في زمنٍ لم تَعُد الكلمة فيه بريئة، صارت الأقلام تُتقن فن الغمز، وتُجيد اختلاق المواقف التي لم تحدث، لتصنع صورة مغشوشة، تخدم أجندة لا تُعلَن. خرج أحد قادة الحركات قبل بداية اجتماع رسمي… لا قبل المداولات، ولا أثناء حديث سياسي، بل قبل أن يُعلن الاجتماع عن نفسه. ثم انهالت الأقلام تُفسّر هذا الخروج، وتَنسج فوقه رواية كاملة من “الانسحاب المغاضب”، وكأن الرجل ضرب الطاولة وانسحب محتجًا على نصٍّ لم يُقرأ، وقرارٍ لم يُطرح، وكلمة لم تُقَل بعد.
فما الذي حدث فعلًا؟ لا شيء يستحق هذا الضجيج. لكن الضجيج مطلوب. لأن المطلوب ليس الحقيقة… بل جرّ هذا القائد إلى مربّع الغضب، ولو لم يغضب. تمامًا كما حدث من قبل، حين سُرّبت محاضر داخلية للحركات المسلحة تطالب فيها بدعم عسكري في قلب معركة وجودية، فصُوّرت وكأنها تطلب “غنائم حرب” لا مقوّمات دفاع عن النفس. وأُخرجت تلك المطالب من سياقها، ووُضعت أمام جمهور غاضب ليتهمها بـ”الأنانية” و”المكايدة”، بينما كانت في جوهرها محاولة لحماية الخرطوم نفسها.اليوم، يتكرر المشهد. الصحافة الصفراء لا تكتب لتُنير، بل لتُثير. والرأي العام يُقاد مرة أخرى نحو ذات الفخ: تصوير القوى التي حملت السلاح دفاعًا عن الدولة، وكأنها تسعى لتفكيكها من الداخل، ووصم من طالب بحقه في نصيبٍ عادل من السلطة بأنه “ينسحب” و”يغضب” و”يراوغ”. والأدهى من ذلك، حين ينتصر هؤلاء في الميدان، يُقال إن “الجيش انتصر”. وعندما ينسحب
الجيش من المواقع، يُقال إن “الحركات انسحبت”! من يدير المعركة أصلًا؟ الجيش أم الحركات التي جاءت لتساند الجيش؟نحن أمام إعلام لا يرى إلا بعينٍ واحدة، ولا ينطق إلا بما يُرضي سرديةً واحدة، وإن كانت كاذبة.هذه ليست أزمة معلومات، بل أزمة نوايا. فالنوايا حين تُلوَّن، تُحوِّل الاجتماع العادي إلى مشهد درامي، وتجعل من الحياد تهمة، ومن الصمت موقفًا، ومن الغياب انسحابًا مقصودًا.الحرب، مثل المرآة المحطّمة، تُظهر لكلٍّ وجهًا مختلفًا، فيها من يعرف الحقيقة ويتوارى عنها، وفيها من يميز بين الحق والباطل ثم يتبع الباطل وهو يعلم. وفيها من يسير على خطى الخطأ، متأكدًا من ضلال المسار، لكنه لا يتوقف، كأنّ في داخله شيئًا يهواه.الغريب أن من يُشعل فتيل الفتنة يجد من يُصفّق له بغباء، ومن يعمل على تفتيت ما تبقّى من وحدة البلاد يُقابَل بالفرح، ومن يكتب من أجل تفرقة الصفّ يُكافأ وكأنه أضاء مصباحًا في الظلام. إنكم تعلمون، ولكنكم تجهلون ما كنتم تقدّمون. لا يريدون التنازل، ولكنهم يريدون منك التضحية. لا يمنحونك ما تستحق، رغم أنهم يعلمون تمامًا أنك تستحق. يريدونك أن تقاتل صامتًا، وعندما ترفع صوتك للمطالبة بحقك، يُوصم صوتك بالانتهازية.أيها الغافلون… لماذا يُصر بعض الصحفيين والإعلاميين على اختيار قضية واحدة، والنقش عليها بقلمٍ مسموم، كأنهم يحاولون تفكيك جسدٍ متماسك؟ هل الهدف هو الحقيقة؟ أم أن هناك دورًا خفيًا يُؤدّى، رسالة مكتومة لتفريق الجمع، تحت عباءة المقال والتحليل؟وعندما تُذكر اتفاقية جوبا، المرجعية القانونية والسياسية، يتجاهل البعض أن الكلمة فيها ليست ملكًا للصحفي، بل لرئيس مجلس السيادة، وعليه أن يصدر التوجيه، لا أن يترك التأويل لطبولٍ تمتهن التهويل وتتحصّن خلف الاجتماعات لتسترق السمع، ثم تكتب كأنها اكتشفت كنزًا من أسرار الأرض.عوض الله نواي – الصفحة الإعلامية لحركة العدل والمساواة السودانية
إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
هل وقعت مصر اتفاقية غاز جديدة مع إسرائيل؟.. البترول توضح الحقيقة (فيديو)
أكد المهندس معتز عاطف، المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول، أن ما تم تداوله مؤخرًا بشأن توقيع اتفاقية جديدة بين مصر وإسرائيل لتوريد الغاز غير دقيق، موضحًا أن ما جرى هو تعديل لاتفاقية موقعة سابقًا في عام 2019، وليست صفقة جديدة كما يُروج البعض.
وأضاف معتز عاطف، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي مصطفى بكري، في برنامج "حقائق وأسرار" المذاع على قناة صدى البلد، أن الهدف الأساسي من هذا التعديل هو تعظيم الاستفادة من مصادر الطاقة وتنويعها، مؤكدًا أن مصر تسعى بكل قوة لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
وأشار معتز إلى أن مصر وقعت خلال السنوات الماضية عدة اتفاقيات مع دول مختلفة، أبرزها قبرص، لتوريد الغاز الطبيعي، بما يحقق التوازن المطلوب بين الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض للأسواق الخارجية.
وشدد المتحدث باسم وزارة البترول أن الدولة تتحرك وفق خطة استراتيجية لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي على المدى البعيد، مشيرًا إلى أن تعديل الاتفاقية مع إسرائيل يدخل ضمن هذه الرؤية الشاملة التي تهدف لضمان الأمن الطاقي لمصر حتى عام 2040، كما أن الدولة تعمل على عقود طويلة الأمد من أجل التأمين الاستراتيحي، والرقم المتداول ليس نهائيًا.