بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران برعاية أميركية، تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها من جديد أمام مفترق إستراتيجي مألوف، في وقت تتعثر فيه أهدافها من الحرب على غزة الرئيسية المتمثلة في تدمير قدرات حركة حماس العسكرية والحكومية وإطلاق سراح جميع المحتجزين لديها، رغم "الإنجازات العسكرية على الأرض" وفق ضابط الاستخبارات الإسرائيلية السابق مايكل ميلشتاين.

وفي مقال نشره اليوم الاثنين بصحيفة يديعوت أحرنوت، قال ميلشتاين، وهو أيضا رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، إن حماس ما تزال متماسكة وتسيطر على غزة رغم العمليات العسكرية.

وحذر ميلشتاين من أن استمرار الحرب يبدد تركيز إسرائيل على التهديد الإيراني، ويعرقل فرص التطبيع مع الدول العربية، وفق قوله.

لا بديل لحماس

ويستهل الكاتب مقاله بالقول إن "إسرائيل قامت بجولة كبيرة لتكتشف أنها تواجه نفس المفترق الإستراتيجي الذي وقفت أمامه قبل أكثر من عام، والذي يتضمن بديلين سيئين: احتلال قطاع غزة بأكمله، وترتيب بثمن مؤلم لإنهاء الحرب والانسحاب من قطاع غزة".

ويشدد ميلشتاين على أن معضلة إسرائيل لا تزال كما هي رغم مرور 3 أشهر على استئناف الحرب على غزة.

ويقول إنه رغم اغتيال الجيش الإسرائيلي عددا من قيادات حماس وسيطرته على معظم أراضي القطاع، فإن حماس "لا تزال مهيمنة على الأرض، وقادرة على خوض القتال والسيطرة على المجال العام".

ويلفت إلى أن الضغط العسكري والسياسي المتواصل لم يؤد حتى الآن إلى تليين مواقف حماس حيال ملف المحتجزين، باستثناء إطلاق الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية والذي كان لفتة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وليس لإسرائيل، مشيراً إلى أن المشاريع التي يجري الترويج لها لإدارة القطاع، مثل آلية توزيع المساعدات أو تسليح المليشيات، تتراوح بين "التعثر والفشل".

إعلان

كما ينتقد الضابط السابق ما يصفه بالأوهام التي تتسلل إلى الخطاب الإسرائيلي حول غزة، وأبرزها الاعتقاد بإمكان القضاء على حماس خلال بضعة أشهر، دون إيضاح تبعات احتلال القطاع كاملاً. ويحذر من أن "دوافع احتلال غزة بأكملها في الغالب أيديولوجية، تحت ستار الحجج الإستراتيجية".

أما الأكثر خطورة -حسب رأيه- فهو الإيمان بتنفيذ خطة ترامب لإفراغ قطاع غزة من الفلسطينيين، مشيراً إلى أنه "لا دولة في العالم توافق على الفكرة أو ترغب في التعاون معها".

التداعيات المتوقعة

ويربط ميلشتاين استمرار الحرب في غزة بتداعيات إستراتيجية أوسع، خاصة في مواجهة إيران. ويشير إلى أن عملية "الأسد الصاعد" التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني وألحقت به أضراراً جسيمة، كانت مجرد "جولة أولى في حملة مطولة" إذ من المتوقع أن تسعى إيران لإعادة تأهيل مشروعها النووي ونظامها الصاروخي، فضلاً عن شبكة "حلقة النار" الإقليمية التي تطورها، بحسب وصفه.

ولذلك فهو يحذر من أن الحرب الممتدة في غزة "تؤدي إلى تحويل الانتباه والجهد بعيدا عن إيران، وتسبب أضراراً إستراتيجية مثل استنزاف الجيش، خصوصاً قوات الاحتياط، وتصاعد النزاعات الداخلية، والانتقادات الدولية القاسية.

وفي السياق ذاته، يرى الضابط السابق أن إنهاء الحرب في غزة ضروري "لتحقيق الفرصة الإستراتيجية التي فتحت في الشرق الأوسط مع انتهاء الصراع مع إيران" مع التركيز على إمكانية تعزيز التطبيع مع الدول العربية.

لكنه في الوقت ذاته يحذر من أن استمرار الحرب، خصوصا مع ضم أراضٍ أو تجديد المستوطنات في غزة، قد يحبط تحركات التطبيع التي يعتبرها ترامب هدفاً إستراتيجياً لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، مما ينذر أيضا بإمكانية حدوث توتر بين واشنطن وإسرائيل.

ويقول ميلشتاين إن أي حسم في غزة عبر اجتياح كامل سيكون ثمنه باهظا، إذ يعني السيطرة على مليوني فلسطيني بمنطقة فوضى، مع ما يرافق ذلك من خطر العزلة الدولية والانقسام الداخلي الشديد، دون ضمان إطلاق المحتجزين أو التركيز على الجبهة الإيرانية أو تحقيق تعاون إستراتيجي مع الدول العربية.

ويضيف "كما هو الحال في لبنان، سيكون من الضروري في غزة، حتى بعد التوصل إلى اتفاق، العمل ضد التهديدات. وفي حين ستستمر حماس في الوجود في مثل هذا السيناريو، إلا أنها ستكون ضعيفة عسكريا، ومحدودة سياسيا، وتخضع للمراقبة والإحباط الإسرائيليين المستمرين".

ويختم مقاله بالقول إن إحداث تغيير جذري في واقع غزة يبقى رهين 3 شروط غير متوفرة حاليا وهي "خطة مفصلة ورصينة، وإجماع داخلي، ودعم خارجي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

ممثل حماس في إيران يكشف لـعربي21 واقع العلاقة مع طهران بعد حرب الـ12 يوما (شاهد)

كشف ممثل حركة المقاومة الإسلامية حماس في إيران، خالد القدومي عن تحول نوعي في شكل العلاقة بين المقاومة الفلسطينية وإيران، مؤكدا أنها لم تعد مجرد تعاون سياسي أو دعم إنساني، بل أصبحت "علاقة عضوية" تتعزز يوما بعد يوم، خصوصاً بعد حرب غزة الأخيرة وما تبعها من حرب الـ12 يوما بين طهران والاحتلال الإسرائيلي في حزيران / يونيو الماضي.

وقال القدومي في لقاء خاص مع "عربي21"، إن السنوات الماضية، بكل ما حملته من جراح وعدوان، رسخت قناعة لدى الإيرانيين بأنهم "أصدقاء طبيعيون لفلسطين وللمقاومة"، مضيفاً: "الإيراني اليوم لا يقف فقط معنا، بل يشعر بأنه شريك كامل في المعركة، وهذه نقلة استراتيجية في الوعي الإيراني تجاه القضية الفلسطينية".

حرب غزة.. نقطة تحوّل جديدة
وجاءت هذه التصريحات في سياق تقييم أوسع للتغيرات التي شهدتها المنطقة بعد حرب غزة التي استمرت سنتين وخلفت دمارا واسعا واستقطابا إقليميا ودوليا، فخلال تلك الحرب، لعبت فصائل المقاومة أدوارا عسكرية وسياسية بارزة، بينما برز الدعم الإيراني عبر المستويات المختلفة أهمها المواقف المعلنة ضد الاحتلال.

وأشار القدومي إلى أن هذا الدعم لم يعد ينظر إليه في إيران على أنه موقف تضامني فقط، بل كقضية ترتبط مباشرة بالأمن القومي الإيراني بعد أن نقل الاحتلال الإسرائيلي الحرب، لأول مرة، إلى الداخل الإيراني.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)

حرب الـ12 يوماً.. عندما أصبح الإيراني "شريكا في الدم"

وتوقف القدومي مطولا عند هجوم الاحتلال الإسرائيلي على إيران في حرب حزيران/ يونيو التي استمرت 12 يوماً، وهي الجولة العسكرية التي مثلت أول مواجهة مباشرة بهذا الحجم بين الطرفين منذ عقود.

وقال القدومي "بعد تلك الحرب، لم يعد المواطن الإيراني يشعر بأنه فقط داعم للقضية الفلسطينية، بل بات يعتبر نفسه جزءاً من المعركة نفسها، الدم الذي سقط على الأرض هنا وهناك جمع الشعبين في مواجهة عدو واحد لا يحترم حدوداً ولا سيادة."

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)

ووفق القدومي، فإن هذه التجربة غيرت المزاج الشعبي والسياسي داخل إيران، وجعلت فكرة "الشراكة" مع المقاومة أكثر عمقا من أي وقت مضى.

الاحتلال "عدو للجميع".. والمواجهة تجاوزت فلسطين
وأكد ممثل حماس أن الاعتداءات الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على الشعب الفلسطيني، بل امتدت إلى دول عربية وإسلامية عدة، وهو ما جعل طهران ترى في هذا السلوك تهديدا إقليميا شاملا.


وقال القدومي:"الإسرائيلي اليوم يضرب في كل مكان: في فلسطين، إيران، العراق، لبنان، سوريا، اليمن، وحتى بلدان بعيدة كالماليزية. هذا العدو لا يعرف حدوداً ولا يلتزم بسيادة أحد، ولذلك أصبح من الواضح أن الأمة كلها أمام عدو مشترك."

العلاقة مع إيران: من الدعم إلى "استراتيجية مشتركة"

وختم القدومي بالتأكيد أن العلاقة بين الجانبين أصبحت تحمل طابعاً استراتيجياً، قائلا:"اليوم علاقتنا مع إيران علاقة ذات أفق استراتيجي، تقوم على شراكة حقيقية من أجل مستقبل مشترك لهذه الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني."

وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التنسيق والتكامل، خصوصاً بعد أن رسخت الحروب الأخيرة وجود اصطفاف إقليمي جديد يقوم على محور مقاومة أكثر تماسكا، يرى في مواجهة الاحتلال "قدراً مشتركاً لا خياراً سياسياً فقط".

مقالات مشابهة

  • الكرملين: انسحاب أوكرانيا من الدونباس جزء أساسي من عملية السلام
  • دبلوماسي أمريكي سابق: إسرائيل تسعى لاستعادة السيطرة الكاملة على غزة إذا سنحت لها الفرصة
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • ممثل حماس في إيران يكشف لـعربي21 واقع العلاقة مع طهران بعد حرب الـ12 يوما (شاهد)
  • إسرائيل تستعد لسيناريو هجمات عبر أذرع إيران وجنوب سوريا
  • وزير إسرائيلي: الحرب على سوريا باتت حتمية
  • تقدير إسرائيلي.. تنسيق قطر مع أمريكا بشأن غزة يُضيّق الحيز الاستراتيجي للاحتلال
  • حماس: استشهاد الأسير السباتين دليل على سياسة القتل البطيء التي ينتهجها العدو الاسرائيلي بحق الأسرى
  • وزير إسرائيلي: الحرب مع سوريا قادمة لا محالة
  • “حماس”: استشهاد الأسير السباتين دليل على سياسة القتل البطيء التي ينتهجها العدو الاسرائيلي بحق الأسرى