بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد
تاريخ النشر: 10th, July 2025 GMT
البلاد (دمشق)
شهدت العاصمة السورية دمشق، أمس (الأربعاء)، اجتماعًا وُصف بالحاسم، جمع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم باراك، في تطور لافت في مسار العلاقة المعقّدة بين الحكومة المركزية في دمشق والإدارة الذاتية الكردية، وسط رعاية أمريكية غير معلنة رسميًا.
مصادر مطلعة أفادت بأن مظلوم عبدي وصل إلى دمشق على متن مروحية أمريكية أقلته من قاعدة “الوزير” الواقعة في ريف الحسكة، برفقة مروحيتين تابعتين للتحالف الدولي، ما يعكس حجم الاهتمام الأمريكي بمسار هذا الاجتماع ومستوى التنسيق العسكري والأمني العالي بين” قسد” وواشنطن. رافق عبدي وفد رفيع المستوى من قوات سوريا الديمقراطية، وسط حالة من التكتم على تفاصيل جدول الأعمال.
الاجتماع الذي جمع طرفي النزاع الداخلي منذ سنوات طويلة، عُقد في أجواء وُصفت بالإيجابية، وفق مصادر كردية، وتم خلاله استعراض عدد من الملفات الشائكة، وفي مقدمتها مستقبل اتفاق العاشر من مارس الماضي، الذي سبق أن وُقّع بين عبدي والرئيس الشرع، ونصّ في أبرز بنوده على دمج الهياكل الإدارية والمدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة، ووقف إطلاق النار على كامل الأراضي السورية، وضمان عودة المهجرين، ورفض خطاب الكراهية والتقسيم، إضافة إلى تشكيل لجان تنفيذية مشتركة لتطبيق الاتفاق قبل نهاية العام الجاري.
المباحثات تناولت أيضًا ملف التعاون الأمني في مواجهة تنظيم “داعش”، الذي عاود نشاطه في بعض مناطق البادية السورية، وسط تحذيرات أمريكية من احتمال تدهور الوضع الأمني، خصوصًا مع تصاعد العمليات، التي تستهدف القوات الكردية والنقاط التابعة للجيش السوري على حد سواء. وكشفت مصادر مقربة من المباحثات أن المبعوث الأمريكي أبدى قلقًا متزايدًا إزاء هشاشة الوضع الأمني في الشمال والشرق السوري، ورغبته في الحفاظ على مستوى متقدم من التنسيق بين التحالف الدولي و”قسد” في المرحلة المقبلة.
الدعم الأمريكي لـ”قسد” لا يقتصر على الدعم السياسي، فقد سبق أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية قبل يومين عن تخصيص 130 مليون دولار من موازنة عام 2026 لصالح القوات الكردية وفصائل أخرى متحالفة معها، بهدف دعم جهود مكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق سابقًا. هذا الدعم المالي يعكس التزام واشنطن المستمر بدور”قسد” كحليف رئيسي في حربها ضد “داعش”، لكنه في الوقت نفسه يحمل رسائل غير مباشرة إلى أطراف إقليمية تعتبر النفوذ الكردي تهديدًا إستراتيجيًا.
الاجتماع الثلاثي في دمشق لا يبدو معزولًا عن السياق الإقليمي والدولي المتوتر، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الدولة السورية في ملفات إعادة الإعمار، واللاجئين، وترتيب المشهد العسكري في الشمال الشرقي، الذي ظل لسنوات خارج السيطرة المركزية. وتمهد المباحثات لمرحلة جديدة من التفاهمات بين دمشق والإدارة الذاتية، قد تؤسس لاحقًا لصيغة حكم محلي لا تمس وحدة البلاد، لكنها تعترف بتعددها المجتمعي والسياسي.
النتائج النهائية للاجتماع لم تُكشف حتى الآن، لكن أجواء التفاؤل التي رشحت عنه تعكس رغبة الأطراف في كسر الجمود الطويل، وبناء أرضية مشتركة قد تُفضي إلى استقرار نسبي بعد أكثر من عقد من النزاع، خاصة مع وجود طرف دولي راعٍ يملك أدوات ضغط وتحفيز، مثل الولايات المتحدة.
ويبقى أن الأيام المقبلة، وما سيليها من اجتماعات استكمالية، ستحدد ما إذا كانت هذه الخطوة تمثل مجرد انفتاح تكتيكي مؤقت، أم بداية لتحول إستراتيجي يعيد صياغة العلاقة بين الحكومة المركزية والمكوّن الكردي، ضمن إطار وطني جامع، تتعدد فيه الأدوار دون أن تنقسم السيادة.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
تباين حول اجتماع محتمل بين المبعوث الأمريكي وحماس في إسطنبول
تضاربت المعلومات حول اجتماع مرتقب بين المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، والقيادي البارز في حركة حماس، خليل الحية، في مدينة إسطنبول.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الاجتماع كان من المقرر عقده الأربعاء، وأن وفدا من كبار قادة حماس سينضم إليه، إلا أن مصادر أخرى أشارت إلى أن اللقاء ألغي في اللحظات الأخيرة.
وكان من المتوقع أن يناقش الاجتماع الجهود الرامية للحفاظ على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بما في ذلك المرحلة الانتقالية بين الأطراف، في ظل خلافات إسرائيلية حول شروط الانتقال إلى المرحلة الثانية، والتي تشمل إعادة جميع الأسرى، ونزع سلاح القطاع، وإنهاء حكم حماس.
ويعد هذا الاجتماع الثاني بين ويتكوف والحية، بعد لقاء سابق في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بالقاهرة، قبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، بحضور جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب ومستشاره.
وفي ذلك اللقاء، ناقش الطرفان الترتيبات لوقف إطلاق النار، بينما أبدى الاحتلال الإسرائيلي قلقه من أن الانخراط المباشر مع حماس قد يمنح الحركة شرعية لا تستحقها، ويعقد المرحلة الانتقالية من المفاوضات.
وفي مقابلة سابقة على برنامج 60 دقيقة، أفاد ويتكوف بأنه قدم تعازيه للحية في وفاة ابنه في أيلول/سبتمبر الماضي٬ إثر غارات إسرائيلية على مجمع كان يضم قيادات بارزة في حماس بقطر، ما يبرز العلاقة الشخصية والتواصل المباشر بين الطرفين.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن لقاء المرتقب يظهر حرص إدارة ترامب على الحفاظ على قناة اتصال مباشرة مع الحركة رغم الانتقادات الإسرائيلية والأمريكية التي ترى أن التواصل يمنح حماس شرعية غير مبررة.
كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر دبلوماسية عربية أن الاجتماع كان مخصصا لمتابعة التنسيق حول ما بعد المرحلة (أ) في قطاع غزة، خاصة فيما يتعلق بملف مقاتلي حماس في رفح، والدور الأممي في تنفيذ خطة ترامب على المستوى الدولي.
وفي السياق نفسه، عبرت تل أبيب عن قلقها من "التفاهم" الذي نشأ بين ويتكوف والحية خلال اللقاء السابق في شرم الشيخ، معتبرة أن أي خطوة نحو إعادة تأهيل قطاع غزة قبل نزع سلاح الحركة ستزيد من تعقيد العملية السياسية والأمنية في المنطقة.
يذكر أن إدارة ترامب تسعى من خلال هذا التواصل إلى تسريع الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بينما يواجه المبعوث الأمريكي انتقادات من مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين بشأن منح الحركـة ما يعتبرونه شرعية غير مستحقة، وهو ما يعكس تعقيدات الملف الفلسطيني والحساسية المصاحبة لأي اتصالات مع حماس.