عربي21:
2025-07-05@13:45:08 GMT

الإعلام في ملعب الرياضة

تاريخ النشر: 4th, July 2025 GMT

في مصر، لم تعد الرياضة مجرد لعبة تُمارس داخل حدود الملعب، بل أصبحت مشهدا متكاملا يُعرض على الشاشات وتتحكم في تفاصيله وسائل الإعلام المختلفة. من صوت المعلّق الرياضي، إلى زوايا التصوير وحركة الكاميرات، مرورا ببرامج التحليل الرياضي ووسوم مواقع التواصل الاجتماعي، بات الإعلام هو الفاعل الرئيس في المشهد الرياضي، والمتحكم في توجهات الجمهور ومشاعره.



فهو من يصنع النجوم، ويمنح بعضهم الشعبية والدعم، بينما يسلّط الضوء على آخرين كأهداف للانتقاد. وهنا يبرز تساؤل جوهري: ما مدى تأثير الإعلام على وعي الجمهور وسلوكهم في متابعة الرياضة؟ وهل يسهم الإعلام فعلا في خدمة الرياضة وتطويرها بجوانبها المختلفة، أم أنه يكرّس مشاهد التعصب والصراعات التي تضر بالروح الرياضية؟

في هذا المقال، سنلقي الضوء على الدور المتنامي للإعلام الرياضي في مصر، وكيف أصبح "ملعب الرياضة" في قبضة الكاميرا والميكروفون، لنكشف كيف يصوغ الإعلام وعي الجمهور، ويوجه مشاعرهم وتوجهاتهم داخل الملاعب وخارجها.

هذا الدور لا يُمارَس دائما بحيادية أو موضوعية، فكثير من الوسائل الإعلامية تميل في تغطيتها إلى الانحياز لأندية أو شخصيات بعينها، وهو ما ينعكس على طبيعة المحتوى المُقدَّم ويؤدي إلى ظهور ما يمكن تسميته بـ"التعصب الإعلامي"
الإعلام.. الحكم غير المرئي

لعب الإعلام الرياضي في مصر دورا يفوق بكثير حدود نقل الأخبار أو بث المباريات، حيث أصبح عنصرا محوريا في تشكيل الصورة الذهنية لدى الجمهور عن اللاعبين، والأندية، وكافة الأحداث الرياضية. ومع التزايد الملحوظ في عدد القنوات الفضائية المتخصصة، والبرامج التحليلية التي يقدمها إعلاميون وخبراء، تعاظم تأثير الإعلام ليصبح الفاعل الأبرز في المشهد الرياضي.

غير أن هذا الدور لا يُمارَس دائما بحيادية أو موضوعية، فكثير من الوسائل الإعلامية تميل في تغطيتها إلى الانحياز لأندية أو شخصيات بعينها، وهو ما ينعكس على طبيعة المحتوى المُقدَّم ويؤدي إلى ظهور ما يمكن تسميته بـ"التعصب الإعلامي". هذا التعصب لا يبقى حبيس الشاشات، بل ينتقل إلى الجماهير، مسببا انقسامات حقيقية داخل المجتمع الرياضي، ويؤثر سلبا على تجربة المشاهدة والاستمتاع الحقيقي بالرياضة بوصفها وسيلة للترفيه والتقريب بين الناس، لا وسيلة للانقسام والخلاف.

السوشيال ميديا.. الجمهور بات صوتا لا يُمكن تجاهله

غيّرت منصات التواصل الاجتماعي قواعد المشهد الرياضي بشكل جذري، حيث لم يعد الجمهور مجرد متلقٍ للمحتوى، بل أصبح طرفا فاعلا يعبّر عن آرائه، ويدافع عن مواقفه، بل ويهاجم أحيانا، متفاعلا بشكل مباشر مع اللاعبين والأندية والمسؤولين. فقد أصبحت منصات مثل "إكس" و"فيسبوك" و"إنستجرام" أدوات رئيسية في تداول الأخبار الرياضية، وصناعة نجومية جديدة، إلى جانب دورها -في بعض الأحيان- في نشر الشائعات والمعلومات غير الدقيقة.

هذا التفاعل المفتوح يحمل في طيّاته آثارا مزدوجة. فمن جهة، أتاح للجمهور مساحة واسعة للمشاركة والتعبير عن الرأي، وأسهم في تعزيز التفاعل بين الجماهير والمشهد الرياضي. ومن جهة أخرى، ساهم في تفشي ظاهرة "التعصب الإلكتروني"، وانتشار خطابات الكراهية، التي تجاوزت حدود النقاش الرياضي ووصلت أحيانا إلى مستوى الإساءات الشخصية، ما انعكس سلبا على الحالة النفسية للعديد من اللاعبين والمسؤولين، وهدّد أحيانا القيم الحقيقية التي يفترض أن تحملها الرياضة من تسامح واحترام وتنافس شريف.

حالة إبراهيم فايق: تمثيلية الغضب في ملعب الإعلام

في أعقاب وفاة اللاعب أحمد رفعت، تحوّلت وسائل الإعلام إلى ساحة معركة جديدة. خرج الإعلامي إبراهيم فايق بحلقة استثنائية بدا فيها وكأنه يُجسّد الغضب الجماهيري، يشارك الناس ألمهم ويعبّر عن سخطهم تجاه الظلم والفساد في الرياضة. لكن الحقيقة كانت أبعد ما تكون عن هذا المشهد الدرامي؛ ففايق لم يكن سوى جزء من آلة إعلامية مُصمَّمة لامتصاص غضب الشارع، وتحويل ثورته إلى عرض مسرحي يُدار بعناية، يطمئن النظام ويمنح الناس انطباعا زائفا بأن هناك من يسمعهم ويعبّر عنهم.

بدلا من أن يكون الإعلام منبرا للمساءلة الحقيقية والضغط من أجل التغيير، تحوّل إلى مسرح لتسطيح الأزمات، وتقديم حلول شكلية لا تمسّ جذور المشكلة. وفي هذه التمثيلية، لم يُسمح لأي صوت ناقد أن يتجاوز حدودا مرسومة، ولا لأي سؤال جريء أن يُطرح.

كان الجمهور في الواجهة، وفايق هو البطل المؤقت الذي أدّى دوره ببراعة، لكنه في النهاية أعاد إنتاج الواقع ذاته الذي يرفضه الناس.

هذه الواقعة ليست مجرد حدث إعلامي عابر، بل نموذج صارخ لكيفية تحوّل الإعلام من أداة للتنوير والمساءلة، إلى وسيلة للتحكم في المشاعر وتفريغ الغضب بشكل محسوب، يضمن استمرار الأوضاع كما هي دون إحداث أي تغيير حقيقي.

بدلا من أن تظل الرياضة مساحة حرّة للتنافس النزيه والتعبير الجماهيري، تُختزل إلى وسيلة لإيصال رسائل موجَّهة، وهو ما ينعكس سلبا على وعي الجمهور وطريقة ممارسته للتشجيع
الإعلام والرياضة.. أداة سياسية واجتماعية

في مصر، كثيرا ما تتحوّل الرياضة والإعلام الرياضي إلى أدوات في يد السلطة السياسية. إذ يتم توظيف الأحداث الرياضية بصورة متكررة لنقل رسائل سياسية أو اجتماعية، سواء من خلال التغطية الانتقائية أو عبر بث الخطابات الرسمية خلال الفعاليات الرياضية.

هذا التوظيف يحوّل الإعلام الرياضي إلى منصة خاضعة للرقابة والسيطرة، مما يؤثر بشكل مباشر على طبيعة المحتوى المُقدَّم، ويُعيد تشكيل العلاقة بين الجمهور والمجال الرياضي. وبدلا من أن تظل الرياضة مساحة حرّة للتنافس النزيه والتعبير الجماهيري، تُختزل إلى وسيلة لإيصال رسائل موجَّهة، وهو ما ينعكس سلبا على وعي الجمهور وطريقة ممارسته للتشجيع.

ختاما

يمثّل الإعلام في المجال الرياضي أكثر من مجرد وسيط لنقل المباريات والأخبار؛ فهو عنصر فاعل في صناعة النجوم، وتشكيل وعي الجمهور، وصياغة المناخ العام المحيط بالرياضة في مصر. وتتسع أدواره لتشمل خلق مشاعر الفرح والحماس، وكذلك إثارة الجدل أحيانا، بل وحتى تعزيز مظاهر التعصّب.

من هنا، تبرز الحاجة المُلِحّة إلى تفعيل دور الإعلام الرياضي بشكل مهني ومسؤول، بما يعزز من مكانة الرياضة كمساحة للتلاقي لا للانقسام، ويسهم في بناء جمهور واعٍ، يمارس التشجيع بروح رياضية قائمة على التنافس الشريف والتسامح.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات مصر الرياضة الجمهور التعصب مصر رياضة اعلام جمهور تعصب مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإعلام الریاضی المشهد الریاضی وعی الجمهور ل الإعلام سلبا على فی مصر

إقرأ أيضاً:

نظام  SSSE السعودي.. كيف يمكن أن يُحوّل الرياضة إلى صناعة عالمية؟

في ظل استعدادات المملكة العربية السعودية لاستضافة أحداث رياضية عالمية ضخمة، مثل كأس آسيا 2027 وربما دورات أولمبية مستقبلية، تقف الرياضة السعودية أمام لحظة تحول مفصلية تتطلب أكثر من مجرد تنظيم بطولات أو بناء منشآت.

نحن بحاجة إلى رؤية مؤسسية متكاملة تنقل الرياضة من كونها نشاطًا مجتمعيًا إلى صناعة اقتصادية مستدامة.

وهنا، يبرز مفهوم “نظام بيئة قطاع الرياضة السعودي (SSSE – Saudi Sports Sector Ecosystem)” كإطار عمل استراتيجي يمكن أن يكون حجر الزاوية في بناء مستقبل رياضي عالمي للمملكة.الدرس الكتالوني: صناعة رياضية مدفوعة بالتكامل والتخطيط لناخذ مثالًا حيًا وناجحًا: إقليم كتالونيا في إسبانيا. هناك، تحوّلت الرياضة إلى محرك اقتصادي رئيسي بفضل دمجها الذكي مع قطاعات مثل السياحة والتعليم والابتكار.

أحدث الدراسات المتعلقة بكأس أمريكا للإبحار 2024 في برشلونة، وهي من أكبر الفعاليات الرياضية والسياحية في أوروبا، تشير إلى ما يلي:- الأثر الاقتصادي الإجمالي تجاوز 1.03 مليار يورو،- الحدث ساهم في خلق أكثر من 12,800 وظيفة جديدة،- القيمة الإعلامية العالمية بلغت حوالي 1.3 مليار يورو،- استقطب ما يقارب 1.8 مليون زائر، من بينهم أكثر من 460 ألف زائر متخصص في سياحة الأحداث.كل هذه النتائج لم تتحقق مصادفة، بل كانت ثمرة نموذج بيئي مؤسسي متكامل، يتضمن تشريعات واضحة مثل “قانون الرياضة الكتالوني” (3/2008)، وأدوات تنظيمية مثل مراقب الرياضة وسجل ROPEC المهني، بالإضافة إلى شراكات بين الجامعات والمراكز البحثية مثل INEFC وBarça Innovation Hub.

لقد تابعنا بإعجاب بالغ التقدم الملحوظ الذي تحقق في كتالونيا على صعيد الدمج بين الرياضة وسياحة الاجتماعات، ونرى أن النموذج الكتالوني، القائم على تكامل القطاعين العام والخاص في ترسيخ مكانة المنطقة عالميًا في استضافة الفعاليات الرياضية والسياحية، يُمثل رؤية ملهمة وقابلة للتطبيق في المملكة، لا سيما في مناطق مثل العلا، نيوم، أبها، والبحر الأحمر.الوضع في السعودية: فرص عظيمة تنتظر التنظيم رغم  التطورات الكبيرة التي شهدتها الرياضة السعودية في السنوات الأخيرة، لا تزال هناك فجوات هيكلية تمنع تحقيق القفزة النوعية المطلوبة، مثل:

- غياب نموذج بيئي موثق يوضح العلاقة بين الجهات الحكومية، الأندية، الشركات، الأكاديميات، البلديات، واللجان الرياضية.

- عدم وجود سجل وظيفي رسمي للمهنيين الرياضيين أو نظام لتصنيف الكيانات حسب النشاط والمستوى.

- نقص في التشريعات الرياضية الحديثة، ما يؤثر على جذب الاستثمار والتعامل مع الشركات الدولية.

- غياب قواعد بيانات دقيقة عن حجم القطاع والعاملين فيه.- عدم وجود برامج دكتوراه أو مراكز بحث رياضي تخصصية.

ما الذي يمكن أن يقدمه SSSE؟ يأتي نظام SSSE ليعالج كل هذه التحديات في قالب واحد متكامل، فمن خلاله، يمكن:

- بناء قاعدة بيانات وطنية للكيانات والمهنيين الرياضيين.- تأسيس سجل رسمي ومهني للممارسين والكوادر.

- إنشاء إطار تشريعي متطور، يُبنى على نماذج دولية ناجحة مثل قانون كتالونيا.- إطلاق مراكز تدريب وبحث رياضي بالشراكة مع جهات دولية مرموقة.

- تصنيف الكيانات الرياضية بشكل علمي ومؤسسي لتحديد الاحتياج والتخصص.

الاستثمار: لماذا هو مُمكن الآن أكثر من أي وقت؟

تبني SSSE لا يعني فقط ترتيب البيت الداخلي، بل هو أيضًا مفتاح لجذب الاستثمار الرياضي الخاص والدولي.

فعندما يجد المستثمر بيئة منظمة وشفافة، يمكنه الدخول بمشاريع رياضية متنوعة: من شركات بيانات وتحليل أداء، إلى أكاديميات تدريب، ومراكز علاج وتأهيل رياضي، وتطبيقات رقمية، وبنية تحتية ذكية، وتسويق فعاليات.

مع تحول القطاع إلى بيئة قابلة للقياس، محمية قانونيًا، ومفتوحة للمنافسة، يمكن أن نرى قفزات في:

- مساهمة الرياضة في الناتج المحلي.- خلق وظائف مهنية مستقرة ومؤهلة.

- تصدير الكفاءات الرياضية السعودية عالميًا.

- تحوّل المملكة إلى مركز إقليمي لصناعة وتنظيم البطولات الدولية.الرياضة السعودية اليوم تقف على أعتاب فرصة تاريخية.

ليس المطلوب فقط المزيد من البطولات، بل منظومة تحكم وتدير وتنظم هذا النمو، لتضمن استدامته واستثماره.

نظام SSSE ليس رفاهية تنظيمية، بل ضرورة استراتيجية لبناء صناعة رياضية متكاملة ومربحة ومصدر فخر وطني.

تجربة كتالونيا تثبت أن الاستثمار في التنظيم والتشريع والمؤسسات يسبق المكاسب المادية، بل ويُسرّعها. والسعودية لديها اليوم كل المقومات لتكون “كتالونيا الشرق الأوسط” في الرياضة — بل وإبعد من ذلك.

نظام  SSSE السعوديقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • مشاركة واسعة في الأيام الرياضية الصيفية بصحار
  • 3 أنواع من التمارين الرياضية تعزز صحة الدماغ
  • نظام  SSSE السعودي.. كيف يمكن أن يُحوّل الرياضة إلى صناعة عالمية؟
  • بتصميم الكروس أوفر.. بروتون تكشف عن X50 الرياضية
  • الإعلام الرياضي السعودي وخدمة الخصوم: جرس إنذار
  • محمد تقي: الهلال ضرب من شكك في قوة مشروع الرياضة السعودية .. فيديو
  • تدارس مشروع قانون صندوق دعم الأنشطة الرياضية بمجلس الدولة
  • حراك رياضي واعد في الرستاق.. والفرق الأهلية تساهم في صناعة الأجيال الرياضية
  • تعيين هيئة إدارية مؤقتة لإدارة نادي الحدود الرياضي