طالبان تعيّن سفيرا في تركيا ومحللون يعتبرون الخطوة إنجازا محدودا
تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT
كابل- أعلنت وزارة الخارجية الأفغانية تعيين الشيخ صنیع الله فرهمند سفيرا فوق العادة ومفوضا وممثلا خاصا لدى الحكومة في تركيا، في خطوة اعتبرتها حركة طالبان "نجاحا دبلوماسيا" في بيئة دولية لم تعترف رسميا بعد بحكمها.
وخلال مراسم تقديم السفير في السفارة الأفغانية بالعاصمة التركية قال القائم بأعمال وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي إن "علاقاتنا مع تركيا وصلت إلى مرحلة يمكننا فيها تعيين سفير دبلوماسي يبدأ عمله هنا، أستطيع القول إن العلاقات بين تركيا وأفغانستان أصبحت طبيعية وعادية".
وبينما لم تصدر الحكومة التركية حتى الآن أي بيان رسمي بشأن قبول السفير المعيّن من قبل طالبان أكد متقي أن تركيا -إلى جانب العديد من دول المنطقة- تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين الأفغان، مشيرا إلى أن حكومته أوصت بعثاتها الدبلوماسية في الخارج بأن تكون "بيوتا مشتركة لجميع الأفغان دون أي شكل من أشكال التمييز".
وتوافقت تصريحات متقي مع ما يؤكد عليه قادة طالبان في الداخل، من دعوات لعودة ممثلي جميع القوميات والتيارات السياسية إلى أفغانستان دون خوف، في مسعى للرد على الانتقادات الموجهة إلى حكومة الأفغانية بشأن غياب التمثيل الشامل في سلطتها.
إنجازات دبلوماسيةلا يمتلك السفير الجديد المعيّن من قبل الحكومة الأفغانية خبرة دبلوماسية سابقة، إذ كان يرأس مجلس العلماء في ولاية قندوز شمال شرقي أفغانستان.
ومع ذلك، يُنظر إلى تعيينه -بوصفه أفغانيا من أصول تركية- على أنه اختيار رمزي قد يُستخدم من قبل طالبان للرد على الانتقادات المتعلقة بغياب التمثيل الشامل في حكومتها رغم أن الحركة كانت قد أعلنت سابقا أن تشكيل حكومتها لا يستند إلى مبدأ المحاصصة القومية أو العرقية.
ورغم ما تعيشه طالبان من عزلة دبلوماسية فإنها تعتبر هذا التعيين إنجازا مهما ضمن سياستها الخارجية، مشيرة إلى أن عددا من دول الجوار والمنطقة قبلت دبلوماسييها وسفراءها.
إعلانفقد تم قبول دبلوماسيين لطالبان في كل من قطر والإمارات العربية المتحدة وباكستان والصين وروسيا وإيران وأوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وماليزيا والنرويج وعدد من الدول الأخرى.
كما وافقت الهند على تسليم القنصلية الأفغانية في مومباي إلى ممثلي الحكومة، وهو ما اعتبرته طالبان من التطورات اللافتة وتقدما مهما رغم أن نيودلهي لم تعترف رسميا بسفراء أو دبلوماسيي طالبان.
ومطلع العام الحالي، بدأ عبد الرحمن فدا عمله سفيرا لطالبان في العاصمة السعودية الرياض، لكن السلطات السعودية لم تصدر أي بيان رسمي بشأن هذه الخطوة، كما لم تعلن موقفا واضحا من علاقاتها مع حكومة طالبان.
بالمقابل، أعادت السعودية فتح سفارتها في كابل بعد تأخير طويل، وعيّنت فيصل بن طلق البقمي سفيرا لها في أفغانستان، بعد أن كانت تدير شؤونها الدبلوماسية عبر سفارتها في باكستان.
بالنسبة لحكومة لم تحظَ باعتراف رسمي منذ نحو 4 سنوات حتى من جيرانها القريبين فإن انفتاح دولة بموقع تركيا السياسي والدبلوماسي يمنح طالبان نافذة يمكن من خلالها إيصال صوتها إلى المجتمع الدولي، وهو ما لا يمكن تحقيقه بالدرجة نفسها مع دول مثل الصين وروسيا وإيران.
وقد سبق لوزير خارجية حكومة طالبان بالوكالة أمير خان متقي أن ألقى كلمة خلال اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول في 22 يونيو/حزيران الحالي كرر فيها الرسالة التي ما فتئت طالبان تحاول إيصالها، ومفادها أن العقوبات التي يفرضها المجتمع الدولي قد أضرت بالاقتصاد الأفغاني.
وقال متقي في كلمته "تواجه بلادنا عقوبات اقتصادية غير مشروعة فرضتها بعض الدول الغربية"، مذكرا بأن الولايات المتحدة وبعد 20 عاما من الحرب في أفغانستان جمدت الأصول الوطنية للشعب الأفغاني، مما أدى إلى عرقلة التقدم الاقتصادي الطبيعي في البلاد.
وتابع مناشدا أعضاء المنظمة "أجدد دعوتي لمنظمة التعاون الإسلامي والدول الأعضاء بأن يتم الإفراج عن أصول البنك المركزي الأفغاني دون تأخير، وأرجو منكم انطلاقا من مسؤوليتكم الإنسانية والإسلامية أن تستخدموا كامل نفوذكم من أجل رفع القيود الاقتصادية والسياسية المفروضة على الإمارة الإسلامية".
وعلى هامش الاجتماع، عقد متقي لقاءات مع عدد من وزراء خارجية الدول المشاركة، من بينها سوريا وباكستان وأوزبكستان ودول أخرى.
فائدة محدودةبدوره، يرى المحلل السياسي أحمد سعيدي أن تعيين طالبان سفيرا لها في تركيا "لا يعني بالضرورة تطورا حقيقيا بالاعتراف الدولي بالحركة"، معتبرا أن "تركيا لم تصدر بيانا رسميا حتى الآن، مما يشير إلى أن الأمر أقرب إلى قبول أمر واقع دبلوماسي وليس اعترافا سياسيا".
ويضيف سعيدي في حديثه للجزيرة نت أن "طالبان تحاول من خلال هذه التعيينات إرسال رسائل بأنها أصبحت جهة مسؤولة وقادرة على إدارة العلاقات الدولية، لكن معظم الدول لا تزال تتعامل معها في إطار ضيق يرتبط بإدارة الشأن القنصلي أو الملفات الإنسانية، وليس من منطلق الاعتراف الكامل".
إعلانوفي تقييمه لرمزية التعيين، يقول سعيدي إن "اختيار شخصية من الأتراك الأفغان سفيرا في أنقرة يحمل بعدا داخليا أكثر منه خارجيا، وهو محاولة لطمأنة بعض المكونات العرقية في البلاد بأن الحركة تمثل الجميع رغم الانتقادات المستمرة لها بشأن غياب التعددية السياسية والقومية داخل السلطة الحالية".
كما يرى أن تركيا -ورغم أنها تحتفظ بعلاقات مفتوحة مع طالبان- فإنها تستضيف على أراضيها شخصيات معارضة لها "ولا يبدو أنها مستعدة في الوقت الراهن للذهاب أبعد من إدارة اتصالات محدودة مع الحركة ضمن الحسابات الإقليمية والدينية"، حسب قوله.
انفتاح مشروطمن جهته، يرى الدبلوماسي الأفغاني السابق عمر صمد أن قرار طالبان تعيين سفير في تركيا يعد "خطوة مدروسة ضمن سياسة انفتاح تدريجي، لكنها لا تعكس تغيرا جذريا في المواقف الدولية تجاه الحركة".
وأضاف صمد -الذي شغل منصب سفير أفغانستان في إحدى الدول الأوروبية قبل عام 2021- في حديثه للجزيرة نت أن "الحركة تسعى لإظهار نفسها كطرف دولي قادر على إبرام اتفاقات دبلوماسية، لكن عليها أولا معالجة ملف حقوق الإنسان -ولا سيما حقوق المرأة- للحصول على اعتراف حقيقي".
واعتبر صمد أن "الرهانات الدبلوماسية لطالبان تظل محكومة بالحاجة إلى تقوية علاقاتها مع دول المنطقة أولا، حيث لا تزال معظم الحكومات الغربية متحفظة على التعامل معها بشكل رسمي، وهو ما يظهر في غياب الاعتراف الكامل وتركز الحوار معها على الملفات الإنسانية والقنصلية فقط".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت تكشف تفاصيل اجتماع علماء دين أفغان وعلاقته بباكستان
كابل- أثار الاجتماع الواسع الذي عقده علماء دين أفغان في العاصمة كابل، أمس الأربعاء، وخرج بقرار يمنع الأفغان من "ممارسة أي نشاط عسكري خارج البلاد"، جدلا واسعا نظرا لتزامنه مع توتر متصاعد مع إسلام آباد، واتهامات متبادلة بشأن نشاط حركة طالبان باكستان في المناطق القبلية الموازية لأفغانستان.
واعتبر مراقبون أن القرارات تبدو موجّهة بشكل مباشر نحو هذه الحركة وحكومتها، في حين تقول الحكومة الأفغانية إنها تهدف إلى "تنظيم الخطاب الديني وحماية أمن البلاد".
وشارك في الاجتماع أكثر من ألف عالم دين من مختلف الولايات، بحضور رئيس الوزراء الملا محمد حسن آخوند ورئيس المحكمة العليا الشيخ عبد الحكيم حقاني، ووزير الأمر بالمعروف محمد خالد حنفي، إضافة إلى كبار مسؤولي الحكومة.
علماء أفغانستان يعلنون:
النظام القائم في البلاد إسلامي وشرعي، والدفاع عنه واجب ديني، ولا نشاط عسكري خارج حدود الدولة بتوجيهات القيادة. pic.twitter.com/8HMPLiqtC3
— عمران الأفغاني (@afghan_37) December 11, 2025
هدف الاجتماعوأفاد مصدر حكومي رفيع المستوى -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت بأن "هدف الاجتماع كان توحيد الموقف الشرعي تجاه النشاط المسلح خارج أفغانستان، وقطع الطريق أمام الأطراف التي تستغل الحدود أو الهوية الأفغانية في صراعات خارجية".
وأضاف أن "الرسالة لم تكن موجّهة إلى طالبان باكستان وحدها، بل إلى إسلام آباد أيضا، بأن كابل تتعامل بجدية مع مسألة استخدام الأراضي الأفغانية، وأنها ملزمة بتنفيذ اتفاق الدوحة كاملا".
ووفق نص القرار الذي اطلعت الجزيرة نت على نسخة منه، أكد العلماء ما يلي:
التزام حركة طالبان بما ورد في اتفاق الدوحة خاصة بند عدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد دول أخرى. تحذير أي شخص أو جهة من استخدام الأراضي الأفغانية لاستهداف أي دولة، والتشديد على أن الحكومة مسؤولة عن تنفيذ هذا الالتزام. اعتبار المخالفين لهذا القرار فئة متمردة يحق للحكومة اتخاذ إجراءات حاسمة ضدها. التأكيد على أن الأمير الشرعي لا يسمح بأي نشاط مسلح خارج الحدود الأفغانية. اعتبار أي نشاط مسلح خارج البلاد عملا غير جائز شرعا، وإعطاء الحكومة حق اتخاذ خطوات تمنعه. إعلانورغم عمومية الصياغة، يرى أغلب المراقبين أن الرسالة واضحة وهي وقف انخراط الأفغان في صفوف حركة طالبان باكستان.
من جانبه، قال الباحث في شؤون الجماعات المسلحة عبد الكريم حبيب للجزيرة نت إن القرار بمنزلة إعلان ديني رسمي يفصل بين طالبان الأفغانية والباكستانية، ويجعل أي قتال ضد الدولة الباكستانية خارج مظلة الشرعية في كابل، وإنه يؤكد بشكل ضمني أن الجهاد أصبح مرتبطا بالدفاع عن الداخل لا الهجوم الخارجي، وهو ما يضع طالبان باكستان في زاوية ضيقة، لأنها تعتمد على سردية "الجهاد ضد دولتها.
وأوضح "هذا تطور مهم لأن هذه الحركة لطالما استخدمت الخطاب الديني الأفغاني كمرجعية. الآن، تحاول الحكومة الأفغانية قطع هذا الرابط".
رسالة طمأنةويوافقه الرأي أحد المشاركين في الاجتماع -رفض الكشف عن اسمه- وأوضح للجزيرة نت أن الهدف هو منع الشباب الأفغان من الالتحاق بالجبهات داخل إسلام آباد خصوصا بعد تزايد الضغط الباكستاني، وترسيم الحدود الجهادية والسياسية، ونزع الشرعية الدينية عن من يقوم بنشاط مسلح خارج أفغانستان، و"من يفكر في الهجوم على كابل فيتحمل مسؤوليته وحينئذ يجب الدفاع عنها".
في المقابل، يرى محللون أن القرار يوجّه رسائل "طمأنة" إلى إسلام آباد.
وقال الباحث الباكستاني محمد إسحاق خان للجزيرة نت إن بلاده تنظر إلى الاجتماع باعتباره خطوة تأخرت كثيرا، لكنها موضع ترحيب. والمشكلة ليست في البيانات، بل في التنفيذ على الأرض. وأشار إلى أن إسلام آباد تريد من كابل خطوات عملية تحد من حركة طالبان باكستان داخل أفغانستان، خصوصا في المناطق الجبلية القريبة من الحدود.
وشهدت الأشهر الماضية غارات باكستانية داخل الأراضي الأفغانية، قالت إسلام آباد إنها استهدفت عناصر طالبان باكستان، وقد نفت كابل وجود مقاتلي هذه الحركة على أراضيها، وأثارت الغارات غضب الحكومة الأفغانية التي وصفتها بأنها انتهاك للسيادة.
Voir cette publication sur InstagramUne publication partagée par أفغانستان بالعربي (@afghanarabc)
ويرى الخبير الأفغاني نور الدين جلال -في تصريحه للجزيرة نت- أن الاجتماع جاء في سياق محاولة لتفادي التصعيد، وإظهار استعداد كابل لتحمل مسؤولياتها بما لا يجرها إلى صدام مباشر مع طالبان باكستان أو مع إسلام آباد نفسها، وأضاف "طالبان أفغانستان تحاول الموازنة بين علاقتها التاريخية بطالبان باكستان وبين الضغوط الإقليمية والدولية".
يربط محللون توقيت الاجتماع بـ3 عوامل أساسية:
تصاعد الهجمات داخل باكستان: شهدت الأشهر الماضية زيادة في عمليات طالبان باكستان ضد الشرطة والجيش، وهو ما عزز الضغط على كابل. تعثر المفاوضات الثنائية: 4 جولات من الحوار بين كابل وإسلام آباد في الدوحة وإسطنبول والرياض لم تفضِ إلى حلول. الرغبة في ضبط المرجعية الدينية داخل أفغانستان: كابل تخشى من أن يتحول خطاب ديني موازٍ إلى منصة لتجنيد الشباب نحو القتال خارج الحدود. تنفيذ صعبورغم قوة الرسائل، يبقى السؤال الأكثر تداولا، هل تستطيع الحكومة الأفغانية تنفيذ هذه القرارات؟.
يجيب الباحث ضياء الله نوري أن تنفيذ القرار صعب لأن طالبان باكستان تتحرك عبر قبائل حدودية معقدة الروابط، وليست وليدة اليوم، بل تأسست عام 2007، وكابل ليست ملزمة بالسيطرة عليها لأنها نشطة في الأراضي الباكستانية، وضبط الحدود عملية شاقة جدا، و"ضمان عدم دخول مقاتلي هذه الحركة أو تنظيم الدولة الإسلامية للأراضي الأفغانية، يحتاج إلى تنسيق بين البلدين".
إعلانلكنه يعتقد -في حديثه للجزيرة نت- أن الاجتماع يوفر غطاء سياسيا ودينيا لكابل في حال قررت اتخاذ إجراءات محدودة ضد الحركة.
من جهته، أكد الباحث والكاتب الأفغاني محمد شهاب في تصريحه للجزيرة نت أن حركة طالبان أفغانستان تعمل وفق إستراتيجية تهدئة الأجواء مع إسلام آباد دون خسارة عمقها الشعبي داخل باكستان.
يشير اجتماع العلماء في كابل إلى تحول مهم في الخطاب الديني والسياسي للحكومة الأفغانية، ويتزامن مع لحظة شديدة التعقيد على الحدود مع باكستان. وفي حين يشكل القرار رسالة قوية لكل من طالبان باكستان وإسلام آباد، فإن نجاحه يعتمد على قدرة الحكومة على تطبيقه، وعلى استعداد إسلام آباد للتعامل مع هذا التحول بوصفه خطوة نحو التهدئة لا مجرد مناورة شكلية.
وفي منطقة تُعد من أكثر الحدود اضطرابا في جنوب آسيا، يبقى مصير العلاقات بين البلدين مرهونا بترجمة هذه الرسائل من الورق إلى الميدان.