أرقام صادمة لعدد سكان العاصمة بغداد.. هل أصبحت تحت ضغط الانفجار السكاني؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
السومرية نيوز – محليات
قدرت وزارة التخطيط عدد سكان مدينة بغداد بتسعة ملايين نسمة خلال العام الحالي 2023، وهو الرقم الذي يمثل وفقاً للعديد من المراقبين "تضخماً" سكانياً هائلاً أدى إلى حدوث قصور في الخدمات الأساسية، لاسيما الصحية والتعليمية، رافقها غياب تام للتخطيط الستراتيجي الذي يمكن أن يضمن مواجهة هذا التوسع البشري، الذي تسبب أيضاً بحسب مختصين بالشأن الاقتصادي بتضخم سعري في الوحدات السكينة والسلع والمواد، وادى إلى حصول تلوث بيئي واختناق مروري.
وعلى الرغم من الآثار التي يمكن أن يخلِّفها التضخم البشري في المدن، بيد أن ذلك الأمر يمثل وفقاً لمختصين بالشأن الاقتصادي، نقطة جذب كبيرة لمختلف الشركات المحلية والدولية الهادفة للاستثمار في بغداد نتيجة توفر ضمانات نجاح المشاريع، لاسيما السكنية، التي يؤكد مراقبون ضرورة أن تبنى خارج الإطار الحدودي للعاصمة بهدف امتصاص الزخم.
وكان مستشار صندوق الأمم المتحدة للسكان مهدي العلاق، قد أفاد بأنَّ نسبة النموّ السكاني في العراق انخفضت إلى 2.5 بالمئة، بعد أن كانت أكثر من 3 بالمئة قبل نحو خمس سنوات، لافتاً إلى أن "العراق لا يشهد انفجاراً سكانياً".
الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أكد، بلوغ عدد سكان مدينة بغداد تسعة ملايين نسمة للعام الحالي 2023 بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، مبيناً أن ذلك التوسع البشري تقابله "مخططات تتولى وزارة الإعمار وأمانة بغداد وضعها"، بحسب الصحيفة الرسمية.
ونتيجة لذلك التوسع البشري وما رافقه من نتائج اقتصادية وبيئية، يرى الخبير الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أن "العاصمة لم تشهد تخطيطاً عمرانياً منذ قرابة 50 عاماً، وكذلك غابت عنها التحديثات التي تتلاءم مع الواقع السكاني، لاسيما مشاريع تطوير خطوط النقل والتقاطعات".
كما أشار التميمي، إلى أن "التضخم السكاني قد لا يكون مشكلة، فبعض المدن تستقطب أعداداً هائلة وكبيرة، لكن حينما تصل إلى حد قدرة المدينة على الاستيعاب، حينها سيتأثر السكان بشكل عام بالعديد من العوامل، لاسيما البيئية والصحية والاجتماعية، فضلاً عن حصول تضخم سعري وانخفاض كبير بقدرة المدينة على تحقيق الرفاهية الاجتماعية، وكذلك الضغط على البنى التحتية التي ستتأثر سلباً بهذا الانفجار السكاني".
ولفت التميمي، إلى أن العديد من المدن التي تشهد تضخماً سكانياً هائلاً، تتوسع عمرانياً بما يوازي حجم الزيادة البشرية الحاصلة، وهذ أحد الحلول لمواجهة التضخم السكاني، غير أن مشكلة بغداد على وجه الخصوص، تعد من المدن التي لم تشهد توسعاً عمرانياً منذ سنوات طويلة بسبب العديد من الظروف التي مرت على البلاد.
وبموازاة ذلك، يرى المتحدث، أن لمدينة بغداد إيجابية نتيجة زيادة عدد سكانها، حيث تعد منطقة جاذبة للعديد من الشركات والمستثمرين وأن نجاح المشاريع الكبيرة والصغيرة يكون مضموناً جرَّاء الزخم السكاني، لذا فإنها تمثل مدينة مهمة من وجهة النظر الاستثمارية المحلية والدولية بسبب القابلية الاستهلاكية، رغم اصطدامها بعامل الخدمات وغياب المشاريع الستراتيجية الكبرى للتوسع خارج إطار المدينة للتقليل من الزخم ولتخفيف العبء على الخدمات المقدمة، وفقا للصحيفة.
وخلال العامين الماضيين، توقعت تقارير حكومية ارتفاع إجمالي عدد سكان العراق إلى 50 مليوناً بحلول عام 2030، في ظل تقديرات بزيادة سنوية تتراوح بين 850 ألفاً ومليون نسمة، بنسبة نمو سنوية تبلغ 2.6 في المائة، مع احتمال أن يرتفع العدد إلى 80 مليوناً بحلول العام 2050. ويواجه العراق منذ عام 2003 عدة أزمات خانقة، أبرزها السكن والبطالة، في ظل تحذيرات من استمرار اعتماد الحكومات المتعاقبة على النفط كمورد رئيسي للبلاد، وبنسبة تتجاوز 96 في المائة من الواردات الوطنية السنوية.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: عدد سکان
إقرأ أيضاً:
الرابحون والخاسرون من إلغاء تركيا اتفاقية تصدير نفط العراق
بغداد – أعلنت تركيا الأسبوع الماضي، إلغاء العمل باتفاقية عام 1973 المبرمة مع العراق لتصدير النفط العراقي عبر خط أنابيب كركوك-جيهان، وفق مرسوم رئاسي يسري مفعوله في يوليو/تموز 2026.
كانت الاتفاقية قد وقعت بين الجانبين في أغسطس/آب 1973 وتقضي بنقل النفط العراقي من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي وتصديره عبر البحر الأبيض المتوسط مع إمكانية إلغاء أحد الطرفين للاتفاقية وإبلاغ الطرف الآخر بذلك قبل عام من بدء سريان الإلغاء.
يشير مراقبون إلى أن إلغاء تركيا للاتفاقية من جانب واحد، جاء بعد سلسلة من التطورات بين الجانبين وحسم العراق دعوى قضائية من محكمة التحكيم الدولية بباريس في 2023 وتغريم تركيا قرابة 1.5 مليار دولار نظرا لاستخدام أنقرة هذا الخط في تصدير نفط إقليم كردستان العراق من دون موافقة بغداد.
يثير القرار التركي جملة من التساؤلات عن تأثيره سياسيا واقتصاديا، فضلا عن معادلة الربح والخسارة، بالنسبة لغداد وأربيل وأنقرة.
معادلة الربح والخسارةيقول أستاذ العلوم السياسية، الدكتور علي أغوان، إن خط أنابيب كركوك-جيهان كان يصدر عبره النفط العراقي من كركوك بمعدل 75 إلى 100 ألف برميل يوميا، إلا أنه وفي عام 2013 اتفقت أنقرة مع إقليم كردستان العراق على تصدير قرابة 450 ألف برميل من حقول الإقليم دون موافقة بغداد، واستمر هذا الوضع حتى عام 2023 عندما تمكن العراق من الحصول على قرار من محكمة التحكيم الدولية بغرامة تركيا 1.5 مليار دولار وإيقاف تصدير نفط الإقليم عبر هذا الخط.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أغوان، أن تركيا كانت تحصل على قرابة 16 دولارا رسوم مرور على كل برميل من نفط إقليم كردستان عبر أراضيها، بينما تتقاضى ما بين 90 سنتا إلى 1.5 دولار عن كل برميل نفط عراقي تصدره شركة سومو النفطية العراقية، ما أدى إلى أن تتحرك تركيا نحو إلغاء الاتفاقية لتحقيق منافع اقتصادية أكبر.
وعن حسابات الربح والخسارة، يرى أغوان، أن بغداد ستتكبد خسائر بالغة، معللا ذلك بأن أنقرة تريد إعادة بناء علاقتها النفطية مع العراق خارج اتفاق عام 1973 وضمن معطيات تفاوضية مختلفة للبيئة الإقليمية والدولية الجديدة، وضمن أوراق ضغط كبيرة أصبحت تمتلكها، ومنها ورقة المياه، فضلاً عن تراجع ورقة حزب العمال الكردستاني في العراق، وفق قوله.
إعلانوتابع إن تركيا ومن قرارها تطمح كذلك للتخلص من أي تبعات قانونية وقضائية لاحقة قد تفرض عليها لوجود اتفاقية عام 1973، كما تسعى لإقناع بغداد بإسقاط حكم التعويض البالغ 1.5 مليار دولار كجزء من صفقة شاملة، فضلا عن إدراك الأتراك، أن العراق لم ينجح، حتى الآن، في بناء مسار نفطي بديل عبر سوريا الجديدة نحو البحر المتوسط، الأمر الذي يمنحها ميزة جيوغرافية حصرية تعزز من قدرتها على فرض شروط تصدير جديدة للنفط العراقي.
تركيا توظف هذا الملف ضمن سيناريوهات إغلاق مضيق هرمز أو اضطراب خطوط تصدير النفط عبر الخليج العربي، كما حدث خلال الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، ما يمنح ميناء جيهان التركي دوراً وظيفياً مضاعفاً في أمن الطاقة العراقية، وفق أغوان.
في السياق، يؤكد النائب في البرلمان العراقي زهير الفتلاوي، أن ثمة تداعيات كبيرة وخطِرة على العراق من القرار التركي، مبينا أن العراق يعتمد في 90% من موازنته على إيرادات النفط، وأن تصدير النفط العراقي ونفط إقليم كردستان سيتضرر بالقرار التركي.
وفي حديثه لوسائل إعلام محلية، قال الفتلاوي، إنه من غير المعقول أن تلتزم الحكومة العراقية الصمت بعد هذا القرار التركي الذي سيتضرر بسببه الاقتصاد العراقي من دون أن يكون لها أي موقف واضح أو رد فعل، وفق قوله.
وامتنع المتحدث باسم الحكومة العراقية عن الحديث عن مآلات القرار التركي رغم محاولات مراسل الجزيرة نت، الحصول على تصريح حكومي رسمي، في حين قالت وزارة النفط العراقية، إنها تفاوضت مع الجانب التركي منذ يوليو/تموز 2024 لتمديد الاتفاقية من دون جدوى.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) عن مصدر رسمي في وزارة النفط العراقية، أن وزارة الطاقة التركية بعثت برسالة إلى وزارة النفط أبدت فيها رغبتها في تجديد الاتفاقية مع مسودة جديدة للتعاون في مجال النفط والغاز والصناعات البتروكيميائية والكهرباء بغية توسيع آفاق التعاون بين البلدين.
وحسب وكالة الأناضول التركية، فإن أنقرة بدأت فعليًا مفاوضات تقنية وسياسية مع بغداد لصياغة اتفاقية جديدة، تهدف إلى توسيع نطاق التعاون في نقل النفط الخام من العراق إلى تركيا، ومنها إلى الأسواق العالمية، مع التركيز على مشاريع إستراتيجية طويلة الأمد.
ولفتت الوكالة إلى أن التحولات الإقليمية وتغيرات سوق الطاقة فرضت تحديات جديدة على الاتفاقية الملغاة، مما استوجب تطوير إطار تعاقدي وتجاري وهيكلي جديد يلائم الواقع الراهن للطاقة في المنطقة.
في غضون ذلك، يقول الخبير النفطي والمتحدث السابق باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد، إنه كان يفترض على الحكومة العراقية التفاوض مع تركيا مبكرا لأجل تمديد الاتفاقية وتعديل بعض بنودها.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح جهاد أنه كان يمكن للعراق تمديد الاتفاقية 5 أو 10 سنوات أخرى وبعدها يمكن إلغاء الاتفاقية تزامنا مع اكتمال مشاريع طريق التنمية التي تضم خطوطا لتصدير النفط العراقي إلى أوروبا عبر تركيا، وفق قوله.
الخاسر الأكبرعلى الجانب الآخر، يرى استاذ الاقتصاد بالجامعة العراقية ببغداد الدكتور عبد الرحمن المشهداني أنه لا يمكن الجزم، حتى الآن، بربح أو خسارة بغداد وأنقرة بعد إلغاء الاتفاقية، مبينا أن هناك كثيرا من التداخلات في الاتفاقية بين الجانبين، خاصة بعد الغرامة التي تكبدتها تركيا من قرار محكمة باريس.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، أشار المشهداني إلى أن المتضرر الأكبر هو إقليم كردستان، إذ إن تركيا وبعد قرار محكمة باريس لم تصدر أي نفط من الإقليم عبر ميناء جيهان، وهو ما يعد ورقة ضغط على الإقليم، لا سيما بعد الخلافات الكبيرة بين بغداد وأربيل عن تصدير النفط من دون موافقة بغداد وامتناع الأخيرة عن صرف رواتب موظفي الإقليم ما لم تسلم أربيل واردات تصدير نفطه.
وحمّل المشهداني بغداد مسؤولية إلغاء الاتفاقية وعدم التحرك المسبق، موضحا أن رسوم مرور النفط العراقي تعد ضئيلة بالنسبة لتركيا مقارنة مع ما كانت تتقاضاه أنقرة من أجور لتصدير نفط إقليم كردستان العراق، وهو ما يعني أن الجانبين سيمضيان في اتفاقية جديدة تضمن لتركيا رفع رسوم مرور النفط عبر أراضيها.
وبالعودة إلى علي أغوان، فإنه يؤكد أن المستهدف الأول من إلغاء الاتفاقية هو إقليم كردستان العراق، لا سيما أن الإقليم كان يصدر ما بين 450 إلى 550 ألف برميل يومياً عبر تركيا قبل قرار محكمة باريس.
ويقول: "تريد تركيا اتفاقاً جديداً يمنحها خصوصية في التعامل المباشر مع الإقليم من دون العودة لبغداد، مستندة إلى استثمارات نفطية تركية واسعة تجاوزت 40 شركة بين إنتاج ونقل وتكرير وتسويق".
الوضع التركيفي خضم الحديث عن ميزان الربح والخسارة، يرى عبد الرحمن المشهداني، أن تركيا ستتضرر كذلك من إلغاء الاتفاقية، لا سيما أنها كانت مستفيدة من مرور النفط العراقي سواء من رسوم المرور أو من استخدام النفط العراقي محليا في المصافي التركية.
أما على الجانب التركي، فيرى الباحث السياسي التركي يوسف أوغلو، أن إلغاء الاتفاقية جاء لعدة أسباب، أهمها تغير الظروف الإقليمية والدولية وسعي أنقرة لتطوير التعاون المشترك مع بغداد وتذليل العقبات السابقة وإبرام اتفاق جديد بآليات مرنة لتجاوز أي خلافات مستقبلة بين البلدين.
وفي حديثه للجزيرة نت، بيّن أوغلو أن ثمة مباحثات جارية بين بغداد وأنقرة لإبرام اتفاقية جديدة خلال الأشهر القادمة مع استمرار تدفق النفط العراقي إلى ميناء جيهان التركي لمدة عام كامل من تاريخ إلغاء الاتفاقية القديمة، وأن كلا البلدين لديهما مصلحة في تجديد الاتفاق وفق رؤية جديدة.
ويرى أوغلو أن من أسباب إلغاء الاتفاقية كذلك عدم وجود تنسيق عراقي داخلي لتصدير النفط من إقليم كردستان ما تسبب في خلافات بين بغداد وأربيل عن آلية وقانونية تصدير نفط الإقليم بعيدا عن سيطرة بغداد وموافقتها.
وقال إن تركيا لديها مصلحة في إبرام اتفاقية جديدة تضمن تعاونا فعالا في مجال نقل النفط وفق معادلة اقتصادية جديدة بعد التطورات الدولية والجيوسياسية القائمة بغية حصول أنقرة على أعلى مكاسب اقتصادية ومصالح إستراتيجية تخدم كلا البلدين، وفق قوله.