طهران- وسط تصاعد التهديدات بين طهران والترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) بشأن تفعيل "آلية الزناد" التي تتيح إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، تستعد الأطراف لجولة مباحثات مرتقبة في مدينة إسطنبول التركية يوم الجمعة المقبل، في محاولة أخيرة لكبح الانهيار الكامل للاتفاق النووي الموقّع عام 2015.

ويأتي هذا الاجتماع بينما تتبادل الأطراف الاتهامات بالمسؤولية عن تعثر الاتفاق. إذ ترى طهران أن الأوروبيين لم يفوا بتعهداتهم منذ انسحاب واشنطن منه عام 2018، بينما تتهمها الترويكا بانتهاك التزاماتها النووية وتخصيب اليورانيوم بنسبة تقارب العتبة العسكرية.

وقال كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية اليوم الثلاثاء، إن تفعيل آلية الزناد "إجراء غير قانوني بالكامل"، مضيفا أن الدول الأوروبية "لا تملك أي مبرر قانوني للقيام بذلك"، لأنها -برأيه- "أوقفت تنفيذ الاتفاق النووي منذ 7 سنوات، وتوقفت عن التزاماتها بعد انسحاب أميركا منه".

وشدد غريب آبادي على أنه "لا يحق للدول الأوروبية محاسبة إيران فيما لا تلتزم هي بالاتفاق"، مؤكدا أن بلاده ستطرح في مباحثات إسطنبول موقفها القانوني الرافض للآلية المثيرة للجدل.

المتهم يهدد

من جانبه، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، الاثنين، إن "الأطراف الأوروبية مخطئة ومقصّرة"، وإنها تقف اليوم "في موقع المتهم" لإخفاقها بتنفيذ الاتفاق النووي.

وأشار بقائي في مؤتمره الصحفي الأسبوعي إلى أن الأسوأ -برأي طهران- أن الأوروبيين "لم يدينوا العدوان العسكري للكيان الصهيوني على إيران ومنشآتها النووية، بل سعت بعض العواصم لتبريره".

وعلى الجانب المقابل، تهدد الدول الأوروبية الثلاث بإعادة تفعيل "آلية الزناد" المنصوص عليها في اتفاق 2015، والتي تمكّن أي طرف من الأطراف الموقعة من إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، حال لم تلتزم ببنود الاتفاق، لا سيما تلك المتعلقة بمستوى تخصيب اليورانيوم والرقابة الدولية.

إعلان

وقال المتحدث باسم الخارجية الألمانية مارتن غيزه، إنّ "إعادة فرض العقوبات تظل خيارا مطروحا إذا لم يتم التوصل إلى حل دبلوماسي بحلول نهاية أغسطس/آب".

وأكدت باريس وبرلين ولندن تمسكها بالاتفاق النووي من حيث المبدأ، لكنها أشارت إلى أن التزامها مرهون بمسؤولية إيران، في وقت لم تعد فيه العقوبات الأممية مستبعدة، رغم محاولات الأوروبيين إبقاء قنوات الحوار مفتوحة.

وفي السياق، بحث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، الترتيبات الخاصة بجولة إسطنبول، كما أعلنت الخارجية الصينية دعمها "استئناف المفاوضات" في إطار يأخذ المخاوف المشروعة لجميع الأطراف بعين الاعتبار.

الأوروبيون دعوا إيران في وقت سابق لخفض التوتر والتصعيد (الفرنسية) دور أميركا

ومن المقرر أن تُجرى مباحثات إسطنبول بشكل مباشر بين طهران والدول الأوروبية الثلاث، في ظل غياب أميركا التي كانت جزءا أساسيا من الاتفاق قبل انسحابها في 2018، ودون وساطة رسمية معلنة.

ويقول الباحث الإيراني المتخصص بالملف النووي رحمن قهرمان بور، إن "أولوية إيران الرئيسية بهذه المفاوضات مع الأوروبيين في إسطنبول هي إقناع الدول الثلاث بعدم تفعيل آلية الزناد، والتأكيد أن تفعيلها لا يخدم مصلحة أي طرف".

وأضاف للجزيرة نت، أن طهران لوّحت سابقا بخيارات تصعيدية حال أُعيد تفعيل الآلية، بينها "تقليص التعاون أكثر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو حتى الخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية "إن بي تي".

وأوضح قهرمان بور أن "إيران طرحت أيضا مرافعة قانونية مفادها أن الأوروبيين لم يدينوا الهجوم الإسرائيلي على منشآتها النووية السلمية، مما يعني -بحسب طهران- أنهم خرقوا الاتفاق، وبالتالي لا يحق لهم قانونيا تفعيل الآلية".

وأضاف أن أوروبا تحاول استغلال هذه الجولة "ليس فقط للضغط على إيران بسبب تعاونها مع روسيا في حرب أوكرانيا، بل أيضا لتقريب مواقفها النووية من إدارة ترامب السابقة وإظهار انسجام أكبر مع واشنطن".

ورأى قهرمان بور أن "الهوَّة بين الطرفين لا تزال واسعة، ولذلك لا يمكن المراهنة على نتائج ملموسة لهذه الجولة، ما لم يكن هناك استعداد أوروبي لاتخاذ قرارات سياسية صعبة". لكنه أشار إلى أن "الاتفاق النهائي سيبقى مرهونا بتفاهم إيراني أميركي، حتى لو نجحت هذه الجولة مرحليا".

رمزية المكان

وأثار اختيار مدينة إسطنبول التركية مكانا لانعقاد الجولة الحالية تساؤلات بشأن رسائل طهران من هذا التغيير، لا سيما أن جولات التفاوض السابقة كانت غالبا تُعقد في عواصم أوروبية.

وحول هذا، قال المحلل السياسي الإيراني رضا غبيشاوي للجزيرة نت، إن "اختيار إسطنبول ليس مجرد اختيار لوجستي، بل يعكس استياء إيران من الأوروبيين، خاصة بسبب تهديداتهم بتفعيل آلية الزناد، واصطفافهم مع واشنطن، وعدم إدانتهم للهجمات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية".

وأضاف أن إيران لم تعقد هذه المرة مفاوضاتها بأي من العواصم الأوروبية، وهو ما يخالف نمطا مستمرا منذ أكثر من عقدين، وقد يكون ذلك مؤشرا على رغبة طهران بتوجيه رسالة سياسية واضحة.

إعلان

ولفت غبيشاوي إلى أن أولى جولات التفاوض بين إيران والترويكا الأوروبية خارج إيران جرت في تركيا قبل أكثر من 20 عاما، حين أجرى علي لاريجاني وخافيير سولانا مفاوضات عدة أفضت إلى نتائج إيجابية، قبل أن تتعثر لاحقا بعد تعيين سعيد جليلي.

واعتبر أن عودة التفاوض بتركيا "ربما تعكس أيضا رغبة إيرانية في مكافأة أنقرة على مواقفها الداعمة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير"، مشيرا إلى أن تركيا "لا تلعب دورا مباشرا في هذه المفاوضات، لكن اختيارها يحمل رمزية واضحة".

وأكد أن هذه الجولة "ستُجرى مباشرة بين إيران والدول الأوروبية، ولا علاقة لها بواشنطن، لأن الموضوع الأساسي هو تفعيل آلية الزناد من قبل الأوروبيين"، الذين "ربطوا عدم تفعيل الآلية بالتوصل لاتفاق جدي مع طهران قبل نهاية الصيف".

"محطة تكتيكية"

وإزاء هذا المشهد المعقّد، تبدو نتائج جولة إسطنبول مرهونة بما إذا كانت الأطراف ستنجح بكبح التصعيد المتبادل، وتجميد تفعيل آلية الزناد، ولو مؤقتا، ريثما تتضح مواقف أميركا من الملف النووي الإيراني في ضوء المتغيرات الإقليمية ومرحلة ما بعد حرب 13 يونيو/حزيران الماضي في إيران.

ويخشى مراقبون من أن تتحول هذه الجولة إلى محطة تكتيكية أخرى بلا نتائج حاسمة، ما لم تُترجم التفاهمات إلى التزامات سياسية واضحة من الجانبين.

موقع فوردو النووي في إيران حيث تأخذ طهران على أوروبا عدم إدانتها مهاجمة إسرائيل لمنشآتها النووية (الفرنسية)

ومع غياب واشنطن عن هذه الجولة، تبقى قدرة الأوروبيين على اتخاذ قرارات إستراتيجية دون تنسيق أميركي موضع تساؤل، خصوصا في ظل الضغوط الإسرائيلية المتزايدة والديناميكيات الدولية المعقدة.

وفي حين ترى طهران أن الكرة باتت في الملعب الأوروبي، تحذر أطراف إقليمية ودولية من أن تفعيل آلية الزناد سيكون بمثابة دفن رسمي لما تبقى من الاتفاق النووي، ويفتح الباب أمام تصعيد جديد أوسع، قد يتجاوز الملف النووي ليشمل عموم الجغرافيا الإقليمية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الاتفاق النووی هذه الجولة على إیران إلى أن

إقرأ أيضاً:

اكتشاف طبي جديد: دواء قادر على إصلاح الحمض النووي وتجديد الأنسجة التالفة

يبرز الباحثون أهمية هذا الاكتشاف، لا سيما في علاج أمراض القلب، إذ يُظهر الدواء قدرة على تقليل الضرر الذي يلحق بالأنسجة بعد النوبة القلبية وتحسين فرص التعافي على المدى الطويل.

أعلن علماء في مستشفى سيدارز-سايناي عن تطوير دواء قادر على إصلاح الحمض النووي وتجديد الأنسجة التالفة.

ويعتمد الاكتشاف على دراسة خلايا السلف القلبية، وهي خلايا تشبه الخلايا الجذعية لكنها أكثر قدرة على توجيه التجديد للأنسجة المتضررة في القلب. وتمتلك هذه الخلايا آلية متميزة، إذ ترسل أكياسًا صغيرة تُعرف باسم الإكسوسومات، تحمل جزيئات من الحمض النووي، والحمض النووي الريبي، والبروتينات، تعمل كرسائل بين الخلايا لتوجيه عمليات الإصلاح والتجديد.

وقال أحمد إبراهيم، أستاذ مشارك في قسم أمراض القلب بمعهد Smidt للقلب: "الإكسوسومات تشبه الظرف الذي يحتوي على معلومات مهمة.. أردنا تفكيك هذه الرسائل المشفرة لمعرفة أي الجزيئات ذات تأثير علاجي."

وبفحص محتويات هذه الأكياس، اكتشف الباحثون جزيء RNA يلعب دورًا في تعزيز عملية إصلاح وتجديد الأنسجة.

وأكدت التجارب على الحيوانات قدرة الجزيء على تعزيز الشفاء، قبل أن يتم تصنيع نسخة صناعية منه أُطلق عليها اسم TY1، ليصبح أول دواء اصطناعي من نوعه يُعرف بفئة جديدة أطلق عليها اسم الإكسومرات، ويعمل بطريقة مشابهة للطبيعي من خلال تعزيز نشاط جين Trex1 المسؤول عن إصلاح الحمض النووي وتحفيز خلايا المناعة على إزالة التلف الخلوي، ما يسمح للأنسجة بالتجدد.

Related نقلة نوعية في تشخيص سرطان المثانة: تحليل الحمض النووي في البول بديل للتنظيرعلماء يحلمون بالقضاء على الملاريا بتعديل الحمض النووي للبعوض الناقل للمرض.. هل ينجح المشروع؟رحيل جيمس واتسون الحائز على جائزة نوبل وأحد مكتشفي بنية الحمض النووي

وأكد إدواردو ماربان، المدير التنفيذي لمعهد Smidt للقلب في سيدارز-سايناي : "من خلال دراسة آليات العلاج بالخلايا الجذعية، اكتشفنا طريقة لعلاج الجسم دون الحاجة لاستخدام الخلايا الجذعية نفسها".

ويُبرز الباحثون أهمية الاكتشاف بشكل خاص في علاج أمراض القلب، حيث يقلل الدواء من الضرر الذي يصيب الأنسجة بعد النوبة القلبية ويحسن فرص التعافي الطويلة الأمد.

غير أن المفاجأة تكمن في أن TY1 لا يقتصر تأثيره على القلب فقط، بل يمتد إلى الأمراض المناعية الذاتية التي يهاجم فيها الجسم أنسجته السليمة.

وقال إبراهيم: "من خلال تعزيز إصلاح الحمض النووي، يمكننا علاج تلف الأنسجة الذي يحدث أثناء النوبة القلبية.. نحن متحمسون بشكل خاص لأن TY1 يعمل أيضًا في حالات أخرى، بما في ذلك الأمراض المناعية الذاتية."

ويستعد الفريق الآن لبدء التجارب السريرية على البشر.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • شركة تركية للتنفيذ.. لجنة عراقية سورية تتابع خطوات تفعيل خط كركوك – بانياس النفطي
  • "إدارة النفايات".. جهود إعادة التنظيم لتعزيز اللامركزية محفوفة بالعقبات
  • واشنطن تعترض شحنة عسكرية صينية لتسليح صواريخ إيران
  • محددات العلاقة بين إيران والمقاومة: قراءة في خطاب ظريف حول الهوية الوطنية للفصائل
  • الذكاء الاصطناعي النووي يُحدث نقلة في إدارة قطاع الطاقة
  • اكتشاف طبي جديد: دواء قادر على إصلاح الحمض النووي وتجديد الأنسجة التالفة
  • تفعيل خدمة براءة الذمة المالية إلكترونيًا في البلديات
  • بزشكيان: عازمون على تنفيذ الاتفاقية الشاملة بين إيران وروسيا
  • إيران تطلق 3 أقمار اصطناعية جديدة من قاعدة روسية وسط توتر مع الغرب
  • عراقجي يعتزم زيارة بيروت بعد امتناع وزير خارجية لبنان عن زيارة طهران