من الآراء الشائعة عند مراقبي السياسة الدولية أن أمريكا حليف غير موثوق، فهي في أغلب الأحوال قصيرة النفس في تحالفاتها وغير مخلصة لحلفائها إلا لزمن، وإلا بمقدار، ولهذا فإنها سرعان ما تتخلى عن الحليف وتخذله حالما يَدْهمه الخطر أو حالما يبدو أن مدة صلاحيته قد انتهت. أما روسيا، سواء في العهد السوفييتي أم في العهد البوتيني الحالي، فإنها أطول نفسا في تحالفاتها وأشد إخلاصا لحلفائها، أو ربما كان الأصح القول إنها أقل غدرا بهم.
وقد تجلى أحدث الأمثلة عندما لاذت القوات الأمريكية بالفرار وتركت حلفاءها في أفغانستان يواجهون مصيرهم بدون حام ولا نصير وتنكرت لجميع من عرّضوا حياتهم للخطر جراء ارتباطهم بها، بمن فيهم حتى المترجمون الذين أبت أن تمنحهم مجرد حق اللجوء السياسي جزاء خدماتهم (ومعلوم أن بريطانيا سلكت المسلك ذاته في كل من العراق وأفغانستان).
ولا وجه للاعتراض بإخلاص أمريكا في تحالفها مع إسرائيل: فتلك حالة استثنائية منشؤها أن إسرائيل ليست مجرد حليف، بل إنها جزء لا يتجزأ من السياسة الداخلية الأمريكية لعوامل دينية وثقافية واستراتيجية تجعل من إسرائيل ولاية أمريكية حقا لا مجازا. إنها الولاية الحادية والخمسون في الترتيب الزمني، ولكنها الولاية الأولى في الترتيب الأنطولوجي!
أما روسيا فإن من عاداتها الثبات في مساندة حلفائها بكل الوسائل، بدليل تدخلها العسكري في المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968. ومعروف أن الغزو الروسي لأفغانستان عام 1979 (الذي شجبته كل الدول الإسلامية ولكن أنظمة الحكم في سوريا وليبيا والجزائر واليمن الجنوبي تفردت آنذاك بتبريره وتأييده!) إنما كان لنصرة حزب شيوعي صغير لا شأن له ولا شعبية في البلاد، ولكن روسيا نصرته لمجرد أنه نجح في القيام بانقلاب عسكري. ذلك أن عقيدة بريجنيف، المعروفة بعقيدة اشتراكية الأمر الواقع، كانت تقضي بعدم التهاون في دعم أي دولة يصل الشيوعيون فيها إلى الحكم، أي العمل على تأبيد الأمر الواقع بعدم التفريط في أي دولة تنضم إلى المعسكر الشرقي.
يرجح المراقبون أن ارتفاع سعر النفط في أعقاب الحرب الإيرانية الإسرائيلية سيساعد روسيا على تقليص عجز ميزانية هذا العام
إلا أن أحداث الأسابيع والشهور الماضية تبعث على الشك في صحة هذا الرأي. إذ لم تحصل طهران من حليفها الروسي، أثناء الهجمات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة على الأراضي الإيرانية، إلا على بعض الاتصالات الهاتفية وبيانات التنديد. هذا رغم أن إيران زودت روسيا بعدد ضخم من المسيرات التي كانت في مسيس الحاجة إليها أثناء العام الأول من غزوها لأوكرانيا، ثم ساعدتها في بناء مصنع لإنتاج المسيرات محليا.
بل إن الدولتين وقعتا بالأحرف الأولى، أوائل هذا العام، اتفاقية شراكة استراتيجية لتوثيق التعاون في مجالات عدة، أولها الدفاع. وهذا النأي بالنفس عن إيران ومشكلاتها هو دليل في رأي الوول ستريت جورنال على هيمنة منطق الصفقات والمقايضات على مواقف بوتين حتى عندما يتعلق الأمر بالشراكات الاستراتيجية، علما أن روسيا غارقة في المستنقع الأوكراني وتعاني من أثر العقوبات الاقتصادية الغربية. ولهذا بدل مساعدة إيران، سعى بوتين إلى محاولة احتلال موقع الوسيط المحتمل في النزاع، فضلا عن أن حرصه على حفظ علاقاته الجيدة مع السعودية والإمارات يجعله مُعْرضا عن تعزيز قدرات إيران العسكرية ومعارضا، بالطبع، لامتلاكها السلاح النووي.
والحق أن اتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة بين إيران وروسيا أوائل هذ العام لا ترقى إلى مستوى معاهدة التحالف العسكري، ولا تتضمن بندا للدفاع المشترك. والسبب، في رأي مؤسسة كارنغي للسلام الدولي، هو أن روسيا لم تعد تحتاج المساعدة الإيرانية في حربها على أوكرانيا. إلا أن أقوى الأدلة على أن الرأي القائل بعدم خذلان روسيا لحلفائها لم يعد صحيحا في جميع الأحوال قد تجلى في حدثين: أحدهما هو انشغال روسيا عن سفاح دمشق أثناء سقوطه المدوي؛ والثاني هو وقوفها جانبا بينما كانت أرمينيا، الحليف الذي تربطها به أوثق العلائق والالتزامات، تتكبد أفدح الخسائر في الحرب التي انتهت بانهزامها أمام أذربيجان.
ويرجح المراقبون أن ارتفاع سعر النفط في أعقاب الحرب الإيرانية الإسرائيلية سيساعد روسيا على تقليص عجز ميزانية هذا العام. ولكن نفوذها الدولي انحسر بسبب سقوط حلفائها أو انكسارهم تباعا، كما أن الضرر الذي أصاب سمعتها سيدوم طويلا.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه روسيا الإيرانية إيران الولايات المتحدة روسيا اتفاقية تسليح مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة عالم الفن سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
زلزال يضرب مدينة شيويشه في كردستان الإيرانية بقوة 4.1 ريختر
أفادت وسائل إعلام إيرانية ، بأن مدينة شيويشه في كردستان الإيرانية شهدت ظهر الخميس زلزالا بقوة 4.1 على مقياس ريختر عند الساعة 14:22، وشعر بها سكان بعض المدن المجاورة.
وفي وقت سابق ضرب جزيرة سيرام في إندونيسيا زلزالا بقوة 6 درجات على مقياس ريختر بحسب ماصرح به عدد من علماء الزلازل دون معرفة الخسائر حتي الآن.
وشهدت جزيرة جاوة بإندونيسيا ثوران بركان سيميرو، مما أدى إلى إخلاء قرى المنطقة حيث استمر الثوران طوال اليوم، مسببا انبعاث رماد بركاني، متضمنا دخانا وصخورًا وحمما بركانية وغازا، وصل إلى مسافة سبعة كيلومترات من قمة الجزيرة، وغطى القرى أيضًا.
كما لم تُسجل أي إصابات نتيجة الثوران وتم إجلاء أكثر من 300 شخص من ثلاث قرى معرضة للخطر في منطقة لوماجانغ، ونُقلوا إلى ملاجئ خصصتها لهم الحكومة.
ومن جانبه ، قال موكداس سفيان المسؤول بمركز رصد النشاط البركاني إن الثوران بدأ نحو الساعة الرابعة مساء بالتوقيت المحلي (0900 بتوقيت جرينتش). حيث ارتفع الرماد لمسافة نحو 2000 متر فوق القمة، ليصل إلى ارتفاع نحو 5676 متراً فوق سطح البحر.
ويُعد جبل سيميرو، الذي يقع في منطقة جاوة المكتّظة بالسكان، أعلى قمة في إندونيسيا تبلغ ارتفاعها 3676 متراً، ويقع على «حزام النار» بالمحيط الهادئ، وهو قوس يشهد نشاطاً زلزالياً، حيث يحدث الثوران البركاني والزلازل بصورة شائعة.