بتر الأطراف في غزة: مأساة إنسانية تتفاقم جرّاء الحرب
تاريخ النشر: 8th, July 2025 GMT
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث تصاعدت أعداد الضحايا والمصابين بشكل مروع. من بين هذه المآسي، تبرز ظاهرة بتر الأطراف كأحد أكثر الأوجه قسوةً للحرب، خاصةً بين الأطفال والنساء، مما يسلط الضوء على حجم المعاناة التي يعيشها المدنيون في ظل الحصار والدمار الشامل الذي طال البشر والحجر.
أرقام صادمة وإحصاءات مقلقة:
تشير التقارير الطبية والحقوقية إلى تسجيل أكثر من 4,700 حالة بتر في قطاع غزة منذ بداية الحرب، وفقًا لبرنامج "صحتي" الذي تنفذه وزارة الصحة الفلسطينية بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومركز الأطراف الصناعية والشلل التابع لبلدية غزة. من بين هذه الحالات، يشكل الأطفال نسبة كبيرة، حيث تم تسجيل نحو 800 حالة بتر بين الأطفال، بالإضافة إلى 391 امرأة تعرضن لبتر أطرافهن.
ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن معدل الإصابة بين المدنيين في غزة غير مسبوق، حيث أن أكثر من 70% من المصابين يعانون من جروح خطيرة أدت إلى إعاقات دائمة، بما في ذلك البتر، إصابات في الحبل الشوكي، وفقدان البصر.
كما أشارت إحصاءات صادرة عن مؤسسة "أنقذوا الطفولة" (Save the Children) إلى أن طفلًا من كل 4 أطفال في غزة إما قُتل أو أصيب أو فقد أحد أفراد عائلته أو منزله، مما يسلط الضوء على التأثير الكارثي على الأجيال القادمة.
قصص مؤلمة من أرض الواقع:
في مستشفى "شهداء الأقصى" وسط قطاع غزة، تتجسد معاناة الأطفال الذين فقدوا أطرافهم نتيجة القصف الإسرائيلي. من بين هذه القصص، تبرز مأساة الطفلة إيليا يونس، البالغة من العمر أربع سنوات، التي فقدت قدمها اليمنى إثر قصف منزلها في مخيم النصيرات. ورغم محاولات علاجها، استُشهدت في أحد المستشفيات الأميركية متأثرة بجراحها.
كما تعاني الطفلتان حنان ومسك من دير البلح من إصابات خطيرة، حيث فقدت حنان ساقيها وتعرضت لحروق شديدة، بينما فقدت مسك قدمها اليسرى. تحتاج الطفلتان إلى علاج طويل وتأهيل نفسي وجسدي، لكن إمكانيات القطاع الصحي المحدودة تحول دون تقديم الرعاية الكاملة.
وفي أحد المستشفيات الميدانية المؤقتة، يروي أحد الأطباء حالة الشاب محمد (17 عامًا)، الذي فقد ذراعه اليسرى أثناء محاولته إنقاذ عائلته من تحت أنقاض منزلهم في خان يونس. يقول الطبيب: "اضطررنا لبتر ذراعه دون تخدير، لم يكن لدينا خيار آخر. كنا نسمع صراخه، لكن الموت كان أقرب".
التحديات الطبية واللوجستية:
يعاني القطاع الصحي في غزة من انهيار شبه تام نتيجة الاستهداف المتعمد للبنية التحتية الطبية، حيث تم تدمير أكثر من 36 مستشفى ومركزًا صحيًا، إضافة إلى تعطيل سيارات الإسعاف واستهداف الكوادر الطبية. أدى ذلك إلى نقص حاد في المعدات الطبية، الأدوية، وحتى أدوات الجراحة الأساسية، ما اضطر الأطباء إلى إجراء عمليات بتر في ظروف مأساوية.
ووفقًا لتقارير وزارة الصحة، فإن نحو 60% من المصابين الذين أجريت لهم عمليات بتر كان بالإمكان إنقاذ أطرافهم لو توفرت العناية الطبية المناسبة في الوقت المناسب.
أما مركز الأطراف الصناعية في غزة، فيواجه صعوبات كبيرة في تلبية الطلب المتزايد على الأطراف الاصطناعية، حيث تم تركيب أطراف لنحو 100 مصاب فقط منذ بداية الحرب، في ظل نقص المعدات والمواد الخام وعدم توفر الكهرباء بشكل دائم.
الأثر النفسي والاجتماعي:
لا تقتصر مأساة المبتورين على الألم الجسدي فقط، بل تتعداه إلى آثار نفسية عميقة قد تستمر لسنوات. يشير أخصائيون نفسيون إلى أن معظم الأطفال المبتورين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ويعيشون في حالة إنكار وارتباك، حيث يعتقد البعض أن أطرافهم ستنمو مجددًا، بينما يواجه آخرون كوابيس متكررة ونوبات هلع.
أما النساء، فمعاناتهن مضاعفة، حيث أن فقدان الطرف يهدد استقلاليتهن، ويعيق قدرتهن على رعاية أسرهن أو العمل، مما يؤدي إلى الشعور بالعزلة والتبعية وحتى الاكتئاب. تقول إحدى المصابات: "لم أعد أخرج من البيت. أنظر إلى ساقي المبتورة وأشعر أنني فقدت جزءًا من كرامتي، لا فقط جسدي".
جهود الدعم والتأهيل:
رغم قسوة الواقع، هناك مبادرات محلية ودولية تحاول التخفيف من معاناة المبتورين في غزة. من بين هذه المبادرات، المبادرة الأردنية لتركيب أطراف صناعية، والتي تهدف لتأهيل نحو 14 ألف مصاب من ذوي البتر، بالتنسيق مع مؤسسات صحية محلية.
كما يعمل مركز الأطراف الصناعية التابع لبلدية غزة على توفير التدريب للمصابين على كيفية استخدام الأطراف الاصطناعية، إضافة إلى جلسات دعم نفسي للأطفال، رغم نقص الإمكانيات وضيق المساحة.
وظهرت مبادرات تطوعية صغيرة يقودها جرحى سابقون أو ممرضون متقاعدون لتقديم الرعاية المنزلية، أو إعادة تدوير أجزاء من الأطراف الصناعية القديمة لتجهيز أطراف مؤقتة.
تُظهر مأساة بتر الأطراف في غزة خلال حرب "طوفان الأقصى" حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون، خاصة الأطفال والنساء. تتطلب هذه الأزمة تدخلًا دوليًا عاجلًا لتقديم الدعم الطبي والنفسي للمصابين، وضمان وصول المعدات الطبية والأدوية، ورفع الحصار المفروض على القطاع، والذي يضاعف من الألم والمعاناة.
إن الجسد قد يُبتر، لكن لا يجب أن تُبتر كرامة الإنسان أو حقه في الحياة الكريمة.
ملاحظة : هذا مخرج عملي لدورة "الصحفيات والقيادة الإعلامية" التي نفذتها مؤسسة بيت الصحافة في الفترة من 22 إلى 30 يونيو 2025
المصدر : وكالة سوا - آلاء باسم أبو خاطرو اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من تقارير خاصة "رحلة روح".. مبادرة إنسانية تطلقها نساء من غزة بالفيديو والصور: مزارعو البطاطا الحلوة في غزة يتكبدون خسائر كبيرة هل اتخذت إسرائيل سياسة جديدة ضد غزة؟ الأكثر قراءة وزارة الصحة تعلن أحدث حصيلة لعدد شهداء غزة الاحتلال يُخطر بهدم مدرسة ومنزل ووقف العمل في 5 منازل وخط مياه بالخليل إسرائيل: بالإمكان التوصّل إلى اتفاق مع حماس "خلال أسبوع" الأونروا: 82% من مناطق غزة تخضع لأوامر إخلاء إسرائيلية عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025
المصدر: وكالة سوا الإخبارية
كلمات دلالية: الأطراف الصناعیة من بین هذه فی غزة
إقرأ أيضاً:
العَودة «الطوعية».. كذبة بحجم مأساة!
العَودة «الطوعية».. كذبة بحجم مأساة!
حسن عبد الرضي الشيخ
في بلادٍ تُساق فيها الشعوب كالقطعان، لا عجب أن تتحوّل “العودة الطوعية” إلى مشروعٍ قسريٍّ تُساق له الجماهير باسم التنمية، وتُخدع فيه العقول بالبروباغندا الرخيصة، وتُستدرَج الأرواح البسيطة بأوهام الأمن والخدمات، بينما الحقيقة أكثر فجاجةً وسوادًا مما يتصوره العقل.
إنّ ما يُسمى بـ”العودة الطوعية” إلى ولاية الخرطوم ليس إلا فخًا منصوبًا بعناية، تُديره عقولٌ اعتادت الكذب والخداع على مدار ٣٥ عامًا من حكم التمكين والاستهبال المؤسسي. مأساةٌ حقيقية أن يظل البسطاء يصدّقون هؤلاء الكذّابين الذين لا يخجلون من استغلال معاناة الناس لتمرير أجنداتهم ومصالحهم.
بل الكارثة أن الوالي العجيب ــ صراحةً لا تلميحًا على شاشة تلفزيون بورتوكيزان الصدئة ــ يربط الخدمات بعودة المواطنين! أي غلظة هذه؟! أيُّ منطقٍ أن يُطلب من الضحية أن يعود ليكون درعًا بشريًا، ليحتمي خلفه من ينهب الأرض ويحتل البيوت؟! إنها عودةٌ لأجل العوائد!
محصّلو الضرائب والعوائد ـ أول الكائنات التي “عادت” إلى الخرطوم ـ يطوفون الأسواق: العربي، الأفرنجي، بحري، أم درمان، يطلبون من التجّار العودة! لماذا؟ لأجل تحصيل العوائد، لا لأجل “عودة الحياة”! يريدون من التاجر أن يعود ليُعصر ماليًا مرةً أخرى، وهو الذي فقد رأس ماله، ودُمر دكانه، ونهبت بضاعته، وشُرّد أهله.
فأي وقاحةٍ أن تطلبوا من هؤلاء أن يُرمّموا محلاتهم من جيوبهم؟! من أين؟! من أين لرجلٍ فقد كل شيء أن يبدأ من جديد؟! من أين لبائعة الشاي، أو تاجر الخردوات، أو بائع الذهب أن يجلب بضاعةً جديدة، في ظل انهيار المنظومة المصرفية، وانعدام الأمن، وانفلات الأسواق؟! ومن يحمي المواطن؟!
دعونا نكون واضحين: لا توجد شرطة. لا يوجد أمن. لا جيش. المواطن يتعرّض يوميًا للنهب، والشفشفة، والاغتصاب. لا حماية ولا قانون. من يملكون السلاح هم من يحتلون البيوت، ويسرقون الهواتف، ويُذلون الناس في طوابير البؤس واليأس. فهل نُعيد المواطن إلى قلب الجحيم ليُسلَب مرتين: مرةً باسم الحرب، ومرةً باسم التنمية؟!
يا بلابسة السلطة ومهزلة “الحلم”! أيها المنتفعون، البلابسة، دعاة “إعادة الإعمار”، أنتم تحلمون بأن يعود المواطن ليدفع من جيبه، ليُعمِّر، ليُرمِّم، ليبني على أنقاض الخراب دولةً لا وجود لها! هؤلاء العجائز الذين فقدوا البوصلة لا يملكون ذرةً من منطق. يحسبون أن اللسان المعسول يمكن أن يُعيد الخرطوم إلى ما كانت عليه، دون أن يُحاسب القتلة والناهبون، ودون أن تُسترد الحقوق، ودون أن تتوفر منظومة أمنية حقيقية تحمي الإنسان لا تبتزّه.
رسالتي إلى البسطاء: أقولها بكل صراحة: لا تعودوا. سوف تظلون رهائن في أيدي الكذبة. إن عدتم الآن، فلن تخرجوا. قد تمنعكم سلطات الولاية لاحقًا من المغادرة بحجة أن التنمية لا تكتمل إلا بوجودكم، أن الأسواق لا تنهض إلا بجيوبكم، أن الطرق لا تُعبَّد إلا بأكتافكم. لن تكونوا سوى دروعٍ بشرية في مسرحيةٍ قذرة، أبطالها حفنة من الكذّابين والمهرّجين السياسيين.
ختامًا: أين الكهرباء؟ أين الماء؟ أين الأمن؟ أين النقود وأين رُخص الأسعار والسلع نفسها؟! أوقفوا هذه المهزلة. عودتكم اليوم، بلا ضمانات أمن، ولا تعويضات، ولا وجود حقيقي للدولة، هي انتحار جماعي. افضحوا الكذبة، واحذروا الدعاية، فالوطن لا يُبنى بالخداع، والمواطن لا يُعاد بالإكراه. ولعنة الله على الكاذبين.
الوسومالجيش السودان العودة الطوعية الكهرباء الكيزان الماء حسن عبد الرضي الشيخ ولاية الخرطوم