محادثات إيران مع الترويكا الأوروبية.. مناورة دبلوماسية أم محاولة جادة لتفادي المواجهة؟
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
تشهد الساحة الدولية توترات متصاعدة على خلفية الملف النووي الإيراني، وسط عودة طهران إلى طاولة المحادثات مع الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) في إسطنبول، وهذا اللقاء أثار تساؤلات ملحّة حول أهداف إيران الحقيقية، فهل دخلت طهران هذه المحادثات بنية صادقة للتفاوض، أم أنها تسعى مجددا لكسب الوقت وتفادي الضغوط الدولية ربما تعيد ترتيب أوراقها الاستراتيجية؟ وبين تهديدات بإعادة تفعيل العقوبات، وتلميحات إلى احتمالات التصعيد، تبدو المشهدية أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
و دخلت إيران مرحلة جديدة من المراقبة السياسية المكثفة بعد المحادثات الأخيرة مع الترويكا الأوروبية، وبينما يحاول الأوروبيون استكشاف فرص جديدة لإحياء الاتفاق النووي، تدور الشكوك حول ما إذا كانت طهران تتعامل مع هذه المحادثات كفرصة حقيقية للحل، أم كمحطة مؤقتة في سياق استراتيجية أوسع تهدف إلى كسب المزيد من الوقت.
وتنظر طهران من جانبها إلى الأوروبيين كواجهة لمطالب أمريكية وإسرائيلية، وترى أن هذه المحادثات ليست سوى امتداد لمفاوضات غير مباشرة مع واشنطن، تفتقر إلى استقلالية القرار الأوروبي.
بحسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز، أبدت الدول الأوروبية استعدادا لمنح إيران "تمديدا محدودا" للمهلة الزمنية قبل تفعيل "آلية الزناد"، والتي من شأنها إعادة العقوبات الدولية، وذلك بشرط أن توافق طهران على معايير معينة تتعلق بتخصيب اليورانيوم وشفافية المنشآت النووية.
ومع أن نائب وزير الخارجية الإيراني، كاظم غريب أبادي، أكد أن بلاده أوضحت مواقفها المبدئية، إلا أنه لم يقدّم أي تنازلات ملموسة، مما يثير الشكوك حول جدية التزام إيران ببنود التعاون المطلوبة.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية: دعوات للشفافية وتفاؤل حذر
من جانبه، دعا مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إيران إلى التحلي بـ"الشفافية الكاملة"، معبرا في الوقت نفسه عن تفاؤله بإمكانية عودة المفتشين الدوليين إلى المواقع النووية الإيرانية في وقت لاحق من هذا العام، مشددا على ضرورة استعادة العلاقات الطبيعية مع طهران وفقاً لأحكام معاهدة حظر
وجهة النظر الإيرانية: تفاوض دون تراجع
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والمحلل السياسي الإيراني مصدق بور إن إيران لا تعتبر ما جرى في إسطنبول "مفاوضات حقيقية"، بل مجرد محاولة لجسّ النبض واستكشاف المواقف الغربية، واعتبر أن الشروط الأوروبية المطروحة في جوهرها "نسخة مكررة" من المطالب الأمريكية والإسرائيلية، وأن طهران تتعامل مع الأوروبيين كغطاء سياسي للمطالب الغربية.
وأكد بور- خلال تصريحات له، أن إيران لم تبادر بهذه المحادثات، بل جاءت استجابة لطلب مباشر من دول الترويكا الأوروبية، بعد تنسيقها مع وزير الخارجية الأمريكي، ما يثبت من وجهة نظره– أن الأوروبيين يسعون لإحياء الاتفاق النووي من بوابة سياسية بديلة عن التصعيد العسكري الأخير.
اتفاق نووي جديد.. أم تمديد تكتيكي؟
وتابع بور: "فإن طهران لا ترغب في العودة إلى اتفاق 2015 بصيغته القديمة، خوفاً من استمرار تهديد "آلية الزناد" في كل مرة تقرر فيها الأطراف الغربية التصعيد ووفق رؤيته، فإن إيران تسعى إلى "اتفاق جديد كلياً" يستند إلى أسس سياسية وأمنية محدثة، يضمن لها الاعتراف بحقوقها السيادية ويوسّع هامشها في تخصيب اليورانيوم والتعاون النووي، في المقابل، ترى إسرائيل أن هذه المحادثات ليست سوى "ذريعة مؤقتة"، تستخدمها طهران لتخفيف الضغوط واستعادة أنفاسها قبل جولة تصعيد جديدة، بينما تحاول واشنطن اختبار مدى تأثر البرنامج النووي الإيراني بالضربات الأخيرة".
وسط هذه الأجواء المشحونة، تحاول طهران تحقيق توازن حساس بين الحفاظ على خطوطها الحمراء في التخصيب النووي، والرد على أي تهديد أمني محتمل، من جهة، وبين إظهار حسن النية أمام المجتمع الدولي، من جهة أخرى، لتجنب تحميلها مسؤولية أي تصعيد.
ويؤكد بور أن إيران لا تثق بالولايات المتحدة منذ أكثر من عقدين، مشيرا إلى أن بلاده تعرّضت لضربات عسكرية حتى في أوج فترات التفاوض، وهو ما يعمق فجوة الثقة بشكل يصعب تجاوزه.
ويضيف: "إيران لن تفرّط في أوراقها التفاوضية، ولن تكشف كل منشآتها دون مقابل حقيقي. الغموض النووي أحد أدواتها الأساسية في معادلة القوة".
السيناريوهات المحتملة للفترة القادمة
والجدير بالذكر، أن هل ستفضي محادثات إسطنبول إلى إعادة إحياء المسار الدبلوماسي؟ أم أنها مجرد استراحة تكتيكية قبل اندلاع جولة جديدة من المواجهة؟
وإذا اندلعت مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، فإن "كل التوازنات ستتغير"، خاصة إذا تمكنت طهران من توجيه "ضربات نوعية" ترفع من رصيدها الإقليمي والدولي، سواء سياسيا أو عسكريا،.
فإيران، بحسب النهج الذي تتبناه حالياً، ترى أن الثقة لا تبنى بالدبلوماسية المجردة، بل بالقوة، وأن أي اتفاق لا يرتكز إلى أوراق ضغط واقعية، ليس سوى وهم سياسي سرعان ما ينهار عند أول صاروخ يطلق في سماء التصعيد.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إيران الضغوط الدولية الترويكا الأوروبية الاتفاق النووي العقوبات الدولية تخصيب اليورانيوم
إقرأ أيضاً:
إيران: محادثات النووي ناقشت أفكارا "محددة" مع الأوروبيين
قال نائب وزير الخارجية الإيراني، مساء الجمعة، إن وفد بلاده أجرى "نقاشا جادا وصريحا ومفصلا" وحول أفكار محددة، مع ممثلي دول الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) في إسطنبول، في إطار جولة مشاورات جديدة حول مستقبل الاتفاق النووي الإيراني.
وأوضح المسؤول الإيراني أن الجانبين جاءا إلى الاجتماع "بأفكار محددة"، تم خلالها مناقشة مختلف الجوانب المرتبطة بها.
وأضاف: "أوضحنا مواقفنا المبدئية بما في ذلك اعتراضنا على ما يسمى بآلية إعادة فرض العقوبات السريعة"، في إشارة إلى الآلية المنصوص عليها ضمن بنود خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.
وأكد نائب الوزير الإيراني أن الطرفين اتفقا على "استمرار المشاورات في هذا الشأن"، دون إعطاء تفاصيل إضافية بشأن أي تقدم ملموس تم إحرازه.
ضغوط أوروبية وتحذير من العقوبات
وجاءت المحادثات في وقت تسعى فيه الترويكا الأوروبية إلى الضغط على طهران لإعادة الانخراط في مفاوضات نووية "جدية"، مع اقتراب موعد انتهاء الاتفاق النووي رسميا في أكتوبر المقبل، رغم تعطل تنفيذه فعليا منذ انسحاب واشنطن منه عام 2018.
وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين عقب الاجتماعات، إن "الوقت ينفد"، محذرا من أن استمرار الجمود قد يدفع الدول الأوروبية إلى تفعيل آلية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
وتشمل المطالب الأوروبية تجديد وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت الإيرانية، وتقديم توضيحات بشأن نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب الذي لا يُعرف مصيره منذ الهجوم الأميركي الأخير على البنية التحتية النووية الإيرانية.
السياق الإقليمي
ويعد هذا اللقاء أول اجتماع رسمي بين إيران والترويكا الأوروبية منذ وقف إطلاق النار الذي أنهى المواجهة العسكرية الأخيرة بين إيران وإسرائيل، والتي أدت إلى تصاعد المخاوف من اتساع رقعة النزاع في الشرق الأوسط.
وتجدر الإشارة إلى أن طهران أجرت أيضا محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة على مدار الشهرين الماضيين، مع استمرار إصرارها على أن برنامجها النووي مخصص لأغراض سلمية بحتة، وسط مساعيها للحصول على تخفيف ملموس للعقوبات الدولية التي أضرت بشدة باقتصادها.
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد صرّح في وقت سابق: "يجب على العالم أن يعلم أننا سنواصل الدفاع بقوة وثبات عن حقوق الشعب الإيراني في الطاقة النووية السلمية، وخاصة في مجال التخصيب".