اتبع محفوظ عبدالعزيز الباشا مع ابنه الأصغر سياسات التدليل، ثم الشدة، وأخيراً المصاحبة، غير أنه لم يكن أبداً «سى السيد» فى بيته، ولم يحمل من طباع بطل «الثلاثية» سوى حبه الفن.. هذا ما اجتهد «نجيب» فى أكثر من لقاء وحوار وتصريح لنفيه عن أبيه، ومن ذلك ما جاء على لسان الأديب العالمى، فى كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»، للناقد والكاتب الصحفى رجاء النقاش، من أن أباه «محفوظ» كان يتحلى بقدر كبير من التسامح والمرونة والديمقراطية، ولم يكن مستبداً أو عنيفاً: «لا علاقة لشخصية الوالد بأحمد عبدالجواد بطل «الثلاثية»، بل إن شخصية «سى السيد» تنطبق أكثر على جار لنا شامى الأصل، اسمه «عم بشير» استقر هو وزوجته فى مصر، وكان بيته مواجهاً لمنزلنا فى بيت القاضى، وعم بشير رغم طيبته كان جباراً أيضاً، يعامل زوجته بقسوة لدرجة أنها كانت تأتى إلى والدتى باستمرار تبثها الشكوى من سوء معاملة الزوج، أما والدى فربما أخذ من شخصية السيد أحمد عبدالجواد حبه للفن فقط.

. لكنه على المستوى الشخصى كان رجلاً مستقيماً، صحيح أننى لا أعرف شيئاً عن فترة شبابه، لكن من الواضح أنه ملتزم، ولم يتزوج غير والدتى، ولم تكن له علاقات نسائية».

كان «نجيب» رضيعاً عندما كان «محفوظ» موظفاً فى الحكومة فلم يعرف شيئاً عن أبيه فى مرحلة شبابه، وما إن شب الطفل وبدأ يفهم ويعى حتى أُحيل أبوه إلى المعاش: «كان يرتدى نوعين من الأزياء، فى الشتاء يرتدى البدلة وفوقها البالطو، وفى الصيف يرتدى الجبة والقفطان، أما الطربوش فعامل مشترك يرتديه شتاءً وصيفاً، وكان ذلك أمراً غريباً، فالذى يرتدى الملابس الأفرنجية لا يرتدى الأزهرية والعكس، كما كان والدى شديد الالتزام والتنظيم، يعود إلى البيت كل يوم بعد انتهاء العمل ليمضى وقته بين الصلاة وقراءة القرآن، والجلوس فى صمت، وكانت له قدرة غريبة على الجلوس فى صمت تام لساعات طويلة، وبعد أن يتناول طعام العشاء ينام».

لم يكن الأب «محفوظ» من هواة القراءة: «الكتاب الوحيد الذى قرأه بعد القرآن هو حديث عيسى بن هشام، وذلك لأن مؤلفه محمد المويلحى، كان صديقاً له ويسكن فى نفس المنطقة، وعندما أُحيل إلى المعاش عمل فى مصنع للنحاس، وكانت إجازته الأسبوعية يوم الأحد، فيقضى مساء السبت فى الكلوب الحسينى أيام كُنا نعيش فى الجمالية، وفى قهوة الجندى عندما انتقلنا إلى العباسية، وفى أغلب سهراته كان يصحبنى معه ويشترى لى جيلاتى فيما يجلس مع أصدقائه، ويقضون وقتهم فى الضحك والنكات ثم نعود معاً مستقلين الترام». لا يذكر «نجيب» لأبيه أنه ضربه سوى مرة واحدة، فيما عدا ذلك كان يعامله بحنان ولطف: «كان عساكر الإنجليز يحتلون میدان بیت القاضى، حيث نسكن وكانت تعليمات أبى ألا نفتح النوافذ المطلة على الميدان مطلقاً، لأن الإنجليز يعتبرون النوافذ المفتوحة بمثابة تهديد لهم، فقد يكون هناك من يحاول إطلاق الرصاص عليهم منها، وذات يوم انتهزت فرصة انشغال أمى فى المطبخ وفتحت النافذة، وجلست أشاهد عساكر الإنجليز وأقلد حركاتهم وأصواتهم عند تغيير الطابور العسكرى، وفجأة وجدت أبى فوق رأسى وهو ينظر إلىَّ بغضب شديد، ثم أحضر عصاه وهوى بها علىّ، وجاءت أمى تساعده! وطرحانى أرضاً، وأمسكت أمى بساقى ورفعتهما إلى أعلى، ليتمكن أبى من ضربى على باطن قدمی، وتركانى وأنا أعرج». تغير حال «نجيب» منذ المرحلة الابتدائية، من «شقاوة» الطفولة والانزعاج من «الكُتَّاب» إلى حب الدراسة والتفوق فيها، ما كان مصدراً لسعادة الأب: «بدأ يدللنى ويزيد من مصروفى ومن الهدايا التى يقدمها لى، حتى ظن أصحابى أننى من أسرة ثرية، وظلت علاقتى بوالدى حتى الثانوية طيبة للغاية، ولم أسمع منه أى عبارة لحثِّى على الدراسة أو أى إنذار أو عقاب حال إهمالى لدروسى، إذ كان يلاحظ اهتمامى بالتعليم وحرصى على التحصيل». مع وصول «نجيب» إلى شهادة البكالوريا، كانت صدمة الأب فى ابنه: «كان أمل والدى أن ألتحق بكلية الحقوق أو الطب، لأكون إما وكيل نيابة أو طبيباً، فهما أحسن وظيفتين فى مصر فى رأيه، وأصيب بصدمة عندما أخبرته بأننى أنوى الالتحاق بقسم الفلسفة بكلية الآداب، وقال لى: يا بنى التحق بالحقوق تصبح مثل ابن عمك وكيلاً للنيابة، يمشى وراك عسكرى».

تحلَّى بقدر كبير من التسامح والمرونة والديمقراطية

بعد مناقشات طويلة، نزل الأب الديمقراطى على رأى ابنه، ولم يكن مثل «سى السيد» يحسم أى مشكلة بكلمة واحدة وتنتهى فوراً: «كثرة عدد الأبناء -4 بنات و3 أولاد- علمت أبى المرونة، نجحت فى البكالوريا عام 1930، وحصلت على مجموع 60% وجاء ترتيبى العشرين على المدرسة، وكان فى إمكانى الالتحاق بكلية الحقـوق مجاناً، لكنى فضلت الآداب قسم الفلسفة، وحصلت من والدى على مكافأة النجاح فى البكالوريا 10 جنيهات، لأقضى إجازة الصيف فى الإسكندرية، وهو ما أصاب عمى بالذهول لضخامة المكافأة فعاتب والدى بشدة».

الأب فى المجتمع الشرقى ركن الأسرة.. وعندما يرزقك الله بأب ملتزم فهذه نعمة كبيرة 

يشهد «نجيب» لأبيه بأن علاقته مع أمه كانت مثالاً للاحترام والحب، لم يتشاجرا يوماً، بل إن أمه كانت عصبية إلى حد ما -حسب قوله- وأحياناً يعلو صوتها، لكنها تحترم زوجها، فتقف وهو خارج من البيت أو داخل إليه، وتسـاعده فى ارتداء ملابسـه، وتعتنى بطعامه وشرابه ومظهره: «كان حزنها عليه عندما مات شيئاً لا يتصوره عقل، لقد حزنت أنا على أبى وتلقيت نبأ وفاته بصدمة شديدة، فالأب فى المجتمع الشرقى هو الركن الأساسى للأسرة، وعندما يرزقك الله بأب ملتزم لا يشرب الخـمر ولا يلعب القُمار فهذه نعمة كبيرة، مات والدى ولم يطلع على أولى رواياتى (عبث الأقدار)، لكنه كان قد قرأ لى بعض قصصى الأولى المنشورة فى الصحف، وكان يشعر بسعـادة غـامرة عندما يقرأ اسمى عليها، ومع ذلك لم تكن اهتماماتى الأدبية تعنيه كثيراً».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: نجيب محفوظ أديب نوبل لم یکن

إقرأ أيضاً:

كريمة أبو العينين تكتب: وحش الكون

لم تكن مجرد جملة غازل فيها أحد الفنانين محبوبته فى واحدة من المسلسلات الحصرية ولكن عبارة " وحش الكون " أصبحت تليق ويستحقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.

 بالفعل أصبح وحشا فى هذا العالم لكونه رئيس القطب الأوحد فى الكرة الأرضية، فمنذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض والعالم كله أصبح بين أصابع يديه يحركه كيفما شاء ووقتما يشاء ؛ صار هو الآمر الناهى فبتصريح منه ودعم متناهى واصلت دولة الاحتلال الاسرائيلى استباحة الحدود والسيادات بل وقل والكرامات والاخلاقيات والانسانيات جمعاء ، فهاهى تبيد أبناء غزة جهارا نهارا وبدم بارد ولامن معاقب ولا حتى شاجب أو مدين. 

بل ان الادارة الامريكية لم تتوقف عن ارسال الاسلحة الفتاكة لقتل المزيد والمزيد من النساء والأطفال فى غزة ، الغطاء الامريكى للصهيونية الحالية دعم قتل الفلسطينيين الباحثين عن لقمة تسد جوعهم ورمقهم.

وفى بث مباشر صدرت الأوامر للجنود الإسرائيليين القائمين على توزيع المساعدات الانسانية والغذائية لأهل غزة بقتلهم بدون أى ذنب أو جريرة، وليس هذا فقط بل ان المساعدات وضع فيها مواد مخدرة وأخرى للهلوسة وكل مامن شأنه الذهاب بعافية أهل غزة جمعاء .

 شبح الكون يبارك ما تقوم به حكومة الاحتلال بقيادة رئيسها نتنياهو الذى لا يدخر وسعا ولا مجهودا فى الاستفادة العظمى من فترة حكم شبح الكون  ويعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط على حد زعمه ، فعلى مدى شهور هذه السنة تحديدا ونتنياهو يعيث فى منطقتنا فسادا وتجبرا  ولم يتوقف عن قتل رموز المقاومة الفلسطينية بل وتوسع فى مخططه واغتال رموز المقاومة عامة فى لبنان وسوريا وايران . 

شبح الكون بارك عزم اسرائيل مهاجمة ايران واعطاها ضوءا أخضر وغض طرفه عن كل من تحدث عن ان الاجراء الاسرائيلى ضد ايران يمثل انتهاكا صارخا وصريحا لسيادة دولة على اراضيها ، بل وكعادة شبح الكون تحدث عن حق اسرائيل فى الدفاع عن نفسها وحماية حدودها الذى تهدده ايران ببرنامجها النووي  غير المرحب به.

وعندما أكدت طهران التصدى لاسرائيل بل وقصفها فى عقر دارها وتدمير أجزاء واسعة من تل أبيب حينها نفض وحش الكون عن جسده بقايا الإنسانية وواصل الدعم الأعمى لدولة الاحتلال واعطى اوامره لطياريه بتدمير المفاعل النووى على حد ماصرح به ترامب حينذاك.

وحش الكون لم يتحمل أنين ودموع اولاد عمه بنو صهيون المفزوعين مما خلفته طهران فى مساكنهم وأراضيهم المغتصبة من الفلسطينيين ولذا فقد تدخل الوحش الكونى واعطى اوامره بوقف الحرب الاسرائيلية الايرانية بعد ١٢ يوم فقط فى حين ترك تل أبيب تواصل إبادة أهل غزة على مدى ما يقرب من عامين.

 وحش الكون ليس فقط بيده الزر النووى وسلطة اشعال الحروب وايقافها ، بل هو ايضا يتحكم فى الاعلام والاقتصاد وكل كليلة مع الاعتذار لاهلنا اهل الصعيد . 

وحش الكون أصبح يشبه فرعون واقترب من القول" بأنا ربكم الأعلى "؛ وذلك من خلال ما يتحدث به فى وسائل الاعلام ويغرد فى وسائل التواصل الاجتماعي. الغريب ان وحش الكون والذى شارف على الثمانينات يفعل كل المعاصى وهو غير خائف من رب الكون.

ويدهشني انه فى هذه السن ولايتوقف عن الظلم وقتل الأبرياء وتهديد الأمن والسلم والفساد فى الارض ؛ وكلما رأيت وحش الكون أو سمعت لتصريحاته أو قرأت تغريداته أتخيله او كان من اهل منطقتنا وهو فى هذا السن والكل يقول له ياحاج وهو يعد العدة للقاء ربه وملاقاته ، واسمع الناس وهم يقولون عنه بأنه رجل كبير ياجماعه وهو يرد ويقول منتظرين المعاد وطالبين حسن الختام . 

فى سن شبح الكون فى منطقتنا يكون كل همه أن يترك سيرة طيبة تتذكره وتترحم عليه فى آخرته بعدما يترك دنياه ، فى سن شبح الكون رجال منطقتنا وان شئت الدقة شيوخها يمشون بصعوبة هذا ان استطاعوا المشى من الاساس بدون مساعدة طبية او بشرية ، فى منطقتنا شبح الكون كان سيطلب من الناس الدعاء له بحسن الختام وكان سيوصى كل من يعرفه بأن يطل عليه ولايتركه يموت وحيدًا وسيزيد فى التوصية بالدعاء عليه وبتذكره بعدما يصبح الجسد ترابا والسيرة هى العالقة الباقية.

وحش الكون صناعة أمريكية مثلها مثل صناعة الكاوبوى أى انها صناعات لجذب الانتباه وحصد الأموال ، شبح الكون مرحلة من مراحل العلو الذى يعقبه سقوط ينهى امبراطورية القطب الأوحد ولعله أصبح قريبا كقرب نهاية العقد الذى تنتهى به دولة الاحتلال التى كتب عليها الا تتم عقدها الثامن أبدًا.

طباعة شارك وحش الكون الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دونالد ترامب

مقالات مشابهة

  • تعلن محكمة ذي السفال الأبتدائية م.إب أن على المدعى عليهما/ عبدالخالق قائظ و محمد نجيب الحضور إلى المحكمة
  • ترامب يعرب عن أمله في قبول حماس بالهدنة في غزة.. ويحذر: الوضع سيزداد سوءًا
  • دافيد أنشيلوتي: فينيسيوس ساعدنا كثيرًا.. وكان دائمًا في قلب الملعب رغم الانتقادات
  • عاجل.. حبس متهم 4 أيام لنشر شائعة عن ضبط وكيل نيابة وضباط شرطة بمواد مخدرة
  • ترامب يفتح النار على ماسك: شركاته تعيش على الإعانات وكان سيغادر أمريكا والأخير يرد
  • شكوى ضد ريهام سعيد بتهمة الترويج للدجل والخرافات.. ومحامٍ يطالب بوقف برنامجها
  • تعلن محكمة ذي السفال الأبتدائية م/إب بأن على المدعى عليهما /عبدالخالق قائد و محمد نجيب الحضور إلى المحكمة
  • نجيب ساويرس عن حادث الإقليمي: يجب محاكمة سائق التريلا
  • صورة صادمة من تعز
  • كريمة أبو العينين تكتب: وحش الكون