وهو ما يجعل الكتلة عرضة لتفكك أو إعادة تشكيل.

ويستند هذا التحليل إلى أن واشنطن قد ترفع منسوب الضغط مع اقتراب العراق من مفاصل حساسة تتعلق بالوجود الأميركي ومستوى النفوذ الإيراني، مما قد يحوّل التوازن الراهن إلى ساحة تجاذب إقليمي محتدم.

وتتبدى أهمية العامل الخارجي بشكل خاص إذا ما قررت الولايات المتحدة استثمار أدواتها في العراق لإعادة ضبط توازن القوى، عبر الاستهداف المباشر أو غير المباشر، ما قد يؤدي إلى تعطيل الانتخابات أو إعادة هندسة مشهدها.

في المقابل، يبقى حجم التمثيل البرلماني المنتظر للكتل هو المحدّد الفعلي لبوصلة التحالفات، في ظل استقرار نسبي قد يُنسف تحت وطأة تطورات مفاجئة.

ويدفع هذا كله إلى استنتاج بأن المشهد السياسي العراقي مقبل على لحظة إعادة تموضع، حيث لا يبقى “الإطار” هو الإطار، ولا “التحالف” هو التحالف، في ظل خريطة متحركة تُرسم أقلامها في بغداد، وتُوجّه أناملها من عواصم متعددة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • المالكي:لن نسمح للرافضين لإيران ولمشروعها المقاوم بالمشاركة في العملية السياسية
  • مفوضية الانتخابات تلغي المصادقة على (6)تحالفات سياسية
  • مصادر سياسية:القوى الشيعية والكردية تستغل المال العام لأهداف انتخابية
  • انتخابات تحت ظلال النفوذ: كيف تفقد الدولة حيادها في موسم التنافس السياسي؟
  • المفوضية: التحالفات 6 الملغى المصادقة عليها غير مشاركة بالانتخابات المقبلة
  • رئيس وزراء جديد في بوروندي يؤدي اليمين وسط جدل سياسي
  • الانتخابات المقبلة تعيد رسم الخريطة.. والإطار التنسيقي على عتبة التحول
  • فائض القوى.. الوقود السري الذي يبني الحضارات ويدمرها
  • تصعيد سياسي في صنعاء.. حزب البعث يحمل الحوثيين مسؤولية اختطاف قيادي بارز