بعد الهجوم الذي شنته الطائرات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية الثلاثة: فوردو ونطنز وأصفهان، سيطرت حالة من النشوة على الوضع الداخلي في إسرائيل، وسط دعوات من مسؤولين عسكريين وسياسيين ومحللين إلى التريث في انتظار ما سيسفر عنه الرد الإيراني الذي جاء سريعا.

وكتب المحلل السياسي جدعون ليفي مقالا في صحيفة هآرتس "يعشق الإسرائيليون الحروب، لا سيما عند بدايتها، لم تكن هناك حرب قط إلا وهتفت لها إسرائيل، ولم تكن هناك حرب قط إلا وانتهت بالدموع".

وتابع أن مناحيم بيغن دخل حرب لبنان في حالة من النشوة، وخرج منها مكتئبا سريريا "وهناك احتمال كبير أن يكون الأمر نفسه نهاية الحرب مع إيران، لدينا بالفعل بداية مبهجة لكن قد تتحول إلى اكتئاب مع إطلاق صفارات الإنذار التي دفعت الملايين إلى الملاجئ، ومع الدمار والقتلى".

وأطلق المعلقون والمحللون مجموعة من التساؤلات حول جدوى الحرب على إيران حتى بمشاركة أميركية.

ضابط بالجيش الإسرائيلي يتحدث مع وزير الدفاع شارون (وسط) ورئيس الوزراء بيغن بعد معركة جنوب لبنان (غيتي) تساؤلات وشكوك

أشار رئيس الوزراء السابق إيهود باراك -في مقال نشرته هآرتس أمس- لحالة النشوة التي سيطرت على الفضاء العام وما تبعها من حالة ارتباك بسبب الضربات الإيرانية، واعتبرها أنها سابقة لأوانها، وقال إن "جو النشوة السائد في الشوارع سابق لأوانه وبعيد عن الواقع".

وتابع باراك أنه كما أشار رئيس الأركان إيال زامير "يجب أن نحافظ على التواضع والتواصل الدقيق مع الواقع، إننا نواجه بالفعل اختبارا صعبا وطويلا ومؤلما".

وفي صحيفة يديعوت أحرونوت، اعتبر المحلل السياسي ناداف إيال أن الحروب لا تقاس بالبدايات بل النتائج، ودعا مجلس الوزراء إلى التفكير في كيفية إنهاء الحرب. كما طرح المحلل السياسي أري شافيت تساؤلات وشكوكا أخرى، عبر فيها عن مخاوفه من الرد الإيراني محذرا من أن تقدم طهران على "انتحار خطير" وقال "نحن في واقع غير مسبوق، ونسير على أرض لم يمشِ عليها أحد".

وكتب المحلل العسكري رون يشاي في نفس الصحيفة "إلى أن تتضح نتائج الهجمات الأميركية، فالأهم هو طبيعة الرد العسكري والسياسي الإيراني" متسائلا: هل سينفذ الإيرانيون تهديداتهم المتعلقة بمضيق هرمز والقواعد والمنشآت النفطية الأميركية، وهل سيبذلون جهدا لإطلاق صواريخ على إسرائيل، أم سيفضلون الجلوس على طاولة المفاوضات؟ هل سيؤدي هذا إلى إطالة أمد الحرب أم تقصيرها؟

إعلان

ومن جهتها، قالت آنا بارسكي المراسلة السياسية لصحيفة معاريف إنه بعد الضربة الأميركية تبدأ الأسئلة الجوهرية: هل تم تعطيل المنشآت التي تم استهدافها بشكل كامل؟ كما تبرز تساؤلات أعمق ذات طابع إستراتيجي عن كيفية الرد الإيراني، وهل نحن على أعتاب حرب متصاعدة طويلة الأمد قد تخرج عن السيطرة؟

وطرح عدد من الكتاب والمحللين العسكريين أسئلة عديدة تُمكن إجاباتها من فهم مدى مساهمة الهجوم الأميركي في تحقيق أهداف الحرب في تعطيل البرنامج النووي الإيراني.

إستراتيجية الخروج؟

ومن الأسئلة المركزية -التي سيطرت على كتابات وتعليقات المحللين والمختصين- تساؤلات عن إستراتيجية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للخروج من الحرب مع إيران.

وبحسب ناحوم برنيع المحلل السياسي بصحيفة يديعوت أحرونوت، فإن نتنياهو ثابت على أمر واحد أنه "ليس لديه إستراتيجية للخروج، لا في غزة، ولا في تجنيد الحريديم، ولا في إيران، طوال مسيرته المهنية، طلب أغلى الأطباق، ظانًا أن شخصًا آخر سيدفع الفاتورة".

ووصف البروفيسور أساف ميداني الباحث في السياسات والقانون بجامعة أكسفورد حالة القلق داخل المجتمع الإسرائيلي، بقوله "تحت السطح، بدأ القلق يتصاعد، يتزايد عدد الإسرائيليين الذين يتساءلون: ما أهداف الحرب؟ هل من إستراتيجية لليوم التالي؟"

ولم تتوقف الشكوك بجدوى الحرب أو أهدافها الخيالية، بل كان بعضها موجها لحكومة نتنياهو وأهدافها من الحرب، وتساءلت الكاتبة دانييلا لندن ديكل في صحيفة يديعوت أحرونوت "هل يمكننا الوثوق بمجلس وزراء مكون من فاسدين ومجرمين ومديرين فاشلين أثبتوا بالفعل عدم كفاءتهم في القضايا الموكلة إليهم؟

وتناول الكاتب أوري مسغاف في صحيفة هآرتس أبعاد الحرب ضد إيران من وجهة نظر نتنياهو وشركائه من اليمين المتطرف، فقال "تخوض الدول والشعوب حربًا شاملة حديثة، بهتافات الفرح وشعور بالراحة والتحرر، ولا يختلف الإسرائيليون في هذا عن دول العالم، ربما باستثناء مزيج فريدٍ مُصطنع هنا بين التضحية والمسيحانية، وجنون العظمة والجنون".

برنيع: نتنياهو ليس لديه إستراتيجية للخروج لا في غزة ولا في تجنيد الحريديم ولا في إيران (الفرنسية) حرب استنزاف

ويأتي الهجوم الأميركي في ظل استنزاف واضح للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وقد حذّرت واشنطن في وقت سابق من هذا الأسبوع من أن مخزون صواريخ "حيتس" الإسرائيلية الاعتراضية يوشك على النفاد.

وفي الساعات الأخيرة، حذّر مسؤول أميركي -في حديث مع صحيفة وول ستريت جورنال- من أن صواريخ "حيتس-3″ قد تنفد خلال أسابيع، إذا لم تنتهِ الحرب، فهناك خطر من نفاد المخزون".

ونقل يؤاف زيتون المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت قلق الأميركيين أنفسهم بشأن مخزوناتهم من الصواريخ الاعتراضية، فالإمدادات المُحوّلة إلى الحرب مع إيران والشرق الأوسط عمومًا تأتي على حساب تلك التي ستكون متاحة لواشنطن في حال نشوب صراع أوسع، ربما مع الصين.

وصرح ضابط أميركي عمل في الشرق الأوسط بقوله "نحن قلقون بشأن عدد الصواريخ المتبقية لمعركة متقدمة، ستبدأ صواريخ "إس إم-3″ (SM-3) بالنفاد بهذا المعدل، مما يُقلل من احتياطاتها للمعركة الحركية القادمة".

إعلان منجزات الحرب

ويكشف استطلاع للرأي -نشره معهد دراسات الأمن القومي في 17 يونيو/حزيران- تأييد نحو 73% من المشاركين بالاستطلاع الهجوم الإسرائيلي على إيران مقارنة بـ18% يعارضونه، إلا أن نحو 47% يرون أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك خطة لإنهاء الحملة ضد إيران مقارنة بنحو 41% يعتقدون أن لديها خطة.

ورغم المشاركة الأميركية، لا يزال الإسرائيليون يشككون في الحصول على المنجزات النهائية للحرب، والتي أعلن عنها نتنياهو وعلى رأسها إسقاط النظام الإيراني وتدمير البرنامج النووي.

ومما يزيد من مخاوفهم مشاهد الخسائر والدمار التي رآها في المواقع الحيوية والعسكرية بالمدن التي استهدفتها الهجمات الصاروخية الإيرانية، بعد نجاحها في تجاوز طبقات الدفاع الجوي الإسرائيلي.

ووفقًا للإعلان الإيراني، فقد استهدفت الهجمات مطار بن غوريون، ومركز الأبحاث البيولوجية، بالإضافة إلى قواعد الدعم والقيادة والسيطرة التابعة للجيش الإسرائيلي على مختلف المستويات.

وتعكس هذه المخاوف تغير في الرسائل التي ينقلها المستوى السياسي والأمني للجمهور الإسرائيلي من بداية العدوان بأنها ستكون أياما، وتحولت لأسبوع أو عدة أسابيع لتصبح -حسب بيان للجيش الإسرائيلي السبت- فترة طويلة مطالبا الجبهة الداخلية بالاستعداد.

وألقى رئيس الأركان إيال زامير كلمةً أمام الجمهور الإسرائيلي -الجمعة- مؤكدًا ضرورة "الاستعداد لحملة متواصلة" في إيران.

وشدد الدكتور ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز ديان في جامعة تل أبيب -في مقال في يديعوت أحرونوت- على ضرورة تجنب الأوهام التي لا تُعقّد الوضع فحسب، بل تُحيد أيضًا عن الأهداف الرئيسية للحرب، مثل الانشغال المتزايد بإسقاط النظام الإيراني، بينما يجب أن تبقى الأنظار مُنصبّة على القضية النووية.

ونشر معهد دراسات الأمن القومي "آي إن إس إس" (INSS) تحليلًا للخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور راز زيمت، أشار فيه إلى أن القيادة الإيرانية حققت عددًا من الإنجازات المؤكدة حتى الآن، ولخصها بالنقاط التالية:

لقد تضرر البرنامج النووي بالفعل، لكن الضرر ليس حرجا، خاصة طالما لم تتضرر منشأة التخصيب في فوردو. أشار إلى أنه لا يوجد في الوقت الحالي تهديد حقيقي ومباشر للاستقرار الداخلي للنظام، الذي لا يزال يُظهر تماسكًا وعزيمة وحيوية، بل ويصطف في وجه التهديد الخارجي ولا يُظهر معارضة للنظام، ويبدو أن موقف الجمهور متأثر إلى حد كبير بصور الدمار في الأحياء السكنية التي تضررت من الهجمات الإسرائيلية، مما يُسهم في الواقع في التماسك الداخلي وتعزيز الشعور بالتضامن الوطني. نجح النظام الإيراني في إلحاق بعض الضرر بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، وتستثمر الحكومة الإيرانية توثيق الأضرار في إسرائيل للتأكيد على الرواية العامة بشأن قدرتها على التعامل بنجاح مع إسرائيل بمرور الوقت وإلحاق أضرار جسيمة بها.

وشكك المختص في الشأن الإسرائيلي مأمون أبو عامر في قدرة إسرائيل والولايات المتحدة على إسقاط نظام الحكم في إيران بدون وجود قوات برية على الأراضي الإيرانية.

وقارن أبو عامر الحالة الإيرانية بغزو العراق من قبل أميركا وحلفائها عام 2003، وقال إن النظام الإيراني سيبقى متماسكا والمحاولات لاستهداف قدرات الحكم الإيراني واستغلال الأقليات الإثنية والقومية فشلت في الثورة ضد الحكومة لأن الهجوم الإسرائيلي عزز الوحدة الداخلية والشعور الوطني أمام التهديد الخارجي.

ويتفق معه مختار حداد (رئيس تحرير صحيفة الوفاق الإيرانية) من ضعف قدرة إسرائيل وأميركا على إسقاط النظام الإيراني، فالعدوان الإسرائيلي دفع جميع ألوان الطيف السياسي الإيراني للوقوف صفا واحدا وراء الحكومة، وأفشلت مخططات لإثارة القلاقل الداخلية، وتسببت الهجمات العدائية حالة كبيرة جدا من الوحدة الوطنية.

إعلان

القنبلة النووية

وحذر المعلقون الإسرائيليون من أن الحرب والمشاركة الأميركية لن تنهي البرنامج النوي الإيراني، بل قد تدفع طهران لبناء حالة من الردع عبر الإعلان عن امتلاك قنبلة نووية.

وقال باراك في صحيفة هآرتس "عام 2018، عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي، بتحريض إسرائيلي، كانت إيران على بُعد 18 شهرا تقريبا من القنبلة النووية. أما الآن، فهي في حالة حرجة. ضربنا منشآت مادية للبرنامج النووي لكننا لم ولن نؤجل قدرتها على امتلاك أسلحة نووية لأكثر من بضعة أسابيع. وهذا لأن لديهم مواد انشطارية تكفي لنحو 10 قنابل، ولديهم المعرفة اللازمة لبنائها، وقد بُني الجيل التالي من المنشآت بالفعل على عمق 800 متر، والحقيقة أنه حتى الأميركيون لا يستطيعون تأجيل وصول الإيرانيين إلى الأسلحة النووية لأكثر من بضعة أشهر".

في حين تساءل البروفيسور أساف ميداني: ماذا لو لم ننجح في القضاء على البرنامج النووي الإيراني؟ ماذا لو تجاوز الإيرانيون العتبة؟ ماذا لو امتلكوا أسلحة نووية -ليست نظرية وليست قيد التطوير- بل جاهزة للإطلاق؟ وإذا كان هذا هو الواقع بالفعل، فما احتمالات استغلالهم له؟ إنه سؤال يصعب طرحه بل وأصعب من ذلك الإجابة عنه.

وبين الدكتور راز زيمت بأن القيادة الإيرانية تسعى جاهدة للحفاظ على العديد من الإنجازات الرئيسية حتى بعد انتهاء الحرب، فبقاء النظام والرغبة في حمايته من التهديدات الداخلية والخارجية كان ولا يزال الهدف الأساسي لإيران، وينظر لبقاء البرنامج النووي على أنه "بوليصة تأمين" للحفاظ على وجود النظام، وبقاء الأصول الإستراتيجية الحيوية، بما في ذلك الصواريخ، والمعلومات الاستخباراتية، والقيادة والتحكم، بطريقة تُمكنها من مواجهة التحديات الأمنية المستقبلية.

ولا يعرف ما هي نقطة انطلاق نتنياهو، الذي قال في أحد تصريحاته بحسب برنيع "لقد أزلنا التهديد النووي الإيراني" وهذا التصريح لا أساس له من الصحة حتى الآن، بل على العكس، قد تستغل إيران الهجوم الإسرائيلي لكسر جدار الغموض رسميا والإعلان عن امتلاكها للقنبلة.

واستبعد رئيس تحرير صحيفة الوفاق نجاح الهجمات الإسرائيلية والأميركية على مقدرات إيران النووية في تدمير البرنامج النووي الذي يعتمد على قدرات الشباب الإيراني من علماء ومختصين، وقد فكرت طهران قبل الحرب في مواجهة هذه السيناريوهات ووضعت خطط طوارئ.

ولا يستبعد أبو عامر أن تلجأ إيران لخيار شمشوم (عليّ وعلى أعدائي) إذا وصلت لقناعة عدم مقدرتها على حماية شعبها ونظام حكمها ومقدراتها بسبب كثافة العدوان الأميركي الإسرائيلي حيث ستفتح النار على جميع الجبهات، وعلى إسرائيل وعلى المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات صحیفة یدیعوت أحرونوت البرنامج النووی النظام الإیرانی المحلل السیاسی الرد الإیرانی فی صحیفة فی إیران ولا فی

إقرأ أيضاً:

لبنان يرفض دعوة طهران.. هل هجمات إسرائيل على حزب الله مقدمة لهجوم جديد على إيران؟

وصلت التوترات بين طهران وبيروت إلى مستوى جديد، حيث رفض وزير الخارجية اللبناني دعوة إيرانية رسمية فيما تحاول إسرائيل إزالة تهديد حزب الله في الشمال من خلال توسيع هجماتها.

في يوم الأربعاء 10 ديسمبر (19 آذر 1404)، أعلن وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي أنه لم يقبل حتى الآن دعوة لزيارة طهران واقترح بدلاً من ذلك إجراء محادثات مع إيران في بلد ثالث محايد ومتفق عليه بشكل متبادل.

ووفقًا لوكالة الأنباء اللبنانية الرسمية، فقد أرجع رجي سبب القرار الى ما أسمّاها "الظروف الحالية"، دون إعطاء مزيد من التفاصيل، وشدد الوزيراللبناني على أن هذه الخطوة لا تعني رفض المحادثات مع إيران.

وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، وجّه الأسبوع الماضي دعوة لنظيره اللبناني لزيارة إيران في المستقبل القريب ومراجعة العلاقات الثنائية.

انضم إلى يورونيوز فارسي على فيسبوك

تبدو مسألة نزع سلاح «حزب الله» والهجمات الإسرائيلية الأخيرة على بيروت أبعد من مجرد قضية محلية بسيطة، وكما تصف مجلة «عرب ويكلي» الأسبوعية المطبوعة في لندن في مقالها يوم الأربعاء: «لقد أصبح لبنان في الواقع أرضًا محروقة حيث يتم تبادل الرسائل (والصواريخ) بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة».

حذّر وليد جنبلاط، السياسي اللبناني الدرزي، بنبرة صريحة مؤخرًا من أن بلاده يجب ألا تصبح «صندوق بريد» لإيصال الرسائل بين القوى الأجنبية.

ويبدو أن رسالة تل أبيب الأخيرة إلى حزب الله وطهران قد وصلت إلى حارة حريك معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت في 23 نوفمبر الماضي. فخلال الغارة الإسرائيلية، التي وافق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصيًا، تم تدمير قصف مبنى سكني وقُتل في الغارة قائد أركان الحزب هيثم علي طباطبائي.

وترى الدولة العبرية أنه بفضل غاراتها الجوية على إيران وإضعاف عدوها اللبناني، فإنها لم تعد مهتمة بإدارة تهديد «حزب الله»؛ بل إنها تنوي القضاء عليه. فقد سبق وخيّر نتنياهو حكومة نواف سلام والشعب اللبناني عامة العام الماضي بين أمريْن: إما "تحرير بلدكم من حزب الله" أو مواجهة "الدمار والمعاناة على غرار ما نراه في غزة" وفق تهديده.

حزب الله: أكثر من الخبز والماء للبنان

يعتقد فاضل إبراهيم، كاتب المقال، أن هذه التطورات قد غيّرت بشكل جذري نظرة إيران إلى حزب الله؛ وأنه "قبل هجمات حزيران/يونيو، كان حزب الله أداة لاستعراض القوة، ولكن الآن، ربما يُعتبر الدرع الأخير المتاح لضمان بقاء الجمهورية الإسلامية".

كما تفسّر هذا الرأي ملاحظات علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري المرشد الأعلى في إيران، الذي شدد في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر على أن "وجود حزب الله أكثر أهمية للبنان من الخبز".

وقد قوبلت هذه التصريحات برد فعل عنيف وصريح من الحكومة اللبنانية. وصف يوسف رجي، وزير الخارجية اللبناني، تصريحات ولايتي بأنها انتهاك واضح لسيادة بلاده، وكتب في رسالة على شبكة X موجهة إلى نظيره الإيراني، عباس عراقجي، أن "ما هو أكثر قيمة بالنسبة لنا من الماء والخبز هو سيادة وحرية واستقلال صنع القرار الداخلي لدينا".

كما ندد بانتقاد حاد بالشعارات الأيديولوجية والبرامج العابرة للحدود التي دمرت الأمة اللبنانية على حد قوله.

لم تعد الحكومة اللبنانية تنقل سخطها سراً، بل تعلن ذلك بصوت عالٍ للجميع. وشدد وزير الخارجية اللبناني آنذاك، في مقابلة مع شبكة الجزيرة العربية، على أن "حزب الله لا يمكنه تسليم أسلحته دون قرار من إيران"، وهو اعتراف واضح بحقيقة أن السيطرة على الحرب والسلام في لبنان لا تكمن في بيروت، بل في طهران.

إسرائيل توسّع نطاق حملاتها العسكرية في المنطقة بعد وقف إطلاق النار في غزة

في الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات الخطابية بين بيروت وطهران، تعمل إسرائيل، التي قلصت أنشطتها العسكرية خلال وقف إطلاق النار الهش في غزة، بنشاط على توسيع نطاق عملياتها إلى البلدان المجاورة.

بالإضافة إلى استهداف قادة حزب الله وعناصره، كثف الجيش الإسرائيلي أيضًا حملته في سوريا، مخلفًا عددًا كبيرًا من الضحايا من خلال شن هجوم برّي جريء في بلدة بيت جن.

كما أن الوضع الحالي في الميدان يزيد من تفاقم الأوضاع، خاصة وأن التقارير تشير إلى أن المبعوث الأمريكي توم باراك قد صرح في تحذيره الأخير لبغداد بأن إسرائيل لن تتردد في مهاجمة الأراضي العراقية إذا تدخلت الميليشيات المدعومة من إيران هناك لدعم حزب الله.

هل تعتبر الغارات على لبنان بروفة لـ "الجولة الثانية" من الهجمات ضد إيران

يبدو أن هذه الهجمات والتهديدات مقدمة لـ «جولة ثانية» من الهجمات ضد إيران. فقد حذر مدير وزارة الدفاع الإسرائيلية أمير بارام مؤخرًا في خطاب ألقاه في جامعة تل أبيب من أن "التراكم السريع للقوة" في إيران يعني أن "جميع الجبهات تظل مفتوحة".

بالنسبة لإسرائيل (وبالطبع لإيران)، فإن الجولة التالية من الحرب المباشرة هي حتمية يجب الاستعداد لها من الناحية التكنولوجية والعسكرية. عرب ویکلی

بالنسبة لإسرائيل (وبالطبع لإيران)، فإن الجولة التالية من الحرب المباشرة هي حتمية يجب الاستعداد لها من الناحية التكنولوجية والعسكرية.

كما تجاهل نتنياهو مؤخرًا أي غموض حول ترتيب العمليات هذا. ففي مقابلة أجريت معه مؤخرًا، قال مزهوّا إن حرب حزيران/يونيو قد أخرجت كبار العلماء النوويين في إيران والقيادة من الميدان" وأزالت التهديد المباشر المتمثل في "السلاح النووي". ومع ذلك، ومع الاعتراف بأن طهران ستعيد بناء برنامجها النووي مرة أخرى، أوضح المرحلة التشغيلية الحالية لإسرائيل بصراحة: "تركيزنا الآن على محور إيران... دعونا ننهي المهمة هناك".

والرسالة واضحة تمامًا: بمجرد وضع درع الوكيل جانبًا، سيتم إعادة فتح الطريق إلى طهران. فاضل ابراهیم أراب ويكلي

من وجهة نظر طهران، يبقى حزب الله الحليفَ الرئيسي والأقرب والأكثر قدرة على مواجهة الجبهة الشمالية لإسرائيل، كما أنه الركيزة الأساسية لـ "استراتيجية إيران الأمامية". ولهذا السبب، أصبح منع تدمير التنظيم أولوية قصوى لطهران حيث تنفق طهران موارد مالية ضخمة في محاولة لإعادة بناء قدرات الحزب.

ويقول مسؤولون في وزارة الخزانة الأمريكية إن إيران حولت حوالي مليار دولار إلى حزب الله في العام الماضي وحده.

ويدّعي مسؤولون في وزارة الخزانة الأمريكية إن إيران حولت حوالي مليار دولار إلى حزب الله في العام الماضي وحده. ويقال إن الأموال يتم تحويلها من خلال شبكة معقدة وغامضة من البورصات، مدعومة بمساعدة مجموعات من المسافرين الذين ينقلون النقود في حقائب للتحايل على النظام المصرفي الرسمي.

هذا التدفق المالي الحيوي يسمح لـ «حزب الله» بالاستمرار في دفع معاشات التقاعد لعائلات «شهدائه» وتجنيد قوات جديدة في وقت تنهار فيه الحكومة اللبنانية. لكن بالنسبة لإسرائيل، تعتبر عملية إعادة البناء هذه خطًا أحمر. من وجهة نظر تل أبيب، لا تهدف التفجيرات الحالية إلى القضاء على قادة «حزب الله» فحسب، بل هي محاولة لمنع المنظمة من تدمير بنيتها التحتية وأصولها المادية، التي تعيد إيران بناءها بتكلفة كبيرة.

لبنان، مبنى محترق بدون طريق للهروب

ومع تسارع المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، أصبح قادة لبنان، بما في ذلك الرئيس جوزاف عون وئيس الوزراء نواف سلام في وضع وكأنهما يديران مبنى محترقا دون مفرّ بحسب تعبير كاتب مقال آراب ويكلي.

وفي آب/أغسطس، صوّت مجلس الوزراء اللبناني، بشكل رمزي، على نزع سلاح التنظيمات غير الحكومية، لكن حزب الله تجاهل القرار إلى حد كبير، كما أن الجيش اللبناني غير قادر على التنفيذ دون المخاطرة ببدء حرب أهلية؛ وهي الحرب التي أقسم رئيس جمهورية عون على منعها.

ومع إعلان واشنطن أن مساعدتها المالية لبيروت ستكون مشروطة بنزع السلاح، وتأكيد سفيرها الجديد والعدائي، ميشيل عيسى، على ذلك أيضًا، لا يملك لبنان سوى هامش محدود للمناورة.

وبما أن تل أبيب وواشنطن تعتقدان أن حرب الـ 12 يومًا قد خلقت فرصة فريدة للقضاء نهائيا على الجمهورية الإسلامية والطرف الحليف المتمثل في "محور المقاومة"، فإن كلا من إسرائيل وأمريكا تضغطان على الحكومة اللبنانية للقيام بما لا يستطيع سلاح الجو الإسرائيلي إكماله من السماء.

يعتقد كاتب المقال في المجلة المذكورة أن موجة العنف في لبنان أصبحت مؤشرًا يُظهر زيادة احتمال نشوب حرب مباشرة ثانية بين إسرائيل وإيران.

كانت إسرائيل منفتحة على الاعتماد على قدرتها على تفكيك شبكة وكلاء إيران قبل أن تعيد طهران إحياء القدرة العسكرية لـ «حزب الله» قبل 7 أكتوبر.

كانت إسرائيل منفتحة على الاعتماد على قدرتها على تفكيك شبكة حلفاء إيران قبل أن تعيد طهران إحياء القدرة العسكرية لـ "حزب الله" قبل 7 أكتوبر.

وعلى النقيض من ذلك، اعتمدت طهران على المبدأ المعاكس؛ لكسب المزيد من الوقت من خلال عرقلة عملية نزع السلاح، وتعزيز القدرة القتالية لـ "حزب الله" وجرّ الدولة العبرية إلى المستنقع اللبناني بحيث تصبح دفاعات إسرائيل مهترئة للغاية بحيث تتمكن الجمهورية الإسلامية من استعادة قوتها.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • أنقرة: مهاجمة سفن تجارية بميناء أوكراني تؤكد مخاوفنا من توسع الحرب
  • مستشار ماكرون يحذر إسرائيل.. لبنان يحدد شروطاً لزيارة وزير الخارجية الإيراني!
  • وساطات متعددة والحسم عند المُحرّك الأميركي
  • هجوم نادر على إسرائيل بالكونغرس وحديث عن جريمة حرب في لبنان
  • «حزب الأمة» يدين قصف سوق كتيلا ويدعو لحماية المدنيين
  • الكونغرس:تجميد 50%من المساعدات الأمريكية للعراق إلا بعد حل الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي
  • الجيش الإيراني يزيح الستار عن منظومة الحرب الإلكترونية “صياد 4”
  • إسرائيل تستعد لسيناريو هجمات عبر أذرع إيران وجنوب سوريا
  • الاحتلال يعترف: إيران تستخدم أساليب حرب ضدنا دون إطلاق رصاصة واحدة
  • لبنان يرفض دعوة طهران.. هل هجمات إسرائيل على حزب الله مقدمة لهجوم جديد على إيران؟