منذر رياحنه يقود الزلاقة 2 إلى القمة ويؤكد ريادة سيوف العرب
تاريخ النشر: 4th, July 2025 GMT
في زمنٍ تبتعد فيه الدراما التاريخية عن جوهرها، جاء مسلسل "سيوف العرب" ليعيد الاعتبار لفنٍّ نقيٍّ يُحاكي البطولة والحكمة، ولينبعث من خلاله اسم يوسف بن تاشفين، القائد الذي نعرفه من كتب التاريخ، لكننا رأيناه بعيون القلب على الشاشة، وقد تجسّد بعبقرية الفنان منذر رياحنة.
أداء يخترق الصمت، يوسف لا يُمثل، بل يُحس لم يكن أداء رياحنة تقليدًا لهيئة القائد أو تكرارًا لنبرة درامية مألوفة.
مشهد التجلي:
أبرز هذه اللحظات تمثلت في مشهد التجلي إلى الله وسط البحر وبعد النصر، حيث تقاطع الخوف البشري مع الثقة الإلهية، وارتعشت ملامحه بالصدق، لتتسلّل دموع حقيقية جعلت من المشهد صلاةً بصرية أكثر منه تمثيلًا.
حرفيّة المعركة، حين يقاتل القائد لا الممثل منذر رياحنة ليس غريبًا عن الأدوار التاريخية، فقد سبق أن قدّم قطري بن الفجاءة، وأبو مسلم الخراساني، والأمين وغيرهم، لكن في سيوف العرب، بدا أنه بلغ ذروة النضج الفني، في مشاهد التحام السيوف، وحركة الجسد، وتوزيع النظرات بين القادة والجنود، رأينا قائدًا حقيقيًا لا ممثلًا يؤدي دورًا.
تحدٍّ إضافي خاضه رياحنة ببراعة، وهو تجسيد يوسف بن تاشفين في مراحل عمرية مختلفة، حيث رأينا الشاب المؤمن المتوهج بالقضية، ثم القائد الذي شابت لحيته دون أن يبهت يقينه، وأخيرًا العارف القريب من الله.
التنقّل بين هذه المراحل تمّ بسلاسة فنية راقية، عبّرت عن تطور الشخصية دون افتعال، وجعلتنا نشعر أننا نكبر معه، ونكتشف في كل مشهد وجهًا جديدًا للبطولة.
لكنّ عودة منذر رياحنه بهذا الأداء الساحر في زمن قلّ فيه هذا النوع من التمثيل، أعادت للدراما التاريخية ممثلًا من الطراز الرفيع.
ليس مبالغة أن نقول إن رياحنه لم يجسّد يوسف بن تاشفين فقط، بل أحياه، أحياه في وعينا، في مشاعرنا، وفي إيماننا بأن الفن العربي لا يزال قادرًا على أن يدهشنا ويُربّينا على القيم النبيلة.
في "الزلاقة"، وفي سكون البحر، وفي صدى الخطبة بعد النصر، كان يوسف بن تاشفين حاضرًا بكل هيبته، وبفضل منذر رياحنه، لم نرَ شخصية تاريخية فحسب، بل مرآةً لما يجب أن يكون عليه الإنسان حين يقود: قويًّا، مؤمنًا، متسامحًا… وعظيمًا دون أن يتكلّم كثيرًا.
عن مسلسل " سيوف العرب":
سيوف العرب من انتاج تلفزيون قطر واخراج سامر جبر ومن بطولة سلوم حداد وباسم ياخور وجمال سليمان ونخبة من نجوم الوطن العربي
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: منذر رياحنة مسلسل سيوف العرب آخر أعمال منذر رياحنة سیوف العرب
إقرأ أيضاً:
دور الأوقاف في تمكين ريادة الأعمال
عند حديثنا عن دور الأوقاف في تمكين ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة فإننا نتجاوز استعادة الإرث التاريخي الطويل إلى محاولة استقراء الواقع المعاصر للأوقاف في عمان، واستشراف قدرتها على أن تكون عنصرا فاعلا في المستقبل الاقتصادي، فمن هذا المنطلق جاء هذا المحور في مؤتمر عُمان الوقفي الذي اختتم أعماله أمس، وأتاح لي من خلال حضوري لجميع الجلسات على مدار يومين من فرصة الاقتراب من نماذج واقعية تقدّم إجابات عملية عن مجموعة من التساؤلات المتعلقة بإمكانية أن يتحول الوقف إلى محرك اقتصادي حديث، وكيف أن الفكر الريادي والرؤية الواضحة والقدرة على اتخاذ القرار الجريء بالإمكان أن يحول الأصول الوقفية إلى استثمارات تجني الذهب وتحقق أهدافا اقتصادية مبهرة.
وتتبدى الإجابة بوضوح في النموذجين اللذين برزا في هذا المحور وتم استعراضهما في الجلسة الحوارية الأخيرة من هذا المؤتمر، وهما تجربتي: مؤسسة بوشر الوقفية، وأوقاف حارة العقر في نزوى، ورغم اختلاف بيئتهما وسياقاتهما، إلا أنهما يشتركان في جوهر واحد، وهو إعادة اكتشاف القوة الكامنة في الوقف، وتوظيفه كأداة فاعلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد بدت تجربة مؤسسة بوشر الوقفية من نقطة شديدة الواقعية، وهي بناء الثقة المجتمعية قبل الشروع في أي مشروع استثماري كبير، وقد أوضح المهندس محمد بن سالم البوسعيدي أن المؤسسة عملت منذ لحظتها الأولى وفق استراتيجية خمسية واضحة، قطعت مراحل التأسيس والانطلاق، وتتجه بثقة نحو مرحلة النمو والاستقلال ابتداء من العام القادم، هذه المرحلة ليست مجرد توسع مالي، بل انتقال إلى مستوى جديد يعاد فيه تعريف الوقف بوصفه قطاعا قادرا على الإضافة الاقتصادية، وقادرا كذلك على فتح فضاءات جديدة أمام رواد الأعمال الشباب.
ولعل ما يميز هذه التجربة أن بوشر اختارت أن تبدأ من الإنسان قبل المكان، فقد توجهت إلى المدارس والكليات والمجتمع المحلي، ونشرت الوعي بقيمة الوقف عبر برامج متنوعة مثل "فرع الوقف" والمعارض المتنقلة و"سيرة ومسيرة"، إدراكا منها بأن الوقف لا يستعيد دوره إلا إذا استعاد المجتمع ثقته به، ومع بناء هذه الثقة، بدأت المؤسسة في العمل على الملفات الأصعب. وعلى رأسها الأصول الزراعية الوقفية المتعثرة التي كانت لعقود تمثل تحديا إداريا وماليا.
ومن هنا جاءت تجربة تحويل مزرعة وقفية متوقفة منذ سنوات إلى مشروع سياحي وزراعي وتعليمي في الوقت نفسه، وقد بين البوسعيدي أن فكرة المشروع لم تنطلق من وفرة مالية، بل من التقاء ثلاثة عناصر: أصل وقفي لم يستثمر كما ينبغي، وشاب عماني يمتلك خبرة وفكرا استثماريا مبتكرا، ومؤسسة وقفية تمتلك الإرادة والقدرة على فتح الطريق، وعبر هذا التلاقي، تولدت فكرة مشروع يضم بيوتا محمية، ومساحات زراعية حديثة، ونقطة لقاء لرواد الأعمال، ومطعما ومقهى تديرهما عمانيات، ومنفذا لمنتجات الأسر المنتجة، وموقعا تعليميا لطلبة المدارس في الفترات الصباحية، فهذا النموذج يعيد صياغة مفهوم الأثر الاجتماعي للوقف، ويحوّل المزرعة من عبء إداري إلى منصة تحتضن ريادة الأعمال وتفتح أمام الشباب مساحات جديدة من العمل والإنتاج.
كما وسعت بوشر نطاق عملها إلى التطوير العقاري عبر تشغيل "بيت المقحم" التاريخي، وإلى الابتكار من خلال إطلاق "هاكاثون الوقف"، وإلى الإعلام عبر تأسيس شركة "أنجم ميديا" التي تدير الفعاليات والمناسبات، ويكشف هذا التنوع أن المؤسسة لا ترى الوقف مجرد قطاع جامد، بل فضاء يتسع للتقنية والسياحة والإعلام والزراعة والتعليم والصناديق الاستثمارية، وأن استثمار الأوقاف يسعى لبناء منظومة متكاملة من الأنشطة القادرة على خلق فرص وظيفية، وتعزيز قيمة المكان، وإحياء الأصول القديمة بفكر جديد.
أما تجربة حارة العقر بنزوى التي استعرضها الدكتور إسحاق الشرياني، فهي تقدم نموذجا مختلفا في الشكل لكنه قريب جدا في المعنى، لقد بدأت التجربة من واقع متواضع؛ رصيد مالي لا يتجاوز سبعة آلاف ريال، وحارة تاريخية تتآكل بيوتها، ونظرة عامة تشكك في جدوى إنفاق الأموال على ما كان يبدو مشروعا غير مضمون، ولكن الرؤية التي حملتها أوقاف العقر كانت مختلفة، فقد أدركت أن التمسك بالأصول حتى تنهار ليس خيارا، وأن الاستثمار في التراث ليس مغامرة، بل ضرورة لإحياء المكان واستعادة دوره التاريخي والاقتصادي.
ومن هنا انطلقت التجربة عبر منهجية تعتمد على الاقتصاد السلوكي والاجتماعي والسردي، (على حسب تعبير الشرياني) وهي منهجيات تسمح بفهم المجتمع، وصناعة قصة اقتصادية ملهمة، وتحويل التراث إلى قيمة سياحية وثقافية واقتصادية في آن واحد، ونجحت التجربة في تحويل السور التاريخي والبيوت القديمة إلى مشروع استثماري حقق عائدا ماليا بلغ 14%، وهو رقم كبير في المعايير الاقتصادية، لكنه ليس أهم ما تحقق، فالأثر الحقيقي ظهر في إعادة الحياة إلى الحارة، وخلق أكثر من 400 وظيفة مباشرة، وارتفاع قيمة العقارات، وإعادة فتح مدارس القرآن الكريم، وانتعاش السوق التقليدي، وارتفاع الأوقاف من نصف مليون إلى ثلاثة ملايين ونصف، وتحول الحارة إلى مقصد سياحي وثقافي يستقبل مئات الآلاف من الزوار.
وتكشف تجربة العقر أن الوقف قادر على تحريك اقتصاد محلي كامل، إذا توفرت الرؤية والجرأة، فقد ارتفع عدد الغرف الجاهزة للاستخدام إلى 220 غرفة، وانتعش سوق المهن التقليدية، وتضاعفت الهبات الوقفية، واستعاد المجتمع ثقته بمؤسساته الوقفية بعد أن رأى الأثر رأي العين، ولعلّ أهم ما تميزت به التجربة هو قدرتها على تحويل "القصة" إلى جزء من الاقتصاد نفسه، فحديث الناس عن الحارة في المنصات الاجتماعية الحديثة وفي المجالس وفي وسائل الإعلام أصبح عنصرا اقتصاديا يضيف قيمة، ويدفع بالمشروع إلى الأمام، ويجعل منه نموذجا وطنيا يستدعى اليوم في محافل عالمية.
وحين ننظر إلى التجربتين معا، نجد أنهما تمثلان ملامح رؤية عمانية جديدة للوقف، رؤية تعيد تعريف الوقف بوصفه قطاعا اقتصاديا قادرا على الإنتاج والتطوير، يتجاوز كونه مصدرا للإيرادات التقليدية، فبوشر والعقر تقدمان درسا واضحا مفاده أن الوقف الذي يتفاعل مع المجتمع، ويتحالف مع رواد الأعمال، ويستثمر في الإنسان والمكان معا، قادر على خلق أثر يتجاوز حدود المشروع نفسه، ليصل إلى إعادة إحياء المدن، وصناعة الوظائف، وإلهام المؤسسات، وتعزيز الانتماء للمكان.